“قاتل القُدس”: إدانة صهيونيَّة للتَّشدُّد “الإسلامي” وإشادة بالمطبّعين – 5 من 6
تأليف د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
بداية الاستيطان الإسرائيلي للأرض المقدَّسة
من منطلق اقتصار ميراث الأرض على أبناء الحرَّة، ورث يعقوب، أو إسرائيل، الأرض المقدَّسة، أو أرض كنعان، وعاش فيها مع بنيه، إلى أن قضى الرَّبُّ أن يهجرها إلى مصر، بعد أن علا شأن ابنه يوسف هناك؛ وامتثل يعقوب لأمر الرَّبّ “فَقَامَ يَعْقُوبُ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ، وَحَمَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَعْقُوبَ أَبَاهُمْ وَأَوْلاَدَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ فِي الْعَجَلاَتِ الَّتِي أَرْسَلَ فِرْعَوْنُ لِحَمْلِهِ. وَأَخَذُوا مَوَاشِيَهُمْ وَمُقْتَنَاهُمُ الَّذِي اقْتَنَوْا فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَجَاءُوا إِلَى مِصْرَ. يَعْقُوبُ وَكُلُّ نَسْلِهِ مَعَهُ” (سفر التَّكوين: إصحاح 46، آيتان 5-6). غير أنَّ النَّص القرآني الصَّريح في سورة يوسف ينفي عن يعقوب وبنيه حياة الاستقرار في الأرض المقدَّسة، أو أرض كنعان، وأن تكون تلك الأرض هي نقطة انطلاقهم إلى مصر، حيث يقول الله تعالى عن لقاء يوسف بأبيه بعد وصوله إلى مصر “وقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ” (سورة يوسف: الآية 100). يخبرنا الله تعالى في كتابه الَّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أنَّ نبيَّه يعقوب وبنيه عاشوا مرتحلين في “الْبَدْو“، أي في الصَّحراء، بحثًا عن الزَّاد، بعد أن أصابهم الجدب والقحط، كما أخبر بنو يعقوب عزيز مصر، قبل أن تتكشَّف هويَّته إليهم، “فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ”(سورة يوسف: الآية 88).
وقد ظلَّت سلالة حام تعيش في الأرض المقدَّسة، حتَّى بعد هجرة يعقوب بن إسحق منها إلى مصر. لم ينعم بنو إسرائيل بحياة الرَّغد في مصر طويلًا؛ حيث تسلَّط عليهم الفرعون وأذاقهم ألوانًا من العذاب، بالاستعباد والتَّقتيل وهتْك الأعراض. حينها استجاب الرَّبُّ دعاء بني إسرائيل برفع الذُّل والاستعباد؛ فأمر موسى بن عمران بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بأن يرحل ببني إسرائيل من مصر إلى أرض كنعان “قَالَ الرَّبُّ: «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي الَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ. فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْمِصْرِيِّينَ، وَأُصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ وَوَاسِعَةٍ، إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلاً، إِلَى مَكَانِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزَّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ” (إصحاح 3: آيتان 7-8).
أمَّا عن سبب طرْد الرَّبّ بني كنعان من تلك الأرض، فهو كفرهم به وعبادتهم الأوثان من دونه، “وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى فِي عَرَبَاتِ مُوآبَ عَلَى أُرْدُنِّ أَرِيحَا قَائِلًا: «كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: إِنَّكُمْ عَابِرُونَ الأُرْدُنَّ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَتَطْرُدُونَ كُلَّ سُكَّانِ الأَرْضِ مِنْ أَمَامِكُمْ، وَتَمْحُونَ جَمِيعَ تَصَاوِيرِهِمْ، وَتُبِيدُونَ كُلَّ أَصْنَامِهِمِ الْمَسْبُوكَةِ وَتُخْرِبُونَ جَمِيعَ مُرْتَفَعَاتِهِمْ. تَمْلِكُونَ الأَرْضَ وَتَسْكُنُونَ فِيهَا لأَنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمُ الأَرْضَ لِكَيْ تَمْلِكُوهَا” (سفر العدد: إصحاح 33، آيات 50-53). لم يدخل بنو إسرائيل الأرض المقدَّسة مع موسى وهارون، بعد تحريمها عليهم أربعين سنةً بسبب آثامهم، ثمَّ قدَّر الرَّبُّ أن يدخلها الجيل الجديد الَّذي نشأ في سنوات التّيه مع نبيّهم ووصيّ موسى، يشوع بن نون، الَّذي شنَّ حملتين على أرض كنعان لطرْد أهلها واستيطان بني إسرائيل لها، بعد أن أرسى له الرَّبُّ قاعدة للاستيطان تحلُّ لبني إسرائيل الاستيلاء على أيّ بقعة من الأرض تخضعها سيوفهم “وَكَانَ بَعْدَ مَوْتِ مُوسَى عَبْدِ الرَّبِّ أَنَّ الرَّبَّ كَلَّمَ يَشُوعَ بْنِ نُونٍ خَادِمَ مُوسَى قَائِلًا: «مُوسَى عَبْدِي قَدْ مَاتَ. فَالآنَ قُمِ اعْبُرْ هذَا الأُرْدُنَّ أَنْتَ وَكُلُّ هذَا الشَّعْبِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَنَا مُعْطِيهَا لَهُمْ أَيْ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. كُلَّ مَوْضِعٍ تَدُوسُهُ بُطُونُ أَقْدَامِكُمْ لَكُمْ أَعْطَيْتُهُ، كَمَا كَلَّمْتُ مُوسَى” (سفر يشوع: إصحاح 1، آيات 1-3).
أخذ يشوع على بني إسرائيل ألَّا يحذو حذو الأمم الكافرة الَّتي أحلَّ لهم الرَّبُّ إبادتها وأورثهم أرضها، بقوله “يَكُونُ كَمَا أَنَّهُ أَتَى عَلَيْكُمْ كُلُّ الْكَلاَمِ الصَّالِحِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ إِلهُكُمْ عَنْكُمْ، كَذلِكَ يَجْلِبُ عَلَيْكُمُ الرَّبُّ كُلَّ الْكَلاَمِ الرَّدِيءِ حَتَّى يُبِيدَكُمْ عَنْ هذِهِ الأَرْضِ الصَّالِحَةِ الَّتِي أَعْطَاكُمُ الرَّبُّ إِلهُكُمْ. حِينَمَا تَتَعَدَّوْنَ عَهْدَ الرَّبِّ إِلهِكُمُ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ وَتَسِيرُونَ وَتَعْبُدُونَ آلِهَةً أُخْرَى وَتَسْجُدُونَ لَهَا، يَحْمَى غَضَبُ الرَّبِّ عَلَيْكُمْ فَتَبِيدُونَ سَرِيعًا عَنِ الأَرْضِ الصَّالِحَةِ الَّتِي أَعْطَاكُمْ” (سفر يشوع: إصحاح 23، آيتان 15-16). وما كان من بين إسرائيل بعد دخولهم إلى أرض كنعان إلَّا أن تعهَّدوا لنبيّهم يشوع بألَّا يشركوا بربّهم، الَّذي مكَّنهم من تلك الأرض وجعلها تحت سيطرتهم، “فَأَجَابَ الشَّعْبُ وَقَالُوا: «حَاشَا لَنَا أَنْ نَتْرُكَ الرَّبَّ لِنَعْبُدَ آلِهَةً أُخْرَى. لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَنَا هُوَ الَّذِي أَصْعَدَنَا وَآبَاءَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ…وَطَرَدَ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِنَا جَمِيعَ الشُّعُوبِ، وَالأَمُورِيِّينَ السَّاكِنِينَ الأَرْضَ. فَنَحْنُ أَيْضًا نَعْبُدُ الرَّبَّ لأَنَّهُ هُوَ إِلهُنَا»” (إصحاح 24: آيات 16-18). غير أنَّ بني إسرائيل لم ينفّذوا ما وعدوا به، وانحرفوا عن الصَّواب بالشّرك وفعْل المنكرات، “وَفَعَلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ وَعَبَدُوا الْبَعْلِيمَ. وَتَرَكُوا الرَّبَّ إِلهَ آبَائِهِمِ الَّذِي أَخْرَجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَسَارُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ حَوْلَهُمْ، وَسَجَدُوا لَهَا وَأَغَاظُوا الرَّبَّ. تَرَكُوا الرَّبَّ وَعَبَدُوا الْبَعْلَ وَعَشْتَارُوثَ” (سفر القضاة: إصحاح 2، آيات 11-13).
