قطر تنظم ملتقى “التجارة في الإسلام” بحضور كوكبة من دعاة وعلماء الأمة الاسلامية
حظيت قطر بتنظيم ملتقى (التجارة في الإسلام) الثاني، يوم الخميس الخامس عشر من رمضان 1436 للهجرة النبوية، الموافق 4/7/2015 م تحت رعاية وزارة الاقتصاد والتجارة بالتعاون مع مؤسسة الشيخ عيد بن محمد آل ثاني الخيرية، وذلك بمقر الوزارة.
وسجل هذا الملتقى في نسخته الثانية إقبالا كبيرا من الجمهور حيث كان ضيوف البرنامج نخبة من علماء الإسلام والمفكرين، يتقدمهم د. الشيخ سلمان العودة، ود. عائض القرني، ود. طارق السويدان، تناولوا خلاله نظرة الإسلام إلى التجارة وتجارب المسلمين التجار، والأسس التي حددها الإسلام لمفهوم التجارة.
افتتح د. عائض القرني هذا الملتقى العلمي بالحديث عن “أخلاق التجار وواجباتهم نحو المجتمع”، مستشهدا بوقفات مع جوانب مشرقة من تاريخ التجار المسلمين.
وقد أبرز بعض الشخصيات من الصحابة رضوان الله عليهم الذين كانوا مُثلا يحتذي بها أصحاب الأموال في الإسلام، وممن ذكر من هؤلاء: عرابة الأوسي، وقيس بن سعد بن عبادة الانصاري، وجعفر بن أبي طالب، وعثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين. وذكر أن ما قام به الصحابة الكرام من أعمال الخير والإنفاق في سبيل الله يعادل ما ينفقه الحكومات اليوم من كثرة أوقافهم وتنوعها في مجالات الخير.
وأشار القرني إلى أهمية اجتماع العلم مع المال، وقصد بالعلم الفقه والإيمان، حيث يرى أن اجتماعهما أولى من انفراد أحدهما دون الآخر لعموم نفعه، ودلل على ذلك بنموذج ابن المبارك، الذي كان التاريخ يصفة بالعالم، الزاهد، التاجر، فكان مثالا في الإنفاق في الخير، حتى أفرد الذهبي رسالة عنه: “قض نهارك مع ابن المبارك”.
في حين تناول د. الشيخ سلمان العودة “سيرة التجار المسلمين الذين غيروا مجرى التاريخ”، وبدأ حديثه بلفتة علمية تناسب هذا الموضوع من قوله تعالى: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف: 55] وكان الدكتور سلمان سمع هذه الآية تتلى مع دخوله قاعة الملتقى.
وأشار أن يوسف عليه السلام أنقذ الشعب المصري من المجاعة المحدقة بواسطة تدبير المال، وهذا نمط من تغيير مجرى التاريخ.
وناقش العودة حقيقة معنى تغيير مجرى التاريخ، وهو ما كان من باب التطور والإبهار والنهوض والإصلاح ودعوة الناس. ويدخل في هذا المعنى الإصلاح الديني والعقدي، والإصلاحات في جانب الطب والتعليم والابتكار والتنمية البشرية، ويرى عدم حصر هذا التغيير في الشخصيات العسكرية والمعارك التارخية.
ورجح العودة أن المال عصب الحياة وهو من أنماط التغيير، والمسلمون ضربوا أسهما في هذا المجال، ومثل لهذا، بأبي بكر الصديق، وأكثر بقية العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم، وخديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وكل هؤلاء تميزوا بالغناء وممارسة التجارة وغيروا مجرى التاريخ.
ومن هنا اختار العودة أن الإسلام يحث على التجارة وعلى كسب المال الحلال، ورد على بعض المؤلفين الذين يذكرون بابا في فضيلة الفقر، قائلا: “لم يرد في الفقر فضيلة أبدا، وإنما الفضيلة في الغني التقي الخفي، أما الفقر فهو سبب في الضعف، وسبب في الانشغال بالنفس”.
وبعيدا عن هذا النمط الذي أشار إليه الدكتور سلمان العودة بحالات فردية من التجار الذين غيرو مجرى التاريخ، يرى ضرورة الإشارة إلى حالات المؤسسات التي تتمثل في الأوقاف لأن حياة الناس اليوم مؤسساتية، فقد كانت الأوقاف في تاريخ الأمة تغطي كل احتياجات الفرد والمجتمع من حيث التعليم والتطور الاقتصادي والمهني، حتى شهد الغرب بهذا الأمر “أن الإسلام سبق إلى ابتكار مؤسسات المجتمع المدني من خلال أوقاف المسلمين التي خدمت الإنسانية في جميع المجالات”.
وأضاف أن حركة الأوقاف في عواصم المدن الإسلامية – والحمد لله- تنامت كثيرا التي تعمل على استقبال وتوظيف الأموال، ولعل أبرز هذه الأوقاف وقف الأمة لدعم القضية الفلسطينية ومنع تهجير الشعب الفلسطيني.
وأنهى العودة مشاركته بالإشارة إلى دور المؤسسات الخيرية ولزوم تفعيل أنشطتها، لأن الأرصدة الموجودة في البنوك الخليجية تصل إلى 4 تريليون دولار، وتقدر زكاة هذه الأرصدة بـ 100 مليار دولار، مشيراً إلى أن زكاة تلك الأموال لو أخرجت في مسارها الصحيح فإنه ستغير مجرى التاريخ.
أما د. طارق السويدان فإنه من خلال الملتقى ناقش موضوع “المسؤولية الاجتماعية بين النظام الإسلامي والنظم الأخرى”، وعرف “المسؤولية الاجتماعية” بأنها تخصيص جزء من أرباح الشركات للمجتمع، لأن هذا المجتمع هو سبب الربح هذه الشركة.
وهذه المسؤولية الاجتماعية تحكمها نظريتان أساسيتان، إحداهما ترى لزوم الشركات بهذه المسؤولية الاجتماعية، ويرى الأخرى بعدم ضرورة ذلك.
وقال إن هناك مسؤولية اجتماعية على الشركات ولكن بقواعد وشروط تضبطها، وأن المسؤولية الاجتماعية في الدول الغربية هي وسيلة من وسائل التسويق التي تعمل على تلميع صورتها أمام المجتمع، ولذلك الشركات الغربية لا تنظر إليها فقط كونها تبرعا وإنما هي جزء من استراتيجية التسويق لديها، بينما الأمر مختلف لدينا فنحن نعطي من باب الصدقة والوقف وتنمية المجتمع.
وأوضح السويدان أن أفضل أنواع العطاء ليس هو العطاء بالمال وإنما العطاء الأفضل هو ما كان من جنس عمل المنظمة أو الشركة، وذلك لأن تكلفته ستكون أقل مقارنة إذا تم العطاء بشيء آخر، فشركات الاستثمار يكون عطاؤها المالي. وأما شركة متخصصة في الكمبيوتر مثلا، فأفضل عطائها ليس المال، وإنما أن تقوم بمنحهم خدمات تقنية مجانية لجهات تعليمية أو خدمية، أو تتبرع لهم بأجهزة.
وأضاف أن أفضل أنواع العطاء هو ما كان في التنمية وليس في الإغاثة، فإن العطاء في التنمية أفضل من الإغاثة التي لا يجب أن تزيد الأموال المخصصة لها عن 10% من الأموال الخيرية، والإغاثة هي مسؤولية الدول في المقام الأكبر.
وتطرق إلى أن أفضل أنواع التنمية هو تعزيز مفهوم القدرة على التعلم، منوها بأن أهم أنواع العطاء ليس هو المال أو الإغاثة أو التنمية أو حتى القدرة على التعلم وإنما هو تنمية القادة.
وختم السويدان حديثه بأهمية الوقف، وهو من وسائل التنمية، كما أشار إلى وقف الوقت ويرى أنه يمكن لأي شخص أن يقوم بوقف عدة ساعات أسبوعيا يقدم ما لديه من خبرة في مجال تخصصه للمجتمع .
المصدر: اسلام أون لاين.