مقالاتمقالات المنتدى

قِصَّة مُعَانَاةِ اَلمَرْأَةِ فِي زَمَنِ مُوسَى- عَلَيْهِ اَلسَّلامُ (1)

قِصَّة مُعَانَاةِ اَلمَرْأَةِ فِي زَمَنِ مُوسَى- عَلَيْهِ اَلسَّلامُ

(1)

بقلم د. عادل حسن يوسف الحمد( خاص بالمنتدى)

الحمْد لِلَّه ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على أَشرَف الأنْبياء والمرْسلين نَبِينَا مُحمَّد وَعلَى آله وَصحبِه أجْمعين، وبعْد،
خَلق اَللَّه المرْأة لِتكون سكنًا لِلرَّجل، فكانتْ أُمُّنا حَوَّاء سكنًا لِأبينَا آدمَ- عليْه السَّلام- وليتحقَّق هذَا السَّكَنُ، جعل اَللَّه فِي قَلب الرَّجل والمرْأة المَودة والرَّحْمة مِن أَوَّل النَّظْرة الشَّرْعيَّة، وَالتِي هِي آية مِن آيات اللَّه العظيمة تَحْتاج إِلى تَأمُّل وتفكُّرٍ. قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21]

قال الثعالبي رحمه الله: (الرَّجل لا يسكن إلى شيء كسكونه إلى زوجته الموافقة المواتية له، لأنَّ الله عزَّ اسمُه يقول: (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ ‌مَوَدَّةً ‌وَرَحْمَةً) ولم يخصص بهذه الصِّفة غير النِّساء، ولذلك يهجر الرَّجل والديه وأولاده ومن دونهم بسبب زوجته، ولذلك لا يهتم أحدٌ لأحدٍ كاهتمام المرأة الصَّالحة لزوجها فِي شفقتها عليه وعلى عياله، ولا يكاد يتم أمر منزل الرَّجل ومروءته إلا بِحُرَّة شفيقة رفيعة صالحة عفيفة، وإلا اختلت أموره واضطربت أسبابه). (اللطائف والظرائف 164)

فهذه المرأة بمجرد أن يُعقد عليها تُقبل على هذا الرَّجل الغريب بكلِّيتها وبكامل سعادتها، وتشعر من أوَّل يومٍ بقوَّة ارتباطٍ عاطفِي نحوه، ولو قيل للرَّجل اصنع هذا الارتباط فِي ليلةٍ واحدةٍ لما استطاع.
ثم هذه الرَّحمة التي يشعر بها الرَّجل فِي قلبه تجاه هذه المرأة؛ لو قيل له: كيف وُجدت فِي قلبك من أوَّل ليلة؟ لما استطاع أن يجيب.
فتَكونَت اَلأُسرة وَتَكونَت المجْتمعات وَعَاش النَّاس على هَذِه العلاقة مُنْذ خَلق اللَّه أَبَانا آدم وأُمَّنا حوَّاءَ، وَسَتبقَى إِلى أن يَرِثَ اللَّه الأرْض ومن عليْهَا.

وَلكِن عَبْر التَّاريخ البشَريِّ مَرَّت أَزمِنة ظُلمَت فِيهَا المرْأة وانْتُقص مِن قدْرهَا وعانتْ مُعانَاة شَدِيدَة بِسَبب بُعْد النَّاس عن دِين اَللَّه اَلذِي أَنزَله على رُسله، فاخْتَرع النَّاسُ لِأنْفسهم عاداتٍ وتقاليدَ مَبنِية على الهوى والجَهْل والخرافة، بل عَبدُوا غَيْر اللَّه عزَّ وَجلَّ، وشرعوا لِأنْفسهم التَّشْريعات اَلتِي مَا أَنزَل اللَّه بِهَا مِن سُلطانٍ.

وَطَبيعَةُ أيِّ تَشرِيع يَضعُه البشرُ لِأنْفسهم أَنَّه يُرَاعِي مَصْلَحة مَن وَضعه مِن أَصحَاب اَلقُوة والنُّفوذ فِي المجْتمع، وَهذَا سيؤدِّي حتْمًا إِلى ظُلم اَلضعِيف فِي المجْتمع.
فلَا يُوجَد فِي الأرْض تَشرِيعٌ اخترعه النَّاس مِن عِنْد أَنفُسهم يُعْطِي اَلجمِيعَ حَقَّهُ، ويحقِّق مصالحَهمْ، لِأنَّ مَن يضع التَّشْريعاتِ يُرَاعِي نَفسَه وَنفُوذَه ومصالحَه وَمَن مَعهُ، ولَا يُرَاعِي النَّاس.
والملاحظ أنَّ أَكثَر مَن ظُلم فِي التَّشْريعات البشريَّة عَبْر التَّاريخ قَبْل الإسْلام، وَفِي زَمانِنا هذَا بَعْد إِعْراضنَا عن شَرْع اللهِ، والتزامنَا بِالقوانين الوضْعيَّة والمواثيق الدَّوْليَّة- أَقُول أَكثَر مَن ظُلم هِي المرْأةُ.

فالمرْأة عِنْد اليونان تُعتَبَرُ رِجْسًا، وكانتْ مُسْتعْبدة لا حقَّ لَهَا فِي شيْء، تُبَاعُ وتُشْترى، فَلمَّا تَمرَّدَت على هذَا الواقع أَصبَحت مُبتذلَة فِي كُلِّ وادٍ ونادٍ، تَختَلِط بِالرِّجال فيأْخذون مِنهَا أعزَّ مَا تَملِك ثُمَّ يتْركونهَا تعيش آلامَهَا وحْدهَا!