استقرَّ بنو إسرائيل في الأرض المقدَّسة، وتعاقبت أجيالهم، وتباينت درجات التزامهم بعهدهم مع الرَّبّ، ما بين التَّحلُّل التَّام بعبادة الأوثان الَّتي عبدتها الأمم الَّتي استُخلفوا في أرضها، وبين العودة إلى طريق التَّوحيد والصَّلاح. تمكَّن سُكان فلسطين الأصليين، من سلالة حامٍ بن نوح، في فترات انحراف بني إسرائيل عن التَّوحيد وفعلهم الشَّرَّ في عيني الرَّب، من سحقهم في المعارك واحتلال أجزاء من الأرض المقدَّسة، حيث “حَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَدَفَعَهُمْ بِأَيْدِي نَاهِبِينَ نَهَبُوهُمْ، وَبَاعَهُمْ بِيَدِ أَعْدَائِهِمْ حَوْلَهُمْ، وَلَمْ يَقْدِرُوا بَعْدُ عَلَى الْوُقُوفِ أَمَامَ أَعْدَائِهِمْ” (سفر القضاة: إصحاح 2، آية 14). ومن بين جولات بني إسرائيل بين الحقّ والباطل، مرحلة بعثة النَّبيّ صموئيل، الَّذي كلَّفه الرَّبُّ بتعيين رجل صالح من بني إسرائيل ملكًا، هو شاوُل، ثمَّ أتبعه بداود بن يسَّى البيتلحمي، وحينها وقع مملكة إسرائيل الأولى تحت تهديد من الفلسطينيين القدماء، أو العماليق، بقيادة مبارز قويّ يُدعى جُليات.
وقد وضع الرَّبُّ استراتيجيَّة القتال، وأوحى بها إلى النَّبي صموئيل، لينقلها إلى الملك شاوُل، القائد الأعلى للجيش، وهي استراتيجيَّة للإبادة الجماعيَّة “اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلًا وَامْرَأَةً، طِفْلًا وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلًا وَحِمَارًا” (سفر صموئيل الأوَّل: إصحاح 15، آية 3). أثبت داود، المقاتل الشَّاب، شجاعته بالانطلاق لقتل جُليات، في ظلّ خوف بقيَّة الجنود من مواجهته، “رَكَضَ دَاوُدُ وَوَقَفَ عَلَى الْفِلِسْطِينِيِّ (جُليات) وَأَخَذَ سَيْفَهُ وَاخْتَرَطَهُ مِنْ غِمْدِهِ وَقَتَلَهُ وَقَطَعَ بِهِ رَأْسَهُ. فَلَمَّا رَأَى الْفِلِسْطِينِيُّونَ أَنَّ جَبَّارَهُمْ قَدْ مَاتَ هَرَبُوا” (سفر صموئيل الأوَّل: إصحاح 17، آية 51). جدير بالذّكر أنَّ النَّبيَّ (ﷺ) كان يوصي الجيش عند الخروج للقتال، كما روى مسلم (1731) وأبو داود (2613) عـن سليمان بن بُريدةَ، ” اغزُوا باسم الله، وفي سبيل الله، وقاتِلوا مَن كَفَر بالله، اغزوا ولا تَغدِروا، ولا تَغلُّوا ولا تُمثِّلوا، ولا تَقتُلوا وَلِيدًا”، وهناك رواية للحديث أوردها البيهقي في السُّنن الكبرى (17934) تضيف “… ولا تَقتُلُوا وَلِيدًا طِفلًا، ولا امرأةً، ولا شَيخًا كبيرًا”. وينقل ابن كثير في كتابه إرشاد الفقيه (2/320) عن الخليفة أبي بكر الصّدّيق أنَّه كان يوصي قادة الجيوش “لا تقتلوا امرأةً، ولا صبيًّا، ولا كبيرًا هَرمًا، ولا تقطعوا شجَرًا مُثمرًا، ولا تُخرِّبُنَّ عامرًا، ولا تَعقرنَّ شاةً ولا بعيرًا إلَّا لمأكلة، ولا تُغرقُنَّ نخلًا ولا تحرقنَّه، ولا تغلل، ولا تجبُن”.
اتَّبع الملك داود، الَّذي يتغاضى الكتاب المقدَّس عن إبراز نبوَّته، الاستراتيجيَّة ذاتها بعد أن تولَّى الحُكم، بإبادة الفلسطينيين وإذلالهم “وَبَعْدَ ذلِكَ ضَرَبَ دَاوُدُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَذَلَّلَهُمْ، وَأَخَذَ جَتَّ وَقُرَاهَا مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. وَضَرَبَ مُوآبَ، فَصَارَ الْمُوآبِيُّونَ عَبِيدًا لِدَاوُدَ يُقَدِّمُونَ هَدَايَا. وَضَرَبَ دَاوُدُ هَدَرَ عَزَرَ مَلِكَ صُوبَةَ فِي حَمَاةَ حِينَ ذَهَبَ لِيُقِيمَ سُلْطَتَهُ عِنْدَ نَهْرِ الْفُرَاتِ” (سفر أخبار الأيَّام الأوَّل: إصحاح 18، آيات 1-3). لم يقتصر العنف على الفلسطينيين، أحفاد حامٍ بن نوح، بل امتدَّ كذلك إلى سلالة لوط، ابن أخّ أبراهام، حيث أغار داود على مملكة بني عمُّون، وأباد أهلها، واستولى على خيراتها، ليس بإعمال السَّلاح “مَنَاشِيرَ وَنَوَارِجِ حَدِيدٍ وَفُؤُوسِ حَدِيدٍ” وحده، إنَّما كذلك من خلال حرق المدن والقرى بأهلها “أَخَذَ تَاجَ مَلِكِهِمْ عَنْ رَأْسِهِ، وَوَزْنُهُ وَزْنَةٌ مِنَ الذَّهَبِ مَعَ حَجَرٍ كَرِيمٍ، وَكَانَ عَلَى رَأْسِ دَاوُدَ. وَأَخْرَجَ غَنِيمَةَ الْمَدِينَةِ كَثِيرَةً جِدًّا. وَأَخْرَجَ الشَّعْبَ الَّذِي فِيهَا وَوَضَعَهُمْ تَحْتَ مَنَاشِيرَ وَنَوَارِجِ حَدِيدٍ وَفُؤُوسِ حَدِيدٍ وَأَمَرَّهُمْ فِي أَتُونِ الآجُرِّ، وَهكَذَا صَنَعَ بِجَمِيعِ مُدُنِ بَنِي عَمُّونَ. ثُمَّ رَجَعَ دَاوُدُ وَجَمِيعُ الشَّعْبِ إِلَى أُورُشَلِيمَ” (سفر صموئيل الثَّاني: إصحاح 12، آيتان 30-31). هذا وقد أخبر سفر التَّكوين عن قصَّة انحدار بني عمُّون من سلالة لوط، بعد زناه بابنتيه تحت تأثير الخمر، “قَالَتِ الْبِكْرُ لِلصَّغِيرَةِ: «أَبُونَا قَدْ شَاخَ، وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ رَجُلٌ لِيَدْخُلَ عَلَيْنَا كَعَادَةِ كُلِّ الأَرْضِ. هَلُمَّ نَسْقِي أَبَانَا خَمْرًا وَنَضْطَجعُ مَعَهُ، فَنُحْيِي مِنْ أَبِينَا نَسْلاً». فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْرًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَدَخَلَتِ الْبِكْرُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَ أَبِيهَا، وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا. وَحَدَثَ فِي الْغَدِ أَنَّ الْبِكْرَ قَالَتْ لِلصَّغِيرَةِ: «إِنِّي قَدِ اضْطَجَعْتُ الْبَارِحَةَ مَعَ أَبِي. نَسْقِيهِ خَمْرًا اللَّيْلَةَ أَيْضًا فَادْخُلِي اضْطَجِعِي مَعَهُ، فَنُحْيِيَ مِنْ أَبِينَا نَسْلاً». فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْرًا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَيْضًا، وَقَامَتِ الصَّغِيرَةُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا. فَحَبِلَتِ ابْنَتَا لُوطٍ مِنْ أَبِيهِمَا. فَوَلَدَتِ الْبِكْرُ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ «مُوآبَ»، وَهُوَ أَبُ الْمُوآبِيِّينَ إِلَى الْيَوْمِ. وَالصَّغِيرَةُ أَيْضًا وَلَدَتِ ابْنًا وَدَعَتِ اسْمَهُ «بِنْ عَمِّي»، وَهُوَ أَبُ بَنِي عَمُّونَ إِلَى الْيَوْمِ” (سفر التَّكوين: إصحاح 19، آيات 31-38).
موقف الإسلام من استراتيجيَّة الاستيطان الإسرائيليَّة
ليس بجديد التَّعليق على تمييز بني إسرائيل البشر على أساس العرق ورابطة الدَّم، بالإشارة إلى قول الله تعالى “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” (سورة الحجرات: 13)؛ وليس بغائب عن أذهان الكثيرين أنَّ الله تعالى قد جعل العاقبة في الصّراع بين الحقّ والباطل للصَّالحين والمتَّقين، مصداقًا لقوله عزَّ وجلَّ “وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (سورة الأنبياء: الآية 105). غير أنَّ بني إسرائيل يصرُّون على تناسي تلك الحقائق، والتَّمادي في ممارسة العنف في سبيل إخضاع الشُّعوب العربيَّة، الَّتي يرونها أدنى منهم مرتبةً، في سبيل السَّيطرة الكاملة على الأرض المقدَّسة، برغم أنَّهم هم أنفسهم الَّذين جرُّوا على أنفسهم غضب ربّهم. حُرّمت الأرض المقدَّسة على بني إسرائيل لمَّا تقاعسوا عن القتال في سبيل الله لكي يُستخلفوا في الأرض بعد أن فسد أهلها، كما يخبر الله تعالى في قوله على لسان نبيّه موسى “يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)” (سورة المائدة: آيات 21-24). من هنا، جاء الأمر الإلهي بتحريم الأرض المقدَّسة على بني إسرائيل حتَّى يشبَّ جيل جديد يحفظ وصايا ربّه ويمتثل لأمره “قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)” (سورة المائدة: آيتان 25-26).
يخبرنا بيان الحقّ في سورة الإسراء، أو سورة بني إسرائيل، أنَّ الله تعالى قد أورث بني إسرائيل الأرض المقدَّسة بعد خروجهم من مصر وهلاك فرعون أثناء ملاحقتهم “وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم مِّنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104)” (سورة الإسراء: آيات 101-104). ويوحي قوله تعالى “اسْكُنُوا الْأَرْضَ” أنَّ ميراث بني إسرائيل للأرض المقدَّسة ليس أبديًّا، إنَّما هو لفترة محدَّدة من الزَّمان؛ لأنَّ السَّاكن ليس من الضَّروري ألَّا يفارق مسكنه إلى آخر. وقد طُرد غالبيَّة بني إسرائيل من الأرض المقدَّسة بالفعل إبَّان ثورة اليهود على الحُكم الرُّوماني (66-70 ميلاديًّا)، ثمَّ طُرد وأبيد الباقي منهم خلال ثورة شمعون بن يوحاي عام 135 ميلاديًّا على الرُّومان، وحينها دمَّر القائد الرُّوماني تيطس أورشليم بالكامل، بما فيها الهيكل الثَّاني. أمَّا عن مصير النَّاجين من بني إسرائيل، فهو الشَّتات في الأرض والانصهار بين أفراد الشُّعوب الأخرى، كما يخبرنا به قوله تعالى “وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” (سورة الأعراف: الآية 168).
أمَّا عن جيل بني إسرائيل الجديد في سنوات الشَّتات، فعلى عكس أسلافهم الَّذين كان “مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ“، كان الفساد السّمة الغالبة عليه، كما يقول الله تعالى “فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ألَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ” (سورة الأعراف: الآية 169). ويقول ابن كثير، في تفسيره لتلك الآية، أنَّ المقصود بقوله تعالى “يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا” أنَّ ذلك الجيل آثر متاع الدُّنيا وقدَّمه على فعْل الخيرات وترْك المنكرات ومنَّى نفسه بنيل المغفرة من الله، متناسيًا ميثاقه مع الله بعدم كتمان الحقّ، وهو أنَّ متاع الدُّنيا زائل، والدَّار الآخرة هي دار الخلود والمتاع الحقيقي “وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ”.
لن ننسى أنَّ من بين مظاهر كتمان الحقّ المنزَّل على بني إسرائيل، الَّذين “وَرِثُوا الْكِتَابَ“، تحريف حقيقة الآخرة، والزَّعم بأنَّ الإنسان الأوَّل حُرم الخلود والأكل من “شَجَرَةِ الْحَيَاةِ” بمؤامرة من الرَّبّ نفسه لمَّا أراد أن يستأثر بالقدرة على مقاومة الموت، “فَطَرَدَ الإِنْسَانَ، وَأَقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيمَ، وَلَهِيبَ سَيْفٍ مُتَقَلِّبٍ لِحِرَاسَةِ طَرِيقِ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ” (سفر التَّكوين: إصحاح 3، آية 24). تأثَّرت عقيدة بني إسرائيل في الآخرة بوعد إبليس الزَّائف لآدم بأنَّ الخلود سيكون مصيره إذا ما أكل من الشَّجرة المحرَّمة “يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى” (سورة طه: الآية 120). وكانت نتيجة تصديق بني إسرائيل أنَّ هناك شجرة حياة، وأنَّ الخلود في الدُّنيا ممكن بعد ظهور مخلّصهم الَّذي “يَبْلَعُ الْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ” (سفر اشعياء: إصحاح 28، آية 8)، أن انصبَّ اهتمامهم على تأسيس “مُلْكٍ لَّا يَبْلَى” وإعداد العالم لاستقبال مخلّصهم، معتقدين أنَّ الخلاص يوم الدَّينونة لهم دون سائر الأمم. نتيجةً لتحريف بني إسرائيل بيان الوحي الإلهي، واعتناقهم عقيدة تزيّن له متاع الدُّنيا وتوهمهم بالتَّميُّز عن البشر، يتوعَّدهم الله تعالى بسوء المآل والإهلاك الجماعي عند استحقاق وعد الآخرة، وحينها يأتي بهم الله جميعًا من الشَّتات إلى الأرض المقدَّسة، كما تقول الآية “وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا” (سورة الإسراء: الآية 104). ولعلَّ في اختيار تسمية “وَعْدُ الْآخِرَةِ” لاستحقاق بني إسرائيل عذاب الله بعد إفسادهم وعلوُّهم الثَّاني في الأرض المقدَّسة تذكيرًا لهم بالآخرة الَّتي كفروا بها وتناسوا العمل من أجلها.
هدف نشْر الصُّوفية: مقاومة التَّشدُّد الإسلامي أم تحريف العقيدة؟
ألقى المؤرّخ الإسرائيلي بيني موريس، في كتابه One State, Two States: Resolving the Israel/Palestine Conflict– دولة واحدة…دولتان: حل الصّراع الإسرائيلي–الفلسطيني (2009م)، باللوم على التَّشدُّد المنسوب إلى الإسلام في إفشال مساعي إحلال السَّلام في الشَّرق الأوسط؛ كما اعتبر الرُّوائي والمخطّط الاستراتيجي والمبشّر الإنجيلي جويل روزنبرغ في روايته The Jerusalem Assassin-قاتل القُدس (2020م) معتنقي الفكر المتشدّد من المسلمين أساس التَّطرُّف وتدبير الأعمال العدائيَّة لتحقيق منافع شخصيَّة تستغلُّ الدَّعاية الدّينيَّة. أمَّا عن الحلّ الَّذي اقترحه الغرب لمواجهة التَّشدُّد الَّذي يُرمى به الإسلام، فهو نشْر الصُّوفيَّة، وكانت مؤسَّسة راند (Rand Corporation) البحثيَّة الأمريكيَّة غير الهادفة للّربح، من المؤسَّسات الغربيَّة الَّتي نصحت بالاستعانة بالمتصوفين في مكافحة التَّشدُّد، كما جاء في تقريرها الصَّادر عام 2007م، تحت عنوان “Building Moderate Muslim Networks-أو بناء شبكات مسلمة معتدلة”، الَّذي حدَّدت فيه مجموعة من الشُّركاء الفاعلين للمنظَّمات والحكومات الغربيَّة “في مساعيها لتنظيم الدَّعم للمسلمين المعتدلين…وتعزيز الدّيموقراطيَّة والاستقرار لمواجهة تأثير الجماعات العنيفة والمتشدّدة” (ص65). إلى جانب العلمانيين والمسلمين الليبراليين والتَّقليديين المعتدلين، يشير التَّقرير إلى معتنقي الصُّوفيَّة بوصفهم مطابقين لمعايير الشُّركاء المؤهَّلين للتَّعاون مع الغرب في التَّصدّي للتَّطرُّف وإحداث نقلة ديموقراطيَّة في العالم الإسلامي، ومن ثمَّ نشْر ما يُسمَّى “الإسلام المعتدل”. أمَّا عن سبب اختيار المتصوّفين ضمن الشُّركاء الفاعلين هو أنَّهم يعتنقون عقائد ويمارسون طقوسًا تنبع من “الرَّوحانيَّة والعادات الإسلاميَّة” المتوارثة منذ 14 قرنًا، على حدّ وصْف التَّقرير، و “تعادي الأيدولوجيَّة الشُّموليَّة”؛ ممَّا جعلهم في عداء مباشر مع السَّلفيَّة والوهَّابيَّة، المفترض أنَّهما وراء التَّطرُّف والمحرّض على الإرهاب (ص73).
بمنتهي الاختصار، فيما يلي تحديد لأهمّ المآخذ على الصُّوفيَّة الَّتي تُعتبر مخالفات صريحة لصحيح الإسلام:
1.الاعتقاد في إمكانيَّة انسلاخ الرُّوح من الجسد وسباحتها في الملكوت السماوي إلى أن تصل إلى مرحلة المشاهدة الربَّانيَّة بالارتقاء إلى السَّماء السَّابعة، ويتنافى ذلك مع قوله تعالى “لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ” (سورة الأنعام: آية 103).
2. التبرُّك بالأضرحة والتوسُّل بها، اعتقادًا بأنَّ الالتحام الروحاني بأصحاب القبور يكفل المدد الإلهي ويقضي الحاجات، وعن عائشة وابن مسعود، قال رسول الله (ﷺ) “لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ. قَالَتْ: وَلَوْلا ذَلِكَ أُبْرِزَ قَبْرُهُ غَيْرَ أَنَّهُ خُشِيَ أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا”.
3. طلب الشَّفاعة من النبيِّ (ﷺ) وأهل بيته والاعتقاد بأنَّ في ذلك ما يكفل الفوز برضا الله، وقد قال النبيُّ في حديث في صحيح الإمام مسلم “يا فاطمة بنت محمد اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئًا، يا صفية عمة رسول الله اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئًا، يا عباس عم رسول الله اعمل فإني لا أغني عنك من الله شيئًا، لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، واعلموا أنه لن يدخل أحدكم الجنة بعمله”.
4. الاعتقاد في سقوط التَّكاليف، أي وصول العبد إلى مرحلة لم يعد في حاجة إلى أداء الفروض الدينيَّة، بعد التحام رُوح القُدُس به، وقد قال تعالى “إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)” (سورة المعارج: آيات 19-23).
5. الاعتقاد في معرفة الولي الصوفي الغيب، وقد قال الله تعالى “قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ” (سورة النمل: آية 65).
6. اتّخاذ الرقص من أهم الطقوس المؤهِّلة للمشاهدة الإلهيَّة. ويتَّفق الصوفيُّون مع القبَّاليِّين في سبب اتِّخاذ الرقص طقسًا، وهو أنَّ الروح تحتاج إلى حركة البدن كي تنسلخ عنه، ثمَّ تصعد إلى السماء، في طقس أشبه ما يكون بانتفاض أجسام الحيوانات والطيور بعد ذبحها، وحتَّى خروج الروح بالكامل من الجسد. يتَّفق ذلك مع ما جاء في سفر المزامير، في العهد القديم “سَبِّحُوهُ بِصَوْتِ الصُّورِ. سَبِّحُوهُ بِرَبَابٍ وَعُودٍ. سَبِّحُوهُ بِدُفّ وَرَقْصٍ. سَبِّحُوهُ بِأَوْتَارٍ وَمِزْمَارٍ” (مزمور 150: آيتان 3-4).
7. الاعتقاد في أنَّ شيخ الطَّريقة وسيط بين المريد وربِّه، ولا يمكن الوصول إلى الله إلا من خلال تلك الوساطة، وقد قال تعالى “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ” (سورة البقرة: آية 186)، دون أن يدع حاجزًا بينه وبين عباده. وفي ذلك الاعتقاد تطابُق مع جاء في إنجيل يوحنَّا، عن اشتراط الإيمان بيسوع لاكتمال الإيمان بالربِّ: “قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي. لَوْ كُنْتُمْ قَدْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضًا. وَمِنَ الآنَ تَعْرِفُونَهُ وَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ»” (إنجيل يوحنَّا: إصحاح 14، آيتان 6-7).
(المصدر: رسالة بوست)