“قاتل القُدس”: إدانة صهيونيَّة للتَّشدُّد “الإسلامي” وإشادة بالمطبّعين – 2 من 6
بقلم د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن
موقف السَّعوديَّة من خطَّة السَّلام الأمريكيَّة
أثناء وجوده في إسرائيل لتأمين زيارة الرَّئيس الأمريكي، تصل إلى ماركوس ريكر معلومات جديَّة عن تواصُل ولي العهد ووزير الدّفاع السَّعودي، الأمير عبد العزيز بن فيصل، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، رؤوفين إيتان، لتحذيره من مخطَّط إيراني لاغتياله، أي إيتان، والرَّئيس الأمريكي أثناء الكشف عن خطَّة السَّلام. يدور نقاش بين العميل الاستخباراتي وأحد زملائه بشأن السَّعوديَّة ودورها في المنطقة، حيث يرى الأخير أنَّ العاهل السَّعودي صار مسنًّا خائر القوَّة، ووريث عرشه يتَّسم بالطَّيش والجنون. برغم عدم معارضة ريكر الوصف السَّلبي للعاهل السَّعودي وولي عهده، واعترافه بـ “الأخطاء الفادحة الَّتي ارتكبها السَّعوديون في تركيا واليمن ولبنان”، يثمّن عميل وكالة المخابرات المركزيَّة المعلومات الاستخباراتيَّة الَّتي أمدَّ بها النّظام السَّعودي بلاده في الفترة الأخيرة (ص155). يتوجَّه ريكر وفريقه الأمني إلى جبل الهيكل لمعاينة المكان المفترض أن يعلن منه الرَّئيس الأمريكي خطَّته للسَّلام، وهناك يمرُّ بحالة من الانبهار عند تخيُّله أنَّ تلك البقعة ضمَّت الهيكلين الأوَّل والثَّاني، ومرَّ عليها الملك داود ووريثه سليمان، لكنَّ ذلك الشُّعور يعكّره تذكُّره أنَّ تلك البقعة، المفترض أنَّها تخصُّ اليهود دون غيرهم، صارت في قبضة المسلمين منذ 14 قرنًا. يتعمَّد جويل روزنبرغ تزييف الحقائق لإثارة التَّعاطف تجاه الصَّهاينة، يهود أو مسيحيين، بادّعاء أنَّ أداء الطُّقوس غير الإسلاميَّة والقراءة في الكتاب المقدّس في ذلك المكان من المحظورات، دون أدنى إشارة إلى الاقتحامات اليهوديَّة اليوميَّة للمسجد الأقصى، وتقسيمه زمانيًّا للسَّماح بدخول الجماعات الدّينيَّة اليهوديَّة إلى ساحاته لأداء صلوات تلموديَّة.
يظهر حسام مشراوي في المشهد، بصفته المدير التَّنفيذي للأوقاف الإسلاميَّة، ليصطحب الفريق الأمريكي في جولته في ساحات المسجد الأقصى. يبادر ريكر بالسُّؤال عن البقعة الَّتي قُتل فيها الملك عبد الله بن الحسين، مؤسّس المملكة الهاشميَّة، على يد فلسطيني في 20 يوليو 1951م، في إشارة ضمنيَّة إلى نزوع الفلسطينيين إلى العنف ورفضهم مساعي السَّلام منذ صدور قرار تقسيم فلسطين عام 1947م. يأتي مفتي القُدس، الشَّيخ أمين العزَّام، لتحيَّة الفريق الأمريكي وتقديم واجب الضّيافة، ويستغل الفرصة للتَّصريح باتّخاذه موقفًا مهادنًا تجاه الخطَّة الأمريكيَّة للسَّلام وترحيبه بزيارة الرَّئيس الأمريكي. يعبّر المفتي بذلك عن رأي العقلاء من أبناء فلسطين، ممَّن يفضّلون التَّفاوض السّلمي، في تناقُض تامّ مع التَّيَّار النَّازع إلى النّدّيَّة مع الاحتلال.
يُبلَّغ الرَّئيس الأمريكي برفض رئيس السُّلطة الفلسطينيَّة، أو “عمدة رام الله”، كما يطلق عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي للإقلال من شأنه، خطَّة السَّلام؛ لأنَّها لا تمنح الفلسطينيين دولة مستقلَّة تحتفظ بكامل الأراضي الَّتي امتلكوها قبل 5 يونيو 1967م، في تأكيد جديد على أنَّ تعنُّت أحد التَّيَّارات السّياسيَّة في فلسطين وراء استمرار النّزاع (ص180). يصرُّ الرَّئيس كلارك على الإعلان عن خطَّته للسَّلام بعد دعوة الطَّرفين الفلسطيني والإسرائيلي، متوعّدًا الطَّرف الرَّافض بالحرمان من المساعدات الاقتصاديَّة؛ وهنا يُحذّر الرَّئيس من أنَّ قطع المساعدات عن الفلسطينيين قد يفضي إلى حالة من الاحتقان والعنف قد تتحوَّل إلى انتفاضة ثالثة قد يستغرق إخمادها سنوات، وحينها يُخبر الرَّئيس بمخطَّط اغتياله ورئيس الوزراء الإسرائيلي في القُدس على يد جماعة إرهابيَّة، بتحريض من المرشد الأعلى للثَّورة الإيرانيَّة والرَّئيس التُّركي. من جانبه، يكرّر ماركوس ريكر تحذير الرَّئيس من مغبَّة زيارة القُدس للكشف عن خطَّة السَّلام، حتَّى أنَّ يرى كابوسًا تلو الآخر عن اغتيال الرَّئيس، سواءً عن طريق إصابة الرَّئيس برصاصة قاتلة في المدينة المقدَّسة، أو تفجير المسجد الأقصى بمجرَّد دخوله إليه.
من الملفت أنَّ الأنباء الواردة بشأن مخطَّط اغتيال الرَّئيس كلارك لا تثني الرَّئيس عن الذّهاب إلى القُدس، وحينها يخبره ريكر عن استعداد العاهل السَّعودي، الملك فيصل بن محمَّد، إلى إرسال وليّ عهده، الأمير عبد العزيز بن فيصل، للمشاركة في إبرام معاهدة السَّلام، الأمر الَّذي اعتبره ريكر “أكبر إنجاز في الشَّرق الأوسط منذ زيارة السَّادات إلى القُدس في نوفمبر 1977م” (ص240). كان الرَّئيس الأمريكي على استعداد لأن “يضع كامل ثقل رئاسته دعمًا لإحلال السَّلام في الشَّرق الأوسط”، وليس من الغريب أن يرفض الفلسطينيون خطَّة السَّلام، وإن كان ذلك محزنًا؛ غير أنَّ استعداد السَّعوديين لقبول السَّلام مع إسرائيل، فتلك الخطوة “تاريخيَّة بالتَّأكيد، خاصَّة وأنَّها قد تفتح المجال أمام دول خليجيَّة أخرى، مثل الإمارات والبحرين وعمان، لتطبيع العلاقات مع إسرائيل (ص244). يُكلَّف ماركوس ريكر بمهمَّة التَّوجُّه إلى الرّياض لمقابلة وليّ العهد السَّعودي ودعوته لحضور القمَّة التَّاريخيَّة في القُدس باعتباره “أحد الأطراف الفاعلة الرّئيسيَّة في المفاوضات” (ص246). يسافر ريكر بالفعل، ويقابل العاهل السَّعودي الَّذي تجاوَز الثَّمانين من العمر، في حضور وريث عرشه الشَّاب، الَّذي لم يزل في الثَّلاثينات ويمتاز بابتسامته العريضة، وكان بصحبة ريكر أحد أعضاء لجنة الاستخبارات في مجلس الشُّيوخ الأمريكي، يُدعى روبرت دايتون. ينقل دايتون إلى العاهل السَّعودي أمنية الرَّئيس الأمريكي التَّوصُّل إلى حلّ للصّراع العربي-الإسرائيلي، إلى جانب “التزامه بتأسيس تحالُف في المنطقة يقف بقوَّة في وجه العدوان الإيراني” (ص258).
يعرب العاهل السَّعودي، فيصل بن محمَّد، في البداية عن خيبة أمله في صديقه القديم إسماعيل زياد، رئيس السُّلطة الفلسطينيَّة، بسبب امتناعه عن مواصلة التَّفاوض، مضيفًا “اعتبرنا اليهود في السَّابق متطفّلين ومستعمرين ومحتلّين وظالمين، ولكن لم يتحقَّق الحلم العربي لطردهم من المنطقة. فقد أسَّس الإسرائيليون دولة مبهرة، وجيشًا قويًّا يتميَّز بقوَّاته الجويَّة، ونظامًا اقتصاديًّا ربَّما أقوى بدون قطرة نفط، وبواسطة اكتشافات هائلة من الغاز الطَّبيعي لم تُستخدم إلَّا حديثًا. لقد أخبرت زياد أنَّ اليهود لن يذهبوا إلى أيّ مكان؛ فإسرائيل أمر واقع، واليهود جزء من المنطقة لهم حق الجوار، وحان الوقت لقبول ذلك. لا يمكن هزيمة إسرائيل، ولا يمكن محوها من الوجود، ولا يمكن حتَّى أن يُأمل ذلك. إسرائيل موجودة وهي حقيقة، وهي قويَّة وتزداد قوَّة. تزداد إسرائيل قوَّةً كلَّ يوم، بينما يزداد الفلسطينيون ضعفًا” (ص258-259). يضيف الملك فيصل أنَّه نصح رئيس السُّلطة الفلسطينيَّة بقبول العرض الأمريكي الجديد، مذكّرًا إيَّاه بأنَّه شبق وأن رفَض عرضًا مغريًا من إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي السَّابق (مايو 2006-مارس 2009م)، عام 2008م، بالحصول على السّيادة على نصف البلدة القديمة في القُدس، وتحديدًا على الأحياء الإسلاميَّة والمسيحيَّة والحرم الشَّريف.
لم تقدّم دولة عربيَّة إلى الفلسطينيين الدَّعم الَّذي قدَّمته إليهم المملكة العربيَّة السَّعوديَّة، كما يخبر العاهل المسنّ، مشيرًا إلى أنَّ التّحديات الإقليميَّة الحاليَّة، وبخاصَّة التَّهديد الإيراني ونشاط جماعة الإخوان المسلمين وصعود “سلطان مُعادٍ جديد في أنقرة”، أصبحت تفرض ضرورات ملحّة قد تجبر المملكة على تغيير سياساتها السَّابقة (ص259). يتحدَّث العاهل السَّعودي عن الأوضاع الاقتصاديَّة، قائلًا “نفطنا ينفد، ويتحتَّم علينا تغيير نظامنا الاقتصادي بالكامل. لا بدَّ أن نستغلَّ ثروتنا، وهي لازالت في قبضتنا، في بناء قوَّة تقنيَّة هائلة هنا في قلب شبه الجزيرة العربيَّة. يمكننا ذلك، ونريد من إسرائيل أن تصبح شريكتنا. حان الوقت، ولا بدَّ أن نبدأ سريعًا، قبل فوات الأوان” (ص259-260). يعلّق ماركوس ريكر على قول الملك فيصل بتذكيره بما فعله الرَّئيس المصري الأسبق أنور السَّادات، لمَّا شنَّ الحرب على إسرائيل في 6 أكتوبر 1973م، تزامنًا مع عيد الغفران اليهودي، أقدس يوم في تاريخ السَّنة اليهوديَّة، على حدّ قوله. غير أنَّ مشاعر الكراهية تجاه السَّادات اختفت بمجرَّد اتَّخاذه قرار التَّصالح مع إسرائيل، وطرحه مبادرة للسَّلام على 1977م، ومن ثمَّ قدومه إلى القُدس في 19 نوفمبر من العام ذاته. لم ينسَ ريكر تذكير العاهل السَّعودي بأنَّ السَّادات دفع حياته ثمنًا لشجاعته، بأن اغتيل على يد شعبه، على يد بني جلدته من المسلمين” عام 1981م (ص262). يصحّح الملك للعميل الاستخباراتي قوله، بالإشارة إلى أنَّ مقتل السَّادات كان على يد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، “الخوارج”، أي الخارجين عن عقيدنا (ص262). يقع روزنبرغ في خطأ فادح بادّعاء أنَّ اغتيال السَّادات كان على يد جماعة الإخوان المسلمين، حيث أنَّ الاغتيال نفَّذه أربعة، من بينهم ضابط في القوَّات المسلَّحة المصريَّة يُدعى خالد الإسلامبولي، بتحريض من جماعة الجهاد الإسلامي، أو تنظيم الجهاد في مصر، وهي جماعة سلفيَّة جهاديَّة تعتقد في كُفر المؤسَّسات الرَّسميَّة في الدَّولة كونها لا تطبّق الشَّريعة الإسلاميَّة، وفق ما تنشره موسوعة ويكيبيديا الرَّقميَّة.
يعي العاهل السَّعودي جيّدًا أنَّ الإقدام على خطوة إبرام معاهدة للسَّلام مع إسرائيل قد يكلّفه حياة ولي عهده، الَّذي يبدي استعداده للتَّضحية بحياته في سبيل اتّخاذ خطوة، يعتبرها إيجابيَّة، ستُلحق المملكة بركب الحضارة الغربيَّة. من جديد يحذّر ريكر العاهل السَّعودي من أنَّ مبادرة السَّلام قد تنتهي بمأساة، وقد يُحجم حكَّام دول الخليج الأخرى عن التَّقرُّب إلى إسرائيل، إذا ما نُفّذ مخطَّط الاغتيال الَّذي تدبّره جماعة كايروس الإرهابيَّة. غير أنَّ العاهل السَّعودي يصرُّ على المشاركة في مؤتمر السَّلام في القُدس، إلى جانب الرَّئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي؛ ويعلن الرَّئيس الأمريكي ذلك في خطاب رسمي. يجن جنون كافَّة المعارضين لخطَّة السَّلام، سواءً رئيس السُّلطة الفلسطينيَّة، أو قائد الحرس الثَّوري الإيراني الَّذي يتمنَّى لو ينفّذ عمليَّة الاغتيال بنفسه ويلقى الشَّهادة بعدها، أو الإعلامي التُّركي، الوسيط بين الرَّئيس والجماعة الإرهابيَّة المكلَّفة بتنفيذ الاغتيال لإحباط مساعي السَّلام في الشَّرق الأوسط.
التَّحضيرات الأخيرة لمؤتمر السَّلام
تسود حالة من التَّرقُّب وحبس الأنفاس قبيل عقْد مؤتمر السَّلام، المفترض أن يجمع الرَّئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي والعاهل السَّعودي، في القُدس للإعلان عن خطَّة السَّلام الأمريكيَّة. في تلك الأثناء، ينجح أعضاء التَّنظيم الإرهابي في التَّسلُّل إلى القُدس، ويبدؤون في التَّحضير لتنفيذ عمليَّة الاغتيال، بمعاونة حسام مشراوي، صهر مفتي القُدس والمدير التَّنفيذي للأوقاف الإسلاميَّة. كان مشراوي، بفضل عمله في منطقة عقْد مؤتمر القمَّة، أنسب شخص يمكنه تقديم المعاونة لفريق الاغتيال، وبالطَّبع ما كان ليتراجع عن تقديم المساعدة، ولو ضحَّى بنفسه، حيث كان يعتقد أنَّ بموته في سبيل إنجاز مهمَّة الاغتيال سيصبح شهيدًا. يودّع مشراوي زوجته وأولاده يوم تنفيذ المخطَّط، ويتَّجه إلى مقرّ عمله بمنتهى الثَّبات والهدوء، ثمَّ يذهب إلى المسجد للصَّلاة وإعداد التَّحضيرات الأخيرة.
يصل العاهل السَّعودي إلى القُدس لحضور مؤتمر القمَّة، وتستغلُّ وسائل الإعلام المعادية الحدث في انتقاد العاهل واتّهامه بالخيانة، بعد سفره إلى العاصمة الإسرائيليَّة واستعداده للتَّطبيع مع الكيان الصُّهيوني. يستشيط أعضاء التَّنظيم الإرهابي غضبًا من زيارة العاهل السَّعودي لمؤسَّسة ياد فاشيم، وهي مؤسَّسة إسرائيليَّة تعنى بتخليد ذكرى ضحايا الهولوكوست، ووضعه إكليلًا أمام الشَّعلة الأبديَّة في قاعة تخليد ذكرى ضحايا المحرقة، وقوله للصَّهاينة “ألمكم ألمنا، ومعًا لا بدَّ وأن نؤسّس عالمًا جديدًا من السَّلام والأمان” (ص385). يلقي ماركوس ريكر القبض أحد أعضاء التَّنظيم الإرهابي، ويتبيَّن أنَّه ليس المكلَّف بتنفيذ التَّفجير، وحينها يخبر مفتي القُدس أنَّ صهره، حسام مشراوي، ربَّما هو منفّذ العمليَّة، في محاولة منه لإيجاده وإفشال عمليَّته قبل تنفيذها. يصل الرَّئيس الأمريكي وفريقه إلى القُدس، ويبدأ مؤتمر القمَّة، بعد التَّحفُّظ على أحد الإرهابيين المكلَّفين بتفجير مقر المؤتمر، وتصفية آخر، ولم يبقَ سوى حسام مشراوي، المدير التَّنفيذي للأوقاف الإسلاميَّة، مختفيًا. كأنَّما أراد روزنبرغ توصيل رسالة مفادها أنَّ الوصاية الهاشميَّة على المسجد الأقصى غير قادرة على توفير الأمن اللازم لغير المسلمين من مرتادي المسجد، وأنَّ الفئة من المسلمين المؤتمنين عليه ليسوا أهلًا للائتمان.
يبدأ مؤتمر القمَّة، ويلقي الرَّئيس الأمريكي كلمته، مادحًا العاهل السَّعودي و “قراره الجريء” بمجيئه إلى القُدس، و “كسره المحظورات”، وسعيه من أجل تحقيق “ميلاد جديد للسَّلام والحريَّة” في منطقة الشَّرق الأوسط (ص428). يأتي دور رئيس الوزراء الإسرائيلي في إلقاء كلمته، الَّتي يستغلُّها بدوره في الثَّناء على خطوة العاهل السَّعودي غير المسبوقة، والتَّشديد على أنَّه لا يوجد مكان في العالم ينعم بما تنعم به القُدس من التَّسامح والحريَّة الدّينيَّة. أخيرًا، يلقي العاهل السَّعودي كلمته، ويبدأها بحمد الله تعالى على أنَّه حقَّق حلمه بأن يأتي إلى القُدس، ويقف حيث وقف لفيف من أنبياء الله، ويصلّي في المسجد الأقصى، شاكرًا رئيس الوزراء الإسرائيلي على حُسن الاستقبال. وبينما يواصل العاهل السَّعودي إلقاء كلمته أمام قبَّة الصَّخرة، يظهر حسام مشراوي في المشهد، دون أن ينتبه كثيرون إلى وجوده. يوقف ماركوس ريكر مشراوي بعد أن يخبره بأنَّ أمره افتضح، وينفي الأخير تورُّطه في محاولة اغتيال الزَّعماء الثَّلاثة، لكنَّ ريكر يصرُّ على إبعاده عن مكانهم، وحينها تنفجر القنبلة الَّتي كانت في حوزة مدير الأوقاف الإسلاميَّة، ولكن ينجو الزَّعماء من الاغتيال.
العاهل السَّعودي يخاطب الكنيست الإسرائيلي
يتوجَّه العاهل السَّعودي إلى مقر الكنيست الإسرائيلي، ويستقبله الأعضاء العرب بالسَّب والقذف بخيانة القضيَّة الفلسطينيَّة ووصم عائلة آل سعود. لا يأبه العاهل المسنّ، ويبدأ كلمته بالبسملة، ثمَّ يتبعها بعبارة بالعبريَّة تقول “آتيتُ للسَّلام”، ثم يستطرد “أتيتُ إليكم اليوم، كما أتى المصري العظيم أنور السَّادات من قبل، وكما أتى الأردني العظيم الملك حسين من قبل، من أجل السَّلام بين أمَّتينا، والصَّداقة بين شعبينا، والأمل من أجل المنطقة والعالم بأسره. أتيتُ لتكريم من سبقاني، للإضافة إلى ما أنجزاه، ليس لتهديد أو محوه. أتيتُ أدعو دعاءً صادقًا من القلب أن تلهم تجربة أمَّتينا في تحقيق السَّلام الدُّول العربيَّة الأخرى بالانضمام إلينا، من الرَّباط إلى رام الله، من الجزائر إلى أبو ظبي، من مسقط إلى المنامة” (ص447).
تشابه أحداث “قاتل القُدس” مع الواقع
رد فعل الفلسطينيين تجاه خطَّة السَّلام الأمريكيَّة
تتناول أحداث رواية قاتل القُدس (2020م) استعداد الرَّئيس الأمريكي للإعلان عن خطَّة للسَّلام في منطقة الشَّرق الأوسط تستهدف إنهاء الصّراع العربي-الإسرائيلي، يعتبرها منصفة للفلسطينيين؛ وتنال تلك الخطَّة استحسان الجانب الإسرائيلي، بينما يرفضها رئيس السُّلطة الفلسطينيَّة. يتطابق ذلك مع ما حدث في الواقع بإعلان الرَّئيس الأمريكي دونالد ترامب خطَّته للسَّلام، المعروفة باسم “صفقة القرن”، في 28 يناير 2020م، والَّتي اعتبرها “فرصة أخيرة” لتأسيس دولة فلسطينيَّة.
تمَّ الإعلان بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وغياب أيّ ممثل للسُّلطة الفلسطينيَّة، مع تصريح رئيس السُّلطة، محمود عبَّاس، بأنَّ تلك الصَّفقة لن تُنفَّذ، وأنَّها “ستذهب إلى مزبلة التَّاريخ”، كما نشر موقع بي بي سي في 29 يناير 2020م.
أمَّا عن أهمّ الاختلافات بين ملابسات إعلان خطَّة السَّلام بين الرُّواية والواقع، أنَّ الرَّئيس الأمريكي أعلنها من القُدس، وبحضور العاهل السَّعودي، بينما في الحقيقة تمَّ الإعلان من داخل البيت الأبيض، بحضور سفراء الإمارات والبحرين وعُمان. يؤكّد هذا الحضور على ما أشار إليه العاهل السَّعودي في الرُّواية خلال كلمته أمام الكنيست الإسرائيلي، وهو استعداد معظم دول الخليج الأخرى لإبرام اتّفاقيَّة للسَّلام مع الكيان الصُّهيوني، أسوةً بالسَّعوديَّة. وقد أثار موقع بي بي سي بتاريخ 2 فبراير 2020م، مسألة التَّناقض الجلي في موقف الدُّول العربيَّة من إعلان خطَّة ترامب، ما بين الشَّجب والإدانة من ناحية والتَّأييد الضّمني بحضور مؤتمر إعلان الصَّفقة من جهة أخرى.
خلال أحداث الرُّواية، يحذَّر الرَّئيس الأمريكي من إمكانيَّة اندلاع انتفاضة ثالثة في فلسطين، عند إعلان خطَّته للسَّلام في ظلّ الرَّفض الفلسطيني. وقد صرَّح نبيل شعث، مستشار محمود عبَّاس، خلال مقابلة له مع قناة فرانس 24 الفرنسيَّة، بأنَّه من الممكن أن تشتعل حملة من الاحتجاجات في فلسطين، إذا ما أقدمت إسرائيل على تنفيذ أحد بنود خطَّة ترامب للسَّلام يخوّلها حقَّ ضمَّ مستوطنات الضَّفَّة الغربيَّة وغور الأردن إلى سيادتها، كما نقل موقع i24 News الإسرائيلي في 4 يوليو 2020م.
يأتي تصريح شعث ليؤكّد على ما سبق وأن نشرته صحيفة القُدس العربي بتاريخ 21 يونيو 2020م، عن استعداد الجيش الإسرائيلي لمواجهات شعبيَّة عنيفة في أعقاب ضمّ مستوطنات الضَّفَّة الغربيَّة وغور الأردن.
وفي أسوأ الظُّروف، فالعنف “سيتحوَّل إلى جولة عنف شاملة بين إسرائيل والفلسطينيين، ربما حتى إلى انتفاضة ثالثة”، نقلًا عن صحيفة معاريف الإسرائيليَّة. يثير المقال ذاته أمرًا في غاية الأهميَّة، وهو أنَّ من بين سيناريوهات مواجهة العنف المحتمل “حل السُّلطة الفلسطينيَّة“.
(المصدر: رسالة بوست)