وَأَمَّا عِنْد اَلرُّومَانِ فَهِيَ مِلكٌ لِأَبِيهَا وَلَيْسَ لَهَا حَقُّ اَلتَّصَرُّفِ فِيمَا تَمْلِكُ، فَلَمَّا تَمَرَّدَتْ عَلَى وَضْعِهَا، أَعْطَوْهَا حَقَّ اَلمِلكِيَّةِ فِي بَيْعِ نَفْسِهَا لَمِنْ تُرِيدُ بَعْد وَفَاةِ أَبِيهَا، وَإِذَا تَزَوَّجَتْ أَصْبَحَ اَلحَقُّ كُلُّهُ لِزَوْجِهَا، وَلَيْسَ لَهَا حَقٌّ فِي شَيْءٍ!

وَأمَّا اَلهُنود فلم يروْا لِلمرْأة حقًّا فِي الحيَاة بَعْد وَفَاة زوْجهَا، فَتُحرَق معه بَعْد مَماتِه وَهِي حَيَّة. وَهِي أَسوَأ مَخلُوق عِنْدهم على وَجْه اَلأرْضِ!

واليهود لمَّا حَرَّفُوا التَّوْراة شَرعُوا لِأنْفسهم احتِقار المرْأة، وَمَنعهَا مِن الميراث، ويعْتبرونهَا لَعنَة لِأنَّهَا أَغوَت أبانَا آدم وأخْرجتْه مِن الجنَّة!
أَمَّا إِذَا حَاضَت فيعْتبرونهَا نجسة، وتَنجَّس كُلُّ شَيْء تَمسُّه بِيدهَا، فيعْتزلونهَا تمامًا؛ فلَا يجْتمعون مَعهَا فِي أَكْلٍ أو شُرْبٍ أو فِرَاشٍ واحد!

والنَّصارى مِثْلُ اليهود، لمَّا حَرفُوا دِينهم أهانوا المرْأة واعْتبروهَا باب الشَّيْطان لِلفتْنة والإغْواء، وناقشوا فِي أحد مُؤْتمراتهم مَوضُوع المرْأة، وهل هِي إِنسَان أَم غَيْر إِنْسان؟!
والعرب فِي الجاهلية دفنوها وهي حية مخافة العار، ومن عاش من النساء ولم توأد فليس لها حقٌّ فِي زواج ولا ميراث، ولا حرية، ونصيبها التشاؤم من ولادتها.

أما ما يسمى بالحضارة الغربية المعاصرة والتي جاءت بعد الثورة الفرنسية فلم يتغير وضع المرأة فيها إلى التكريم، بل وصل الحال بهم اليوم إلى استعمال المرأة فِي كل ملذَّاتهم، وأوهموها بأن التعري ومعاشرة من تشاء من الرجال حرية يجب أن تسعى لها وتطالب بها! ثم جعلوا ذلك فِي قوانين من صياغة البشر، وألزموا بها الدول ضمن اتفاقيات ومعاهدات وقوانين دولية، حاربوا بها شريعة الإسلام التي أنصفت المرأة وأعطتها حقوقها التي سلبها النَّاس منها بابتعادهم عن اتباع الرسل.

لقد عانت المرأة فِي الغرب زمن الإقطاعيين، وعانت زمن الثورة الصناعية، وعانت زمن ما يُسمَّى بالحرية، وكانت فِي كل هذه الأزمنة تُساوَم على شرفها وعِفَّتها، وتُستخدم فِي تحقيق مآرب أهل المال والقوة، ثم تُرمى فِي الحضيض لتعيش آلامها وحدها!

وليست الثورة الشيوعية البلشفية بأحسن حالًا فِي التعامل مع المرأة، بل كذبوا عليها فأصبحت مشاعًا للجميع، يتمتع بها من شاء، وليس لها حقٌّ فِي شيء.
وحرية المرأة وحقوقها التي ينادي بها الغرب اليوم لا تظهر فِي مواطن الحروب، فهذه المرأة السورية تعاني فِي المخيمات، والمرأة السودانية يُعتدى عليها وهي فِي بيتها، وقبلها الصومالية فِي حرب (إعادة الأمل) والتي أبادت الأمل، ومثلها كل امرأة مسلمة فِي بقاع الأرض تطحنها الحرب!

ومن تابع ما فعله الأمريكان فِي نساء العراق يموت بحسرته على واقع الأُمَّة المرير.

فهل هناك معاناة أكبر من معاناة المرأة عبر الزمن؟! فقد ظُلمت على أيدي أرباب المال والقوة من الكفَّار والملحدين والمنحرفين عن اتباع الرسل.
وقد شاركهم فِي ظلمهم للمرأة من ينتسب إلى دين الإسلام بصدها عن شريعة الله، والدفع بها إلى الفساد والمجون لتعيش فِي تعاسة بعدها، عندما ينتهي من الفجور بها أهل الفجور.
والعامل المشترك بين كل من ظلم المرأة عبر التاريخ هو البعد عن شريعة الله واختراع قوانين بشرية تهين المرأة، وهي تزعم أنها لصالح المرأة. ومن تأمل فِي هذه القوانين يدرك ذلك جيدًا.

فما معاناة المرأة فِي زمن موسى عليه السلام؟
في هذه السلسلة الرمضانية سنتحدث إن شاء الله عن معاناة المرأة في زمن موسى عليه السلام.

��معاناة المرأة في زمن موسى_1�

إقرأ أيضا:الجامية تحت المجهر.. كيف تأسست ولماذا يراها كبار العلماء منحرفة وضالة؟ | الحلقة 1

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى