إعداد أمين محمد حبلا
بمجرد كلمة مكتوبة لم تكلفه كبير عناء، أخرج الشيخ الجزائري السلفي محمد علي فركوس أقطابا وتيارات إسلامية عديدة من عباءة أهل السنة والجماعة، مثيرا بذلك أزمة فقهية وفكرية واسعة في الجزائر.
عباءة الفرقة الناجية ضاقت وتقلصت كثيرا بعد أن تحولت مع فركوس إلى مقاسات محددة وفق بعض منتقديه الذين رأوا فيما قام به تجنيا على التصورات الإسلامية المتوارثة منذ العصور الإسلامية الأولى.
وتمثل فرقة أهل السنة والجماعة وفق الفهم الإسلامي السائد لدى عموم المسلمين “الفرقة الناجية” والمجموعة الأكثر التزاما بالتصور الإسلامي الصحيح.
وفاجأ فركوس في “كلمته الشهرية” التي تبث على موقعه الإلكتروني الجزائريين بإقصاء مجموعات إسلامية كثيرة وذات حضور وانتشار قديما وحديثا في أرجاء العالم الإسلامي؛ من نطاق أهل السنة والجماعة.
القائمة السوداء
واستفتح الشيخ السلفي قائمته الطويلة بطوائف إسلامية ذات حضور كبير منذ قرون عديدة، من بينها “الشيعة الروافض والمُرجِئة والخوارج والصُّوفية والجهمية والمعتزلة والأشاعرة”، ثم طالت القائمة أصحاب “المناهج الدعوية المنحرفة” مثل جماعتي “الدعوة والتبليغ” و”الإخوان” وغيرهما “من الحركات التنظيمية الدعوية”.
وطالت قائمة الخارجين من السنة والجماعة من وصفهم فركوس بالحركات الثورية الجهادية مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة، أو مناهج الاتجاهات العقلانية والفكرية الحديثة، المُنتسِبة إلى الإسلام.
واختار الشيخ أن يضيف إلى قائمته أيضا دعاة الوطنية والديمقراطية الذين يناضلون في سبيل إقامة مجتمعات ديمقراطية حرة، فهم بحسبه ليسوا من أهل السنة والجماعة وبالتالي ليسوا من الفرقة الناجية وفق التصور الذي ينطلق منه الرجل في فهمه ورؤيته الإسلامية.
وبحسب مقتضيات الفتوى الجديدة للشيخ فإن ملايين العرب الذين امتلأت بهم سوح النضال وميادين الثورة خلال ثورات الربيع العربي ليسوا أيضا من أهل السنة، فهم ثاروا على الحكام “بالمظاهرات والاعتصامات والإضرابات باسم التصحيح والتغيير وفق ما تمليه الحرياتُ الديمقراطية وما ترسمه مخططات أعداء الملة والدين”.
ولم يستثن فركوس الذين لم يتمكنوا من الصبر على “ظلم” الحكام “وجورهم”، تماما مثل الخارجين عليهم المكفرين لهم والتاركين لمناصحتهم، فكلهم خارج دائرة السنة والجماعة.
وخارج هذه العباءة أيضا بحسب تفصيل الشيخ فركوس؛ من يرفع شعارا أو راية أو دعوة غير الإسلام والسنَّة بالانتماء إليها أو التعصُّب لها كالعلمانية والاشتراكية والليبرالية والرأسمالية، والقَبَلية والوطنية والقومية، والديمقراطية والحزبية، والحداثة وغيرها.
أوراق اعتماد
تلقى الشيخ فركوس جزءا من تعليمه الجامعي في الجامعات السعودية، ومع أنه عاد مطلع ثمانينيات القرن الماضي إلى بلاده فإنه انخرط لاحقا فيما يعرف بالتيار المدخلي السعودي، وفق كثير من المتابعين لفكر الرجل وأطروحاته.
ويعرف التيار المدخلي بولائه المطلق للسلطة الحاكمة والطاعة الكاملة للحكام والدفاع عن مواقفهم وسياساتهم مهما كانت، والهجوم المستمر على المخالفين لهم، وتستخدمه السلطات السعودية على نطاق واسع لمقارعة التيارات الإسلامية.
ومع أنه لا يعرف على وجه التحديد لمَ لجأ الشيخ “المدخلي” إلى نشر فتواه المثيرة في هذا التوقيت بالذات، فإن رئيس منتدى الوسطية والاعتدال عبد الرحمن سعيدي أرجع ذلك -في حوار مع صحيفة “الشروق” إلى تداعيات التطورات الجارية في السعودية، التي امتدت بحسبه إلى الجزائر “في إطار البحث عن جهة تمثل التيار المدخلي”، و”بما أن الشيخ فركوس يعيش خلافا حادا مع معارضيه داخل الجماعة (المداخلة) في السعودية، حاول تقديم نفسه على أنه الجدير بتمثيل التيار السلفي وتزعمه في الجزائر”.
وتشير وسائل إعلام جزائرية إلى أنه سعى ليكون الزعيم الأبرز لهذا التيار في الجزائر بحكم صلاته القوية مع زعمائه ومباهاته الدائمة بالعلاقة بشيخه الأكبر ربيع المدخلي، ولكنه استقال فجأة العام الماضي من مجمع دار الفضيلة المؤطر من قبل هذا التيار وعلل ذلك بذرائع صحية، بيد أن صحفا تحدثت أن الخلافات بين أقطاب هذا التيار على مستوى الجزائر هي التي أجبرت الشيخ على الاستقالة، خصوصا أن قادة المداخلة في السعودية أبدوا “انحيازا” ما إلى خصومه، وهو ما جعل بعض المراقبين يقرؤون في الفتوى الجديدة محاولة من الشيخ للتقرب أكثر من قلوب القادة وتقديم أوراق اعتماد لهم في ظل انحيازهم إلى خصومه.
رفض واستنكار
من جهتها رفضت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين فتوى فركوس واتهمته بإثارة الفتنة والانقسام بين المسلمين، واعتبرت أن ما ذهب إليه منكر لا يجوز السكوت عليه.
وجاء في بيان للجمعية بحسب صحيفة “الخبر” الجزائرية “نقرأ هذه الأيام مقالة لبعضهم ممن يزعم أنه من أهل السنة دون غيره، يثير الفتنة، وتضليل المسلمين وتبديعهم، وحشرهم في أهل الأهواء والبدع.. يرجع إلى افتراق المسلمين في التاريخ البعيد، ويحيي شعارات مصطنعة، فهل يوجد اصطلاح أهل السنة والجماعة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؟”.
ونسبت وسائل إعلام جزائرية إلى وزير الشؤون الدينية محمد عيسى تهديده بتطبيق القانون على من وصفهم بأصحاب الأفكار المنحرفة في رده على فتوى محمد فركوس التي أقصت عدة تيارات من “أهل السنة والجماعة”.
إلى سنوات الجمر
أحدثت فتوى الشيخ السلفي هزة عميقة في الساحة الجزائرية طالت شظاياها ووصلت أصداؤها إلى ساحات وميادين أخرى تفاعلت مع هذه الفتوى المثيرة حقا؛ باعتبارها تخرج غالبية المسلمين من دائرة السنة والجماعة وتطعن في أهم المرتكزات العقدية والدينية للكثير منهم.
واعتبرها أحد كتاب صحيفة “الشروق” الجزائرية عودة بالبلاد إلى “ذكريات عشرية التسعينيات التي تبقى أحلك فترة عاشتها البلاد منذ الاستقلال”.
ومع أن نحو عقدين من الزمن مرا حتى الآن على انخراط الجزائر على المستوى الرسمي فيما عرف بقانون السلم والوئام المدني، فإن أجواء تلك السنوات وما صاحبها من مجازر ومذابح اتكأت -في جزء منها- على فتاوى التكفير والتبديع والتفسيق، تبقى معلقة بأعمدة الدم وستائر التفجير في الذهنية الجزائرية، وتظل مثار قلق دائم.
(المصدر: الجزيرة / الصحافة الجزائرية)