إعداد إياد جبر
جاء توقيع أتفاق قناة البحرين بين الجانب الصهيوني والسلطة الفلسطينية استكمالا لمذكرة تفاهم سبق توقيعها بين الجانبين، وقد لحقها أتفاق ثنائي آخر بين العاصمة الأردنية وتل أبيب عام 2015، غير أن اتفاق الحكومة الصهيونية مع الجانب الأردني حول قناة البحرين لم يترتب عليه أي إجراء عملي إلا بعد دخول السلطة الفلسطينية كطرف ثالث، وهو ما اعتبرته قيادة الأخيرة إنجاز سياسي من شأنه أن يحفظ حق المشاطرة للفلسطينيين في البحر الميت، فوفقاً لوزير المياه الفلسطيني “ماهر غنيم” أن السلطة بصفتها طرفاً إقليمياً، ضمن المشروع الذي أطلق عليه أسم “قناة البحرين” ستحفظ حقوق الشعب الفلسطيني في البحر الميت!
رغم تأكيد قيادة السلطة على أن مشروع قناة البحرين اقتصادي بحت، يهدف لإقامة مشاريع سياحية وتحلية مياه الشرب، وتركيزها على الفائدة التي ستعود على الجانب الفلسطيني بحصوله على32 مليون متر مكعب من المياه المحلاة سنوياً بتكلفة تقدر بنحو 30 مليون دولار أمريكي، إلا أن بنود الاتفاق من شأنها أن تحمل الكثير من التداعيات الخطيرة على مستقبل الحقوق الفلسطينية.
وفقاً لصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية أن المشروع يقوم على ضخ حوالي 200 مليون متر مكعب في السنة من خلال أنبوب يبلغ طوله 180 كم ، نحو 80 مليون متر مكعب من المياه تتم تحليتها في منشأة تقام في العقبة، تحصل حكومة الاحتلال منها على ما بين 30 و50 مليون متر مكعب لصالح مدينة ايلات والعربة، ويحصل الجانب الأردني على 30 مليون متر مكعب لاحتياجاتهم في الجنوب، و50 مليون متر مكعب صالح من بحيرة طبريا، وتُباع المياه لهم بسعر المياه المكررة، ويتضمن المشروع تنفيذ عدة مشروعات عند مدخل ومخرج الأنبوب على خليج العقبة والبحر الميت من أجل إنشاء بحيرتين سياحيتين.
من جانبها طلبت قيادة السلطة الفلسطينية الحصول في اطار المشروع على موطئ في شمال البحر الميت، في منطقة “عين فشخة” وهو ما تم رفضه من الجانب الصهيوني، لذلك ستكتفي السلطة الفلسطينية بالحصول على 32 مليون متر مكعب من مياه بحيرة طبريا، مياه محلاة أو مكررة بسعر الانتاج.
من جانبها اعتادت القيادة السياسية الصهيونية على ترديد عبارات إنقاذ مياه البحر الميت الذي تنخفض مياهه بمعدل 100 سم تقريباً في كل عام بسبب التبخر، وتجاهلت عن قصد الحديث السبب الحقيقي لتناقص مياه البحر الميت، لأنها تعلم أن فقدان هذه الكميات الكبيرة من المياه يعود إلى تحويل الاحتلال لمياه روافد نهر الأردن التي تُستخدم في المستوطنات والمشاريع الصهيونية المختلفة، كما أن الصناعات الكيميائية لدولة الاحتلال أدت إلى تبخر حوالي 262 مليون م3، حسب خبراء البيئة. لذلك فإنها نجحت خلال عقود مضت في فرض رؤيتها لتمرير المشروع مستغله البيئة الإقليمية والدولية وحاجة الجانبين الفلسطيني والأردني للمياه.
مع انخفاض منسوب البحر الميت وارتفاع نسبة الملوحة إلى مستويات قياسية بسبب جفاف مصادر المياه العذبة التي كانت تصب فيه قبل تحويل حكومة الاحتلال لـ 29% من مياه نهر الأردن لاستخداماتها في أغراض الزراعية، تسعى سلطات الاحتلال إلى إنقاذ البحر الميت من الجفاف من عبر رفع منسوب مياه البحر الميت إلى نفس المستوى التي كانت عليه في بداية القرن العشرين، وذلك في غضون 20 عاماً من بدء تشغيل قناة البحرين.
ولا شك في أن نجاح الاحتلال في تمرير المشروع سيحقق أهدافه الساعية إلى دخول مجال صناعة تحلية مياه البحر المالحة، واستغلال فارق الارتفاع بين البحر الأحمر والبحر المتوسط؛ لتوليد الكهرباء وزيادة قدرته على إنتاج الكهرباء بحوالي 25% من القدرة الحالية، مع الحرص على توفير كمية من المياه المحلاة تساوي 57% من استهلاك الكيان من المياه.
هذا فضلاً عن المكاسب الصهيونية المتعلقة بتأمين المياه لمستوطنات النقب التي تشهد طرد للسكان العرب وجلب مزيداً من المستوطنين من خلال تطوير الزراعة ومناطق الاستجمام، كما تسعى إلى الاستفادة من المياه لتبريد المفاعل النووي في ديمونا، وتطوير الصناعات الكيمائية.
لحكومة الاحتلال دوافع وأهداف سياسية وعسكرية من هذا المشروع، لكنها تحاول التغطية على ذلك بالحديث عن التعاون الاقتصادي مع الجيران العرب، فالبحر الميت غني بمصادر ونوعيات معينة من الأملاح والمعادن النفيسة والنظائر النادرة “البوتاس والمغنيسيوم 3” والفوسفات الغني بشوائب اليورانيوم الطبيعي، وهي مواد يستخدمها الاحتلال في مصانعه العسكرية العاملة في مجال إنتاج الأسلحة الكيماوية والنووية.
كما سيحصل الكيان من خلال مشروع مياه البحرين على نوعية معينة من المياه اللازمة لتبريد المفاعلات النووية، وتُعرف بالمياه الثقيلة الموجودة في أعماق بعيدة في البحرين الأحمر والمتوسط، خاصةً وأنها تنوي إقامة عدد من المفاعلات النووية في صحراء النقب، كبديل عن مفاعل ديمونا الذي انتهى عمره الافتراضي.
يوفر المشروع كميات كبيرة من المياه العذبة اللازمة لإقامة مستوطنات جديدة تجذب ما بين مليون إلى مليوني مهاجر يهودي جديد، وإعادة توزيع الموجودين بالفعل لتقليل المخاطر المترتبة على أي هجوم قد يتعرض له الكيان مستقبلاً، لذلك فهي معنية بخلق عمق سكاني للتغلب على عمقها الهش.
وهذا ما يظهر جلياً في حرص حكومة الاحتلال على التخطيط لإقامة حزمة من المشروعات الزراعية والسياحية ذات الأهمية السياسية، وذلك بهدف دعم مشروعات التطبيع مع العربي، وربط الاقتصادين الأردني والفلسطيني بالاقتصاد الصهيوني.
في هذا الصدد تؤكد تقارير مختلفة أن مشروع قناة البحرين سيرتبط بحزمة من الأهداف والمشروعات الأخرى غير المعلنة، فربط الاقتصاد الصهيوني بالأردني والفلسطيني من شأنه أن يعزز من إمكانية أنشاء مشروع خط سكة حديد يمتد من الكيان إلى العراق والخليج العربي، وإنشاء منظومة للنقل الإقليمي يكون محورها الأساسي الكيان الصهيوني
رغم محاولة قيادة السلطة الفلسطينية الحديث عن إيجابيات المشروع ومكاسبه الاقتصادية، إلا أن مبررات السلطة الفلسطينية لا تمت للحقيقة بأي صله، لأن منتوج الضفة الغربية من المياه حوالي (290) مليون متر مكعب من المياه سنوياً، تستولي مستوطنات الاحتلال على نحو 800 مليون متر مكعب منها، كما أن معدل صرف المياه للمواطن الفلسطيني لا يتجاوز 50 متر مكعب سنوياً، بينما يصرف المستوطن نحو 2400 متر مكعب من المياه سنوياً، لذلك فإن الضفة الغربية ليست بحاجة إلى شراء المياه من الكيان الصهيوني الذي يستولي على 90% من مياهها. بالتالي فإن الأخيرة تسعى إلى استخدام هذا المشروع كغطاء للاستيلاء على الموارد الطبيعية الفلسطينية.
لذلك يأتي توقيع الاتفاق في هذا التوقيت، في سياق تحسين الأوضاع الاقتصادية لدى سكان الضفة الغربية، وفد بدأ الكيان عدة خطوات في هذا الاتجاه أبرزها، افتتاح محطة توليد كهرباء في جنين، حيث تسعى حكومة الاحتلال والادارة الأمريكية إلى تحسين الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية كبديل عن الحل السياسي الذي ترفضه حكومة الاحتلال وتصر على تمرير هذه المشاريع في سياق ما يُطرح من أفكار في الأروقة السياسية الصهيونية حول مسارات مختلفة “مسار اقتصادي معيشي” لسكان الضفة الغربية دون تقديم أي حلول سياسية.
في السياق عينه يأتي توقيع الاتفاق بين الجانب الصهيوني والسلطة الفلسطينية في ظروف إقليمية مثالية للكيان، وهو منسجم مع صفقة القرن التي تتبناها إدارة ترامب، حيث تتكشف ملامح الصفقة من حين لآخر، حيث يحاول الكيان استغلال تنازل الحكومة المصرية عن جزيرتي “تيران وصنافير” للمملكة العربية السعودية لتحويل المضائق إلى ممرات دولية، تمهيداً لاستغلال مياه البحر الأحمر في خدمة مشاريعه المختلفة.
قصاري القول، إن قبول السلطة الفلسطينية بهذا المشروع والتوقيع عليه في هذه الظروف، يؤكد مضيها قدماً في التوقيع على اتفاقيات أخرى مع الاحتلال، وذلك في سبيل الحفاظ على بقاء قيادتها التاريخية التي تُعاني من أزمات مختلفة، فهي معنية بعدم إغضاب الإدارة الأمريكية التي وصفت الاتفاق بالتاريخي.
يقود ذلك إلى أن المشروع يأتي في إطار محاولات الجانب الصهيوني والأمريكي إجبار الفلسطينيين بالموافقة على سلب ملكيتهم وتسوية حقوقهم، وذلك عبر سلب حقوقهم المائية بموافقتهم، مع ضمان الصبغة الشرعية على حرمانهم من ملكيتهم في نهر الأردن، وهو أمر لطالما ظلت سلطات الاحتلال تنتظره بفارغ الصبر.
ومع نجاح تلك المساعي الصهيونية بفعل الدعم السياسي الذي تُقدمه إدارة ترامب لها، تهدف حكومة الاحتلال إلى تمرير الصفقة التاريخية “صفقة القرن”، عبر إعادة ترتيب الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية من خلال المزيد من الاتفاقيات الجزئية بين الجانبين العربي والإسرائيلي، وهو ما يمكن أن يعزز من تبعية السلطة الفلسطينية للاحتلال، وكذلك تعزيز الروابط الاقتصادية بين الكيان والعالم العربي، بما يمهد لعملية تطبيع علني لعلاقاتها مع العالم العربي.
(المصدر: مجلة البيان)