الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم، وبعد…
يُقبل علينا شهر رمضان الكريم، وقد تعودت كل بلد من بلاد المسلمين على استقباله بفعاليات مبهجة، تتمثل في تجهيز لصلاة التراويح، وبحث عن الفقراء لسد حاجاتهم في رمضان، وصلة رحم قطعها غبار الخلافات العائلية ليتم وصلها في رمضان، وتجهيز لاعتكاف العشر الأواخر، وغيرها من الأشياء الجميلة التي ينتظرها الصغير قبل الكبير لتدخل السرور عل القلوب جميعا.
لكن … منذ عامين أو ثلاثة بدأت الحرب على الإسلام تجوب كل هذه البلدان بزرع الفتن في كل دولة، بل في كل محافظة، بل في كل بيت، لتتفتت هذه اللُحمة الواحدة التي لم تستطع حروب طويلة صريحة أن تفتتها، لتنجح الفتن التي تم زرعها بين الشعوب في تفتيت أواصر مجتمعات المسلمين، ليتحول الحب إلى كراهية، ويحكم الشك كل العلاقات الإجتماعية، ويمشي الفرد يتلفت حوله لا يدري أين يختبيء أخوه الذي يضمر له الشر.
يدخل علينا رمضان هذا العام ( 2017 م – 1438 هـ ) والجيوش النظامية تحارب الشعوب بدلا من أن تحميها.
في فلسطين: اليهود قابعون يدنسون أرض فلسطين، وأهل غزة يحاربون من كل حدب وصوب، ليقف ترمب خطيبا بين حكام العرب والمسلمين، ليصرّح بأن المقاومة الإسلامية حماس التي تدافع عن أرضها وعرضها ضد الكيان الصهيوني المحتل، إرهابية، وظل الجمع يستمع ولم يرد عليه أحد المتآمرين، عفوا المؤتمرين، وما انتطحت عنزتان.
في مصر : حوالي عشرة آلاف شهيد، وأكثر من 50 ألف معتقل، منهم الأطفال والنساء، ومنهم الذي مات في السجون من التعذيب ،ومنهم حولي 1700 صدر بحقهم أحكام إعدامات،وحالات اغتصاب للفتيات داخل السجون وحالات قتل من التعذيب وقتل ممنهج للمعتقلين، بما يعني أن هناك حوالي عشرين ألف بيت يستقبلون رمضان وعندهم هموم أخرى سيطرت على عقولهم.
فكيف يتواصلون وعندهم كل هذه الهموم، وكيف يستضيفون ذويهم ليصلوا أرحامهم، وهم لا يدرون من تم تجنيده من هؤلاء ليبلغ عن ذوي رحمه إذا قال كلمة بالخطأ أو عبّر عن رأيه بصراحة ؟؟؟
في العراق : سقطت الفالوجا وتمت فيها مذابح شهد بها العالم كله، لأهل السنة، وتم تهجير أهلها. والموصل تدور فيها الحرب بلا هوادة، ليتم قتل وتهجير وتشريد الشعب العراقي بكل قوة ليتم إحلاله بشعب على المقاس الذي يريده التحالف الصهيوأمريكي .
فإذا حاول واحد من المسلمين دعوة عائلته على طعام الإفطار، لن يستطيع، ليس لعدم وجود الطعام أو للأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد، بل لأنه ببساطة، لن يجد عائلته ليدعوها.
في سوريا : حدّث ولا حرج، بين قتل وتشريد وتهجير وتغيير شعوب ( كما يغيرون ملابسهم) لتتحول الأرض بشعبها من الإسلام إلى أي شيء آخر.
في ميانمار : المئات من العلماء الذين تم اخفاؤهم في سجون تحت الأرض، كل ما يتمناه ذويهم أن يعرفوا فقط هل هم أحياء أم أموات.
وغير هذا الكثير من مآسي المسلمين التي لسنا بصدد سردها وتحقيقها، ولكن السؤال المطروح الآن : كيف تستقبل هذه الشعوب رمضان؟؟؟
الأمر يحتاج إلى أمل الواثقين بنصر الله، مع مزيج إعداد وعمل.
فأما الأمل، فبغيره يكون الإنهيار، وقد قال تعالى : (إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) ، ولكي نستجلب ذلك الأمل فيجب شحن الإيمان، فالإيمان هو مصدر الأمل، وكلما زاد الإيمان ، زاد الأمل واليقين بنصر الله.
فلنقم بالإعداد في رمضان، بشحن القلوب، وليعد كل واحد منا نفسه لما بعد رمضان، وعينه على حرب طويلة مع الكفر وأهله، وأن هذه الحرب كما تحتاج إلى الإعداد المادّي، تحتاج أكثر إلى الشحن القلبي، والذي بغيره يضعف الأمل ويكون الإنهيار قريبا.
وفي معركة أحد يقول ربنا عن طائفة اليائسين )ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (آل عمران :154( فالذين تهمهم أنفسهم فهم في قلق وفي أرجحة يحسون أنهم مضيعون ولم تطمئن قلوبهم إلى أن ما أصابهم إنما هو ابتلاء للتمحيص وليس تخلياً من الله عن أوليائه لأعدائه ولا غلبة للكفر والشر والباطل فهم الطائفة ذوو الإيمان المزعزع ولم تكتمل في قلوبهم حقيقة الإيمان , وهم لا يعرفون الله على حقيقته فهم يظنون بالله غير الحق كما تظن الجاهلية .
ومن سوء الأدب مع الله ، أن تظن أنّ الله سبحانه مضيع جنده ودينه.
لذلك عندما يقبل رمضان على الشعوب المسلمة وهي في هذه الأحوال، نجد أنها أحوج إلى التقرب إلى الله والتزود من الطاعات، لترتفع أسهم الإيمان في القلوب، فتوضع الدنيا في القلوب الموضع الطبيعي لها، وما هي إلا لعاعة، لا تساوي عند الله جناح بعوضة.
فتهون عندهم الابتلاءات، وترتبط القلوب بما عند الله أكثر من ارتباطها بالدنيا.
فإذا رأى الله عز وجل صدق الإيمان في القلوب، وكلهم إلى نفسه، ويتحقق موعود الله لعباده المؤمنين ، قال تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ( النور 55 ) .
فهنيئا لكل الشعوب المسلمة بقدوم رمضان، يبدأون فيه أولى خطوات النصر، بإعادة صياغة قلوب، على مراد الله.
نسأل الله عز وجل أن يكون هذا الشهر الكريم بداية تفريج كروب الأمة، وبداية سلاسل نصر تتوالى، فهو ولي ذلك والقادر عليه
(المصدر: رابطة علماء أهل السنة)