تقارير المنتدىتقارير وإضاءاتكتب وبحوث

قراءة في كتاب (أسباب الفشل في تحقيق استقلال القضاء في الأمة المسلمة وعلاقته بتراجعها الحضاري “القضاء المصري نموذجاً”)

قراءة في كتاب (أسباب الفشل في تحقيق استقلال القضاء في الأمة المسلمة وعلاقته بتراجعها الحضاري “القضاء المصري نموذجاً”)

 

(خاص بالمنتدى)

 

القضاء المستقل ونهوض المجتمعات صنوان لا يفترقان في تاريخ أي أمة تسعى إلى تحقيق الحياة الطيبة لأبنائها، فالعلاقة تكاد تكون طردية بين نهوض الأمة واستقلال قضائها، ولو استقرأنا التاريخ والقديم والحديث لأنبأنا بصدق طبيعة هذه العلاقة وطرديتها التي لا تتخلف، فلا يمكن لأمة ناهضة أن تستغني عن قضاء مستقل يحقق العدالة بين أبنائها وينصف المظلوم من الظالم ويضع الأمور في نصابها من غير تقديم أو تأخير يخل بمعاييرها الصارمة، ونحن لا نعدم من التاريخ القديم والحديث على حد سواء، أيضاً، الشواهد التي لا تحصر في أن غياب هذا القضاء المستقل العادل كان معولاً رئيسياً في هدم بناء كثير من الأمم أمم سادت، فلما انقلب ميزان العدالة بتبعية القضاء للسلطة التنفيذية أو انحرافه عن مرجعيته النهائية التي بني عليها سقطت في حمأة التراجع حتى صارت قصعة شهية لأعدائها والطامعين في خيراتها، وما أمتنا المسلمة من ذلك ببعيد.

وإن استمرار حال مجتمعات ما بعد النبوة والراشدين في هبوط دائم نتج عن أسباب عديدة كان في مقدمتها تراجع وتدهور وانحراف مؤسسات ومؤشرات تحقيق العدل عبر انتهاك استقلال القضاة ومؤسسات العدالة التي أخذت في الانحدار حتى دهمنا الاستعمار الغربي بمؤسساته ونظمه الحديثة؛ وفي القلب منها المؤسسات القضائية الحديثة، والتي لم تفلح لأسباب كثيرة في إيقاف سيل التراجع في معايير العدل والعدالة بل انتقصت من هيبة القضاء واستقلاله بتغول مؤسساتها التنفيذية والتشريعية في شئون القضاء والقضاة.

والمطالع لواقعنا الراهن يجد أن كل المؤشرات في مجال العدالة: أشخاصاً ومؤسسات وقوانين ترسم مشهداً قاتماً وصورة مشوهة يملأها السواد لحالة المؤسسة والنظام القضائي في عالمنا الإسلامي، وربما وأنت تقرأ هذا البحث تكون الحالة أصبحت أكثر سوءاً للأسف الشديد، وهو أمر يمثل واحداً من أخطر ما يواجه الأمة من تحديات للبقاء والنماء، فاختلال ميزان العدل وتفشي الظلم بكافة سبله مع هيمنة كاملة للسلطات التنفيذية والتشريعية الفاسدة عليه بكل الطرق ينذر بزوال تلك المجتمعات، فعندما يفسد ملجأ الناس للنصفة والعدل فقد تودع من هكذا أمة.

ولذلك تقف أمتنا الإسلامية اليوم عند مفترق للطرق فإما أن نأخذ بأسباب النجاة ونخطط لبناء مجتمعاتنا على أسس متينة من الإيمان الإسلامي القويم والأخذ بأحدث ما توصل إليه الناس من نظم تحقق العدل والحرية والكرامة لكل أبناء مجتمعاتنا فينطلقوا آمنين مطمئنين يبنون وينشئون حضارتنا الجديدة؛ وفي القلب من ذلك البناء مؤسسة القضاء على أسس جديدة تحفظ لها هيبتها واستقلالها بالكيفية التي تجعل رجالها يقومون بمهامهم ووظائفهم على الوجه الأكمل الذي يحفظ استقرار مجتمعاتنا ويدعم نماءها وتقدمها، أو أن نسقط في الهاوية التي لا قعر لها من التعدي على القضاء والقضاة فتنحل عرى مجتمعاتنا الباقية حتى تكون ذكرى يحكيها التاريخ وفق سنن الله التي لا تتبدل ولا تتغير في الوراثة الحضارية.

والدارس لتاريخ الأمم الغربية الحديثة من حولنا لن يعجزه أن يدرك دور مؤسسة القضاء العادلة والمستقلة الأساسي في نهوض تلك الأمم، فبعد أن ظلت مشكلات «العدالة» وقضاياها تشغل هذه الأمم قروناً عديدة افتقد الإنسان فيها لقضاء عادل تتوفر فيه كافة الضمانات القانونية ويتصل بمقتضاه كل ذي حق بحقه، توصلت تلك الأمم الغربية؛ ومن بعدها أمم كثيرة في الشمال والجنوب، إلى صيغ فعالة لبناء مؤسسات قضائية مستقلة وفاعلة في حماية حقوق الإنسان وإرساء مبادىء العدل والإحسان بين أبناء تلك المجتمعات مما مكنها من التقدم بخطى واثقة نحو مستقبل نتطلع نحن للوصول إليه ولا نستطيع بسبب غياب مؤسسات العدل والإحسان في مجتمعاتنا.

