قانون “الإسلام الجديد” في النمسا .. وصراع الغرب مع الإسلام
بعد أن شعر قادة الغرب والدول الأوربية بخطورة “أسلمة المجتمعات” وبعد أن فشلت ظاهرة “الاسلاموفوبيا” في تحقيق أهدافها بوقف التيار الاسلامي الجارف، لم يبق أمام الحكومات الغربية والأوربية سوى تشريع القوانين التي تقيد نشاطات المسلمين وتحظر التمويل والتبرعات للجمعيات الاسلامية والمساجد، وتحول نشاطات المسلمين وتقاليدهم الى عادات تتحكم بها الدولة وفق مزاجها الخاص.
قانون “الاسلام الجديد” الذي أقره البرلمان النمساوي في الـ25 من فبراير/ شباط الماضي بعد نقاش طويل استغرق حوالي ثلاث سنوات على تعديل “قانون الإسلام”، لاقى رفضاً من قبل المسلمين في النمسا، بل وحتى في أوربا، لكن المتحدث باسم حزب الشعب النمساوي “يوحنا ريدلر”، تحدث عن وجهة النظر الرسمية للحكومة النمساوية تجاه التعديل القانوني بقوله: “إن الهدف هو صياغة إسلام ذي طابع نمساوي يركز على الدين ويحد من التدخل الأجنبي، وهذا ما سيتحقق عبر هذا القانون لا محالة، إذ لا يوجد هناك تناقض البتة بين أن تكون نمساويا وفي نفس الوقت مسلما ملتزما”.
المضمونات السلبية في قانون “الإسلام الجديد” المقر بالبرلمان النمساوي (بحسب وكالة الأناضول):
- تضمن نص القانون عبارات تنطوي على النظر بعين الشك للمسلمين من قبيل: “على المسلمين أن يتخذوا موقفًا إيجابيًّا من الدولة والمجتمع”، و”عدم القيام بأعمال غير قانونية”، و”الالتزام بالقوانين”، وهي عبارات مخالفة لمبادئ المساواة وحظر التمييز.
- المادة التي تمنع التمويل من الخارج، تؤثر بشكل مباشر على 65 إمامًا تركيًا في المساجد بالنمسا، وبعد دخول القانون حيز التنفيذ بعام واحد، فإنه يتوجب على الأئمة القادمين من خارج النمسا مغادرتها، وتعتزم الحكومة استبدال الأئمة القادمين من الخارج؛ بأولئك الذين يتم تأهيلهم في النمسا.
- مادة أخرى يطالب المسلمون بإلغائها، وهي المادة التي تخول مجلس الوزراء، صلاحية الاعتراف وإلغاء الجماعات الدينية، وتتيح لحكومة يمينية متطرفة (في حال وصولها للحكم) إلغاء الجماعات، والجمعيات الخاصة بالمسلمين.
- حسب أحكام القانون، فإن خريجي قسم الشريعة الإسلامية (الذي سيفتتح في الجامعات) فقط يمكنهم أن يصبحوا أئمة، ورغم أن اختيار أعضاء الهيئة التدريسية، التي ستؤهل الأئمة، يخضع لموافقة الجماعة، إلا أن المناهج والكادر الذي سيؤهل الأئمة، يتم تعيينه من جانب الدولة، وهو ما يثير التساؤل حول مدى أهلية أولئك الأئمة.
- يتيح القانون إمكانية إلغاء أنشطة الجماعات الدينية بدعوى “الأمن”، حيث ينص على “إمكانية إلغاء الأنشطة التي يُعتقد أنها قد تؤدي إلى تقييد أمن المجتمع، والنظام، والصحة، أو الأمن القومي، أو أمن، أو حقوق، أو حرية الأفراد الآخرين”.
الجدير بالذكر ان أعداد المسلمين في النمسا يقارب 600 ألف مسلم، يشكلون نسبة 6% من سكان النمسا؛ ينحدر معظمهم من أصول تركية وبوسنية ويحمل ثلثهم الجنسية النمساوية.
أبرز الانتقادات
تركيا ومؤسساتها الاسلامية كانوا هم المتصدي الأكبر لهذا القانون لأن الأتراك يشكلون النسبة الأكبر في الجالية الاسلامية بالنمسا، فقد انتقد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” هذا القانون، معتبرًا إياه “انتهاكًا لمعايير الاتحاد الأوروبي، ووسيلة لاضطهاد المسلمين في البلاد”، في حين قال رئيس الشؤون الدينية التركي، “محمد كورماز”: “إن هذا القانون لا يليق بالنمسا، ولا بتاريخها، وإن القانون فيه الكثير من المواد، التي تحمل في طياتها مشاكل كبيرة، وذلك من حيث النظر في المكتسبات الأوروبية، وأعتقد أن محكمة حقوق الإنسان ستعيد هذا القانون”.
