في ظلال الهجرة النّبويّة (٣)
بقلم أ.د. محمّد حافظ الشريدة (خاص بالمنتدى)
قال تعالى: ﴿إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ وقال تعالی: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} ويقول ﷺ: {لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ}
كان الصّحابة الكرام يرحلون في زمن الهجرة من ديار الكفر إلى دار الإِسلام لأنّ المؤمن في زمن الفتن سيفرّ بدينه ويهاجر مكرها من الوطن ويخطّط ليعود إليه معزّزا مكرّما وقد أخبرنا ﷺ أنّ العبادات في الهرج حينما ستقع الفتن وتشتدّ المحن وتختلط الأُمور هي آنذاك كالهجرة إلی الصّادق الأمين ﷺ في عظيم الأجور! لأنّ الكثيرين يغفلون عن الطّاعات في أوقات الأزمات ولا يواظب علی العبادات سوی المؤمنين والمؤمنات! ولقد كانت هجرته ﷺ نقطة انطلاق وتأسيس للدّولة الإسلاميّة الفتيّة ثمّ الانتقال من مرحلة العلم إلی العمل ومن مرحلة جهاد النّفس والشّياطين إلى مواجهة الكفّار والمنافقين ومن مرحلة الدّعوة لعبادة الرّحمن لبناء دولة الإسلام ولنشر الحريّة والعدالة والسّلام في شتّى أنحاء العالم!
ولم تكن الهجرة النّبويّة فرارا من استبداد طواغيت العرب فحسب ولكنّها كانت كما ثبت فيما بعد لكلّ ذي عقل سديد ورأي رشيد الاتّجاه بتعاليم الدّين الجديد لبناء دولة التّوحيد على يد الجيل القرآني الفريد لتكون قاعدة انطلاق نحو مشاعل الحقّ والنّور في أيّ زمان أو مكان إلى يوم البعث والنّشور لقد كانت الهجرة النّبويّة فاصلا بين مرحلتين من مراحل الدّعوة الإسلاميّة هما: مرحلة التّأسيس المكّيّة ثمّ مرحلة البناء المدنيّة!