قراءة في كتاب (الحُكمُ الرَّاشد وأثرُه فـي تجفيف منابع التَّطرُّف) للدكتورة سهام داوي
(خاص بالمنتدى)
إنَّ ظاهرة التطرُّف من الظواهر التي أضحت تهدّد أمن المجتمعات المعاصرة على اختلاف مشاربها ودواعيها، وهي في غاية التعقيد باعتبارها ملتقى للعوامل المتشابكة سياسية واجتماعية ودينية ونفسية وغيرها، فلا يكاد يسلم مجتمع منها، ولا تكاد تنأى أمة عنها، مع اختلاف في طبيعة هذا التطرُّف، والمظهر الذي يتجلى فيه، عبر أفراد وجماعات تحمل العداء لمجتمعاتها، وتهدد أمنها واستقرارها، من منطلق مرضي نفسي يملي الحقد، ويقود إلى العدوان، وفي حالته الدينية عندنا يسوّغ التكفير والتضليل على غير بيّنة.
وإنّ الغُلُوَّ والتطرُّف مما ابتُليت به هذه الأمة، وهو واقع فيها، كما بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: «لتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ من قبلكم شِبْرًا بِشِبْرٍ، وذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حتى لو سلكوا جُحْرَ ضَبٍّ لسلكتموه»، قلنا: يا رسول الله، اليهودَ والنَّصارى؟، قال: «فَمَنْ»، فاليهود والنصارى قد غلوا، وقد نهاهم الله جل وعلا عن ذلك، لكنهم لم يتركوا غلوّهم، كما قال الله تعالى: ﴿ وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَى ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِۖ ذَٰلِكَ قَوۡلُهُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡۖ يُضَٰهُِٔونَ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ ٣٠ ﴾، وقال الله -جل وعلا-: ﴿ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ ﴾.
فأهل الكتاب أهل غُلُوٍّ، وحذا كثير من هذه الأمة حذوهم، فغَلَوا في أحكام الدين، وغَلَوا في الأشخاص والمعظَّمين، وغَلَوا في الأماكن والقبور، وغَلَوا وغَلَوا، حتى صار الغُلُوُّ سمة ظاهرة في بعض الأمة، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم منه، وعالجه سيد هذه الأمة صلى الله عليه وسلم، فقال: «إياكم والغُلُوَّ في الدين، فإنه أَهْلَكَ من كان قبلكم الغُلُوُّ في الدين».
والنصوص الشرعية تدعو إلى الاعتدال، وتنهى عن التطرّف الذي تعبّر عنه بمصطلحات مختلفة، منها: الغلو، والتنطّع، والتشديد، «فالغالي يتّسم في أخذه للدين بالشدة، ويتّسم في معاملة الآخرين بالعنف، ويتّسم بالتنطّع والتعمق في أفعال الدين».
ولعلّ الغالب على البحث في ظاهرة التطرّف هو الاستنكار والشجب، والوقوف على آثارها في أحسن الأحوال، على حساب البحث في مسبّباتها، وكيفية تجفيف منابعها قبل الاستفحال عبر مختلف الثغرات التي يتسلّل منها هذا المرض المعدي، فكرية كانت أم اجتماعية أم سياسية.
وتؤكّد العديد من الدراسات أهمية إرساء مبادئ العدالة والحرّية وحقوق الإنسان في سياق الإصلاحِ السياسي، والتنميةِ الاقتصادية، واللذين يجرّان معهما تنمية إنسانية حريصة على الارتقاء بالفرد، وكسبه مواطنًا صالحاً ينعم بالحقوق، ولا يقصّر في أداء الواجبات، تحقيقًا للتوازن الاجتماعي المطلوب، وتجفيفًا لمنابع التطرف الذي يهدّد الاستقرار، ويدجّن العقول، وينحرف بالسلوكيات.
وهذه الدراسة من الأهمية بمكان، فموضوعا الحكم الراشد والتطرّف من الموضوعات التي نالت اهتمامًا بالغًا في الآونة الأخيرة، وغالبًا ما يتم تناولهما منفصلين ومن زوايا تتعلق بتخصص الباحثين واهتماماتهم، وهو ما هدفت إلى تداركه هذه الدراسة، من خلال رصد سُبل محاصرة هذه الظاهرة الخطيرة في ظلّ سياسة حكم رشيدة تتعمق في فهمها، وتجفيف منابعها، وتخليص المجتمع من انعكاساتها.
أسباب اختيار الموضوع:
- استفحال ظاهرة التطرف فـي مختلف المجتمعات وتهديدها للاستقرار.
