قانون دار الإفتاء الجديد بمصر.. مساعٍ لإحكام السيطرة على المؤسسات الدينية؟
أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسى، الخميس، قراراً بمد خدمة مفتي الديار المصرية الحالي شوقي علام لمدة عام واحد، وذلك على الرغم من بلوغ الأخير السن القانونية للتقاعد. وجاء القرار غداة إصدار الرئيس المصري قراراً باعتبار “دار الإفتاء المصرية من الجهات ذات الطبيعة الخاصة”.
وأدى توقيت وطبيعة القرارين إلى إثارة الكثير من اللغط والشكوك حول نيات الإدارة المصرية في توسيع دائرة سيطرتها على المؤسسات الدينية في البلاد، خاصة بعد أعوام يصفها مراقبون بأنها “شهدت العديد من محطات الصراع بين الرئيس السيسي ومشيخة الأزهر الشريف متمثلةً في الشيخ أحمد الطيب.
شكوك حول دوافع القرارات الأخيرة
عقب نشر القرار الجمهوري الصادر مؤخراً في الجريدة الرسمية بمصر، اندلعت موجة تساؤلات وانتقادات من قبل خبراء معنيين بشؤون المؤسسات الدينية في مصر. وتركّزت التساؤلات حول ما ينص عليه القرار باعتبار دار الإفتاء المصرية من الجهات ذات الطبيعة الخاصة، والذي ينبني عليه أن دار الإفتاء أصبحت لا تسري عليها بعض أحكام قانون الخدمة المدنية.
وتنص أحكام المادتين 17 و20 من أحكام قانون الخدمة المدنية، على تعيين الوظائف القيادية والإدارة الإشرافية من خلال “مسابقة أو لجنة مختصة في الاختيار بين عدة مرشحين لشغل المنصب”.
وأشار مراقبون إلى أن جوهر الخلاف يتمحور حول تغيُّر آلية ترشيخ واختيار مفتي الديار المصرية، حيث كان في السابق يتم عبر “هيئة كبار العلماء” المدعومة من قبل شيخ الأزهر. وكانت الهيئة تجتمع لتسمية المفتي الجديد قبل شهرين كاملين من انتهاء خدمة مفتي البلاد الحالي، وذلك عبر آلية تشاورية يُختار فيها المفتي حسب تصويت كبار العلماء، التي تختار بدورها بين ثلاثة مرشحين لمنصب المفتي.
يذكر أن الآلية المذكورة قد استحدثت عام 2012، وبحسب مختصين تعتبر الآلية إحدى مكتسبات ثورة يناير، حيث اُختير مفتي الديار المصرية لأول مرة عن طريق الانتخاب.
ويجرّد القرار الجمهوري الجديد هيئة كبار العلماء من دورها في تحديد هوية المفتي، ويتضمن ما يصفه مختصون “قصقصة أي نفوذ موجود أو محتمل للأزهر الشريف”.
صراع طويل بين الرئاسة والأزهر
يُرجع مراقبون جذور صراع الدولة المصرية مع الأزهر الشريف إلى “رغبة الدولة في السيطرة على المؤسسة الدينية الأهم والأعرق في البلاد”، وسلبها استقلالها الذي ترى فيه الدولة “صورة من صور التهديد لاستقرار النظام، وإمكانية للاعتراض والخروج عن سيطرته”، على حد تعبير المتخصص في القانون إسلام هلال.
والأمر ليس وليد فترة حكم الرئيس السيسي، بل يعود إلى الحقبة الناصرية، إذ حرص الرئيس جمال عبد الناصر على “تفتيت مؤسسة الأزهر وتجريدها من أدوات التأثير المختلفة”، حيث ألغى القضاء الشرعي عام 1955 بعد أن شهدت البلاد صداماً محتدماً مع شيخ الأزهر وقتها، الإمام محمد الخضر حسين، الذي قرر الاستقالة احتجاجاً على توجهات الدولة تجاه الأزهر.
ويضيف هلال في حديثه لـTRT عربي: “لم يكن إلغاء القضاء الشرعي هو الخطوة الأولى في معركة السيطرة على الأزهر وإخضاعه للدولة، فقد سبقه إصدار قانون 247 لسنة 1953، الذي كان بداية لنزع سيطرة الأزهر على المساجد ونقلها إلى وزارة الأوقاف”، وتبع ذلك فصل الإفتاء عن الأزهر وإتباع إلحاق الأولى بوزارة العدل المصرية، “الأمر الذي حوّل الأزهر إلى مؤسسة تعليمية وبحثية، بعدما جُرِّدت من دورها القضائي والمجتمعي وروافدها المالية”.
وعلى مر العقود، حرص الأزهر على استبقاء بعض أدوات التأثير في يده، وإن باءت كثير من محاولاته بالفشل نظراً للضغوط الهائلة التي تواجه المؤسسة من أجهزة الدولة، وعلى حد تعبير الخبير القانوني: “يعتبر إنشاء إدارات الوعظ والإفتاء بالأزهر أحد صور محاولة العودة إلى ساحة التأثير والاحتكاك المباشر بالمجتمع”.
مواجهات مباشرة وتصعيد للصراع
أقدم البرلمان المصري عام 2012، الذي يُعرف بـ”برلمان الثورة”، على خطوة منح الأزهر الاستقلالية بصورة متدرجة، فأحيا هيئة كبار العلماء، ومنحها سلطة اختيار المفتي وشيخ الأزهر بعدما كانت تتم بالتعيين، وهي الصلاحيات التي استمرت في دستور 2014 قبل أن يتم سحب هذه الصلاحيات خطوة تلو الأخرى في التعديلات الدستورية المتتالية.
وبرزت العديد من نقاط الخلاف بين الرئيس السيسي وشيخ الأزهر أحمد الطيب للعلن في محطات عديدة، حيث انطلق الأخير مؤسساً العديد من المراكز المتخصصة، التي اعتبرها محللون “خطوات لم ترق للرئيس المصري”. من ضمنها “مركز الأزهر العالمي للإفتاء” الذي يقوم بدور دار الإفتاء، و”برنامج الأروقة الأزهرية”، ساعياً لنشر علوم الأزهر بين فئات المجتمع.
ومن أشهر المواقف التي تبرز توجه الأزهر المستقل، هو معارضته للرئيس المصري في قضية الطلاق الشفوي، وهو ما أزعج الرئيس السيسي كثيراً، وعبر عن ذلك بوضوح أمام وسائل الإعلام قائلًا: “تعبتني يا فضيلة الإمام”.
ويصنف البعض مواجهة الإمام الطيب واشتباكه المباشر مع رئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخشت، والذي بُث على الهواء مباشرة، كواحد من المواقف التي أبرزت نقاط الخلاف بين مؤسسة الأزهر والدولة متمثّلةً في رئيس جامعة القاهرة المُعيّن من رئيس الجمهورية بشكل مباشر.
ويرجح خبراء في الشأن المصري أن قرارات الرئيس السيسي الأخيرة يمكن اعتبارها إحدى حلقات سلسلة فرض الدولة المصرية سيطرتها على المؤسسات الدينية في مصر، وأننا بصدد “نفوذ متزايد للدولة داخل أبرز المؤسسات الدينية في البلاد”.
المصدر: تي آر تي TRT عربي)