قضايا المرأة المسلمة المعاصرة وقراءة لسيرة فاطمة (1من2)
الكتاب: “كوني فاطمة الزهراء”
الكاتبة: أميرة ابراهيم
صادر عن دار نشر بيان- ٢٠٢٠
عدد صفحات الكتاب: ١٠٨صفحات
في كتابها “كوني فاطمة الزهراء” تحاول مؤلفة الكتاب أميرة إبراهيم، الربط بين الماضي والحاضر وبين مبادئ وقيم عصر النبوة وبين ما يجري الآن، من خلال استعراض واقع المرأة المسلمة وما تواجهه من تحديات، بل ومؤامرات على دينها وهويتها وقيمها وأخلاقها عبر هجمة كاسحة لا هوادة فيها، تجلى ذلك في مؤتمرات وندوات وكتابات وحملات مستمرة معادية للإسلام وللعالم العربي، من خلال الذين يدعون التطور والتقدم متخذين من العلمانية والليبرالية منافذ وقنوات لتبني الهجمة على المرأة المسلمة.
الكاتبة أميرة إبراهيم تحذّر من هذه الهجمة وتدق ناقوس الخطر الذي قالت بأنه يتهدد ليس المرأة المسلمة فقط ولكن الأسرة المسلمة وكيانها ومخرجاتها من أبناء وأجيال قادمة، وعبر هذا التحذير تسوق الكاتبة نموذج السيدة فاطمة الزهراء ابنة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وزوجة الصحابي الجليل على ابن أبي طالب، الخليفة الرابع، باعتبارها القدوة والمثل للمرأة المسلمة خاصة في هذه الفترة العصيبة التي تواجه فيها المرأة كل هذه التحديات مطالبة بضرورة التأسي بهذا النبراس النبوي المتمثل في الابنة البارة لأبيها والزوجة المطيعة لزوجها، والتي جسدت قيم ومبادئ وخلق صار نموذجا يحتذى به، عبر مئات السنين لكل امرأة مسلمة تبحث عن هويتها وخلقها في دينها وشريعتها الإسلامية، بعيدة عن دعاوي التبجح والتآمر عليها بحجة التطور والتقدم ومعايشة العصر.
يحتوي الكتاب على ٢٤ فصلا تم تقسيمها بالتساوي بين تناول واقع المرأة المسلمة المعاصر وما تتعرض له من مؤامرات، ومحاولات الرد على ذلك وتفنيده في ١٢فصلا.
وجاء الفصل الأول تحت عنوان “حرب بلا هوادة” وجاء الفصل الثاني لتفنيد هذه المزاعم حاملا عنوانا بهذا المعنى “تفنيد مزاعم المتطاولين”، أما الفصل الثالث فكان تحت عنوان “مسابقة الإفساد والخلاعة” والرابع بعنوان “اختفاء فضيلة الحياء” للتدليل على واقع المرأة السيئ. وفي الفصل الخامس تتناول التربية ونجاح الزواج أما في الفصل السادس فتنتقل إلى نقطة أخرى وهي خطورة المواثيق الدولية وفي السابع دعت إلى ضرورة اليقظة والانتباه لهذه المخاطر وفي الفصل الثامن تطلق صيحة تحذير كبرى من المخطط الذي قالت بأنه يحاك ضد المرأة المسلمة.
أما في الفصول الأربعة الأخيرة من النصف الأول من الكتاب، فتتناول فيها الشبهات والادعاءات حول المرأة المسلمة، فقد حمل الفصل التاسع عنوان “ادعاء ظلم المرأة في الميراث والرد عليه”. وفي الفصل التالي تتناول القوامة ووظيفتها والفصل الذي يليه يناقش القوامة أيضا تحت عنوان “القوامة ليست مطلقة” وفي الفصل الثاني عشر تتناول الشبهات حول القوامة.
وفي النصف الثاني من الكتاب تفرده الكاتبة كاملا عن حياة السيدة فاطمة الزهراء من خلال ١٢فصلا أيضا ليكون بالتساوي مع النصف الأول وجاء الفصل الثالث عشر بترتيب فصول الكتاب تحت عنوان: “مولدها والحدث الأكبر”، أما الفصل الذي يليه فقد ناقش النشأة في بيت النبوة وفي الفصل الرابع عشر تناولت ألقاب السيدة فاطمة الزهراء وتناولت صفاتها في الفصل التالي، أما المواقف الصعبة والقاسية في حياتها فقد ناقشها الفصل السادس عشر وتطرق الفصل السابع عشر إلى هجرتها إلى المدينة.
وتناولت الكاتبة علاقة السيدة فاطمة الزهراء بزوجات النبي في الفصل الثامن عشر.. أما المكانة الرفيعة فقد أوردتها الكاتبة في الفصل التاسع عشر، وفي الفصل العشرين ناقشت رواية الزهراء للحديث وتناولت في الفصل الحادي والعشرين قصة زواج السيدة فاطمة الزهراء، أما غضب الرسول لها فتضمنه الفصل الثاني والعشرين وناقش الفصل التالي طلبها لميراثها في أبيها وفي الفصل الرابع والعشرين والأخير تناولت الكاتبة وفاة السيدة فاطمة الزهراء .
كتابان بدلا من كتاب
وتكمن أهمية الكتاب موضوع العرض، في أنه يناقش قضية حساسة تمس كيان الأسرة المسلمة، ومحاولة الربط بين الواقع بكل تحدياته وما تتعرض لهى المرأة المسلمة من مؤامرات وبين الأصول والجذور والقدوة الحسنة، من خلال ابنة النبي الكريم وزوجة رابع الخلفاء وهذا شيء جيد، ولكن الكتاب كان يمكن أن ينقسم إلى كتابين منفصلين وهو ما يبدو لأول وهلة من خلال فصوله وموضوعاته، ففي النصف الأول يناقش قضية واقع المرأة المسلمة وفي النصف الثاني يتناول سيرة السيدة فاطمة الزهراء .
والحقيقة فقد حاولت الكاتبة الربط بين الموضوعين، ولكن تقسيم الكتاب بهذا الشكل أعطى انطباعا بعدم الربط الكافي بين الموضوعين، خاصة أن طريقة الإسقاط كانت تحتاج إلى عمق أكثر، ومن هنا تأتي إلى الذهن فكرة تقسيم الكتاب إلى كتابين .
ورغم محاولات الكاتبة في الجزء الأول الربط بين النموذجين الحالي بكل تحدياته، والآخر والمتمثل في قدوة مهمة وتتمتع بحب وقدسية من خلال مطالب متكررة للفتاة المسلمة بالاقتداء بالسيدة فاطمة الزهراء عبر عبارة، “كوني فاطمة الزهراء”، إلا أن الربط كان يحتاج تمازجا أكثر، من قبيل عرض المشكلة الراهنة وإسقاط نموذج السيدة فاطمة في نفس التوقيت ونفس التناول، أو كان بالإمكان تناول سيرة السيدة فاطمة الزهراء في البداية وتناول مواقفها وسلوكها النموذج والمحمود وموقفها من بيتها وزوجها وغيره من المواقف، على أن يكون هذا نموذجا مستقرا في وجدان الفتاة أو قارئ الكتاب، ثم في النصف الثاني تتناول الكاتبة واقع المرأة المعاصرة وتحاول تفنيده عبر مقولات من ناحية، ومواقف عملية من خلال القدوة التي اتخذتها الكاتبة من ناحية أخرى، ليكون الأمر واقعا ويكون هناك نموذج ومثال يمكن القياس عليه بعد معرفة تفاصيلها.
وفي العموم فالكتاب محاولة طيبة وجهد محمود في تناول تحديات كبيرة وإضافة للمكتبة العربية في هذا الجانب، ويمكن البناء على هذه التجربة لتعميق هذا الموضوع وسبر غوره ومناقشته باستفاضة أكبر.
الحرب على الحجاب
ونبدأ تقليب موضوعات الكتاب مفصلة بما قامت به الكاتبة من استعراض ما تواجهه المرأة المسلمة والحلول التي تقترحها لذلك، خاصة ما يتعلق بالحرب على الحجاب كمثال والتشكيك في شرعيته، عبر الرافضين له الذين يدعون أن الفتاة بدونه تكون نموذجا للتقدم والعقل المنفتح، وفي المقابل يصفون الحجاب ومن يرتديه بالتخلف والعودة إلى الوراء وضد الحضارة والرقي، مطالبين بعدم الربط بين سلوك المرأة والحجاب، بقولهم إنه لا يمكن أن تكون قطعة قماش هي التي تحكم على سلوك الفتاة طبقا لما جاء بالكتاب .
ترد الكاتبة مفندة هذه الادعاءات وهذه المزاعم من واقع المرأة الغربية نفسها، حيث أشارت الكاتبة إلى ما تتعرض له المرأة الغربية من ابتذال بسبب ما يسمى بالتحرر، وهنا تقول: “ألا ترون يا أهل الحرية والمساواة مفارقة عجيبة تحدث الآن، وهي أن المرأة لديكم قد ملت حياة التحرر والفسق والرذيلة وأرهقها انتهاك حرمة جسدها وضياع كرامتها وعفتها، واتجهت إن لم يكن إلى الإسلام، فإلى الدعوة لمكافحة العري والرذيلة والمطالبة بالحرص على العفة لتجد الأمان والسكينة “.
“هناك عدد غير قليل من القنوات الفضائية يمثل خطرا حقيقيا على الأخلاق وعلى الفضيلة، فهي تقدم ما يثير الشهوات ويحرك الغرائز، بل صارت تقلد الغرب في برامجه الإباحية الخليعة، فقدم إعلامنا الإسلامي برامج تنتهك فيها الحرمات وتشيع منها الفاحشة والفجور أمام الجميع”.
وفي هذا السياق تطالب الكاتبة حفيدة فاطمة الزهراء بالحرص على الحجاب بعد أن استعرضت شرعية الحجاب وعدم التأثر بتلك الدعوات والأصوات، التي أسمتها الكاتبة بالضلال والفساد وضرورة إدراك أن العلم يؤخذ من أهله ومصادره، وليس من أولئك الذين لا علاقة لهم بهذه العلوم وتحركهم أغراضهم الخبيثة .
مسابقات الخلاعة
وتتناول الكاتبة ما تتعرض له الفتاة المسلمة المعاصرة من مسخ للهوية وتسطيح لوعيها، من خلال مسابقات الإفساد والخلاعة كما تصفها الكاتبة وما يحدث من مسابقات وحفلات ورحلات وغيرها من أنشطة بهدف الاختلاط بين الشباب والفتيات في حفلات مجون وغيره، مما تبثه وسائل الإعلام المختلفة، بهدف مسخ الهوية والبعد بالشباب عن واقعه وقضاياه المعاصرة من خلال إعلام فاسد من وجهة نظر الكاتبة.
وفي صفحة ١٢من الكتاب تؤكد الكاتبة على هذا المعنى بقولها: “هناك عدد غير قليل من القنوات الفضائية يمثل خطرا حقيقيا على الأخلاق وعلى الفضيلة، فهي تقدم ما يثير الشهوات ويحرك الغرائز، بل صارت تقلد الغرب في برامجه الإباحية الخليعة، فقدم إعلامنا الإسلامي برامج تنتهك فيها الحرمات وتشيع منها الفاحشة والفجور أمام الجميع”.
وهنا تحذر الكاتبة الفتاة المعاصرة مخاطبة إياها بحفيدة فاطمة الزهراء، من هذه المسابقات وغيرها من الممارسات التي تستهدفها وتستهدف هويتها، حيث تعد هذه المواد التي تبث من خلال هذه المسابقات هي صورة من صور الغزو الفكري وحملات لتغييب العقول، من خلال خطط محكمة ومدروسة الهدف، منها أيضا فساد الأخلاق ونشر الإباحية والخلاعة والمجون طبقا لما جاء في سطور الكتاب .
ثم تناول الكتاب فضيلة الحياء واختفائها في المجتمع العربي بسبب كل المحاولات السابقة، وربط ذلك كله بالتربية في الأسرة المسلمة ودور هذه التربية في زواج ناجح وأسرة قوية ومتماسكة في وجه هذه العواصف، التي تتعرض لها المرأة المسلمة والقادمة من الغرب بمؤامراته الهادفة إلى تفكيك وانهيار المجتمع المسلم .
سلخ الهوية
ثم تفرد الكاتبة فصلا كاملا عن المواثيق الدولية وخطورتها، مطالبة حفيدة فاطمة الزهراء قاصدة بذلك الفتاة المسلمة المعاصرة بأن تكون حذرة وعلى وعي بما يحاك لها داخل الأروقة الدولية والمواثيق والاتفاقات والمؤتمرات التي تعقد ليل نهار لسلخ الفتاة المسلمة من هويتها الإسلامية وتدمير كيان أسرتها ومن ثم تدمير أسس المجتمع الإسلامي، واصفة ما سبق بأنه طوفان ترعاه الأمم المتحدة وغيرها من الجمعيات الأهلية والحكومية، خاصة النسوية، محذّرة من خطورة هذا الأمر داعية إلى الانتباه لذلك .
وللتدليل على صحة ما ساقته تتناول الكاتبة بعض الوثائق في هذا السياق وأبرزها وثيقة مؤتمر بكين ووثائق المؤتمر الدولي السكان، والتي تطالب بتيسير وسائل منع الحمل للمراهقين وإباحة الإجهاض وإلغاء كافة الفوارق بين الرجل والمرأة وإعطاء كافة الحقوق للشواذ، وغيرها من المخالفات الشرعية الأخرى كما أورد الكتاب.
وهنا تدق الكاتبة ناقوس الخطر وتطالب بضرورة اليقظة والانتباه من أهداف هذه المؤتمرات والوثائق الدولية التي تسوق لها مؤسسات دولية كبرى، وهنا الخطر لأن هذا يعطيها الشرعية وقوة الانتشار وهو ما يجب مواجهته والحذر منه. ويأتي تحذير الكاتبة من هذه الممارسات في عنوان فصل بالكتاب وجاء تحت “الحذر كل الحذر”، في صيحة قوية من جانب الكاتبة ترسل فيها رسالة للفتاة المسلمة وأسرتها، أن تكون مدركة لأبعاد هذه المخططات وأهدافها على المستويين القريب والبعيد .
وتؤكد الكاتبة هذه الصيحة بقولها: “وأنا أقول لك غاليتي الحذر كل الحذر: فكل هذا الفساد والانحلال يرغب الغرب في تصديره إلينا عبر المؤتمرات والاتفاقيات والمواثيق الدولية، وعلينا جميعا أن ننتبه إلى خطورة ذلك والتصدي لكل ذلك لن يأتي إلا من خلال مبادئ الدين الاسلامي الحنيف، الذي أمرنا بكل ما فيه من خير لنا ونهانا إلى ما كل فيه هلاكنا”.
الرد على الشبهات
ثم تختم الكاتبة الجزء الاول من الكتاب بالرد على شبهات يتم ترويجها في الغرب سواء عبر المستشرقين أو عملاء الغرب بالعالم الإسلامي، ومن بين هذه الشبهات ظلم المرأة في الميراث وقوامة الرجل على المرأة، مؤكدة أن الميراث وتحديد الأنصبة ثابتة في الكتاب والسنة، ولا تخضع لأي أهواء أو تعديلات مشيرة إلى رفض الأزهر مطلب الاتحاد العربي لمنظمات حقوق الإنسان، بالمساواة في الميراث مؤكدة على أن هذا الرفض كان مستندا للكتاب والسنة .
وبشأن القوامة تناولت الكاتبة ما يطالب به أعداء الإسلام بإلغاء القوامة وبالتالي إلغاء طاعة الزوجة لزوجها حسب الكاتبة، ويدعون أن القوامة تقيد حرية المرأة وسلب حقوقها وإهانة كرامتها ويتخذون من القوامة سببا للتشكيك والإهانة للمرأة، لأنه استعباد لها رغم أنها ثابتة بالكتاب والسنة وأن هذه القوامة لها شروطها الموضحة والمبينة مؤكدة على أن هذه القوامة ليست مطلقة.
وهنا ترد الكاتبة على هذه الشبهات بقولها: “إن هذه القوامة هي من نعمة الله تعالى علينا، فإنها ملائمة للرجل والمرأة وما لهما من صفات جسدية، ومن استعدادات فطرية، إلا أنه مع تبدل الأزمان وتداخل الثقافات يحاول أعداء المسلمين تشويه صورة هذا الدين بطرق ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب”.
وتحاول الكاتبة خلال فصلبين أفردتهما لهذا الأمر للرد على هذه الشبهات من خلال الكتاب والسنة والأدلة الشرعية من ناحية، والشواهد العقلية، مستعينة برأي عدد من العلماء والمفكرين المسلمين مثل محمد بن سعد المقرن وبحثه في الشبهات حول القوامة، وكذلك مقولات كاتبات وشخصيات غربية، مثل الكاتبة أجاثا كرستي وكذلك المحامية الفرنسية كريستين عبر تسجيل هذه المقولات كشهادة بالكتاب تدلل بها على صحة ما جاءت به الشريعة في أمر القوامة، ومن زاوية أخرى تؤكد على أنه من الأهمية الحديث عن هذه الوظيفة الشرعية السامية بما يوضح حقيقتها الشرعية، ويبين زيف تلك الشبهات والادعاءات..
(المصدر: عربي21)