قراءة مجلة المجتمع الكويتية
بيانات الكتاب:
اسم الكتاب: “نجم الدين أربكان ودوره في الحركة الإسلامية المعاصرة في تركيا”.
المؤلف: د. حسين بكر علي.
الناشر: دار الروضة ـ إسطنبول عام 2017م.
صدر للباحث التركي د. حسين بكر علي كتاب بعنوان “نجم الدين أربكان ودوره في الحركة الإسلامية المعاصرة في تركيا” عن دار الروضة في إسطنبول عام 2017م، ونعرض أهم ما جاء في الكتاب، حيث يقول الباحث:
يعتبر السياسي والمفكر التركي نجم الدين أربكان من الشخصيات الإسلامية المهمة في القرن العشرين، ويمثل علامة بارزة في الواقع التركي السياسي المعاصر منذ خمسين عاماً، فقد استطاع للمرة الأولى في التاريخ التركي المعاصر أن يأتي بالإسلاميين إلى السلطة في بلد يعد من أعتى قلاع العلمانية.
تفرد أربكان عن الحركات الإسلامية المعاصرة في اختيار طريق خاص لمبعثه، فوجد بأن الإسلام هو وحده من يستطيع أن يجد الحلول لمشكلات تركيا المتجذرة.
لم يستطع أربكان التصريح عن ميوله الإسلامية علانية في بادئ الأمر من خلال تشكيل أحزابه السياسية، وإنما سعى إلى تغليف اتجاهه الإسلامي بغطاء أخلاقي إصلاحي.
وعند ذكر اسم أربكان أول ما يتبادر إلى الذهن نشاطه السياسي، والجدال الكبير بينه وبين العلمانيين وقياداتهم من عسكرٍ وسياسيين، إلا أن ذلك لم يكن إلا مظهراً من مظاهر شخصيته وتعبيراً واحداً عن أوجه متعددة، فقد كان سياسياً، واقتصادياً، ومفكراً (إستراتيجياً)، لكنه انطلق في كل ذلك من مبدأ إسلامي عميق لم تزحزحه كل التحديات الجبارة التي واجهته، والتي كانت كفيلة بإسقاط أعتى الرجال.
وأحد المظاهر البارزة في شخصية أربكان هو فكره الاقتصادي الذي نبع إلى جانب الأساس الإسلامي الراسخ من التجربة الغنية التي عاشها في لب العمل الصناعي والاقتصادي من خلال تكوينه للمؤسسات الاقتصادية، أو إدارته لغرف الصناعة والتجارة، أو من خلال تبنيه لخطط تطوير الاقتصاد التركي في السبعينيات أثناء تسلمه لمنصب نائب رئيس الوزراء في عدد من الحكومات في حزب السلامة الوطني الذي يعد مؤسسه آنذاك.
ولقد كانت حركة أربكان الإسلامية تحوي مزيجاً من الثقافة الإسلامية والتقليدية القائمة على النظرة الصوفية، مترافقة مع خطاب تنموي.
كان أربكان رائد التصنیع الحديث منذ نهاية الخمسینیات، والجسر الذي نقل الإسلامیین إلى التجربة (الديمقراطیة).
كان أربكان أكثر الساسة الإسلاميين جرأةً، وأكثرهم مباشرةً في تعاطيه مع إسلاميّته، فبمجرد دخوله المعترك السياسي أصرّ على أنّه للوصول إلى الأهداف السياسية هناك باب واحد يُطرق: المجاهرة بالموقف مهما كان الثمن، هكذا أخذ عليه تلامذته، حكام اليوم، من رجب طيب أردوغان، وعبدالله جول، والآخرين، محافظته على خطاب واحد منذ عام 1970م حتى وفاته.
وقد أكد هذا الكتاب على الآتي:
1- يعد حزب النظام الوطني، الذي أسسه نجم الدين أربكان أول تكوين سياسي جاد يشكله الإسلاميون المعارضون بعد بداية حركة التغريب في الدولة العثمانية فمنذ تأسس الجمهورية التركية وحتى تأسس حزب النظام الوطني لم تظهر معارضة دينية إسلامية في شكل مستقل فالمعارضة الدينية سواء في فترة الدولة العثمانية أو في فترة الجمهورية قد أخذت شكل معارضة للتغريب من حيث المظهر والشكل أمّا حزب النظام الوطني فكان نواة لصياغة مشروع نهضوي خاص يتخذ القنوات السياسية وسيلة لتنفيذ أهدافه وتحقيق مراميه.
2- إن مشاركة حزب السلامة في الحكم أتاحت له تعزيز نفوذه داخل إدارة الدولة وفي الحياة العامة فتم فتح عدد كبير من مدارس الأئمة والخطباء وإصدار قانون يقضي بمساواة تلك المدارس بالمدارس الثانوية الرسمية والسماح للحاصلين عليها بالتقدم لمختلف الجامعات التركية كما فرض الحزب إدخال مادة الأخلاق (التربية الإسلامية) كدرس إجباري في المدارس والسماح بالسفر براً للحجاج الأتراك بعد أن كان محظوراً.
3- إن مشاركة حزب السلامة في الحكم خلال السبعينيات أسست للحالة الدينية في تركيا للسنوات اللاحقة من خلال تشكيل بنية إسلامية نشطة امتدت إلى رحم المجتمع التركي.
4- أصبح النشاط الإسلامي ملموساً في تركيا في المدة الواقعة بين 1972-1980م حيث قامت الصحف الإسلامية بانتقاد العلمانية، والدعوة إلى تطبيق الشريعة، وكان هذا هو السبب الرئيس في قيام الجيش بانقلاب 21 سبتمبر 1980م.
5- شكلت حركتا النور، والسليمانيين والطريقة النقشبندية البطانة الأساسية التي اعتمدت عليها الحركة الأربكانية للانتقال بالفكر الإسلامي من مرحلة الفكر الصوفي ذي الأهداف الاجتماعية فحسب، إلى الفكر السياسي وتفعيل الطروحات الإسلامية في مجال السياسة والمجتمع داخل الإطار القانوني (الديمقراطي) بواسطة أحزابها (النظام، والسلامة، والرفاه، والفضيلة، والسعادة). وقد تفاعلت المجموعة النقشبندية التي شكلت حزب النظام الوطني والسلامة الوطني، مع المجتمع التركي وفق ما فرضته الأوضاع السياسية والشكل السياسي الجديد للنقشبنديين كان حزب الرفاه الذي أخذ بالتحول تدريجياً ليصبح حزباً سياسياً لكل المجتمع التركي مع الاحتفاظ بمرجعيته الإسلامية.
6- مما هو جدير بالملاحظة ذلك التحول الذي بدا واضحاً في سلوك حزب الرفاه سواء في دعايته الانتخابية أو في تصريحاته ومؤتمراته. فغدا أكثر جدية في إصراره على التعددية الحزبية ومحاولة التأكيد دوماً على إيمانه بوجوب العمل السياسي ضمن الإطار العلماني لنظام الدولة وهو في مسعاه لذلك يحاول إحداث تغيير مبني على ممارسات وأدوار تراكمية تضمن له ديمومته وفي نفس الوقت تسدل الستار عن صورته القديمة في شكل حزب يسعى إلى التغير الجذري.
7- يمكن أن نستنتج أن ما سعى إليه أربكان من خلال عمله في الحكومات العديدة أمور عدة:
– تشكيل أمم متحدة للأقطار الإسلامية.
– تشكيل سوق إسلامية مشتركة.
– إنشاء عملة إسلامية موحدة (الدينار الإسلامي).
– إنشاء قوة عسكرية تدافع عن العالم الإسلامي.
– إنشاء مؤسسات ثقافية تبني الوحدة الثقافية والفكرية القائمة أساساً على الإسلام.
8- قدم أربكان حلولاً لمشكلات الاقتصاد التركي ضمن منظومته الفكرية التي أطلق عليها تسمية النظام العادل من بينها إلغاء الفائدة الربوية وتشجيع الاستثمار وإعادة توزيع الفعاليات الاقتصادية بصورة عادلة في عموم تركيا.
9- يعد الدور الذي يؤديه الجيش التركي في الحياة الحزبية أساسياً، فالجيش وإن كان يقف بعيداً عن السياسة إلا أنه يراقب الوضع عن كثب ويتدخل عند اللزوم من وجهة نظره.. وقد رأينا ذلك من خلال إسقاطه لحكومات عدة في تاريخ تركيا وفرضه الحكم العسكري بالقوة.
10- تميزت التجربة الأربكانية بتقديم رؤية مختلفة لعلاقة الدين بالدولة، على امتداد مسار التجربة وتحولاتها. لقد كشفت تجربة أربكان في تركيا أنه يمكن لأحزاب بخلفيات إسلامية أن تكون أداة للتحول (الديمقراطي)، وليس إجهاضاً له، كما أنه يمكن في مجتمع مسلم أن تنشأ وتنمو تجربة سياسية تعددية، يسود فيها التسامح ويحتكم فيها إلى القانون دون أن يكون ذلك كله متناقضاً.
وفي النهایة یجب الإشارة إلى أن الحركة الأربكانیة بمشروعها المسمى الفكر الوطني تعد نقطة تحول كبرى في تاریخ الفكر الإسلامي في تركیا، فقد مزجت هذه الحركة بین الجانب الدیني التصوفي في شكله التركي وبین الجانب الثقافي العلمي والجانب السیاسي الذي یراعي المصالح الوطنیة وهذه الجوانب مجتمعة جعلتها حركة مجتمع لا تقتصر على مجموعة بشریة معینة أو فكرة دینیة تلتف حول ممارسة طقوس إسلامیة محدودة.
(المصدر: مجلة المجتمع)