قراءة في كتاب (الإسلام ثوابت ومحكمات) تأليف د. محمد يسري إبراهيم
(خاص بالمنتدى)
إن أغلى وأعزَّ ما يتشرف به مسلم هو: الإسلام، كيف لا وهو دين أنبياء الله ومرسَليه، وهو ما بعث الله به خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، فهو الرسالة الخاتمة المَرْضية، وهو الدين المحفوظ بحفظ الله تعالى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، تُبذل دونه النفوس رخيصةً، ويُفدَّى بكل غالٍ ونفيس!
وأمة المسلمين التي هي خير أمة أُخرجت للناس قد تمالأ عليها اليوم من بأقطارها ليبدِّلوا دينها، ويغيِّروا هويتها، ويعيثوا في ديارها فسادًا! يحاولون أن يختلسوا منها دينها، وأن يستلُّوا منها صحيح فهمها لكتاب ربها وسنة نبيها!
ويأبى الله، ويأبى المؤمنون!
إن المسلمين كما حفظوا نصوص القرآن والسنة فقد حفظوا فهمهما، ووعَوا أحكامهما، وقعَّدوا ذلك بقواعدَ مؤصَّلةٍ، وبضوابطَ مفصَّلةٍ، قرَّرها الأولون، وحملها من بعدهم العلماء الصالحون، والعدول الربانيون، الذين ينفون عن الإسلام تأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، وتحريف الغالين، بحمد الله ربِّ العالمين!
إن غاية أعداء الدين أن يُفهم القرآنُ على غير وجهه الذي أُنزل له وعليه، وأن تُنزَّل أحاديث السنة على غير ما سيقت وجاءت لبيانه، وأن تُزلزَل معاني ومصطلحات الدين، فيتحول التوحيد إلى وحدة وجود، وترجع السنن إلى عادات مجتمعية، وتنقلب الدعوة إلى الاستمساك بالوحي تطرفًا، والاتباع للسنة تشددًا، والدعوة للإسلام كراهيةً، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اعتداءً، والجهاد في سبيل الله إرهابًا، والمناداة بحجاب المسلمة رجعيةً، وتحكيم الشريعة جاهليةً؛ وتعظيم الصحابة عصبيةً!
كل ذلك تحت غطاء من مصطلحات ساءت سمعتها؛ كتجديد الخطاب الديني، والفهم العقلاني، والفكر الوسطي… إلى آخر قائمة طويلة من خداع المصطلحات حينًا، ومن تسويق الانحرافات أحيانًا أخرى!
وفي ظل هذه الحرب الفكرية التي تهدف إلى اختطاف الإسلام باستلاب مضامينه يصير الإلحاد فكرًا، وإنكار ثوابت الدين عقلانيةً، والتحلل من معالم الحلال ومعاقد الحرام حريةً… إلى آخر قائمة طويلة من مصطلحات الضلالة ومعاني الغواية!
فحق على كل مسلم أن يعلم فرض العين عليه من دينه، وحق على كل مسلم أن يتفقه في دينه، وفي الحديث: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ»([1]).
وأول ما يبدأ به المسلم من العلم: ما يجب العلم به اضطرارًا من دين الإسلام، وهو العلم الذي لا يسع مسلمًا أن يجهله، ولا يجوز لمسلم أن يفرِّط في طلبه ومعرفته بحال، وهذا العلم يستوي في معرفته جميع المسلمين: العالِم والعامي فيه سواء.
وهذا العلم منه: ما هو اعتقاد قلبي؛ كالعلم بوحدانية الله تعالى، ومنه: ما يتعلق بأمرٍ عملي؛ كالعلم بوجوب الصلاة، وهذا العلم القلبي والاعتقادي يتعلق بما يجوز وما يجب وما يحرم.
وإنكار العلم الضروري- الذي لا يسع مسلمًا أن يجهله وعليه انعقد إجماع الأمة- يعرِّض صاحبه للخروج من الملة؛ وذلك لأنه إنكارٌ لأمرٍ ظاهرٍ متواترٍ معلومٍ لدى الخاص والعام، وقد انعقد عليه الإجماع القطعي.
ومن أجل حصر هذه المهمات العلمية الاعتقادية والعملية، مع ما تمسُّ الحاجة إلى بيانه من الأحكام التي يشوش عليها أعداء الإسلام، وما يقتضيه الظرف المعاصر من التوعية ونشر صحيح الفهم- فقد حُرِّرت هذه الورقات نصحًا للأمة، وذودًا عن حرمات الإسلام وكلياته ومعاقده التي عليها قام صرحه، وشُيِّدت أركانه.
ومن منهجها: أن تذكر القضية بعبارة مختصرة، وأن يَلحقها دليلُها على نحوٍ من الاختصار أيضًا.
هذا، وقد حظيت هذه الورقات بمراجعات وتدقيقات وتعديلات من مجموعات من العلماء والفضلاء من مختلف الأقطار حتى قامت على سوقها، والله تعالى هو المسئول أن تؤتي ثمارَها وأُكُلَها.
والمأمول من علماء الإسلام ودعاته في كل مصر أن يزيدوا في هذه الورقات شرحًا وبيانًا؛ تقريبًا لفهمها، وإظهارًا لمفاهيمها، وتعميمًا لفائدتها، حتى تبلغ فئات الأمة رجالًا ونساءً، شبيبةً وشيبًا، واللهَ نسأل أن يجمع عليها الكلمة، ويهدي بها الأمة، ويتقبلها بقبولٍ حسن؛ إنه جواد كريم، برٌّ رؤوف رحيم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وأصحابه أجمعين.
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.