بقلم هاشم الرفاعي
قضية المرأة السعودية تظهر خلال السنوات الأخيرة على شكل معاناة في الحصول على الحقوق الأساسية التي تشمل حق الحياة والأمن والحماية من التعنيف والاضطهاد الجائر من قبل ذوي القربى، إلى السعي للحصول على لقمة العيش بشرف من خلال فرص العمل المتاحة. قضية المرأة السعودية ترتكز وتنبع من إشكاليات اجتماعية ودينية وقانونية واقتصادية، وكل جانب من هذه الجوانب مرتبط بالآخر. أي أن هناك إشكاليات موجودة داخل البيئة الاجتماعية ولها جذور ذات توجه ديني أو رأي ديني. هذا الرأي وإن كان في كثير من الأحيان ليس له علاقة أصيلة بروح الدين، لكنه مع الوقت تشكل لدى المجتمع بأنه رأي ديني، وعند قيام فقيه أو عالم بمحاولة تبين الموضوع سوف يدحض هذه الإشكالية أنها ليست من الدين في شيء، وأن الإشكالية هي اجتماعية. مثلا قضية قيادة المرأة للسيارة، يشاع اجتماعيا بأن سبب المنع هو التحريم، وعندما تسأل فقيه أو يُسأل فقيه يشير أن قيادة السيارة في الأصل لا شيء فيها، وهذا رأي موجود حتى داخل المدرسة السلفية. المراد من هذا المثال هو أنه في كثير من الأحيان ترتبط المشكلة بشكل وهمي أنها دينيه، تتحول إلى رأي اجتماعي ذو وجه ديني أن سبب التحريم هو رأي ديني، لكن داخل الدوائر الفقهية عن الإستفسار يظهر على العكس والنقيض لهذا الرأي السائد.
لماذا هذا المثال ومحاولة الربط؟ لسبب أن أغلب الإشكاليات المتعلقة بالمرأة تمر بمثل هذه العملية المزدوجة في مجتمعنا، حيث أن الوعي والفهم لأصول الحرام والحلال في التشريعات الدينية ضعيفة، حتى داخل المجموعات التي تتعلم العلم الشرعي، كثير منها تعتمد على أقول منقولة، ولا تعتمد على استنتاجات. أي أن القضية لدى بعض الشرعيين محسومة، بسبب أن عبيداً من الفقهاء أفتى في هذا الموضع قبل ٣٠ سنة، ولازال التحريم ينقل إلى اليوم الحاضر مع تغير كل الظروف التي كانت من وجهة نظر عبيد سبباً في التحريم. أمر آخر، هناك تخوف من دخول بعض الشرعيين في قضايا المرأة تجنباً للحرج الاجتماعي أو أي ردة الفعل التي سوف تحدث، لهذا خيار السلامة والبعد عن القضايا الشائكة هو الأسلم لدى بعض من له وجهة نظر ربما تخالف السائد العام.
إشكالية التعاطي مع حالة المرأة في السعودية، تأخذ وجهه العدالة أكثر من وجهة الانتصار للمرأة لأنها إمرأة، بل لأن الشرع ضامن لحفظ النفس بمثابة مقصد من مقاصد الشريعة، أتحدث عن عدد كبير من المهددين في أمنهم وسلامتهم، أتحدث شريحة تزيد بعد يوماً بعد يوم تتعرض للظلم والتعذيب، وربما القتل، كما حدث خلال الشهر الماضي، وهذا بسبب عدم وجود تشريعات تحمي الإنسان من الإضطهاد، هناك محاولات فردية من بعض الجهات الحكومية، لكن ليست مبنية على عمل مؤسسي. الإنسان الذي من السهل أن تنتهك حريته ويعذب و يتعرض لأشد وأسوأ أنواع المعاملة هو في أمس الحاجة لعون المجتمع، وعون من يقدر قيمة الإنسان وحرمته.
في المجتمعات العربية هناك من ينحاز للمرأة كما يقول المرحوم مالك بن نبي بدافع الشهوة، أي أن هذه الشريحة لا ترى في المرأة إلى قضايا التحرر والسفور، والمرأة البلاستيكية، لكن المرأة “المحلية” المرأة التي تتجرع الظلم والحرمان من الأمن وحق الحياة بدون تعنيف وضرب، هذه المرأة ليست على قائمة الأولويات. وفي ذات الوقت هناك من يرى المرأة من الإسلاميين شر مطلق، فهو يريد لها أن تكون بمثابة أجيره لا شريكة حياة، عاملة وعلى شؤونه من طعام وشراب وتدبير شؤونه اليومية. هذه الدونية للمرأة والانتقاص منها وتأطيرها في حدود معينة هي للأسف شائعة لدى طيف واسع من المجتمع، فمن المستحيل أن تكون المرأة عاملة أو صاحبه مساهمة معرفية، أو تجارة أو أي عمل مشروع، بل هي لها حدود المنزل الذي تسكنه لا أكثر من ذلك. الرجل الظالم هو إنسان واحد بغض النظر عن شكله الخارجي وقناعته الايديولوجية، ففي مجتمعنا هنا طرفين متناقضين لكن جُلهم لهم ذات المقاصد كما يشير ابن نبي النظرة المتحررة/والمنغلقة للمرأة بدافع الشهوة.
مرحلة جيدة يتحتم فيها تدخل العقلاء من المجتمع في المساهمة لرفع الظلم عن المرأة، ومن يتابع الحراك الموجود حاليا لقضايا المرأة يدرك حجم الكارثة. من واجب العقلاء من الإسلاميين المبادرة في التوعية والحديث عن هذا الظلم وعن سبل التعاطي معه بما هو في صالح المرأة والمجتمع. الحديث عن لماذا تظلم المرأة في المجتمع للأسف يأخذ منحى في إلصاق التهمة بالإسلام كدين، و هذا بين لمن يتابع التفاعل الذي يحدث في شبكات التواصل، للأسف أن الأصوات التي تحاول أن تبين ضحالة هذا الرأي هي محدودة، لأن الأكثرية صامته. على سبيل المثال المطالبة بإسقاط ولاية الرجل من قبل شريحة واسعة من المجتمع يزداد يوماً بعد يوم، ويأخذ أشكال ربما تزعج بعض المحافظين، لكن الحديث لمحاولة إصلاح الإشكالية يأخذ طابعاً خجولاً من قبل التيار الديني. حيث أن إسقاط الولاية هو إجراء إداري بيروقراطي أكثر من أن يكون إسقاط شيء من الدين. للأسف كما أشرنا أن هناك الكثير من المحافظين يتخوف من الدخول في هذه الموضوعات، لأنها تتعلق بالمرأة، ولأن الإنتصار لها ربما يعني لها خسارة طيف واسع من الجمهور المحافظ.
ختاماً، الانتصار لقضية المرأة هو قرار حكومي بالمقام الأول، أي أن هناك تشريعات إذا أُقرت سوف تكون لصالح المرأة وقوانين التعنيف والحماية وإسقاط النظام البيروقراطي في ولاية الرجل وغيرها، وهذا دور المؤسسات الحكومية في الحرص على سلامة أفرادها. لكن هنا نوع من العمل الذي الذي يصب في قوالب الوعي بالشيء وهي أدوات يملكها الإسلاميين، التي بمقدورها أن تساهم في رفع الظلم وهي قادرة على ذلك عبر التوعية وعبر السعي في المطالبة بإقرار إصلاحات وتشريعات تدعم حق المرأة في الحياة والحماية من التعنيف وغيرها.
(المصدر: الاسلام اليوم)