مقالاتمقالات مختارة

قواعد السلامة والصحة الجسمية في التشريع الإسلامي

قواعد السلامة والصحة الجسمية في التشريع الإسلامي

بقلم حرز الله محمد لخضر

مع اجتياح وباء كورونا العالمَ من المناسب التذكير بأهم القواعد الصحية التي جاءت بها الشريعة الإسلامية كنظام فعال لتنمية القوة الجسمية في بُعديْها الوقائي والعلاجي، والتأسيسِ لثقافة صحية تشمل كل تفاصيل الحياة، فحفظ النفس هو من أعظم مقاصد الإسلام وقد تقرر حفظها من جانبين متكاملين:
أ- من جانب الوجود: بتشريع كل ما يعزز بقاء الجنس البشري وسلامته ونمائه، كالزواج والمداواة والكفالة..الخ.
ب- من جانب العدم: بتحريم كل ما يهدد سلامة الجنس البشري ويعطل أدواره الحضارية؛ كالقتل والإعتداء وتناول المطاعم والمشارب الضارة..الخ. ومن القواعد المقررة في الإسلام لتحقيق الصحة الجسمية نذكر:

أولا: الإعفاء من بعض الفرائض أو التخفيف منها

كإسقاط الصوم عن المسافر والمريض، والصلاة قاعدا للعاجز عن القيام، وذلك رعاية لحال المكلف وتخفيفا عليه وتجنبا لإرهاق صحته، قال تعالى:“فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” (سورة البقرة-185).

ثانيا: الترخيص بتناول بعض المحرمات لمن خشي الهلاك

كشرب الخمر أو أكل الميتة ولحم الخنزير عند الاضطرار لقوله تعالى: “إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”(البقرة-173). ورغم أن هذه الأطعمة مضرة بصحة الإنسان إلا أنها أبيحت للضرورة عند تعارض مفسدتين؛ أعظمهما هي هلاك الإنسان وأخفهما هي الضرر اللاحق بالجسم جراء تناولها، وفي هذه الحالة: تُدرأ أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما.

ثالثا: تطبيق مبدأ الوقاية في تفاصيل الأحكام

وذلك باتخاذ الأسباب المناسبة لاجتناب المضار والمخاطر الصحية وتقوية المناعة الجسمية، ومن أمثلة ذلك:
أ‌- أحكام الطهارة: قَالَ رَسُولُ اللهِﷺ: “الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ”. أخرجه أحمد، ويدخل في ذلك: الغسل والوضوء لحديثهﷺ: “أسبغ الوضوء (أتمّه) وخلّل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما”، والتبرؤ من النجاسات وغسل اليدين قبل وبعد الطعام لقولهﷺ: “مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ رِيحُ غَمَرٍ، فَأَصَابَهُ شَيْءٌ، فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ. “رِيحُ غَمَرٍ: أي ريح لحم، أو دسمه، أو وسخه. تنظيف الفم والأسنان بالسواك أو المعجون، وتنظيف الملابس وتعهد سنن الفطرة، لقولهﷺ: “عشرٌ من الفِطرةِ: قصُّ الشَّاربِ، وإعفاءُ اللِّحيةِ، والسِّواكُ، واستنشاقُ الماءِ، وقصُّ الأظافر، وغسلُ البراجمِ (الأوساخ المتجمعة بين الظفر واللحم) ونتفُ الإبطِ، وحلْقُ العانةِ، وانتقاصُ الماءِ. قال زكريَّاءُ: قال مصعبٌ: ونسيتُ العاشرةَ، إلَّا أن تكونَ المضمضةَ. زاد قُتيبةُ: قال وكيعٌ: انتقاصُ الماءِ: يعني الاستنجاءَ.”

ب‌- تشريع الصيام: يقول د.غريب جمعة: “الصيام يؤدِّي إلى انخفاض ضغْط الدم المرتَفع؛ ولذلك فإنَّ نسبةَ المرْضى الذين يتردَّدون على عيادة الضغْط تنخفِض في شهر رمضان”. وقد توصَّل د.روي والفورد-عالِم أمريكي وأستاذ عِلم الأمراض- إلى أنَّ الصيام يُطيل العُمر -بإذن الله تعالى- لأنَّه يعمل على تَحْسِين الصحَّة، ويُساعد على تخلُّص الجِسْم من فضلاته الضارَّة.

ت‌- تحريم العلاقات غير الشرعية: كالنهى عن الاقتراب من الزنى، وتحريم التبني وزواج المحارم لأنهما يفضيان إلى اختلاط الأنساب وفساد النسل البشري…الخ.

ث‌- بيان آداب العطاس والتثاؤب: “كان رسول الله ﷺ إذا عطس غطّى وجهه بيده أو ثوبه وغضّ بها صوته “غضّ بها صوته: اجتهد في كتمها حتى لا يتناثر عطاسه، وكانوا يتعاطسون عنده بلا تغطية وجوههم فقال لهم: “إذا عطس أحدكم فليضع كفيه على وجهه بثوبه” وقال أيضا: “إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه”. ولا شك أن كل هذه الآداب تمثل السلوكات الصحية التي ينصح بها المختصون حديثا.

ج‌- تحريم المآكل والمشارب الضارة: كتحريم الميتة ومنها المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، ولحم الخنزير وشرب الخمر…الخ.

ح‌- تحريم الإسراف في المطعم أو المشرب: قال تعالى: “يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ” (الأعراف-31) وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: “أحل الله الأكلَ، والشربَ، ما لم يكن سَرَفًا أو مخيلة”، قال أبو الليث السمرقندي في معنى الإسراف: “هو أن يأكل مما يحل له أكله فوق القصد، ومقدارِ الحاجة”. قال النبيﷺ: “ما ملأ آدمي وعاءً شرا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه”. رواه الترمذي.

رابعا: الحجر الصحي الإستشفائي والوقائي زمن الطاعون

فالحجر الإستشفائي: بالنسبة للمريض الخاضع للعلاج، وفي هذا يقول النَّبِيُّﷺ:”لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ”. أخرجه البُخاري ومسلم. أما الحجر الوقائي: فهو للمعافى المطالبُ بالوقاية عملا بقولهﷺ:”إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَدْخُلُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ وَأَنْتُمْ بِأَرْضٍ، فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ.”أخرجه البُخَارِي ومسلم. وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِﷺ يَقُولُ: “فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَدِ”. أخرجه ابن أبي شَيْبَة، وقد قال أبو عبيدة لعمر رضي الله عنهما لما أراد الفرار من الطاعون بالشام: أتفر من القضاء؟ قال:أفر من قضاء الله إلى قدر الله.

خامسا: تطبيق أسس الرعاية الصحية الثلاث وهي:

أ- الوقاية: وذلك بأخذ الاحتياطات اللازمة قبل وقوع المرض واتخاذ الأسباب الواقية منه، قال تعالى: “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا” (البقرة/195).
ب- العلاج: كما أمر بالعلاج عند تحقق المرض، قالﷺ: “يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً إلا السام”. رواه الترمذي.
ت- التأهيل: أي الإلتزام بالعادات والممارسات الصحية السليمة في النوم والأكل والمشي وتجنب السيء منها.

سادسا: ممارسة الرياضات النافعة

وهي الرياضات التي تنمي الجسم وتقوي مناعته وتحقق الحصانة والقدرة البدنية المعينة على مدوامة الأعمال والطاعات لقولهﷺ: “المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خيرٌ”. رواه مسلم. فقد أثبت الخيرية لكليهما، والأفضلية لأقواهما لأنه الأقدر على الاستزادة من الطاعات وتحمل مشاقها. وأُثِرَ عن عمر رضي الله عنه قوله: “علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل”.

وختاما نورد بعض الوصايا والتوجيهات العامةً للعناية بالصحة، والوقاية من الأمراض.
1- قال أبقراط: “الإقلال من المضار خيرٌ من الإكثار من المنافع”. وقال أيضًا: “استديموا الصحة بترْك التكاسل عن التعب، وبترك الامتلاء من الطعام والشراب”.
2- قال بعض الحكماء: “مَن أراد الصحة، فيُجوّد الغذاء، وليأكل على نقاء، وليشرب على ظمأ، وليتمدد بعد الغداء، ويتمشى بعد العشاء، ولا ينم حتى يعرض نفسه على الخلاء”.
3- قال الحارث بن كلدة طبيب العرب المشهور: “من سرَّه البقاء ولا بقاء، فليباكر الغداء، وليعجل العشاء”.
4- وقال أيضًا في مرض موته: “لا تأكلوا من الفاكهة إلا في أوان نضجها، ولا يُعَالجنَّ أحدكم ما احتمل بدنُه الداء، وعليكم بتنظيف المعدة في كل شهر؛ فإنها مذيبةٌ للبلغم، مهلكة للمُرة، منبتة للحم، وإذا تغدّى أحدكم فلينم على إثر غدائه ساعةً، وإذا تعشَّى فليمشِ أربعين خطوة”.

5- وقال أحد الأطباء يوصِي أحدَ الملوك: “لا تأكلْ من اللحم إلا فَتِيَّا -جديدا-، ولا تشرب الدواء إلا من علة، ولا تأكل الفاكهة إلا في نضجها، وأَجِدْ مَضْغَ الطعام، وإذا أكلتَ نهارًا فلا بأسَ أن تنام، وإذا أكلت ليلاً، فلا تنم حتى تمشي ولو خمسين خطوة، ولا تأكلنْ حتى تجوع، ولا تأكلنْ طعامًا وفي معدتك طعامٌ، وإياك أن تأكل ما تعجز أسنانك عن مضغه، فتعجز معدتك عن هضمه”.
6- قيل لجالينوس: مالَكَ لا تمرض؟ فقال: لأني لم أجمع بين طعامين رديئين، ولم أدخل طعامًا على طعامٍ، ولم أحبس في المعدة طعامًا تأذيتُ منه”.
7- قال أبو سليمان الداراني: “من شبع دخل عليه ستُّ آفات، فذكر منها: ثقل العبادة، وزيادة الشهوات”.
8- قال الإمام الغزالي -رحمه الله-: “مما يستفيده الإنسانُ من قِلَّةِ الأكل: صحةُ البدن، ودفعُ الأمراض، فإن سببها كثرة الأكل، وحصول فضلة الأخلاط في المعدة والعروق، ثم المرض الذي يمنع العبادات، ويشوش القلب، ويمنع الذكر والفكر، وينغص العيش، ويحوج إلى الدواء والطبيب، وكل ذلك يحتاج إلى مُؤَنٍ ونفقات، لا يخلو الإنسان منها بعد التعب”. (من مقال “قواعد العناية بالصحة في نظام الطعام في الاسلام” د.بدر محمد حسن الصميط. موقع الألوكة).

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى