لم تنتهي المعركة مع داعش في العراق بعد، لكن قائد مليشيات الحشد الشعبي الشيعية أبو مهدي المهندس سارع مستبشراً بالنصر، معلناً أن هذه الانتصارات جاءت نتيجة جهود إيرانية ودعم من مليشيات حزب الله في لبنان لحليفهما كتائب الحشد الشعبي، متجاهلاً قوات التحالف الدولي والجيش العراقي ولفيف من المليشيات المختلفة.
أبو مهدي المهندس ظهر في إيران وهو يُعرف بأنه اليد اليمنى لقاسم سليماني في العراق وشارك بالقتال مع إيران ضد العراق في الحرب الإيرانية العراقية، حيث أدلى بتصريحات من خلال ندوة عقدت في مدينة مشهد الإيرانية، أكد فيها إن الانجازات التي تحققت ضد تنظيم داعش لم تكن تتحقق لولا دعم وجهود إيران وحزب الله وإسنادهما للحشد الشعبي، ليجعل من الحرب على داعش نصراً خاصاً بحلفاء إيران في العراق.
وبدأ المهدي بتقديم التباريك بالانتصارات التي تحققت في العراق والشكر للإمام علي الخامنئي والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، ومؤكداً أن المرحلة القادمة ستشهد دوراً إقليمياً هاماً في دعم سوريا وهي إشارة إلى تدخل الحشد الشعبي في مساندة النظام السوري ضد شعبه.
لكن السؤال هنا.. من هو أبو المهدي المهندس الذي يظهر وكأنه يمارس مهمة العميل المزدوج فهو ينفذ السياسة الأمريكية في العراق في حربها ضد داعش، وفي نفس الوقت يتلقى التعليمات من قاسم سليماني ويعمق التواجد الإيراني في العراق، بل ويعلن الولاء الكامل والمطلق لملالي إيران.
أبو مهدي المهندس واسمه الحقيقي جمال جعفر إبراهيمي رغم أن منصبه الرسمي نائبا لهيئة الحشد الشعبي لكنه القائد الفعلي للحشد، وممثل قائد لواء القدس في الحرس الجمهوري الإيراني قاسم سليماني، وهو مدان بتهم الإرهاب بعد تورطه في سلسلة من 6 تفجيرات في الكويت عام 1983، استهدف إحداها أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، وشارك في التفجيرات المسؤول العسكري في «حزب الله» مصطفى بدرالدين الذي قتل في سوريا قبل عدة أشهر.
في العام 1985، وجّهت النيابة العامة الكويتية للمهندس رسمياً تهمة التورط في محاولة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت أمير البلاد الراحل جابر الأحمد، وبات منذ ذلك الحين، ولا يزال، المطلوب الأول لدى الكويتيين، وضمن القائمة الأمريكية السوداء للمطلوبين بأعمال إرهابية، والعجيب أنه سبق زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في قائمة الإرهاب.
صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية نشرت مقالاً عن المهندس وقالت بأنه ((الرجل الذي يجعل أمريكا تشعر بالتوتر في العراق)) خصوصاً أن وزارة الخزانة الأمريكية أدرجته ضمن قائمة الإرهاب، واتهم بمحاولة تفجير السفارة الأمريكية والفرنسية، والمسؤول عن قتل الجنود الأمريكيين، لكن الواقع الفعلي يكشف عكس ما ذكرته الصحيفة الأمريكي، فأمريكا لم تعد تشعر بالتوتر من المهندس الطائفي فقد مُدت يد السلام بين الطرفين وأصبحت القوات الأمريكية تقاتل جنباً إلى جنب مع مليشيا الحشد الشعبي، وحسب وصف الصحيفة الأمريكية فإن عدد من الخطوات التي اتخذها قائد الحشد الشعبي تصب في مصلحة الأمريكان في العراق وهو الأمر الذي يؤكد ذهاب التوتر من وجوده في قيادة الحشد.
كما عمل المهندس على تنظيم حفلات دعم داخل الولايات المتحدة الأمريكية لمسؤولي الحشد الشعبي، وقام بتسهيل شؤون الأمريكيين في العراق، وهي خطوات جعلت من الأمريكيين يضعون تهمة الإرهاب جانباً، وتقديم الصلاحيات المفتوحة لقائد الحشد الشعبي، حيث بدأت خدماته تؤتي أكلها في إطار ما يسمى بالحرب على الإرهاب. إرهابي يقاتل إرهابياً آخر على الطريقة الأمريكية.
في الاتجاه الآخر ظهر المهندس قبل عدة أشهر في فيلم وثائقي لتلفزيون “أفق” الحكومي في إيران، تحدث بلغة فارسية بليغة، وأعرب عن فخره بكونه “جندياً” لدى قاسم سليماني. وبدأ يمتدح النظام الإيراني، ويقول بأن جهاده امتد من العمل ضد النظام العراقي السابق والقتال إلى جانب إيران في حربها ضد العراق، إلى العمليات الإرهابية والتفجيرات التي نفذها في الكويت، حتى الاشتراك في العمليات مع القوات الإيرانية ضد منظمة مجاهدي خلق المعارضة.
عند سؤال المهندس عن سبب إتقانه للغة الفارسية، أجاب بأنه تعلمها لأنها “لغة الثورة، أما العربية فهي لغة القرآن”، وعن سؤال حول من يحب من الإيرانيين أكثر؟ أجاب المهندس: “الولي الفقيه (خامنئي) ومن ثم اللواء قاسم سليماني”. ، وتمنى في حال موته أن يدفن في طهران وليس في بلده العراق.
يمتلك المهندس ملفاً دموياً في تاريخ حياته، فقد أظهرت لقطات مصورة تنفيذه عمليات إعدام مباشرة لعسكريين عراقيين وقعوا أسرى لدى الجيش الإيراني في العام 1985، ومارس عمليات إعدام لأسرى من الجيش العراقي ضمن خلية تسمى التجمع الإسلامي تتلقى الدعم من فليق القدس الإيراني.
ذاع صيته كمجرم في عام 2005 في فضيحة ملجأ الجادرية، وهو معتقل سري غير تابع للحكومة، كان يديره المهندس مع مجموعة من قادة وعناصر المليشيات وعدد من الضباط الإيرانيين، حيث كانوا يحققون مع ضباط في الجيش العراقي ممن شاركوا في الحرب ضد إيران، ويمارسون عليهم صنوف العذاب في غاية البشاعة، من قبيل الحرق وثقب الأجسام بالدريل، واغتصاب الزوجات أمام الضباط وتصفية البعض منهم.
لعب المهندس دوراً فاعلاً في تهيئة كوادر مؤثرة لصالح التغول الإيراني في العراق، وكان له حضور كبير في ما سمى بهيئة اجتثاث البعث، وشارك في تأسيس مليشيا كتائب حزب الله وهي إحدى الجماعات التي تقاتل في العراق وفي سوريا تحت إمرة الحرس الثوري.
هي سيرة طويلة جمع فيها المهندس ما بين السياسة والطائفية والتناقض في المواقف، لكنه ومهما تبادى للبعض بأنه قادر على الجمع بين إرضاء المحتل الأمريكي، والمغتصب الإيراني، إلا أنه من خلال تتبع سيرته إيراني الهوى والهوية والأخلاق، وينطبق عليه الموقف الإيراني في العلاقة مع الأمريكان، علاقة المصالح في ضرب الخصوم من أهل السنة.
(المصدر: مجلة البيان)