مقالاتمقالات المنتدى

في ذكرى مرور مائة عام على مولده .. محمد الغزالي والقرآن المجيد

كتبه لمنتدى العلماء أ. عماد الدين عشماوي

في سعينا لنهضة حقيقية، تجدد ما اندرس من معالم حضارتنا علماً وعملاً، وتعيد إلينا رشدنا المفقود، وتضعنا على جادة الصراط المستقيم؛حيث الحياة الطيبة التي ترضي ربنا وترضينا، وتحفظ قيمنا، وتثري حاضرنا، وتضمن مستقبلنا المنطلق من ثوابت ماضينا وتراثنا، إلى أفق عالمية كونية جديدة، يقودها القرآن المجيد بمنهجيته المعرفية التوحيدية، لابد لنا أن نبحث عن كنوزنا الحقيقة نعيد إليها هيبتها ومكانتها، ونقدرها حق قدرها، ونضعها حيث وضعها ربنا العليم الحكيم في زمرة عباده “الأمة”، العلماء الذين يخشون حق خيشته، ويبلغون رسالته ويشهدون على الناس.

ولسنا نقصد بالكنوز-هنا- كنوز الذهب والفضة، والدرهم والدينار أو الدولار بلغة مادية العصر الطاغية، وإنما قصدنا ومقصدنا: علماؤنا الذين يبلغون رسالات ربهم ولا يخشون أحداً إلا الله. علماؤنا، الذين يجمعون بين الإيمان والعلم والعمل، الذين يجددون حياة الأمة، والذين بدونهم نضل الطريق، ونخطىء القصد، وتتشعب بنا الطرق فنتحير فلا نستبين السبيل. علماؤنا، الذين يجددون الدين، ويمحون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، الذين وعد الله أمتنا بتجددهم في كل قرن، ثلة من المختارين.

نقول، في طريقنا لنهضة صادقة، لابد أن نبحث عن القدوة الصالحة، عن الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه من الإيمان والعلم والعمل القاصد المجاهد في سبيل وجه الله رب الناس، نبحث عن هؤلاء الرجال الذين لا تحلو الحياة إلا بوجودهم، ولا تتقدم الأمم إلا في ضوء اجتهاداتهم، عن الرجال الذين يؤدون ما عليهم ويسألون الله ما لهم، فهؤلاء هم طليعة التغيير، ونخب الصدق والذين أمرنا أن نقتفي آثارهم ونتبع خطاهم، وزراء الأنبياء وعماد الأمم.

ويأتي في طليعة هؤلاء النجوم الزاهرة في تاريخنا الحديث عالمنا الفقيه، الداعية الأديب والمجتهد الكبير، شيخنا وعالمنا محمد الغزالي، الذي ولد في مثل هذا اليوم منذ مائة عام (20 سبتمبر 1917م).

ويأتي هذا المقال تحية،  لهذا العالم الرباني، والفقيه راسخ القدم في الفقه، والبناء المنشئى، وأحد كبار رجال الإسلام في النصف الثاني من القرن العشرين، في يوم مرور مائة عام على مولده، تذكيراً بجانب من تراثه العلمي الذي تحتاجه اليوم أشد الاحتياج في قضية من أهم قضايانا اليوم والغد، ألا وهي كيفية تعامل الأمة مع القرآن المجيد.

 

 

تراث الغزالي:

ترك الغزالي، لأمته تراثا فكرياً غنياً، يحتاج الأيدي الماهرة والعقول النيرة والقلوب الفاقهة التي تضفر منه مناهج وبرامج في جميع مجالات حياة المسلمين الدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية.فكل كتاب من كتب الغزالي، التي تربو على الستين بخلاف مئات المقالات والمحاضرات والبحوث، بالإضافة إلى قصة حياته الشخصية التي أسماها”قصة حياة” في كتاب لم ينشر منه سوى مختارات في العدد السابع من مجلة إسلامية المعرفة, لكن باقي الكتاب لم يطبع بعد، يمكن أن تكون مادة خصبة للدعاة والمربين وصانعي الساسة والمتطوعين للعمل الاجتماعي وقادة العمل الثقافي في بلادنا.

فقد كانت الدراسات الإسلامية، قبل الغزالي وكتبه ومقالاته، لا تركز إلا على الشروح التقليدية والأساليب الجافة البعيدة عن متناول كافة المستويات العلمية، والقضايا النظرية التي لا تلمس مشاكل الناس ومعايشهم وهمومهم، وفجأة بزع في أفق الفكر الإسلامي قلم رشيق، يصل للفكرة من أسهل طرقها، وأكثرها إقناعاً وأقربها لفظا للفرد المسلم.

وليس هذا وحسب،لا، فقد اختط الغزالي، خطاً فكرياً متفرداً اجترحه، بعد مراجعات و جولات و سياحات متعددة في أرجاء عالم الفكر والواقع الإنساني و الإسلامي.وبتجرد تام وفقه رحب، قام بجراحات جريئة لبتر البدع والأوهام والمراسم التي تغلغلت في حياتنا العامة والخاصة، وأفسدت نظرتنا للدين والدنيا.

فوضع “تحت المجهر جميع التقاليد والمعاملات التي انتشرت بين المسلمين، يتعرف بواعثها وغاياتها ومشاربها في الحياة، ويحكم فيها تعاليم الفطرة الإسلامية، ويدع الخداع والافتعال والصمت المريب.وألف الكتب وكتب المقالات وألقى الندوات موضحاً أمثل الطرق لغرس الصدق والأمانة والوفاء في النفوس وما يعترض هذه الفضائل لدى الأفراد والمجتمعات”.

مؤكداً-رحمه الله- أن ” تكوين الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ تحتاج من الأمة – التي تحاول هذا أو من الفئة التي تدعو إليه على الأقل-،  قوة نفسية عظيمة تتمثل في عدة أمور:

-إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف،

-ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولا غدر.

-وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل

-ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له، يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره.

فقد أكد الغزالي، مراراً وتكراراً، أنه لن يتم لهذه الأمة بعث جديد، ولا عمران حقيقي، ولن تنال حرياتها كاملة غير منقوصة، وتحيا حياتها مستقلة غير تابعة، ولن يهنأ إنسانها بطيب العيش، إلا إذا تخلصنا من” الفقه الضيق المحدود الذي عشنا به خلال القرون الأخيرة, فإن هذا الفقه لم يعالج الخلل المتوارث في علاقة الحكومات بالشعوب,و لم يساند الحريات الصحيحة,و لم ينم القدرات على علاج الأخطاء السياسية والاقتصادية الشائعة في بلادنا”. وأنه ولابد من “التمهيد الاقتصادي الواسع والإصلاح العمراني الشامل إذا كنا مخلصين حقاً في محاربة المعاصي والرذائل باسم الدين، أو راغبين حقا في هداية الناس لرب العالمين”

وشدد، على أنه لو”كان للإسلام رجال يحسنون عرضه كما نزل فى أصوله الأولى لكان الإسلام دين الحاضر والمستقبل على سواء، ولكن الفكر الإسلامى وقع فى محنة رهيبة “.وأكد أن على العرب أن يعيدوا تشكيل نفوسهم وصفوفهم ومتقدميهم ومتأخريهم، وفق القانون الإلهى العتيد “ ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب . من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً، ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً “ (النساء: 123) .

الغزالي:عطاء القرآن

إذا أردنا أن نلخص حياة إمامنا الغزالي، ونقف على سر وسبب هذا القبول الذي تلقاه مؤلفاته والتقدير الذي يترافق مع اسمه، لقلنا إنه عطاء القرآن الكريم. فقد كان القرآن الكريم رفيق دربه طيلة رحلته الإيمانية العلمية العملية المباركة.فقد حفظه صغيراً، واجتهد-باقي عمره- في فهمه والوقوف عند أسرار تشريعه ومقاصد أحكامه، والمصالح المترتبة على أتباعه و العمل به من الفرد إلى الجماعة والإنسانية بأسرها.

فقد تمحورت حياة عالمنا الجليل، حول القرآن علماً وعملاً وجهاداً. وقد أعطاه القرآن، معنى إنسان الواجب والرسالة، فصيره رجل القرآن بامتياز، وأعطاه قوة الواجب الرسالي التي وهبها الله لورثة الأنبياء والرسل من العلماء، فحمل رسالته يدعو إليها ويبلغها في مشارق الأرض ومغاربها، عارفاً بزمانه وما فيه من عقائد ضالة وأهواء مضلة.

وقد تعددت مؤلفات الغزالي القرآنية منذ بدايات تأليفه العلمي بكتابه نظرات في القرآن، حتى ختمه بكتابه نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم.

نظرات في القرآن:

كتب الغزالي، هذا الكتاب، وهو على مشارف الأربعين من عمره، بعد تهيب دام سنوات.واعتبر محاولته تلك، أولى نظراته في القرآن، وبداية لعمل علمي يكون أكثر عمقاً في تناول فهم القرآن وتفهيمه في عصره.فجمع في كتابه هذا”جملة معارف قرآنية تمس قضايا تخص المسلمين والعالم كله”، مؤكداً أن القرآن” كتاب لا ينفصل عن الحياة نزل ليصحح ويخطىء أفكارها، وأنه كتاب الحياة المفعمة بالحركة المتجددة على الدهر”.

 ونبه إلى هجوم الغرب على القرآن، والذي”ركز ساسته هجمتهم على القرآن، وأقاموا حجباً كثفية بين المسلمين وقرآنهم”، مبينا أن هذه”الغارة نجحت في خلق طوائف غريبة عن القرآن وثقافته”.وأشار في كتابه هذا، إلى أن” سياسة التحفيظ القرآن، بحاجة ماسة إلى مراجعة.. وأن برامج تعليم القرآن بحاجة إلى مراجعة واعتناء”.

وكتب في خاتمة هذا الكتاب يقول: لما كتبت هذه النظرات رجوت أن تكون مقدمة بين يدي تفسير يلائم طريقة عصرنا في الفهم والاستنباط، ويترجم عن روح القرآن نفسه، ويخلو قدر الطاقة من وجوه الإعراب، وفنون البلاغة وجدل أهل الكلام والفلاسفة.ولست أدري هل ييسر لي ذلك العمل في الأيام المقبلة أم لا”. وقد تحققت أمنية شيخنا الراحل-رحمه الله-فيما بعد وأثمرت.

المحاور الخمسة للقرآن:

كان كتاب المحاور الخمسة، في زمن صدوره فتحاً جديداً في الدراسات القرآنية، تناول فيه شيخنا المحاور الخمسة،التي خرج بها من مطالعته الدائمة للقرآن المجيد متمثلة في: الله الواحد، والكون الدال على خالقه، والقصص القرآنى، والبعث والجزاء، والتربية والتشريع. وقد كانت فكرة الكتاب الرئيسية، تتمثل في لفت الانتباه إلى كيفية استخراج محاور القرآن وربطها بعملية إعادة بناء وتربية الأمة بالقرآن.

فالمحاور، التي يقوم عليها القرآن الكريم، ليست مقسمة على أساس أن هذا المحور لكذا، وذاك المحور لذاك، ولكن نحن بجهدنا العقلي نجيء لآية واحدة، أو لطائفة من الآيات يمكن أن تكون في قضية واحدة، فنرى أن هذه القضية الواحدة تماسكت الآيات فيها على عدة محاور من الكلام عن الله، والكون، والجزاء، والنفس البشرية، والإيمان، والأخلاق، تماسكاً غريباً لا يعرف إلا في القرآن.

وهذا يجعلنا نقدم التصور الحضاري للقرآن على أنه يبني أمة، ويفتح أبصارها على الكون، ويمنحها الرؤية المتميزة التي تمكنها من الشهود الحضاري على مختلف الأصعدة.

كيف نتعامل مع القرآن؟

ثم جاء كتابه: كيف نتعامل مع القرىن الكريم، في مدارسة معمقة مع الأستاذ عمر عبيد حسنة، ليؤكد فيه الغزالي على محورية دور القرآن في عودة الأمة للحياة وللشهود الحضاري في دنيا الناس، فأكد في مقدمته للكتاب أن”القرآن الكريم هو ما بقي من وحي في هذه الدنيا، وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه”…لكن موقف المسلمين من القرآن الذي شرفوا به يثير الدهشة! ومن عدة قرون ودعوة القرآن مجمدة،ورسالة الإسلام كنهر جف مجراه أو بريق خمد سناه.

ودعا، في عرضه لكيفية التعامل مع القرآن اليوم، إلى ضرورة”قراءة القرآن الكريم قراءة متدبرة واعية تفهم الجملة فهماً دقيقاً، ويبذل كل امرىء ما يستطيع لوعي معناها وإدراك مقاصدها..فالمدارسة للقرآن مطلوبة باستمرار،ومعنى مدارسة القرآن:القراءة والفهم والتدبر والتبين لسنن الله في الأنفس والآفاق، ومقومات الشهود الحضاري، ومعرفة الوصايا والأحكام، وأنواع الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، وما إلى ذلك مما يحتاج المسلمون إليه لاستئناف دورهم المفقود. وأعاد، في هذا الكتاب، تكرار ما سبق وكتبه في كتابه الأول عن القرآن، عن ضرورة”أن يعاد النظر في أسلوب الحفظ وتوصيل القرآن إلى الأجيال القادمة.

وأسس الغزالي، عبر صفحات الكتاب، لمعالم منهج العودة للقرآن الكريم، وحاول تصحيح كثير من المفاهيم المتعلقة بالتعامل مع القرآن، وشدد في نهايته على ضرورة أن” يدرس القرآن الكريم تفسيراً موضعياً، وتفسيراً موضوعياً..وأن ينظر إليه كلاً وجزءاً على أنه دعامة أمة…هو عقلها المفكر…هو ضميرها الصاحي..هو علمها المرفوع…أما أن نترك القرآن لأمور أخرى، فلا يجوز..مؤكداً على ضرورة “أن نعود إلى القرآن الكريم ننشغل به، ليكون محور حياتنا”.

فالقرآن-كما يقول الغزالي-، طلب إلى المسلم الشهود الحضاري، ووجوب التعرف على الآفاق الثقافية والحضارية..ومن خلال إشارات القرآن، يجب الانطلاق باتجاه الثقافات الأخرى، والنظم الإدارية الأخرى، والعقائد الأخرى، والأحوال الاجتماعية الأخرى، والتاريخ الآخر، ما إلى ذلك، حتى تتلاقي تيارات الفكر العالمي عندنا.

نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم

وتحققت أمنية إمامنا الراحل في كتابة” التفسير الموضوعي للقرآن الكريم”، فكان خاتمة كتبه القرآنية هو كتاب”نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم”، الذي بين فيه بأسلوبه السهل الميسر،كيف أن كل سورة من القرآن وحدة متماسكة، تشدها خيوط خفية تجعل أولها تمهيداً لآخرها، وآخرها تصديقاً لأولها، وتدور السورة كلها على محور ثابت.فجاء تفسيراً مختصراً، وعصرياً، وشافياً للمسلم المعاصر في فهمه لآي القرآن الكريم باعتباره كتاب بناء للنفس والمجتمع، ودليل عمل لإنسان يسعى ليكون خليفة لله في أرضه يعمرها حق العمارة.

التلاوة والتزكية:

أكد الغزالي، في دراساته القرآنية تلك، أن القرآن ليس كتابا يتغنى به المقرءون ولا يردده الجهلاء والغافلون, ولكنه كتاب الزمن كله، لتغيير ما بالأنفس، لصنع وبناء المجتمعات والحضارات على هدى من الله، لتتحقق للإنسان الحياة الطيبة في الدنيا وينال جنة الله ورضاه في الحياة الآخرة.

ولهذا فقد أكد-رحمه الله- على أن “التلاوة، ليست أن يجيء قراء حسنو الصوت لكي يقرأوا الآيات منغومة، ويستمع إليها الناس وهم مسرورون بموسيقاها، لا، فالتلاوة تعني عرض منهج، تعني تقديم برنامج، تعني رسم الخط البياني للأمة-للأمة كلها-. فالتلاوة تعطي صورة مجملة للإسلام في عقائده وعباداته وأخلاقه وأعماله”كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب”الرعد:30

وأكد، أن نتاج التلاوة الحقيقية للقرآن حق تلاوته، تحقق الإنسان الفرد والجماعة بحقيقة التزكية، التي هي التربية الحقيقية التي تنشىء الإنسان الأمة المستخلف الذي يعمر الأرض.

مؤسسة محمد الغزالي:

هذا التراث الفكري والعملي الكبير, الذي تركه الغزالي أمانة بين أهل العلم والدعوة، ووديعة لشباب وناشئة الأمة، والذي جمع فيه شتى تجاربه، وخلاصة معارفه وأفكاره لخدمة أمة عاش لها ومات في سبيلها،  بحاجة إلى من يتدارسه, و يستخرج منه معالم مشروعه للنهوض بأمتنا العربية المسلمة,و هي مهمة ثقيلة تحتاج استنفار عدد من شباب الباحثين لهذا الأمر في شكل تنظيمي، يستمر و يدوم كنواة للقيام بحق أمتنا في حفظ تراثها, والبناء على ما تراكم منه, بغية التجديد الدائم للفكر و العمل,و قياماً بحق كبارنا الذين نهملهم لحظة يغادرون حياتنا, و يكأنهم ما كانوا ملأ السمع و البصر.

فأمتنا، بحاجة إلى مؤسسة فكرية تحمل اسم محمد الغزالي, و تدرس فكره, و تنشر مشروعه الإصلاحي, وتخرج رجالا على شاكلته, وأعمالا من جنس عمله الفكري, وجهاده العملي,تبني على ما تراكم من تراثه الفكري و جهوده العملية, و تطور هذا كله و تنميه, حتى يتم الله نوره علينا و على العالمين.

 اعتبارات أساسية لدراسة فكر الغزالي

ويبدو  لي، أن هناك أربعة اعتبارات رئيسية ينبغي أن يضعها كل من يتناول حياة وكتابات شيخنا الراحل في هذا المؤتمر، هي:

أولا: بيان أوجه التقدم في الفكر والواقع الإسلامي المتأثر بفكر الشيخ وتراثه.

ثانيا: بيان الهجمات المضادة الجديدة ضد الإسلام والمسلمين، ومدى قدرة فكر الشيخ ومنهجه على تناولها اليوم.

ثالثا: بيان المشكلات التي عالجها فكر الشيخ ومدى حاجتها للتطوير والإكمال اليوم.

رابعا: بيان الأهمية الخاصة للنضال الفكري الذي تقوده مدرسة التجديد التي افتتح مسارها الغزالي.

خاتمة:

لقد رحل الغزالي عن عالمنا منذ إحدى وعشرين عاماً، مخلفاً وراءه تراثاً فكرياً وزاداً للدعاة إلى الله على بصيرة مازال صالحاً للبناء عليه من أجل إخراج أمتنا من ظلمات التخلف الذي تعيشه من جراء الأفهام القاصرة للإسلام، ومجافاة القرآن ومنهجه في بناء الإنسان.

ولا نجد، في ذكرى مرور مائة عام على مولده، أفضل من كلماته هو، في وصف الرجال الذين تحتاجهم الأمة اليوم، لنصفه بها:

“إن الرجال الذين تصلح بهم الحياة، ويطيب معهم العيش، ليسوا نماذج معتادة من هذا الغثاء الكبير الذي تراه العين ولا تجد فيه طائلا.بل هم نماذج فريدة للفضائل الجليلة، والأخلاق النبيلة، والمواهب التي قلما تلقى نظائرها، لأنها كالمعادن النفيسة لا توجد إلا على ندرة.وحاجة العالم إلى أولئك الرجال كحاجة العقل إلى المعرفة التي يتألق بها، وحاجة الجسم إلى الطاقة التي يتحرك بها.بل إن وجود أولئك الرجال بعض الخير الذي يبثه الله في الحياة ليعيد إليها توازنها إذا اختل”.

رحم الله محمد الغزالي رحمة واسعة في السابقين إلى الخيرات بإذن ربهم، وأعان رجالات هذه الأمة على تدارس تراثه لإفادة الأمة منه، وليكون لبنة من لبنات بناءها المنشود بفضل الله.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى