قراءة ومراجعة في كتاب (الصياغة الفقهية في العصر الحديث)
بين يدينا كتاب: (الصياغة الفقهية في العصر الحديث: دراسة تأصيلية) وأصله رسالة علمية بحثيّة لنيل شهادة الدكتوراه كتبها الشيخ د. هيثم بن فهد الرومي ، وقامت بطباعتها (دار التدمرية ، دار ابن حزم) (ط: (1 ) 1433 هـ – 2012 م) ويقع هذا الكتاب في (650) صفحة من الحجم الكبير.
وقد نال هذا الكتاب حظوة طيبة بين طلبة العلم، فهو من الكتب الجديدة في نوعها التي تُعنى بالدراسة التحليليّة لتطور المصطلحات والصياغات الفقهيّة في العصر الحديث.
ويمتاز هذا الكتاب ؛ بجمعٍ دقيق لما تفرّق من الكتب في مجال الاصطلاح الفقهي، والتركيز في سبك الكلام ودقته، وندرة الأخطاء الطباعية، وحسن الترتيب للمادة، والانتقال السلس الموضوعي من فصل إلى آخر.
وتُوجد في الكتاب بعض النقاط المتكررة، مع تراجم عديدة لكثير من المشهورين يُمكن لصاحبها الاستغناء؛ ولعلّه كان مضطراً لذلك طبقاً لقيود الدراسات العليا، مع أنّه كان بإمكانه الاستغناء عنها حالة طبع الكتاب.
كما أنّ الكتاب يميل صاحبه للتقعيد والتنظير من جهة، وبيان الأسباب التحليلية ؛ لكن تقلّ فيه التطبيقات والأمثلة والنماذج التي توضح للقارئ بعض المسائل المهمة، ومن أبرزها قضيّة التلفيق بين المذاهب فقد أطال في الحديث عنها لأنّها مذكورة في الباب الذي تحدث فيه المؤلف عن قضية التقنين؛ وكان من المهم ذكره بيان بعض النماذج المفيدة في قضية التلفيق والمؤثرة في مجال التقنين.
أوضح المؤلف في مقدمّته أنّه توجد نهضة في المعارف حالية تتطور معها الأدوات الفقهية، وصارت تترقى حتى تشكلت عدة أنماط جديدة وهي: النظريات الفقهية، والمقارنات التشريعية، والتقنيات القضائية.
وكان سبب اهتمامه بكتابة هذا الموضوع لكثرة دعوات التجديد ومنها ما يتعلق بجانب الصياغة الفقهية، ولشح التأصيل الفقهي للصيغ المتعددة و للبحث في إمكانية إيجاد صيغ جديدة للفقه.
لهذا قام بعرض مفهوم الصياغة الفقهية عموماً وعند الفقهاء السابقين مع دعوات تجديد الصياغة الفقهية المعاصرة.
وقد نبّه صاحب الكتاب أنّ الملكة الاجتهادية متضمنة في تعريف الفقهاء للفقه أنّه العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية، فقال الرومي: أنّ الملكة والاجتهاد متضمنة في هذا التعريف لاقتران العلم بالأدلة، والذي يستنبط الحكم من دليله فهذا هو الفقيه المجتهد، وهو الذي ينصرف إليه لفظ الفقيه بالأصالة، وأما إطلاق لفظ الفقيه على الجامع لأقوال أئمة مذهبه أو غيرهم دون تفقه في النصوص فهو من قبيل التجوز عند المتأخرين لا في حقيقة الاصطلاح الشرعي.
وفي المبحث الثاني تطرق إلى الصياغة الفقهية عند الفقهاء السابقين سواء أكان ذلك في الأدوار الأولى المتعلقة بزمن التشريع وكانت تُقرر الأحكام من حيث تنزيلها في الواقع، أو من حيث سبب نزول الآية أو سبب ورود الحديث ليكون عاماً إلا فيما خُصّ حُكمه.
وتحدث عن صياغة الفقه بعد ظهور المذاهب وأن ابتداء التدوين الفقهي تميز في مذهب أبي حنيفة رغم أنه ما كان يدون فقهه بنفسه بل كان من تلامذته الذين يُسجلون آراءه وفتاواه، وتميز فقهه أنه حامل لواء الفقه التقيدي وهو افتراض أجوبة لمسائل لم تقع.
ثم فقه الإمام مالك الذي تميز في تبويب كتابه على أبواب الفقه فأحسن ترتيبه وتبويبه وذكر أقوال الصحابة والتابعين حيث ذكر رأيه الخاص وبعض أبواب الموطأ خلت من الرواية تماماً.
ومن هنا يظهر منهج الاتصال العلمي في تطور المذاهب الفقهية شكلاً ومضموناً ؛ فأساس فكرة المدونة نتيجة اطلاع أسد بن الفرات على طريقة العراقيين التي تمتاز بكثرة التفريعات والافتراضات؛ أما فقه الإمام مالك فتميز بفقه النوازل والحوادث والوقائع.
ثم فقه الإمام الشافعي إذ لم يصنع أحد من الأئمة في تصنيف مذهبه كما فعل الإمام الشافعي، بل قام بعرض كتاب أصولي يشرح الأصول المتبعة في تناول المسائل الفقهية، وتميز فقهه بالتبصير بالاستنباط وطرق الاستدلال وأساليب النقاش والحوار، وكان يُعنى بالفقه الاستقرائي.
ويتشابه فقه الإمام أحمد مع فقه أبي حنيفة أن من جمع فقهه تلامذته وإن كانت له بعض الكتب والرسائل ككتابه في الأشربة والمناسك الكبير والفرائض، ويميز فقهه بالأثر، وبحكم تأخره عن غيره فقد أحاط بأحاديث الأمصار، وجمع من الأدلة والفقه والتعليلات الشيء الكثير، وكان يُعنى بنقاش أهل زمانه وينهى عن الفقه الافتراضي
وفي المطلب الثالث مجالات الفقه وترتيبه حيث تطرق للحديث عن تبويبات الفقه بدءاً بالعبادات فالمعاملات فالأحوال الشخصية فالجنايات وتطرق إلى أن الفقيه خالط المجتمع وشارك همومه ولهذا فإن الفقيه لا يكون فقيهاً حتى يُحسن تحقيق مناطات الأحكام التجريدية على الوقائع.
وكان بإمكان المؤلف أن يذكر طرفاً من هذا التأثير من الفقيه بعد مخالطته المجتمع ليكون ذلك أدعى لتقرير المعلومة بالنماذج والأمثلة بعد ذكر هذه الحقائق الصحيحة.
ثم تحدث في المطلب الرابع عن العوامل المؤثرة في المذهب الفقهي من حيث إمام المذهب، وكذلك أثر أصول المذهب في التدوين الفقهي.
ولفت الانتباه إلى أنّ الإمام مالك كان طلبته يتلقون مسائل شيخهم دون مراجعة بعد وثوقهم بعلمه ودينه، فكان من أثر ذلك أن المسائل التي دونوها وكانت عماد أمهات المذهب المالكي التي سبقت الإشارة إليها مجردة من الأدلة على وجه الإجمال، ثم صارت هذه الطريقة سمة عامة للمدونات الفقهية المالكية في المدرسة القيروانية والأندلسية، وذلك لعدم وجود مذهب منافس تستدعي مناقشته الاستدلال والاحتجاج، بخلاف المدرسة المالكية العراقية التي كانت تشهد منافسة ومغالبة من مذاهب أخرى، مما استدعى ملء كتبهم الفقهية بالأدلة والحجج.
وتميز فقه الشافعية بذكر الضوابط والأصول وتقرير القواعد بالاستدلال دون النظر في الفروع والعناية بالقواعد الفقهية.
أمّا فقه الإمام أحمد فقد تميّز بالتجرد والذهاب الى الدليل والبحث في فقه أدلة الرجال ومستنداتهم؛ لهذا ذكر الشيخ محمد أبو زهرة أنه إذا قل عدد معتنقيه من العامة وأشباههم فقد كثر عدد مقتنعيه من المجتهدين وأمثالهم ومن يتخيرون من المذاهب ولا يتقيدون، وحسبك أن يكون فيه الإمامان ابن تيمية وابن القيم؛ ليكون عوضاً عن الكثرة والأعداد ولو كان المعدود أجناساً وأقاليم كما يقول الدكتور هيثم.
وقد تطرق المؤلف إلى أثر الظروف الزمانية والمكانية في التدوين الفقهي وقد سبقت إشارة إلى كل من المدرسة العراقية والمدرسة القيروانية للمذهب المالكي ، وعند التأمل في النتاج الفقهي لكل منهما تبرز لنا فروق بين المدرستين من حيث الصياغة الفقهية.
ثم تطرق للحديث عن مسألة التأثير والتأثر بين المذاهب ومنها تأثير كتب محمد بن الحسن في غيره من المذاهب كما قال ابن تيمية وتأثير كتب الغزالي في غيرها من المذاهب كما قال ابن عابدين، وتأثير كتاب من مذهب معين في بقية المذاهب كما في شأن تأثير كتب محمد بن الحسن.
وتحدث عن أثر المجاورة حيث أن لها الأثر في المسائل التي يجري بحثها والموضوعات التي يتطرق إليها فالشافعية في فارس واليمن كان لهم أثر في فقه الشيعة الزيدية والإمامية، وترك وجود الإباضية والإسماعيلية في الشمال الأفريقي أثره في الفقه المالكي.
لكن هذا الذي طرحه المؤلف نقله عن غيره ولم يذكر نماذج تدلل على هذا الجانب ويؤكدها من كتب المالكية وهل كان لذلك أثره بسبب هذا الجانب أو لا؟
ثم تطرق في المسألة الأخرى لعمل المتقدمين وعمل المتأخرين والمراد بالمتقدمين المعنى العام الذي يشمل الأئمة المجتهدين بشكل عام من المذاهب الأربعة وغيرها كما يشمل كبار أصحابهم والنُّظار من أئمة مذاهبهم لا سيما في القرون الأولى، حيث تتميز كتب المتقدمين بالتأصيل والتقعيد، والبعد عن تعقيد الكلام، ويُراد بالمتأخرين من كان جل همهم خدمة الإنتاج الفقهي لهؤلاء المتقدمين، مع ترتيب مسائلهم وتعليلها، واستخلاص قواعد الاستنباط من فروع المذهب ونصرة أصوله وفروعه ومناقشة المخالفين له.
وكتب المتأخرين على رغم جودتها في الكتابة الفقهية حتى أشبهت الكتابة القانونية إلا أنها أصبحت كالتعليمات المادية التي لا تُخاطب روح المسلم ووجدانه ولا تذكره بمقاصد التشريع وحكمه، ولعل هذا جعل كثيراً من الناس يتحولون عن الفقهاء إلى شيوخ الطرق الصوفية لملء هذا الفراغ الروحي.
وفي المطلب الخامس تطرق لمقاصد التأليف الفقهي من حيث المستهدف بالتأليف فإن الفقهاء يُبينوا في مقدمات تصانيفهم غالباً سبب تأليف كتبهم وما الفئة التي يستهدفوا من خلالها كتابهم ، ومن هنا فقد ذكر نقداً لبعض الكتب التي يقوم بعض الفقهاء بتدريسها للمبتدئ في الفقه وهي لم تُصنف إلا للمتقدم في هذا العلم مثل مختصر خليل.
