مقالاتمقالات مختارة

قضايا الطلاق والتجديد الفقهي

قضايا الطلاق والتجديد الفقهي

بقلم الشيخ عصام تليمة

الإسلام دين واقعي، لا يحلق في أجواء الخيال، بل ينزل بتشريعاته ليراعي طبائع البشر، واختلاف النفوس، وقد شرع الزواج ليتحقق به الاستقرار والأمن الاجتماعي في البيت، والمودة والرحمة (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) الروم: 21. غير أن الحياة لا تسير بوتيرة واحدة، ولا تمر الأيام على نسق واحد، وكذلك الطباع والنفوس، فهناك نفوس تتعايش مع بعضها وتتوائم، وهناك نفوس لا تقوى على العيش معا، إما لعدم التوافق، أو لاختلاف الطباع والنفوس، مما يؤدي إلى نفور يستحيل معه العيش المشترك في أسرة واحدة، ولذا مراعاة من الإسلام لطبيعة البشر شرع الطلاق، وهو انتهاء الميثاق الغليظ الذي بين الزوجين، فإما معاشرة بالمعروف، أو تسريح بإحسان.

والطلاق ليس شرا في كل حالاته، بل في كثير من الأحيان يكون علاجا لداء استعصى على العلاج، وإنهاء لمشكلة يصعب معها حل غيره، وقد يكون فيه راحة للطرفين، وإعطاء كل منهما فرصة للبحث عن السعادة الزوجية مع طرف آخر يكتب الله له معه إكمال الطريق معه، يقول تعالى: (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا) النساء: 19. وهو آخر مرحلة في علاج الشقاق وعدم الوفاق بين الزوجين، فآخر الداء الكي، وهو الأمر الذي ما منه بد، إذا عجزت كل محاولات الحل عنه.

ولكن الإسلام جعل الطلاق عند استحالة العشرة بين الزوجين، أو عدم التفاهم، فكما يبنى قرار الزواج على التريث والتأني، ووضع فترة خطبة يتعرف فيها كل طرف على الآخر، ليقررا بتؤدة الارتباط، فكذلك قرار الانفصال وهو أخطر يحتاج لنفس الشروط، ولذا سماه الله عز وجل (الميثاق الغليظ)، فهذا الميثاق الغليظ كي يحل، يحتاج إلى أدوات بنفس قوة ربطه، فلا يترك لقرار طائش، أو كلمة عابرة.

ولذا يتعجب الإنسان المتأمل في كتب المذاهب الفقهية، فنرى تشديدات كبيرة في عقد الزواج، ولا نجد نفس التشديدات في إنهاء هذا العقد (الطلاق)، فنرى عقد الزواج يشترط فيه الولي، والشهود، والإعلان، بينما الطلاق عند تطبيقه يتساهل المشايخ والمفتون فيوقعونه بدون احتياط وتدقيق مثلما يفعل في عقد الزواج، وما أروع ما دونه الفقيه الكبير ابن حزم حين قال: (الفرض والورع: أن لا يحكم حاكم، ولا يفتي مُفتٍ بفراق زوجة؛ عُقد نكاحها بكتاب الله عز وجل، وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، بغير قرآن، أو سنة ثابتة).

رغم أن معظم القضايا التي يوقع فيها المشايخ الطلاق، لا نرى فيها نصوصا قاطعة، فإيقاع الطلاق بتهديد الزوج للزوجة ليس فيها نص صريح بذلك، وكذلك معظم حالات الطلاق التي يفتي المشايخ بإيقاعها لا نجد عليها نصوصا من قرآن أو سنة، أي أن بيوت المسلمين تهدم وتخرب باجتهادات لا تبنى على نصوص صريحة، مما يتطلب مراجعة جادة لهذه الفتاوى واعتمادها.

كما أن المشايخ الذين يتعرضون لمثل هذه الفتاوى – حسب الملاحظ – ليسوا مؤهلين بأي دورة في الإرشاد الأسري، ولا علم النفس، وهو أمر يحتاجه الفقيه الذي يفتي في قضايا أسرية خطيرة كالطلاق، فقديما كان الفقهاء يجمعون بين فقه الشرع، ودراسة النفس والفلسفة، فنرى إماما كأبي حامد الغزالي فقيه شافعي كبير، وأصولي لا يشق له غبار، وفيلسوف من جهابدة الفلاسفة، وكذلك ابن رشد شيخ المالكية في زمانه، وهو فيلسوف كبير، وكلاهما عني بدراسة النفس البشرية، وهو أمر يحتاجه الفقيه في الإجابة على أسئلة اجتماعية كالزواج والطلاق، حيث إن كثيرا من فتاوى الناس أحيانا لا تحمل سؤالا، بقدر ما تحمل مساحة من الفضفضة، ولذا تحتاج من الشيخ إلى سعة صدر في السماع، فما بالنا بفتاوى الطلاق التي تحتاج إلى سماع الطرفين جيدا، بينما نجد من يسأل من الناس فيها، يكون سؤاله قصيرا جدا، فيقول السائل: يا شيخ لقد قلت لزوجتي: أنت طالق. فلا يهتم الشيخ بسؤاله عن أمور كثيرة تحيط بالأمر، من حيث ملابسات الأمر، ونفسية الطرفين (الزوجين)، وهو ما رعاه الشرع الإسلامي في كل التشريعات، ووجدت نصوص مستفيضة في ذلك، وبخاصة المرأة التي جعل لها الإسلام بابا في التشريع تنفرد به بأحكام، ومنها: الحيض والنفاس وما يترتب على ذلك مراعاة لهذا العارض في حياة المرأة، فكيف لا يراعى ذلك أيضا في باب مهم في حياتها وهو باب الزواج والطلاق؟!!

فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يأتيه السائل معترفا بجريمة الزنى، فيسأله بكل تفصيل، لعلك قبلت؟ ثم يسأل صلى الله عليه وسلم من حوله: أبه جنون؟! يريد بذلك تعريف السائل كل أركان الحكم، حتى لا يقضي في أمره بغير الحق، كما يبحث عن كل الملابسات النفسية والاجتماعية، فعلى حسب الحالة ستكون الفتوى والتشريع.

والشريع الإسلامي يفرق بين حالات الناس، بين حالة الطمأنينة والقلق، حالة الهدوء والتوتر، بين الصحة والمرض، بين حالة الحرب والسلم، فهناك فقه الحرب والسلم، عبادة الحرب غير عبادة السلم، كما أن الحدود تعطل في ميدان الحرب، وكذلك الطلاق لا يناقش بعيدا عما يحيط بالإنسان من ظروف وملابسات.

هناك قضايا يجب أن تطرح من جديد ويمارس فيها الاجتهاد الفقهي، خاصة الحالات المتكررة والدائمة في الحياة الزوجية، مثل: هل كل لفظ يتلفظ به الزوج بالطلاق يعد طلاقا؟ وهل لحالته النفسية أثر من حيث بطلان الطلاق أو إنفاذه؟ وأي درجة من الغضب يمكن أن تجعل تلفظه بالطلاق لا يقع؟ وهل يراعي الإسلام الحالة النفسية للمرأة أم لا في الطلاق؟ وهل طلاقها في حال حيضها أو نفاسها يعد طلاقا صحيحا أم لا؟ وهل كل طلاق شفهي يقع، أم لا بد من شهود وتوثيق؟ كل هذه الأسئلة نتناولها بالإجابة والتأصيل فيما يلي:

لا طلاق بغير شهود

تقف عقلية بعض المشايخ وفقههم عائقا كبيرا أمام حل مشكلة الطلاق، فالفقيه الحق مطلوب منه: أن يتسع أفقه ليطلع على كل الآراء الفقهية، وكل الأدلة، خاصة في قضية حساسة وشائكة كالطلاق، التي تزداد يوما بعد يوم، وأهم ركن في الطلاق نرى المشايخ لا يشترطونه، ولا يعتمدونه في فتاواهم، هو وجود شهود على الطلاق، فنراهم يوقعون الطلاق، بمجرد تلفظ الرجل لفظ الطلاق، فتهدم مؤسسة الأسرة بكلمة، رغم أن الشرع الإسلامي عندما شرع الزواج اشترط فيه الشهود. فإذن لا تباح الفروج إلا بنص شرعي، وأركان وشروط، ومنها: الشهود، فكذلك لا تحرم الفروج إلا بنفس الشروط والأركان، فقد سمى الله الزواج: (الميثاق الغليظ)، فكيف نترك فك هذا الميثاق الغليظ لكلمة طائشة تخرج في غضب، ودون شهود، رغم أنها توثقت بشروط شديدة جدا.

وإذا كان المشايخ يستنكرون الزواج العرفي الذي يتم بين بعض طلبة الجامعة، الذي يكون بغير شهود، وبغير توثيق، ويفتون بحرمته، فكيف نتناقض في نفس الأمر في الطلاق، ونعترف بما هو غير موثق، وغير متوافر فيه شرط الشهود؟!