- تستّر المتطرّفين في أغلب أحوالهم برداء الدين، وجنوحهم إلى تكفير وتضليل من خالفهم.
- تعدّي التطرف مجال الفكر إلى السلوك عبر اللجوء إلى العنف والقتل بدم بارد.
- فشل السياسات الأمنية في مواجهة التطرف، ومساهمتها في تأجيجه.
- حاجة هذا الموضوع لمزيد من التفصيل والبحث.
- الرغبة الشخصية في البحث في الموضوع، ودراسة هذه الظاهرة التي تعاني منها المجتمعات، وتنشد لها حلاًّ ناجعًا.
أهمية الدراسة:
تنبع أهمية الدراسة من الدور المحوري الذي يلعبه الحكم الراشد في تطويق التطرّف وتجفيف منابعه، وتتجلى في:
- الإسهام في التراكم المعرفي المتعلق بموضوع الدراسة خدمة للباحثين، ومحاولة لحماية المجتمع من هذه الظواهر السلبية المهددة لأمنه واستقراره.
- الإسهام في التنظير لمجالات تأثير الحكم الراشد، وما يناط به من النظر في أسباب الظواهر السلبية بدل الاكتفاء بالمواجهة الأمنية.
- إخضاع ظاهرة التطرّف للدراسة العلمية الكفيلة ببحث أسبابها على مختلف الأصعدة، وطرح السياسات المناسبة لتجفيف منابعها، مع رصد التجارب الناجحة في هذا الصدد.
وقد انطلقتُ في بحثي هذا من الإشكالية الآتية:
ما هو الحكم الراشد في أبعاده الاجتماعية والسياسية والدينية، وما الآليات التي تمكّنه من تجفيف منابع التطرف وتخليص المجتمع منه؟.
وتفرّعت عنها تساؤلات على النحو التالي:
- ما هو الحكم الراشد، وما معاييره؟
- ما الفرق بين الرؤية الوضعية والرؤية الإسلامية للحكم الراشد؟
- ما هو التطرّف، وما هي أبرز مسبباته؟
- كيف يحدّ الحكم الراشد من التطرف في جوانبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية؟
- ما هي الخطط والتجارب الناجحة في تطويق التطرف، وتجفيف منابعه؟
وقد انتهجتُ في الإجابة على هذه التساؤلات، وفي حلّ الإشكالية المطروحة منهجًا علميًّا استقصائيًّا، معتمدًا على وصف الظاهرة وتحليلها للوصول إلى نتائج تخدم الموضوع، وتوصيات تفتح الطريق أمام الباحثين.
يتألف البحث من:
مقدمة:
نمهد فيها لعرض الدراسة، مع ربطها بالرؤية العامة والمحورية للحكم الراشد، وتتضمن الإشارة إلى أهمية الموضوع وسبب اختياره، والأهداف المرجوة من طرقه.
التمهيد: وتحدثنا فيه عن:
1- شمول الإسلام واستمرارية أحكامه.
2- ارتباط الحكم في الإسلام بالاعتقاد والأخلاق.
الباب الأول
مفهوم الحكم الراشد ومعاييره
الفصل الأول:
معنى الحكم الراشد، وأهميته وأدلته.
الفصل الثاني:
معايير الحكم الراشد.
الفصل الثالث:
آليات الولاية والرقابة والتغيير في الحكم الراشد.
الفصل الرابع:
أوجه التشابه والافتراق بين الرؤية الوضعية والإسلامية للحكم الراشد.
الباب الثاني
أثر الحكم الراشد في تجفيف منابع التطرف
الفصل الأول:
أثر نشر التعليم والوعي في تجفيف التطرف.
الفصل الثاني:
أثر أسلوب الحكم في التولية والمراقبة والمحاسبة في تجفيف التطرف.
الفصل الثالث:
أثر تطبيق مبادئ المشاركة الشعبية والحقوقية في تجفيف التطرف.
الفصل الرابع:
أثر تحقيق العدل ونشره ورفع المظالم في تجفيف التطرف.
الفصل الخامس:
أثر العدالة الاقتصادية ومقاومة الفقر والبطالة في تجفيف التطرف.
الفصل السادس:
أثر مؤسسات المجتمع المدني في تجفيف التطرف.
الخاتمة: وتضمنت:
1- خلاصة البحث.
2- نتائج البحث وتوصياته.
لتحميل البحث كاملاً يرجى الضغط على الرابط: الحُكمُ الرَّاشد وأثرُه فـي تجفيف منابع التَّطرُّف