وذكر أنّ من مقاصد التأليف الفقهي الخدمة التي يقدمها المصنف في كتابه؛ وقد تكون خدمة شرح لكتاب آخر أو اختصاره وهكذا..
أما المطلب السادس فتطرق المؤلف إلى أنواع التأليف الفقهي وأوضح أنّ مراده في الحديث عن أنواع التأليف الفقهي لا يقصد به ما تقدم، بل المعني به الهيئات التي تُصاغ به المصنفات في جميع العلوم الفقهية السابقة.
وقد تطرق إلى أنّ أبرز أنواع التأليف الفقهي وهي الأصول وقد يكون بعضها فتاوى ومسائل لإمام المذهب، ومنها المتون، وكذا المختصرات وتحدث عن سلبياتها وإيجابياتها، والشروحات، والمنظومات وهي من سمات العصر العباسي، والحواشي وذكر أنّ الحواشي من سمات عصر المالكي والعثمانيين، ولا يلتزم المُحشي بالتعليق على كل ما في الكتاب بل يقتصر على مسائل تقل أو تكثر ويضع تعليقاته عليها والتقريرات وهي اصطلاح علمي للتعليقات التي تكون على الحواشي أثناء التدريس والنظر، وهي تتميم للحاشية وإكمال لها.
في المبحث الثالث: تحدث عن دعوات تجديد الصياغة الفقهية المعاصرة وأن منها ما يتجه إلى التنزيل ومنها ما يتجه إلى التدريس ومنها ما يتجه إلى الصياغة وهي التي تعنيه بطبيعة الحال.
وقد أشار إلى أن بعض مسائل الفقه الإسلامي التي تدرس اليوم في معظمها فقه تاريخي لا يُعالج قضايا العصر ومشكلاته.
وقد تطرق الباحث إلى أن الدعوة باتخاذ الفروع المنقولة ظهريا وعدم التعويل عليها فإن فيها إزراء بجهود قوافل الفقهاء الذين حرروا أحكام الشريعة وحققوا مناطاتها، وسبروا عللها، وغاصوا في دقائقها.
وأشار المؤلف إلى أن من جوانب المراعاة لتجديد كتابة الفقه توخي الصياغة اللفظية للمدونات الفقهية بحسب الشرائح المستهدفة، وأن من الجوانب التجديدية ابتكار أنواع جديدة للتأليف الفقهي، فكما انتهج السابقون طريقة المتون والشروح؛ فنحن بحاجة لتوظيف أنواع وأشكال جديدة لكتابة المادة الفقهية، وقد حصل في عصرنا بعض هذه الطرق ومنها الموسوعات الفقهية ( المعلمات) كالموسوعة الفقهية الشاملة، وموسوعة فقه الصحابة والتابعين والسلف للدكتور محمد رواس قلعجي، وموسوعة القواعد الفقهية للدكتور محمد البورنو.
ومن الجوانب التجديدية وجود المدونات الفقهية وهي مرتبة على الموضوعات وليس على حروف المعجم كما في الموسوعات، وتشتمل على دراسة مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية ومنها ( التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي) للدكتور عبد القادر عودة، و(مصادر الحق في الفقه الإسلامي للدكتور عبد الرزاق السنهوري).
ومنها المجلات الفقهية المُحكّمة، ومنها المقالات الفقهية المنشورة في الجرائد والصحف، بل إن بعض هذه الصحف أسهمت في نشر المدونات الفقهية كجريدة البرهان بالإسكندرية التي طبعت ( لسان الحكام في تعريف الأحكام) وجريدة المنار المصرية التي نشرت ( المغني).
ومن ذلك ربط العلوم الفقهية ببعضها وبالعلوم المكملة لها ومن أبرز ذلك ربط الأحكام بأصولها الأخلاقية ومغازيها الروحية، وكذلك ربط الأحكام بمقاصدها وحكمها التشريعية، وكذلك الإفادة من أدوات المعرفة الحديثة في المجال الفقهي شرط ألا يتخذ ذلك ذريعة للتسور على الأحكام الشرعية بدعوى تاريخيتها .
وتجدر الإشارة إلى أنّ الإفادة من ثورة المعلومات والاتصالات المعاصرة في المجال الفقهي من قضايا التجديد في مجال صياغة الفقه، وذلك مثل جامع الفقه الإسلامي الذي أصدرته شركة حرف لتقنية المعلومات، والذي يُعد أرقى منتج حاسوبي في الفقه بمادته الضخمة التي تضمنت (568) مجلداً وتشتمل على ربع مليون صفحة تقريباً.
ومن مجالات التجديد إعادة تقسيم الفقه وتبويبه، فثمة مسائل وقضايا باتت ذات أهمية في واقعنا الحياتي، من أراد البحث فيها في مسائل الفقه الإسلامي حسب تبويباته المعروفة سيجد معاناة كبيرة في التقاط المعلومة الفقهية ومن ذلك قضايا البيئة وحقوق الإنسان وواجباته وأنظمة الحكم الحديثة.
ومن وسائل التجديد تبسيط الأسلوب وتجديد وسائل العرض من خلال الرسوم التوضيحية والجداول والخرائط والخطوط البيانية.
ثم تطرق المؤلف للحديث عن المصطلح الفقهي وأن الفقهاء يتناولون في كتبهم المصطلحات الفقهية في مؤلفات مفردة تحت اسم ( لغة الفقهاء) أو ( غريب الفقه) أو ( الحدود الفقهية) أو ( التعريفات الفقهية) وما شابه ذلك ك (طلبة الطلبة) عند الحنفية و( شرح حدود ابن عرفة) عند المالكية، و( الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي) عند الشافعية، و( الدر النقي) عند الحنابلة.
والمصطلحات منها ما يكون ذا أصل شرعي كالصلاة والحج ويُطلق عليها ( الأسماء الشرعية) ومنها ما يكون اصطلاحاً أو استقراء لمعنى جاءت به الشريعة فتواضع الفقهاء على لقبٍ له، كالتيمم والتعصيب ، فيكون الاصطلاح حينئذٍ عرفيا.
وانتقل إلى قضية مهمة تتعلق بالتعريفات وذكر أنّ متقدمي الفقهاء لا يتطلبون العناء في تصوير الحدود ومحترزاتها، وإنما ظهر ذلك في المتأخرين الذين تأثروا بكتابات المناطقة وغلب على كلامهم الاعتناء بالألفاظ وأثرت فيهم الفلسفة على نحو لا يُحتاج إليه من الناحية العملية التي هي غاية الفقه وما يُبتغى منه، ومثّل على ذلك بأمثلة من تعريفات العلاّمة ابن عرفة المالكي وما فيها من عناء في التصور والفهم.
ثم تحدث عن المصطلح ونشأته بداية من عصر التشريع وذكر أمران مهمان:
الأول: أنه كثر في القرآن وبأساليب مختلفة التنبيه إلى أهمية ضبط الألفاظ وخطورة الكلمة، وأهمية تقويم اللسان واختيار أحسن الألفاظ.
الثاني: أنه قد تقرر في أذهان الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته كثير من الأسماء الشرعية بدلالاتها غير أن الكثير من المعاني التي تقررت في أذهانهم لم يكونوا يصطلحون على أسماء لها، بل كانت عباراتهم جارية على النمط العربي العام.
أما المصطلح الفقهي قبل رسوخ المذاهب فقد بات يتطور بسبب تطور أحوال الناس بعد الفتوح واستيطان المسلمين لبلاد الحضارات القديمة، والثاني تطور حال العلم ذاته باستعمال الفقهاء ألفاظاً ومصطلحات جديدة لتقريب العلم للناس وإفهامهم أحكام الشريعة.
ثم جرت المصطلحات الفقهية بعد رسوخ المذاهب وقد بدأت البداية الفقهية الجادة بظهور القرن الرابع وكانت مساعدة لتطور الاصطلاح الفقهي المنضبط من حيث التقسيم العلمي بطريقة منضبطة، والصبغة العلمية المتعلقة بالتقعيد والتأصيل، ووجود الخلاف الاجتهادي الذي ينشأ عنه توليد معانٍ وابتكار مصطلحات وتحرير ألفاظ؛ لئلا يتوصل الخصم إلى فرض منهجيته من خلال فرض اصطلاحاته، ومنها كذلك المدنية والحضارة التي زامنت نشأة المذاهب الفقهية وتدوينها، فإن هذه المدنية كان لها أثرها على المجتمع الذي يشكل الفقهاء شريحة.
وفي المطلب الثاني تحدث عن أهمية المصطلح الفقهي حيث أنه فرع عن أهمية المصطلح بوجه عام؛ لأن المصطلحات مفاتيح العلوم، كما أن غزارة المصطلحات في العلم أو الصناعة تدل على مدى رقيها وتطورها.
والفقه من أحوج ما يكون ليكون به ضبط صحيح للمصطلح لأن الفقه :
1. يشكل بالنسبة للمسلمين مقوماً من أهم مقوماتهم وميزاتهم التي يتميزون بها عن غيرهم.
وقد نبه المؤلف إلى أن بعض المصطلحات المشتركة قد تكون عند المسلمين لها معنى إيجابي وعند غيرهم معنى سلبي مثل كلمة (الأصوليون) فمعناها عند المسلمين العلماء المتخصصين في علم أصول الفقه، وعند النصارى معنى تولد من الصراعات داخل الكنيسة ولهذا كان غريباً على المجتمع المسلم.
2. تقرر في كلام الفقهاء أنه لابد للفقيه من معرفة أعراف الناس وعاداتهم في التخاطب.
3. أن من شأن ضبط المصطلح أن يضبط الخلاف ويوجه مساره وتحرير المصطلحات.
وقد ذكر المؤلف أن الخلل الاصطلاحي يقع في واحدة من ثلاث مراحل:
المرحلة الاول فهم المصطلحات الشرعية ذاتها.
المرحلة الثانية فهم مصطلحات الناس ومراداتهم بها.
المرحلة الثالثة: تنزيل مصطلحات على ما يلائمها من مصطلحات الشريعة ليعلم حكمها.
ومن القضايا التي تحدث عنها ضوابط وضع المصطلح الفقهي، وهي:
1. أن تحصل مناسبة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي الذي يُراد استعمال اللفظ فيه.
2. ألا يتضمن المصطلح الفقهي مفسدة في نفسه أو خروجاً على قواعد الشريعة في تسمية الأشياء.
3. أن يكون واضع المصطلح من أهل الاختصاص فليس كل أحد مخولاً بوضع المصطلحات.
4. أن يتفق على المصطلح جماعة تحصل المواضعة بمثلهم.
5. أن توجد حاجة تقتضي وضع المصطلح.
6. أن يكون المصطلح جارياً وفق سنن اللغة العربية.
ثم تحدث عن ضوابط في فهم المصطلح الفقهي، وهي:
1. أن الأصل في الأسماء والمصطلحات الفقهية إقرارها وبقاءها وعدم جواز تبديلها.
2. أن الأصل في الأسماء والمصطلحات الفقهية أن تُحمل على معانيها الشرعية لأن شأن الشارع أن يُبيّن أحكام الشرع لا أحكام اللغة
3. أن العناية بمعاني الأسماء والمصطلحات الفقهية مقدمة على الوقوف على ألفاظها إذ الأحكام متعلقة بها
ثم تحدث عن تطور المصطلح الفقهي من حيث أثر النهضة الحديثة في تطور المصطلح الفقهي وأثر المصطلح الفقهي في تطور الفقه، فقد كان لتطور المصطلحات الفقهية والاجتهاد في ضبط دلالاتها أثر في تطور الفقه بوجه عام
في الفصل الثاني تطرق المؤلف إلى المصطلح الفقهي في العصر الحديث.
وتحدث فيه عن أثر المصطلح الفقهي في تطور الفقه، ويُمكن إجمال أبرز تلك النقاط بما يلي:
1. تطور الحياة المعاصرة أثرى في المادة الفقهية والمصطلحات المتعلقة بها وكان للمعاجم والموسوعات الفقهية دور كبير في ذلك.
2. تقريب وجهات النظر المختلفة في أحكام كثيرة ومسائل لا تحصى؛ وكثير من الاختلاف الواقع بين الفقهاء إنما هو اختلاف في تحرير محل النزاع.
3. كثير من الخلاف الفقهي يرجع إلى خلاف حول الحقيقة الشرعية للاسم الشرعي، أو طبيعة المصطلح الفقهي، فيكون المصطلح ذاته منطلقاً للخلاف؛ فيكون مجالاً لإثراء المادة الفقهية.
4. فهم منهاج الفقهاء في التعامل معها تأصيلاً وتدليلاً وتخريجاً فيستدل بالظاهر على الخفي ويُعرف المسكوت عنه من المنصوص عليه ، فإذنه إذا اختلف الحكم على اصطلاح معين فلعلة ما يختلف، وتتبع تطور دلالة المصطلح مما يكشف ذلك.
5. الدراسة التحليلية للمصطلحات الفقهية تسهم في تطوير وإثراء عامة العلوم الفقهية ومن ذلك علم الفروق الفقهية.
6. كان للمصطلح الفقهي دور كبير في مقارعة المصطلحات القانونية ومزاحمتها، لا سيما وفيه توحيد للاستعمال عوضاً عن تعدد المصطلحات القانونية في البلاد العربية المختلفة.
وفي المبحث الثاني تحدث عن دعوات تجديد المصطلح الفقهي ومنها : تكشيف المصطلحات الفقهية ، وتجريد المصطلحات الفقهية، وتوحيد المصطلحات الفقهية والقانونية.
وفي الفصل الثالث تحدث عن المقارنات التشريعية وأثرها في تطور المصطلح الفقهي
وذكر أن من أهدافها إظهار فضل الشريعة وكمالها على غيرها من تشريعات البشر.
وأن المقارنات التشريعية فرزاً لما يُخالف الشريعة من القوانين الوضعية المطبقة في البلاد الإسلامية.
وأن المقارنات التشريعية تخط درباً لاحباً للطلاع على القوانين الأخرى والتعرف عليها والحكم عليها بعلم وعدل.
وفي المبحث الثاني تحدث عن نشأة المقارنات التشريعية وأثرها في تطور المصطلح الفقهي ، وأنّ المقارنات التشريعية ظهرت من جراء الاحتكاك التشريعي بالقوانين الغربية الذي طرأ في أواخر الدولة العثمانية وفي البلاد المصرية.
وفي المطلب الثاني فقد ذكر المؤلف أثر المقارنات التشريعية في تطور المصطلح الفقهي؛ فلا يمكن الحديث عن أثر المقارنات التشريعية في تطور المصطلحات الفقهية بمعزل عن أثر القوانين الأجنبية في بنية المجتمعات العربية والإسلامية ذاتها.
وحين رزحت الأمة تحت نير الاحتلال والاستعمار كان من جرّاء ذلك أن نفر طوائف من الفقهاء إلى الكتابة في المقارنات التشريعية لسد ما يمكن سده من هذه الثغرات ولأجل الحيلولة بين المتنفذين وبين الاعتذار بعدم وجود البديل الشرعي، مما أدى لأن تنتقل جملة وافرة من المصطلحات من البناء القانوني للبناء الفقهي ، ويذكر الدكتور هيثم أن هذا يحتم على الفقهاء وجوب التأني وحسن التفهم عند تخريج هذه المصطلحات والكلام عنها والحكم عليها؛ فإن من شأن العجلة أن توقع في أخطاء منهجية في تصور المصطلحات والبناء عليها.
وفي الباب الثاني تحدث المؤلف عن تقنين الأحكام الشرعية وتحدث عنه من حيث مفهوم تقنين الأحكام ونشأته واتجاهاته.
وتحدث عن أفضيلة اعتبار التقنين للفقه وليس للشريعة لأن الفقه استنباطات غالباً أما الشريعة فهي وحي، ثم تحدث عن الفوارق عن القانون والنظام، ونفرة عدد من العلماء عن استخدام مصطلح القانون بسبب ارتباطه بالقوانين الأجنبية .
ثم تطرق لقضية تقنين الأحكام الشرعية وذكر أن هنالك إلحاقات يرى بعض الناس أنها قد تكون مثل التقنين ككتاب الرسول صلى الله عليه وسلم في وثيقة زكاة الإبل والغنم، ودستور المدينة، ولكنه ذكر أن هذا من قبيل التزيد والتمحل، وكل ذلك غير مشتمل على عناصر التقنين المعاصر الذي يتنازع فيه الفقهاء، وقد ذكر أن من الإجراءات التي ظنّ أنها كانت من قبيل التقنين للشريعة دعوة المنصور للإمام مالك ليفرض فقه الإمام مالك على أهل المدينة، ويذكر المؤلف أن الكثير من المؤرخين لفكرة التقنين في تاريخ القضاء في الإسلام يذكرها كبداية وسابقة توضع في سياقها، لا سيما وأن الإمام مالك لما يدفع رأي المنصور بالتحري والإنكار، وإنما رغب أن يترك الناس على ما استقر عندهم من الفقه والعرف.
غير أن الدكتور الرومي يقول: لا يخفى الفرق بين ما هم به المنصور وأبناؤه وبين التقنين المعاصر الذي يتنازع فيه الفقهاء؛ فإن ما هم به المنصور ليس تقنيناً بالمفهوم المعاصر لهذا المصطلح، بل هو إلزام بمذهب أهل المدينة في القضاء.
ولعل ما جاء في معنى هذا الإلزام ما جرى عليه عمل الناس في القرون المتأخرة من التزام القضاة الحكم بمذاهب أئمتهم لغلبة التقليد عليهم.
وقد تحدث المؤلف عن دواعي التقنين إذ إن ذلك منجاة من استيراد القوانين الوضعية التي كانت تتهدد الديار الاسلامية بجاذبية عرضها، وكذلك صعوبة الرجوع للمدونات الفقهية المطولة ، وكذلك الحاجة لاستقرار النظام القضائي باستقرار الأحكام وموثوقيتها وصدورها عن لجان علمية مؤهلة، فضلا عن تعريف الناس بالأحكام القضائية وتمكينهم من الاطلاع عليها بيسر وسهولة.
وفي المطلب الثالث تحدث عن بداية تقنين الفقه الإسلامي ومن أبرز ذلك مجلة الأحكام العدلية وهي مستمدة من المذهب الحنفي، وهي مختصة بالتقنين المدني فلم تشتمل على قسم العبادات بطبيعة الحال ولا الأحوال الشخصية ولا العقوبات.
ومجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل التي وضعها قاضي مكة الفقيه الحنفي الشيخ أحمد القاري.
أما اتجاهات التقنين فقد تحدث عنها في المبحث الثالث
فتحدث عن الاتجاه الفقهي الأول: حيث يُصاغ التقنين من الفقه بحيث ينطلق المقنن من الفقه ذاته، لكن هذا قد يصطدم مع قضية التلفيق بين المذاهب في التقنين وهو الأخذ بقول أكثر من إمام أو مذهب سواء في جزئيات المسألة الواحدة أو في المسائل المختلفة.
وقد أطال المؤلف في بحث هذه القضية، وذكر اختلاف الفقهاء فيها وكان من أبرز أسباب الاختلاف خشية الوقوع في تتبع الرخص والتشهي في الأخذ بين المذاهب.
وقد ذكر المؤلف أن العمل على جواز التلفيق بين المذاهب المختلفة هو رأي معظم المعاصرين حالة تقنين الأحكام الشرعية.
ومن داعي التلفيق تطور الحياة في العصر الحديث حيث جدّت أوضاع وأحوال لم يتطرق إليها الفقهاء في مصنفاتهم.
والاتجاه الثاني : الاتجاه القانوني تحدث عنه المؤلف في المطلب الثاني والمراد به أن يعمد على القوانين الوضعية القائمة فتنسب إلى الشريعة الإسلامية متى كان ثمت وجه لإلحاقها بها.
ويرى المؤلف الرومي أن هذا النهج معيب لأن التقنين لم ينطلق من الفقه ذاته بل من قوانين اخرى .
كما أنّ أحكام الشريعة لا تقوم على المصلحة وحدها فالمصلحة بحد ذاتها ليست دليلاً مستقلاً.
وفي الفصل الثاني تحدث طويلاً عن مشروعية التقنين وفيه مبحثان:
وتحدث فيها عن مبدأ التقليد بالفتوى، وقد خلص من هذا أن معظم المتأخرين من أصحاب المذاهب يذهبون إلى أن القاضي المقلد متى ألزم بمذهب معين فإنه يلتزم به، وبنى عليه قوله بما أن الغالب على قضاة اليوم التقليد ومن كان منهم له أهلية نظر وترجيح فإنه داخل في حكم المقلد في الجملة لا في حكم المجتهد الذي يحكي الإجماع على المنع من إلزامه، على نحو ما قرره متأخرو فقهاء المذاهب، مع أنّه لو قُدّر مجتهد فإن الحكم للغالب، والنادر لا حكم له.
وفي المبحث الثاني موقف الفقهاء المعاصرين من التقنين ، ممن يقول بالمنع، أو بالوجوب، أو بالجواز وقد احتج من أجازه بالضرورة الداعية لذلك، والنصوص الدالة على طاعة ولاة الأمر، إضافة إلى المصلحة المتحققة الموافقة للسياسة الشرعية التي لا تُعارض قواعد الشرع، وأن الخلفاء في بعض الأحوال كانوا يلزمون بأحد الأقوال في الخلافيات .
وقد رجح د. هيثم الرومي أن حكم التقنين جائز، من حيث النظر الإجمالي وأنه وسيلة صحيحة للحكم بين الناس بالعدل والحق، متى كان صادراً وفق أصول صحيحة واجتهادات منضبطة، فالحق لا يتعين في قول أحد من مجتهد أو غيره، والمجتهد إذا اجتهد لا يصف رأيه بأنه الحق.
وفي الفصل الثالث تحدث عن واقع تقنين الأحكام الشرعية في العصر الحديث وأثره.
أما موقف الأنظمة القضائية المعاصرة من التقنين فإن المؤلف يلحظ أنفي الأنظمة القضائية المعاصرة اتجاهين متغايرين: أولهما:
الاتجاه الانجلسكسوني وعلى رأسه النظام الإنجليزي، وهو الاتجاه الذ يتشكل القانون فيه من خلال السوابق القضائية والأعراف دون أن يُصاغ في أحكام مدونة.
