قتل وجنس ودواء ليوم القيامة.. قصة طائفة “شوفو بنيم” التي تنشر الفوضى بالقدس
“اعتداءات جنسية، جرائم وكراهية دينية، وشبهات بأعمال قتل خارج نطاق القانون عمرها يتجاوز ثلاثين عاماً”، هكذا وصفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية واقع طائفة “شوفو بنيم” اليهودية الإسرائيلية التي تثير جدلاً واسعاً في القدس المحتلة بشكل خاص، وإسرائيل بشكل عام مؤخراً.
قبل ثلاثة أيام، اعتقلت الشرطة الإسرائيلية مُسنيّن وسيدة في الستينيات من عمرها بشبهات تتعلق بقتل وإخفاء فتى يهودي من سكان القدس المحتلة قبل نحو 35 عاماً، في حادثة غريبة أثارت الكثير من الجدل، وفتحت الأبواب على مصراعيها لتسلّط الضوء على طائفة يهودية لطالما كانت تحيطها السرية، وهي طائفة “شوفو بنيم”، وتعني باللغة العربية “ارجعوا يا أولادنا”.
في حي “التسعين” في القدس المحتلة، اختفت قبل 35 عاماً آثار الشاب اليهودي المتديّن نيسيم شيطريت، كما اختفت آثار الشاب الآخر آفي آدري في المنطقة ذاتها عام 1990، ولم تنجح السلطات الإسرائيلية منذ ذلك الحين في العثور على أي دليل حول جرائم قتلهما، بعد اكتشاف جثامينها.
كل الشهادات حينها، كانت تؤدي إلى طائفة دينية واحدة هي “شوفو بنيم”، لكن لم تتوفر أدلة كافية لاتهامها. حسب الصحيفة فإن نيسيم شطريت تعرّض للضرب مراراً وتكراراً، ثم خُطف من مدرسة دينية كان يرتادها، وتبيّن لاحقاً بأنه كان ملاحقاً بسبب مواعدة فتيات إسرائيليات، وهو الأمر الذي لم تكن الطائفة التي ينتمي إليها تسمح به.
وتشتبه الشرطة الإسرائيلية بأن الموقوفين لديها، تبيّنت أدلة كافية للاشتباه فيهم في خطف وقتل الفتى شطريت بسبب مواعدته للفتيات، وهو ما اعتبر في حينه “ردّة” عن تعاليم الطائفة.
هذه القضية وغيرها، كانت كفيلة في إثارة الرأي العام في إسرائيل، وقد كشفت تفاصيل غريبة ومثيرة حول هذه الطائفة الدينية التي لطالما اشتكى يهود بالقدس من أفعالها واحتلالها أحياءً بكاملها.
أقامت هذه الطائفة في مدينة “بني براك” قضاء تل أبيب عام 1978، ثم فتحت أولى مدارسها الدينية عام 1980 في القدس المحتلة، واليوم تتحكم في عدد من المدارس التوراتية في المدينة، وقد اعترف بها كطائفة دينية عام 2018.
يقف على رأس هذه الطائفة الحاخام المثير للجدل “آليعازر بريلاند” وهو نفسه كان قد قضى فترات اعتقال في السجون الإسرائيلية بتهم مختلفة، من ضمنها الاعتداءات الجنسية، وتلقي الرشى.
تقول “يديعوت” إن الحاخام بريلاند يحظى بدعم كبير من أنصاره الذين يلتفّون حوله، وذلك على الرغم من كل التهم الموجهة إليه والتي اعترف بارتكابها.
فرار في أنحاء الأرض
عام 2012 على سبيل المثال، استيقظ يهود القدس على قنبلة إعلامية كبيرة. الحاخام بريلاند متهم باعتداءات جنسية من الشرطة التي بدأت بملاحقته، لكنه وبطريقة ما نجح في الهروب إلى المغرب العربي، لكن السلطات المغربية بدأت بملاحقته أيضاً ما دفعه إلى الهروب إلى موزنبيق.
السلطات في موزنبيق لاحقت الحاخام بشكل مباشر، واعتقلته على الفور لدى وصوله وطردته من البلاد، حتى لجأ إلى جنوب إفريقيا وتبعه إلى هناك عشرات من أنصاره.
كانت قصة هروب الحاخام المتهم باعتداءات جنسية مليئة بالتحديات، فبعد أن شعر بأنه ملاحق في جنوب إفريقيا انطلق إلى هولندا، وهناك أيضاً بدأت السلطات بملاحقته بأمر من إسرائيل، فآثر الهروب مرّة أخرى إلى جنوب إفريقيا حتى وقع أخيراً في قبضة السلطات التي سلّمته لإسرائيل عام 2016.
لدى وصول الحاخام إلى تل أبيب، اتُّهم مباشرة بارتكاب مخالفات جنسية واعتداءات أخرى، حُكم عليه بالسجن بسببها لمدة 18 شهراً فقط، قضى منها 10 في السجون.
جنس أثناء الصلاة
في تحقيق لها، كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية، أن الحاخام بريلاند متهم بارتكاب جرائم جنسية بحق نساء وفتيات قاصرات.
تقول الصحيفة إنّ “الحاخام الذي وجهت إليه لائحة اتهام تتعلق بجرائم جنسية كان يتركب هذه الجرائم بحق نساء وفتيات صغيرات في السنّ دون موافقتهن، وذلك من خلال استغلال ظروفهن، كما استغل سلطته من أجل الاعتداء على القاصرة”.
وتبيّن أن الحاخام كان يلتقي بالنساء من أتباعه في منزله بالقدس المحتلة، ويقيم معهن لقاءات يبدو ظاهر الهدف منها هو “الإرشاد الديني، وإلقاء البركة”.
وكُشف أن الحاخام كان يستغل هذه اللقاءات وكذلك منصبه وتأثيره على أتباعه من أجل ارتكاب جرائم جنسية بحق النساء والفتيات، جزء من النساء ارتكبت بحقها الجرائم المذكورة بموافقتهن والجزء الآخر أقام معهن علاقات جنسية بموجب التأثير والتبعية.
لما كشفت بعض النساء ما تعرضن له وشاع الأمر بين أبناء الطائفة، أمر الحاخام بالاعتداء فوراً على كل من كشف هذه التفاصيل، حسب “هآرتس”.
في إحدى الحوادث، تبيّن أن فتاة يهودية تبلغ من العمر 16 عاماً جاءت رفقة والدها إلى منزل الحاخام في القدس للحصول على إرشاد ديني، فاقتادها الحاخام إلى غرفته وحدها، هناك قام بلفها بغطاء الصلاة الخاص به، قبّلها وبدأ يتحرش بها، ثم طلب من والدها أن يعيدها إليه في اليوم اللاحق.
في حادثة أخرى اشتكت شابة إسرائيلية بأنها تعرضت لموقف مشابه من الحاخام الذي كان يلتصق فيها عندما ينفرد بها في غرفته ويتحرّش بها، وقالت إنه أخبرها بأنه سيشتري لها سيارة كي تزوره بشكل غير منقطع.
تقول الشابة: “أمرني الحاخام بأن أبدأ بالدعاء، ثم التصق بي أثناء ذلك”.
“ملاحقة المرتدين”
ويتمتع الحاخام المذكور بتأثير كبير على أنصاره من المتدينين اليهود، وباتت طائفته تثير الكثير من المشكلات في القدس وإسرائيل، حتى إنها صارت منبوذة في صفوف غيرها من الطوائف الدينية المتشددة.
في أحد الملفات أشارت الشرطة الإسرائيلية، بناءً على تحريّات، إلى أن الحاخام بريلاند كان يرسل أتباعه لملاحقة أتباع سابقين انفضّوا من حوله، بعضهم أُطلق النار عليهم، وبدأت بملاحقة الحاخام مرة أخرى.
ويتبين من شهادات بعض أعضاء طائفة “شوفو بنيم” أن الحاخام وقيادات الطائفة الدينية كانوا يأمرون أتباعهم بالاعتداء على بعض المنصرفين عن الجماعة، يقول أحد الشهود “كانوا يأمروننا بضربهم وأن نكسر شوكتهم”.
وتقول الصحيفة إنّ بعض عناصر “شوفو بنيم” الذين يُتّهمون بالاعتداءات وإطلاق النار يختفون ولا يعثر لهم على أي أثر.
ونجحت صحافية إسرائيلية باختراق صفوف الطائفة المتشددة لوقت قصير جداً، ونجحت في كشف بعض التحريض الذي يُمارس على بعض الأتباع، فيما كشفت عن “جيش” من الأتباع الذين يؤمنون بتعاليم الطائفة، وكيف يُلاحق من يكتب ضد الحاخام على مواقع التواصل الاجتماعي ويُعتدى عليه.