لقد تناول القرآن الكريم قضية الطلاق والمراجعة، في سورة الطلاق، فقال تعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) الطلاق: 2، فالآية الكريمة الواردة في سورة (الطلاق)، والتي عنيت بالحديث عن الطلاق بين الزوجين، تبين أمرا مهما، وهو أنه تخير الزوج بين المعاشرة بالمعروف، وإلا فمفارقة بالمعروف، وعند المفارقة مطلوب: أن يشهد ذوا عدل منا، وأمر الله تعالى الشهود بأن يقيموا الشهادة لله، دلالة على أهمية الإشهاد هنا، ويقول العلامة الطاهر ابن عاشور: (وظاهر صيغة الأمر: الدلالة على الوجوب، فيتركب من هذين أن يكون الإشهاد على المراجعة وعلى بت الطلاق واجبا على الأزواج، لأن الإشهاد يرفع أشكالا من النوازل، وهو قول ابن عباس، وأخذ به يحيى بن بكير من المالكية، والشافعي في أحد قوليه، وابن حنبل في أحد قوليه، وروي عن عمران بن حصين، وطاووس، وإبراهيم، وأبي قلابة، وعطاء).

بل إن فقيها كبيرا كابن حزم الظاهري رأى وجوب الإشهاد، في الطلاق والرجعة، فقال: (إن الله قرن بين المراجعة والطلاق والإشهاد، فلا يجوز إفراد بعض ذلك عن بعض، وكل من طلق ولم يشهد، أو راجع ولم يشهد، متعديا لحدود الله).

ويقول الشيخ محمد أبو زهرة مرجحا شرط الإشهاد في الطلاق: (وإنه لو كان لنا أن نختار للمعمول به في مصر لاخترنا ذلك الرأي، فيشترط لوقوع الطلاق حضور شاهدين عدلين، يمكنهما مراجعة الزوجين فيضيقا الدائرة، ولكيلا يكون الزوج فريسة لهواه، ولكي يمكن إثباته في المستقبل فلا تجري فيه المشاحة، وينكره المطلِّق إن لم يكن له دين. والمرأة على علم به، ولا تستطيع إثباته، فتكن في حرج ديني شديد).

وكانت هناك محاولة لمشروع الأحوال الشخصية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، في عام 1967م، فقد قامت لجنة برئاسة الشيخ محمد فرج السنهوري، بوضع مشروع للقانون وتعديله، فكان نص المادة (109) منه تنص على: (لا يقع الطلاق إلا بحضور شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين)، ثم بينت دوافعها في ترجيح هذا الرأي.

وقد أخذ بهذا الرأي (اشتراط الإشهاد في الطلاق) من الفقهاء الكبار المعاصرين هؤلاء: العلامة محمد جمال الدين القاسمي، والعلامة الطاهر ابن عاشور علامة تونس المعروف، والعلامة القاضي الشيخ أحمد شاكر، والعلامة الشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ على الخفيف، والدكتور محمد يوسف موسى، والدكتور عبد الرحمن الصابوني في رسالة دكتوراة نوقشت في الأزهر، والدكتور محمد سلام مدكور، والعلامة الشيخ محمد فرج السنهوري، وغيرهم.

فوائد الأخذ بهذا الرأي:

وفوائد الأخذ بهذا الرأي الفقهي، وهو اشتراط الشهود لوقوع الطلاق:

1ـ أنه يقلل بشكل كبير من نسبة الطلاق.

2ـ وأنه يتوافق وينسجم مع روح الشريعة الإسلامية التي تميل إلى حفظ الحقوق، بالتوثيق الشديد من حيث الشهود، فكما يشترط في الزواج بأقوال الفقهاء، فاشتراطه في الطلاق أولى ومهم أيضا.

3ـ يعطي الزوج فرصة لمراجعة نفسه، وعدم اتخاذ القرار إلا بعد تفكر وتأني.

4ـ يفتح بابا للشهود أن يقوموا بدور في الإصلاح بين الزوجين، قبل الذهاب إلى الطلاق رسميا.

فخلاصة ما ننتهي إليه، ونؤمن به: أنه لا زواج بدون شهود، وكذلك لا طلاق بغير شهود.

طلاق الغضبان لا يقع!

لا تخلو الحياة الزوجية من منغصات ومشكلات، وفي بعض الأحيان يحتد النقاش بين الزوجين، وربما وصل إلى درجة من درجات الغضب، وفي كثير من حالات الطلاق عند سؤال الزوجين عما حدث، تسمع منهما التالي: أن حوارا دار بينهما، فغضب الزوجان، فقالت الزوجة مثلا: لو كنت رجلا طلقني، فيغضب لمثل هذه الكلمة، فيقول: أنت طالق، وتحت مواقف من الغضب تخرج كلمات الطلاق، والمتأمل في الطلاق في بلادنا العربية والإسلامية، سيجد معظم حالات الطلاق، سببها موقف غضب فيه الزوج فقال كلمة الطلاق، فهل يقع الطلاق في مثل هذه الحالات الغاضبة؟!