والاتجاه الثاني هو الاتجاه اللاتيني وعلى رأسه النظام الفرنسي وهو الاتجاه الذي تتولى السلطة التشريعية فيه وضع التقنيات، ويتولى القضاة تطبيقها فحسب على القضايا المعروضة لهم دون أن يكون لهم دور في صياغة أحكام جديدة.
ثم تحدث عن مدونات التقنين في المملكة العربية السعودية والبلاد العربية عموماً.
ثم تحدث في المبحث الثالث عن أثر التقنين في تطور الفقه وأنّ من هذه الآثار ما هو عائد إلى الناحية الشكلية، ومنها ما يعود إلى الناحية الموضوعية.
وفي الباب الثالث تحدث المؤلف عن النظرية الفقهية مفهومها ونشأتها وأهميتها وأقسامها وعناصرها وما يتعلق بها من كلام عند الفقهاء المعاصرين.
فقد ذكر أن النظرية لها معنى عقلي يحمل تفسيراً لجملة من الحقائق والمفاهيم المترابطة فيما بينها.
وقد بيّن أن مصطلح النظرية الفقهية مصطلح حادث، وأنه مصطلح مستورد من القوانين الغربية ، وقد نقل تعريفات بعض الفقهاء لها وبعد إيراده لتعريفاتهم ذكر أن الجانب الحقوقي بارز في النظرية، وأنها تقوم على أساس موضوعية الأحكام الشرعية وتعليلها، وأنها استكشاف لا تأسيس ولهذا فإنها تعتمد على الدرس المحض والاستنتاج ويقل فيها الاستنباط.
وقد عرّف النظرية الفقهية أنها: مجموعة أصول وقواعد وأحكام فقهية ذات صلة موضوعية وعلاقات متعددة من شأنها تفسير عامة ما هو داخل في موضوعها من الجزئيات.
ثم تحدث عن الألفاظ ذات الصلة في النظرية الأصول مثل النظام، والقاعدة الفقهية، وقد أوضح الباحث أن ثمة فروق بين القاعدة الفقهية والنظرية الفقهية؛ فالقاعدة الفقهية تمثل درجة من درجات التطور المطرد الذي تشهده البحوث الفقهية من حيث الدراسة الموضوعية.
وذكر بعض الفروق بين النظرية والقاعدة الفقهية، ثم تحدث عن النظام وذكر أن الدافع إلى ذكر مصطلح النظام في الألفاظ ذات الصلة بمصطلح النظرية أن من الفقهاء المعاصرين من يميل إلى استبدال مصطلح النظام بمصطلح النظرية لما في استخدام المصطلح الأخير من إيهام بصدور أحكام الفقه عن عقول البشر.
ثم تحدث عن نشأة النظرية الفقهية وبيّن أنها متأخرة، وأنه مهما قيل في سبب تأخر كتابة النظريات في الفقه الإسلام فإن مما ينبغي أن يكون متقرراً أنه ما دام الهدف النهائي للنظرية هو إعطاء التفسير العام للجزئيات فإننا لو فحصنا العلوم الفقهية المختلفة لوجدنا عامة ما يمكن أن يندرج تحت نظرية ما قد سبقت الكتابة في مثله أصولاً وفروعاً وفروقاً وقواعد ومقاصد كما أن الغاية من الجزئيات المترفقة واضحة جلية لارتباطها بأصول الشريعة وكلياتها التي تضمنتها نصوصها.
وقد تحدث عن دوافع الاتجاه بالكتابة في النظرية الفقهية وأن هذا بسبب الاحتكاك بين الفقه والقانون، كما أن طائفة من الفقهاء المحدثين والمعاصرين اتجهوا للكتابة في النظريات الفقهية بقصد البرهنة على ثراء الفقه الإسلامي وغناه وحيويته، وأن الفقهاء المسلمين قاموا بذلك كسبيل لمقاومة النظريات الغربية، وأنهم قاموا بذلك من باب التيسير على المعاصرين في فقه وفهم طبيعة الفقه الإسلامية.
ثم تحدث عن جهود المتقدمين في التنظير الفقهي مما يشمله صياغة القواعد والمعاني الكلية المشتركة في أركانها وشروطها وأحكامها، وقد كان رد الجزئيات للكليات هم فقهي قديم هدى لكثير من مقاصد الشريعة وعلهها، وقد ذكر جملة من مثل هذه الكتب ، ولهذا وجدنا طائفة ممن عني بالكتابة في النظريات الفقهية من المعاصرين يشرحون أنهم يستفيدون مادة النظرية من المدونات الفقهية الأولى، وأن ما كتبه الفقهاء من مسائل وأحكام في كتب الفقه وأبوابه يستوعب مادة يمكن صياغة النظريات الحديثة منها، وإنما يحتاج ذلك إلى الجمع والتجريد.
وقد تطرق لفوائد النظرية الفقهية وأنها تيسر الفهم لموضوعها، وتعين على إدراك وتحصيل المعاني الجامعة التي تنبث في تفاريق كلام الفقهاء وتضاعيف مصنفاتهم، وفيها ضم للمسائل الكثيرة وإرجاع لها إلى أصل واحد، وعقد الموازنات والمقارنات بينها وبين النظريات الفقهية الاخرى، وإثبات فضل الشريعة وغناها.
وفي الفصل الذي يليه تحدث عن أقسام النظرية الفقهية فكذرها أنها نظريات أصولية أو نظريات فقهية وذكر نماذج من الكتب المتعلقة بتلك النظريتين، وبين أن النظريات تختلف باعتبار منشأ موضوعاتها .
وفي المبحث الثاني تحدث المؤلف عن عناصر النظرية الفقهية.
وذكر بداية تنبيهاً لطيفاً أن العناصر مع أنّ استعمالها بهذا المعنى إلا أنه لم يكن مألوفاً في المجال الفقهي، بل يغلب استعمالها في المركبات المادية.