ولما اكتُشف أمر الصحافية، هددها أتباع الطائفة بالضرب، وقالوا إنّ “لها رائحة مثل رائحة الكلاب” وطردوها من المدرسة الدينية التي كانت ترتادها.
احتلال أحياء تحوّلت لمزبلة
عام 2018 اشتكى عدد كبير من سكان حي “مئاه شعاريم” في اليهود في القدس المحتلة والتي يعيش فيها الحاخام بريلاند، من عدم تطبيق القانون بشكل طبيعي في الحي، وطالبوا بلدية القدس بتطبيقه والسعي لتنظيم المشهد في الحي الذي “تحوّل إلى مزبلة” حسب تعبيرهم بعدما استحال إلى مكان للعنف والإجرام بسبب استيلاء أعضاء “شوفو بنيم” على أماكن حيوية فيه.
لكن بلدية القدس اعترفت أمام السكان بأنها تواجه عقبات كبيرة، ولم تستطع محاربة هذه الظواهر نتيجة لعقبات كثيرة، وقد سبق لأعضاء الطائفة أن أغلقوا شوارع رئيسية بذريعة أداء الصلاة، وسرقوا مقاعد عامة من عتبات البيوت الأخرى في الحي، ثم أقاموا خيمة كبيرة في أحد المرافق العامة، كما افتتحوا دكاكين لبيع الطعام والشراب، ووصل الأمر إلى أن اتخذ بعض الأتباع من الأماكن العام، مواضع للنوم. كل هذا تحت أعين بلدية القدس التي لم تستطع فعل شيء أمام هذا الواقع.
وفي أحد الكُنس اليهودية في حي “مئاه شعاريم” العام الماضي، اندلعت معارك واسعة بين أتباع الطائفة من جهة وأتباع طوائف يهودية أخرى من جهة ثانية، عناصر “شوفو بنيم” تعرضوا بالضرب القاسي للطوائف الأخرى في الكنيس أثناء أداء الصلاة لأنهم رفضوا إفساح مجال للحاخام “بريلاند” وأتباعه الكثير للصلاة معهم.
وأينما حلّ الحاخام المذكور، تقول “يديعوت” تحلّ المشاكل والضرب، وقد سُجّلت حوادث اعتداءات كثيرة على يهود من غير أتباعه في الكُنس أثناء الصلاة.
عام 2020 نفّذت الشرطة حملة اعتقالات واسعة في حي “مئاه شعاريم” في القدس المحتلة، كان على رأس المعتقلين الحاخام بريلاند وزوجته وأربعة من أنصاره.
دواء يوم القيامة
كشفت التحقيقات عن حقائق مذهلة ووقائع تجري داخل الطائفة الدينية الغامضة، من ضمنها الاعتداءات الجنسية والرشى وتبييض الأموال.
اتضح من التحقيقات أن الحاخام بريلاند كان يستغل أتباعه، وكان يحصل على أموال طائلة لمجرّد منحهم “بركته”، ويزداد المال المدفوع للحاخام بناءً على الداء الذي يصيب هذا التابع، حسب “يديعوت”.
في إحدى المرات، توجهت عائلة أحد الأتباع للحاخام لتواجهه بحقيقة أن هذا التابع الذي حصل منه على “البركة” توفي بعد وقت قصير، طلب الحاخام مزيداً من الأموال من العائلة، وضمن لهم بأن ابنهم هذا “سيكون أوّل من يقوم يوم القيامة!”.
لا يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، ففي بعض المواقف التي كُشفت، كان الحاخام رئيس الطائفة يدّعي بأنه يعالج الأمراض المستعصية، الشرطة الإسرائيلية كشفت خلال تفتيش منزله على عشرات الحبوب المصنفة على أنها دواء سحري والتي كانت توزع على أنصاره.
في المختبرات تبيّن أنّ جزءاً كبيراً من هذه الأدوية كان مجرد مضاد حيوي، وقد شهد نحو 200 شخص بأنهم تعرضوا للغش على يد الحاخام ورجاله.
بناءً على هذه المعلومات، حكمت محكمة إسرائيلية على الحاخام بريلاند بالسجن مرة أخرى لمدة 18 شهراً بتهم تتعلق بالرشى والغش والتهديد والقمع.
المصدر: TRT عربي – وكالات