من جانبه أكد رئيس الاتحاد الإسلامي في العاصمة النمساوية فيينا “محمد طورهان”، رفضه لقانون “الإسلام الجديد الذي اعتبره يستهدف الأئمة القادمين من تركيا، ويفتح الطريق أمام إغلاق الجمعيات، وينتهك مبدأ المساواة، قائلًا: “نعتقد بأن جميع ما حققناه أُخذ من أيدينا، واغتصبت حقوقنا”.
الى ذلك انتقد البرلماني المسلم والعضو بالمجلس البلدي للعاصمة فيينا، “عمر الراوي” مشروع القانون لحظره تلقى الهيئة الإسلامية والمساجد في النمسا تمويلات وتبرعات من الخارج، وطالب الراوي بمساواة الإسلام بالكاثوليكية واليهودية اللتين يحق لهما قبول والحصول على تبرعات من خارج النمسا، فيما انتقد “تيو أولينجر”، أستاذ القانون الدستوري بالنمسا مشروع القانون، مؤكدا أنه مخالف للحق فى الحرية الدينية، وأنه من حق المسلمين فى أي مكان بالعالم دعم المسلمين فى النمسا.
لماذا يخاف الغرب من الإسلام؟
لقد أصبحت الدول الغربية هذا اليوم تستشعر خطر توسع المسلمين، وانتشار الدعوة الاسلامية الوسطية وتزايد أعداد المعتنقين للدين الحنيف في المجتمعات النصرانية، وبما أن هذه الدول المتقدمة تفكر وتخطط ضمن اطار استراتيجي بعيد المدى، فان تأثير المسلمين وحتى مواليدهم والأجيال الصغيرة الفتية سينعكس على سياسيات الدول وتوجهاتها العلمانية والفكرية والحضارية “مستقبلاً” بسبب ازدياد القاعدة الاسلامية العريضة والتي ستؤثر بدورها على الانتخابات والقرار السياسي والاقتصادي والحضاري في الحكومات المقبلة وشيوع القيم والثقافة الاسلامية بين أبناء المجتمع.
وهذه العوامل جعلت الدول الغربية تراجع الموقف ازاء وضع المسلمين ونطاق نشاطاتهم، كما أن الهجمات الأخيرة مثل هجوم شارلي ايبدو في فرنسا وهجوم كوبنهاجن، أعطى التبرير للقيام باجراءات قانونية تضيق على المسلمين وتضع لهم الكثير من القيود مثل المراقبة في السفر وحظر الدعم الخارجي والحد من النشاطات الداخلية بحجة “مكافحة الارهاب”.
ولقد أخذت الأعمال المناهضة للمسلمين في الدول الغربية شقين، الشق الأول هو الأعمال العدائية التي يقوم بها مجهولون خارج اطار الدول وهي اما منتظمة من جهات متطرفة مدعومة، أو يقوم بها بعض الأشخاص المشحونين بالحقد ضد المسلمين، وذلك لتأثرهم بوسائل الاعلام المسمومة والحملات المنظمة المناهضة للاسلام.
والشق الثاني هو الذي تقوم به الحكومات من سن قوانين تميز للمسلمين عن غيرهم مثل قانون “مكافحة الارهاب” في بريطانيا وقانون “الاسلام الجديد” في النمسا، أو الذي تقوم به الحركات الموجهة والممولة التي تقوم بمظاهرات أو فعاليات ضد المسلمين مثل حركة “بيغيدا – مواطنون اوروبيون ضد أسلمة الغرب” والتي تنشط في ألمانيا تحديداً ودول أخرى مثل بريطانيا وغيرها.
ومع تنامي الاعتداءات وتصاعد أعمال العنف والجرائم بحق المسلمين في البدان الأوربية والغربية من جهة، والاجراءات القانونية بحقهم من قبل الحكومات، من جهة أخرى، لا نعلم الى متى سيستمر الصراع بين الاسلام والغرب؟، وما هي انعكاساته على المسلمين؟، كما أن هناك سؤالاً غامضاً يكمن حول الأيادي الخفية التي تحرك هذه الصراعات وتؤجج النزاعات بين المجتمعات الغربية والمسلمين، والتي من غير المستبعد أن يكون للموساد واليهود دورا كبيرا فيها!، ويا ترى هل سنشهد الأيام القادمة انحساراً في نشاطات الجالية الاسلامية في الدول الغربية، وتحول الاسلام الى مظاهر وعادات خالية من الروح الايمانية والدعوية؟ (لا سامح الله)، الأيام القادمة ستجيب عن هذه الأسئلة!.