على أنه يجب التنبه إلى أن وصول تلك الأمم إلى مؤسسة القضاء المستقل لم تكن ضربة لازب ولا نزهة خالية من الآلام، لكنها كانت نتاج صراع مرير مع قوى وسلطات ومؤسسات مستبدة متحالفة ضد حقوق الناس في تلك المجتمعات: ملوك يظنون أنفسهم ظلال الله في الأرض، ورهبان سوء باعوا دينهم بدنيا غيرهم، وملأ منتفع من ذلك كله في مؤسسات الدولة والمجتمع المختلفة، ومعارك طويلة خاضتها الشعوب وقادتها المخلصين بذكاء وحكمة وتخطيط سليم على المستوى الفكري والواقعي حتى خطت تلك المجتمعات متدرجة نحو إقامة أنظمة سياسية وقانونية محددة المعالم، تتوزع فيها الاختصاصات توزيعاً دقيقاً بين كافة المؤسسات والهياكل مما حد من هامش الظلم والاستبداد إلى أقصى درجة ممكنة، فتم إقرار الفصل بين السلطات الثلاث في الدولة: السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية، وتم احترام السلطة الإعلامية باعتبارها سلطة رابعة تسلط الأضواء على ما يحدث، وعيناً للرأي العام وعوناً له تنويراً وتعليماً.

وتولت القضاء مؤسسة مستقلة في شئونها وأحكامها عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وأصبحت المحاكم وحدها تتولى الحكم بين أفراد المجتمع، ولم يعد لأية هيئة تنفيذية أن تنتزع دعوى من الدعاوى من قاضيها المختص لتحكم فيها بأي دعوى كانت، ولا أن تعدِّل حكماً أصدره القضاء لأي سبب كان، ولم يعد للسلطات التشريعية من يد على العدالة وقوانينها ورجالها إلا يد المزيد المشكور من الضمانات لتحقيق استقلالها، فالمحاكم مستقلة لا تشاركها هيئة أخرى تنفيذية أو تشريعية عملها، وليس لأية هيئة أن تملي عليها ما تقضي به في أية دعوى منظورة أمامها، ولم يعد من سلطان على القاضي سوى ضميره الحي والقانون الذي يطبقه بين الناس على حد سواء، فعم الأمن والسلام تلك المجتمعات وهبت مجتمعة تبني صرح مجدها وتبتكر كل جديد نافع يحقق رفاهية أبنائها، وهو ما تطمح إليه مجتمعات أمتنا الإسلامية ولم تصل إليه بعد، وهو ما يحاول هذا البحث تلمس الطريق إليه.

إشكالية البحث:

يأتي هذا البحث كمحاولة للإجابة عن سؤال هام يقع على الحدود الجامعة بين الحلم النموذج والواقع المنشود، وهو: كيف يتحقق للقضاء والقضاة اليوم الاستقلال المنشود الذي يسهم في نهوض المجتمع الأمة؟ وتتفرع عنه أسئلة فرعية تتمثل في: ما هو استقلال القضاء؟ وما هي أهم محددات ومؤشرات استقلاله؟ وما هي علاقة استقلال القضاء بنهضة الأمة أو تراجعها؟ وما هي صور وآثار استقلال وانتهاك استقلال القضاء حتى اليوم بالتطبيق على الحالة المصرية؟ وما هو تاريخ القضاء في المجتمع المصري منذ دخولها الإسلام حتى اليوم؟ وما هو حاله اليوم في ضوء المؤشرات العالمية لاستقلال القضاء؟ وما هي معالم وجهود القضاة المصريين لتحقيق استقلال القضاء؟ وما هي أسباب فشل المصريين في تحقيق استقلال القضاء في العصر الحديث؟ وما هي الاستراتيجية المناسبة لتحقيق استقلال المؤسسة القضائية المصرية اليوم؟.

ينقسم البحث إلى مقدمة بالإضافة إلى خمسة فصول:

يناقش الفصل الأول الإطار النظري للدراسة من خلال ثلاثة مباحث، مصطلحات البحث: القضاء، الاستقلال، استقلال القضاء، السلطات في الدولة الحديثة (التنفيذية، التشريعية، القضائية)، النهوض بالأمة في المبحث الأول، ويتناول المبحث الثاني: محددات ومؤشرات استقلال القضاء، في حين يركز المبحث الثالث على: علاقة القضاء بنهضة الأمة أو تراجعها.

ويتناول الفصل الثاني القضاء المصري بين الماضي والحاضر في ثلاثة مباحث: نبذة عن تاريخ القضاء والقضاة في الإسلام في المبحث الأول، ويناقش المبحث الثاني تاريخ القضاء المصري وتكوينه وحالته الراهنة وترتيبه في مؤشرات استقلال القضاء العالمية، ويتناول المبحث الثالث بعضاً من تاريخ القضاة المستقلين وغير المستقلين وبعض آثار انتقاص استقلال القضاء المصري.

بينما يبحث الفصل الثالث جهود القضاة المصريين في تحقيق استقلال القضاء من خلال ثلاثة مباحث، يتناول المبحث الأول أهم مشكلات القضاء المصري، ويناقش المبحث الثاني جهود نادي القضاة المصري لتحقيق استقلال القضاء، ويتناول المبحث الثالث أهم مقترحات القضاة المصريين لتحقيق استقلال القضاء.

في الفصل الرابع يناقش البحث بعض أسباب إخفاق المصريين في تحقيق استقلال القضاء من خلال ثلاثة مباحث: يتناول المبحث الأول الأسباب المتعلقة بتغول السلطة التنفيذية، ويتناول المبحث الثاني الأسباب المتعلقة بالقضاة أنفسهم، ويخصص المبحث الثالث للأسباب المتعلقة بالمجتمع المصري مع عرض لآراء بعض القضاة والمحامين والباحثين في شروط وأسباب الإخفاق في تحقيق استقلال القضاء المصري.

ويخصص الفصل الخامس لعرض التوصيات والمقترحات.

ثم خاتمة البحث.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى