بقلم د. مصطفى اللداوي
ماليزيا الدولة العصرية المتألقة، الصاعدة الواعدة، ذات الاقتصاد النامي بسرعة، والمتحرك بفاعلية، والمتغير برؤيةٍ علميةٍ وإجراءاتٍ عمليةٍ، النشطة السكان الحيوية العمال، الدؤوبة العمل والمتنوعة الورش، المشغولة بالمشاريع، والمهتمة بالتطور والنماء، والمتطلعة إلى الازدهار والرخاء، التي تخطط لتجارةٍ عالمية وسياحةٍ فائقةٍ، تجذب الملايين وتحرك اقتصاد الدولة النشط، وهي الدولة الجميلة التصميم والمنظمة البناء، والمتحدية الأبراج، النظيفة الشوارع، والخضراء الأرض والحدائق، الغنية بمياهها والحاضرة بشمسها، والمتعددة بطقسها الماطر والمشمس، والدافئ والمنعش، المتقلب في اليوم الواحد بجمالٍ وسحرٍ أخاذ، المتبدل بين السماء الصافية والأجواء الغائمة، التي تتخلص من حمولتها على عجل، وتعود إلى شمسها الساطعة بكل الرجاء والأمل.
رغم المدنية والحضارة، والتطور والتقنية والحداثة، وهموم الحياة التي لا تنتهي، وسباق الزمن الذي لا يتوقف، وتحدي الصعاب الذي لا يهدأ، ومواجهة التحديات التي تكبر ولا تصغر، والمؤامرات التي تحاك ولا تنجح، والتنافس بين جنس بين الأصفر المهول والتدافع السكاني المريع، وحمى القلق والخوف والتوجس، وعدم الاستقرار الذي بات يهدد منطقة جنوب شرق آسيا ومحيطها، جراء سخونة الملفات، وتوتر العلاقات، وارتفاع مستوى المواجهة النووية الخطيرة، والحرب المدمرة الشاملة، التي قد تؤثر على بلادهم، وقد تضر بمصالحهم، وتفقدهم استقرارهم، وتعرض أمنهم للخطر واقتصادهم للاهتزاز والضعف.
ورغم أنها تبعد عن منطقتنا العربية آلاف الأميال، وتفصل بيننا وبينها بحارٌ ومحيطاتٌ، وحدودٌ ودولٌ وسيادات، إلا أنها لا تنشغل عن فلسطين وقضيتها، ولا يغيب عنها القدس والأقصى، ولا تقدم همومها الخاصة على القضية الفلسطينية وأهلها، ولا تهتم بحاجاتها وتهمل الحاجة الفلسطينية، والضائقة المقدسية، ومحنة الأقصى والأماكن المقدسة.
تنشط في العاصمة الماليزية كوالالمبور وغيرها من مدنها الكبيرة، جمعياتٌ إسلاميةٌ تعنى بالقدس والأقصى، وتتضامن مع الفلسطينيين وقضاياهم، وتعقد الندوات والمؤتمرات نصرةً لهم، وتأييداً لمقاومتهم، وتجمع الأموال من أجلهم لتثبيت وجودهم، والمساعدات وفاءً لهم وتقديراً لصمودهم، وتحسين ظروفهم، وتمكينهم من الصبر والثبات والمواجهة والتحدي.
كما يقلق الماليزيين واقعُ مدينة القدس والأخطار التي تهدد المسجد الأقصى، فتراهم يتدافعون للمساهمة مع المرابطين والمرابطات، ولأنهم بعيدون عنهم، فإنهم يقدمون لهم غاية ما يملكون من مواقعهم، ويتابعون بفخرٍ رباطهم، ولا ينسون الدعاء لهم بالنصر والتمكين والحرية والتحرير، وهم على يقينٍ بأن الله عز وجل لن يخذلهم، ولن يترهم أعمالهم، ولن يتخل عنهم، إذ أنهم يدافعون عن أقدس قضيةٍ وأطهر أرض.
إنها ترى في الكيان الصهيوني عدواً يجب أن يقاوم، ومحتلاً ينبغي أن يدحر، وقوةً غاشمة يجب على العالم كله أن يتصدى لها، وأن يضع حداً لتغولها واعتدائها، وظلمها واحتلالها، حتى أنهم باتوا يكرهون اليهود عامةً، ويرون فيهم خطراً على المسلمين وقضاياهم، وعلى القدس وأسراهم، فضلاً عن أنهم يكرهون الحركة الصهيونية بل ويحقدون عليها، ويرون أنها تتآمر عليهم وتريد بهم شراً.
إذ أنها استهدفت اقتصادهم، وزعزعت استقرار عملتهم الوطنية، وهددت اقتصادهم بالإنهار وتجارتهم بالبوار، لولا أن منَّ الله عليهم برجلٍ صادقٍ مؤمنٍ غيورٍ، سيَّج بلادهم، وحصن اقتصادهم، ونهض بشؤونهم، وأرسى قواعد استقرارٍ متينة، وأسس تطورٍ كبيرةٍ، ومكَن بلاده من الصمود والمواجهة، والتحدي والمجابهة، إلى أن تجاوز وبلاده الأزمة بنجاح، وانتصر على المحنة، وانطلقت واقتصادها من جديد، تنافس وتتحدى، وتحقق وتنجز، وتتجاوز الخطط وتنتصر على الأزمات، وتعود من جديد إلى مقدمة النمور وركب الاقتصاديات الكبرى.
إنهم يحبون فلسطين بصدقٍ ويكرهون عدوها بجدٍ، ويعشقون أهلها ولا يودون من استوطن ديارهم، وطردهم من بلادهم، واغتصب حقوقهم، وعاث فساداً في ممتلكاتهم، ودنس بقصدٍ مقدساتهم، وقتل واعتقل أبناءهم، وشتت في الأرض أجيالهم، ويودون لو أنهم يقوون على قتالهم، ويستطيعون مقاومتهم.
إنهم يرون في الكيان الصهيوني عدواً مريداً وسرطاناً خبيثاً استوطن في قلب الأمة، فوجب على الأمة كلها العمل معاً على استئصاله من جسمها، والتخلص منه قبل أن يستشري فيها ويتمكن منها وينتشر ويقتل، لتشفى منه ومن أمراضها، وتبرأ من بقية أدوائها، وتتعافى صحتها العليلة، وتستعيد قوتها الضائعة الكليلة ومجدها الممزق التليد، لتعود إليها عزتها المفقودة وكرامتها المهانة، وبغير ذلك فإنها سرطانٌ يقتل بسرعةٍ، ومرضٌ يتغلغل فيفتك بالأمة ويضعفها، ويوهي قوتها ويستنزف طاقتها، ويبث بين أبنائها الفرقة والانقسام، ويورثهم الشقاق والاختلاف، ويزرع فيهم بذور الفتنة، التي تؤسس لحروبٍ مدمرةٍ ومعارك بين المسلمين طاحنةٍ.
يتطلع الماليزيون بصدقٍ وأملٍ إلى استعادة فلسطين وتحريرها، وإلى استنقاذ المسجد الأقصى وتطهير القدس من رجس الاحتلال، وترنو عيونهم إلى رفع الحصار عن قطاع غزة وسكانه، وتخفيف آلامهم وتضميد جراحهم وتحسين أحوالهم، ولكنهم لا يرون ذلك ممكناً ما لم تتحد الأمة الإسلامية وتتفق، وتتجاوز خلافاتها وتتخلى عن عصبياتها، وتتحرر من تبعيتها وتؤمن بعزتها وكرامتها.
يعتقد الماليزيون أن العدو تمكن من الأمة عندما تفرقت وتمزقت، وانتصر عليها عندما اختلفت وضعفت، وسيبقى مستعلياً في الأرض مستكبراً ما بقي المسلمون متفرقين، لا تجمعهم قضية ولا توحدهم عقيدة، يمزق العدو صفوفهم ويقسم أوطانهم، ويشتت جهودهم ويبدد طاقتهم، ويفجر بينهم الحروب إذا شاء، وينشر بينهم الخراب والدمار إذا رغب.
إن فلسطين عند مسلمي ماليزيا الذين يتجاوز عددهم العشرين مليوناً قضية دين، ومسألة عقيدة، وشأنٌ مقدس، نصرتها واجبة، وتأييدها حق، والولاء لها خلق، والوفاء معها شهامة، وتحريرها واستعادتها فرضُ عينٍ على الأمة كلها، وحمايتها والدفاع عنها وعن مقدساتها واجبٌ لا يسقط بالعجز وقلة الحيلة، ولا بالبعد الجغرافي أو الظرف السياسي، ولهذا فإنهم لا يبررون احتلال فلسطين بالضعف، ولا يعتذرون إلى الأمة بالعجز، ولا يقبلون أن يستمرأ المسلمون واقعهم، وأن يرضوا إلى الأبد عن حالهم، إنما يجب عليهم العمل بجدٍ ومثابرةٍ، وبصدقٍ وإخلاصٍ، وبعلمٍ وخبرة، ودرايةٍ ومعرفةٍ، ليسهل عليهم تحرير بلادهم السليبة، وإلا فإن السُبة تلحق المسلمين جميعاً، والعار سيشملهم كلهم، ولا استثناء لأحدٍ تقديراً لظرفه أو تفهماً لحاله أو قبولاً لأعذاره.
(المصدر: موقع الأمة)