وذكر أنه يمكن استعمالها كعناصر ذات خصائص وأوصاف لا تكاد تنفك عنها النظريات الفقهية حيث تستوفي النظرية أنحاء موضوعها، ومنتظمة حيث يحصل الاستقراء للمعاني الكلية في موضوع محدد غير كافٍ، ومتوازنة حيث ارتبطت النظريات الفقهية منذ نشأتها ارتباطاً واضحاً بإجراء الموازنة بينها وبين ما يُقابلها من النظريات القانونية الغربية.
وفي الفصل الخامس تحدث المؤلف عن النظرية الفقهية لدى الفقهاء المعاصرين
في المبحث الأول تحدث عن موقف الفقهاء المعاصرين من النظرية الفقهية، وذكر أنه حصل اعتراض من الفقهاء المعاصرين على استخدام مصطلح نظرية لأنه مصطلح مشتق من النظر المكتسب بالتأمل ويحتمل الصواب والخطأ في حين أن الفقه يستند على النص الشرعي وما بني عليه ، ولهذا فمن غير المستساغ أن يُستعار هذا المصطلح الأجنبي للدلالة على أحكام الشريعة التي تستند في أصولها ومبادئها وجملة من أحكامها إلى القطع واليقين.
وذكر المؤلف أن هذا الاعتراض اعتراض متبصر يدل على وعي حضاري بإشكالية المصطلح الأجنبي وخطورة استعارته وضمه إلى بناء ثقافي وحضاري مختلف.
غير أنه ذكر جواب بعض العلماء الذين استخدموا هذا المصطلح وأجابوا عنه ومن ذلك أنه خلاف شكلي لا يمس الجوهر، ويرى الباحث أن هذا تجاوز لإشكالية المصطلح ورضوخ لترجمة لا يلزم أن تكون واعية بالضرورة.
لكنهم يقولون أن النظر المشتقة منه اسم النظرية لا يلزم أن يكون مقابلاً للعلم الضروري القطعي، كما جرى بذلك اصطلاح المنطقيين، بل المقصود بالنظر النظر الشرعي المتصف بالضوابط والقيود الشرعية.
وقد نبّه إلى أنّ الفقه ليس حصيلة النصوص الشرعية المجردة ، وإنما يجمع إلى ذلك اجتهادات العلماء في فهمها وتفسيرها والقياس عليها والبناء على مقاصدها، والنظريات الفقهية إنما هي دراسات علمية منصبة على فقه الفقهاء، فللنظر إذاً مدخل في بناء الفقه ونظرياته.
وفي المبحث الثاني ناقش المجالات التي تناولها المعاصرون بالتنظير الفقهي .
أما في المبحث الثالث ففيه حديث عن كيفية دراسة النظرية الفقهية عند الفقهاء المعاصرين فمثلاً حول نظرية العقد يهتم الباحثون بتحرير الاصطلاحات الفقهية بشكل ظاهر لما لها من أهمية بالغة في تحديد المعاني الفقهية ورسم حدودها وعلاقتها، وكذلك توجد عناية واضحة بالتقسيم الكلي وترتيب المادة العلمية وتنظيمها، وإن اختلفت درجة التنظيم من دراسة لأخرى، وتبدو الاستفادة من الترتيب القانوني ظاهرة في بعض المواطن، ويكثر الاهتمام بالدراسة الفقهية المقارنة، سواء كانت بالمقارنة بين المذاهب الفقهية الأربعة، أوب المقارنة بينها وبين القوانين العربية والعالمية، وما يتوافق منها مع الفقه الإسلامي أو أحد مذاهبه.
وتعتني النظريات على وجه العموم بإبراز النظريات والمبادئ والأصول الحاكمة في الوحدات الموضوعية الكبرى في مجالها، فتكون النظرية مشتملة بدورها على جملة من النظريات التفصيلية الموجهة لأنحاء موضوعها، وقد يُشار إلى موقف القانون الأجنبي من تلك النظريات كنظرية مقتضى العقد، ونظرية سلطان الإرادة العقدية وغيرها.
والنظريات تعنى بإبراز الأصول والمبادئ الكلية وتُعنى كذلك ببيان الاستثناءات من تلك المبادئ والقواعد.
وقد بيّن أن النظريات كذلك تتفاوت في قوة استخلاص الكليات من الجزئيات، والمعاني المشتركة من الفروع التطبيقية، وفي بعضها دقة في التقسيم أكبر من البعض الآخر.
وفي المبحث الرابع تحدث عن أثر النظرية الفقهية في تطور الفقه حيث أسهمت النظريات الفقهية في تطور الدراسات الموضوعية المعاصرة بشكل ملحوظ، وفي رفع مستوى الوعي القانوني، والعودة إلى مكابدة المطولات الفقهية والمعالجة لأحكامها ومسائلها واستخراج ما فيها من كنوزٍ فقهية وتشريعية غائرة.
وفي نهاية هذه المراجعة والعرض لهذا الكتاب؛ يُمكن القول أنّ معالجة قضية الصياغة الفقهية وما يتعلق بها من مصطلحات، لا تتوقف على دراسة أو دراستين؛ بل لابد من إجراء دراسات مختلفة أكثر دقّة كأن تكون دراسات مذهبيّة بدأت من نشأة المذهب حتى عصرنا الحالي، وما يستجده أصحاب المذاهب من صياغات واصطلاحات محددة، وكذلك يجدر القول أنّ مبدأ الصياغات الفقهية والأصولية قد تختلف من زمن ومكان لآخر، وهذا يقضي النظر في هذه الصياغات خاصة فيما يتعلق بجدة الأيام وطروحات الأزمنة التي لا تنقضي.
(المصدر: مركز البيان للبحوث والدراسات)