والإسلام في نظرته للإنسان عند الغضب، أنه يراعي حالته، لأن الغضب يخرجه عن طبيعته الأصلية، وعن اتزانه في قراراته، فلم يذكر الغضب إلا مذموما في القرآن والسنة، وفي كثير من أحكام الإسلام يضع الغضب كحالة من حالات رفع الحرج عن الإنسان، والتخفيف عنه. ولذا اختلف فقهاء الإسلام حول طلاق الغضبان، هل يقع طلاقه على امرأته، أم لا؟ وما الحالات التي لا يقع فيها عند غضبه؟ وهل يشترط أن يكون غضبه شديدا حتى لا يقع؟

وما نقول به في حالة الغضب، سواء كان غضبا شديدا، أو غضبا يندم عليه الإنسان بعد هدوئه، ففي هذه الحالة لا يقع الطلاق مطلقا، لأدلة معتبرة في القرآن الكريم والسنة النبوية.

فمن القرآن قوله تعالى: (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم فنذر الذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون) يونس: 11، فالآية هنا تبين أن الإنسان وقت الغضب يتعجل الشر، فربما يدعو الإنسان على ابنه، أو على نفسه بالشر، فلو أجاب الله دعاء الناس وقت غضبهم، لهلك الإنسان، ولهلكت الدنيا جميعا، فكما أن الدعاء لا يؤاخذ الله به الناس عند الغضب، فالطلاق كذلك لا يقع عند الغضب.

ومن الأدلة القوية في عدم وقوع الطلاق عند الغضب، قوله تعالى: (وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم) البقرة: 227. فالطلاق يحتاج إلى عزم الزوجين عليه، وليس مجرد خاطر يمر بهما، أو لحظة عابرة في وقت نقاش حاد، والمتأمل لكملة (عزموا)، والعزم يأتي بعد تفكير طويل، وتأني شديد، وليس وليد لحظة غاضبة، ولو تتبعنا كلمة (عزم)، في القرآن واللغة لوجدناها تدل على الصبر الشديد، ومن ذلك أننا نسمي الرسل الصابرين: أولي العزم من الرسل.

ويقول تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبتم قلوبكم) البقرة: 225، قال ابن عباس: لغو اليمين، أن تحلف وأنت غضبان. ويقول ابن القيم: (جعل الله سبب المؤاخذة كسب القلب، وكسبه هو إرادته وقصده، ومن جرى على لسانه الكلام من غير قصد واختيار، بل لشدة غضب، وسُكْر أو غير ذلك، لم يكن من كسب قلبه).

ومن الأحاديث التي تبين أن طلاق الغضبان لا يقع، قوله صلى الله عليه وسلم: “لا طلاق، ولا عتاق، في إغلاق”، وفسر كثير من العلماء الإغلاق بالغضب.

ويقول صلى الله عليه وسلم: “لا يقضين حَكَمٌ بين اثنين وهو غضبان”، فالحديث هنا يبين أن الغضب يؤثر في حكم وقرار القاضي، فنهى عن الحكم في حالة الغضب، حيث إن حكمه وقتها غير معتبر، ولا يعتد به، وإذا طبقنا هذا الكلام في القضاء في مجال المال وغيره، فالأولى تطبيقه في مجال الطلاق.

ويقول صلى الله عليه وسلم عن غضبه: “اللهم أيُّما عبد مؤمن سببته، فاجعل ذلك قربة إليك يوم القيامة”، وفي رواية: إنما أنا بشر، أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيما مؤمن سببتُه، أو لعنته، فاجعلها له زكاة”، يقول الإمام ابن القيم: هذا وهو صلى الله عليه وسلم معصوم الغضب، كما هو معصوم الرضا، وهو مالك لفظه بتصرفه، فكيف بمن لم يعصم في غضبه، وتمليكه، ويتصرف فيه غضبُه، ويتلاعب الشيطان به فيه؟!

وإن كان الغضبان يتكلم بما لا يريده، ولا يريد مضمونه، فهو بمنزلة المُكرَه، الذي يُلجأ إلى الكلام، أو يتكلم به باختياره، ولا يريد مضمونه). يرى ابن القيم هنا أن الغضب يأخذ نفس حالة الإكراه، والإكراه في الإسلام لا يقام به فعل، ولا يقع به تصرف، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه”.

وقال ابن عباس رضي الله عنه: (الطلاق عن وَطَر)، قال ابن القيم: عن وطر: أي عن غرض من المُطَلِّق في وقوعه. والطلاق في الغضب ليس عن رغبة فيه، بدليل ندم الرجل بعده.

خلاصة القول: أن كل طلاق عند الغضب لا يقع، إلا ما نطق به صاحبه وقت غضب لم يفقد صوابه فيه، ولم يندم بعده، وبعد هدوئه وترويه أصر على الطلاق، أما عند الغضب الشديد، أو الغضب الذي لا يفقد فيه صوابه كلية، لكنه يندم عليه بعد هدوئه، فهذا طلاق لا يقع على الراجح من الأقوال، بحسب الأدلة المفصلة التي ذكرناها.

(المصدر: الجزيرة مباشر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى