مقالاتمقالات المنتدى

في ذكرى رحيله الثانية .. الدكتور جمال الدين عطية والعرض المعاصر للإسلام

في ذكرى رحيله الثانية .. الدكتور جمال الدين عطية والعرض المعاصر للإسلام

 

بقلم أ. عماد الدين عشماوي – خاص بمنتدى العلماء

 

يحمل الإسلام، معالم برنامج عالمي يعلي من شأن المشتركات الإنسانية، ويضفرها في حلف فضول عالمي، يعطي الأولوية لحاجات الإنسان الروحية، والتي تعني أول ما تعني إفراد الحق تعالى بالألوهية، وتلبية مطالب الإنسان المادية المتمثلة في إطعامه من جوع وتأمينه من كل خوف، عبر حياة كريمة تليق بالمخلوق المكرم.

وفيه، الكثير من الأفكار الكبيرة التي يمكنها أن تجيبنا على أسئلة تؤرق حاضرنا، لكنه يحتاج المحامين المهرة-كما قال شيخنا محمد الغزالي -رحمه الله يوماً- والمحتوى الجذاب والداعي الخبير وتحديد أولويات الدعوة والانغماس في هموم الإنسان، وابتكار أفضل الوسائل وأبسطها لعرضه، كما دعانا مفكرنا الراحل الكبير الدكتور جال الدين عطية.

والدكتور جمال الدين عطية-رحمه الله-( 22-11-1346هـ / 12-5-1928م- 15من ربيع الآخر 1438هـ، / الثاني عشر من يناير 2017م)،  والذي تحل ذكراه الثانية اليوم. يعد أحد أهم أعلام الفكر والفقه الإسلامي في النصف الثاني من القرن العشرين، الذين قضوا حياتهم في خدمة الفقه والفكر والدعوة الإٍسلامية، ومحاولة بلورة معالم مشروع حضاري يحقق لأمة الإسلام شهودها الحضاري من جديد.

ولقد كان للحديث عن الدعوة للإسلام في عصرنا، نصيب في مشروعه الفكري. فقد اكتسب خبرة كبيرة في هذا الموضوع لخلفيته: الدينية، والثقافية، والعلمية، والحياتية الواسعة. فقد تقلب في جماعة الإخوان شاباً وتولى مسئولية إعداد الدعاة في الجماعة مع زملاء له حيناً[1]، ثم قام على مجلة المسلم المعاصر لمدة خمسين عاماً داعياً إلى فهم معاصر للإسلام، وتخصص في القانون الدولي العام، وعاش في أوروبا حيناً من الدهر؛ فخبر الآخر الأوروبي وعقليته ونفسيته.

وساح في عالمنا، شماله وجنوبه وتعرف على حال الدعوة الإسلامية في كثير من بلدان العالم. فاكتسب خبرة كبيرة، أهلته للحديث عن الدعوة للإسلام في زماننا[2].

وفي هذا المقال، نحاول عرض رؤية الدكتور-رحمه الله-، للمخاطبين بهذه الدعوة ومن يخاطبهم ولأساليب ومحتوى والقضايا ذات الأولوية عند عرض الإسلام على أبناء آدم في زماننا، لشدة حاجة أمتنا الإسلامية: الحكومات، والأفراد، والجماعات الداعية للإسلام، سواء بسواء.

الدعوة خصيصة الإسلام الرئيسية

يرى الدكتور-رحمه الله-، أن الدعوة إلى الإسلام، هي أهم خصيصة من خصائص الإسلام وعالميته، كما أنها من أهم أسلحتنا في المواجهة مع أعداء هذا الدين. لذلك، نجده يؤكد على رجالات الإسلام، ألا ينسوا الدعوة إليه بين العالمين، في غمرة انشغالهم بالمواجهات الكثيرة مع أعدائه الكثر.

 

 

 

أساليب عرض الإسلام

ويرى الدكتور، أن هناك عدة اعتبارات لابد من الأخذ بها، عند اختيار أساليب الدعوة للإسلام في زماننا، تتمثل في:

1- البساطة في عرض الإسلام، باعتباره دين الفطرة، وهذه خصيصة أساسية يلزم مراعاتها.

2- تحديد خصائص الإسلام، والفوارق بينه وبين غيره من المبادئ والديانات والأفكار، أكثر مما نتحدث عن المتشابهات بين هذه الدعوة أو الفطرة وغيرها من المبادئ والديانات والأفكار.

3- تقديم الأساليب الجماعية في الدعوة على الدعوة الفردية-دون إهمالها-. واستخدام وسائل الاتصال المعاصر، التي أصبحت تصل إلى الملايين؛ بل مئات الملايين، حيث يستطيع المرسل أن يوصل فكرته إلى مئات الملايين من البشر الذين يشاهدون ما يبثه إليهم.

4- استخدام الأساليب غير المباشرة في الدعوة، لأنها الأكثر تأثيراً من أسلوب الوعظ التعليمي المباشر، الذي لم يعد بالأسلوب المؤثر في حياتنا المعاصرة .

ما الذي نعرضه  من الإسلام اليوم ؟

في إطار رؤيته لعرض الإسلام في عالمنا، اليوم، يرى الدكتور-رحمه الله- أن هناك ثلاث مسائل، لا بد من إيلائها الأهمية القصوى عند عرض الإسلام على أبناء آدم من غير المسلمين تتمثل في:

المسألة الأولى: عرض الجانب التطبيقي من الدين، الذي يمس حياة الناس أكثر من الجانب التنظيري.

المسألة الثانية: لا يجوز أن نعرض الصور التقليدية، وإنما يلزمنا أن نعرض الصور المعاصرة لهذه الفكرة أو هذه الدعوة.

المسألة الثالثة: يلزمنا أن نتنبه إلى وجوب معالجة مشاكل الآخرين وليس مشاكلنا نحن. كما فعل ويفعل كثير من الإسلاميين، حينما تتاح لهم فرصة الحديث فيعرضون مقولاتهم وقضاياهم بدلاً من هموم الآخرين وقضاياهم. وأن نوضح للمخاطبين بالدعوة ما لدينا من حلول لهذه المشاكل .

أولويات في عرض الإسلام على العالمين

يشدد الدكتور-رحمه الله-، على ضرورة تحديد الأولويات، وإدراك ما يجب التقديم وما يجب التأخير في ما يعرض من جوانب الإسلام على المجتمعات المختلفة؛ بحسب اختلاف ظروفها ومشكلاتها وعقلياتها. وهو يدعو إلى استخدام “الأسلوب التجاري”، الذي يعرض به التاجر بضاعته في “الفاترينة”. وأن علينا أن نعرض ما يشد انتباه الآخرين بشكل متجدد. وضرب أمثلة على ذلك، بما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواقف مختلفة في عرضه للإسلام لأفراد أو جماعات، كانت تسأله عن الإسلام، فيركز على نقطة محددة يراها مناسبة لحال السائل.

عالمية الدعوة الإسلامية: بين التنظيم والمنظور

ويؤكد الدكتور-رحمه الله-، على أن الطبيعة العالمية للدعوة الإسلامية، تلزمنا أن نهتم بالتفرقة بين التنظيمات التي تقوم على الدعوة سواء كانت: حكومية، أو شعبية، وبين بناء منظور للدعوة في زماننا. ذلك أن مجرد وجود تنظيم لا يغنى عن المنظور الدولي. فالتنظيم، هو الرسول الذى يحمل الرسالة، ولكننا نريد للرسالة ذاتها أن تكون رسالة عالمية. وبالتالي فإن وجود تنظيم دعوي لا يغنى عن وجود منظور دولي للإسلام. وهي نقطة غاية في الأهمية لم تدركها غالب التنظيمات العاملة للإسلام بشكلها التام حتى اليوم.

المخاطبون بالدعوة الإسلامية

ويدعو الدكتور-رحمه الله-، دعاة الإسلام في الغرب، إلى جعل فئة “المثقفين” في مقدمة المخاطبين بالدعوة، وليس الحكومات أو الأفراد العاديين. تلك الفئة المثقفة، التي تملك وسائل الفكر والإعلام وغير ذلك، حتى لو لم يكونوا مقتنعين بالإسلام في سلوكهم، وتوجيه الخطاب لهم. وهو يعتقد أن ذلك سيسهل نقل الدعوة منهم لفئات أوسع تتابعهم وتسمع لهم، وتهتم بما يقولون. وهو يعتبر أن هذا المدخل سيكون له أثره الإيجابي على الحكومات والأفراد العاديين فيما بعد.

من هو الرسول المناسب للدعوة اليوم؟

بعد أن حدد الدكتور-رحمه الله-، جوهر رسالة الدعوة، وأفضل الأساليب لعرضها، وحدد فئة المخاطبين بها، يدعو الأمة وعلماؤها ومنظماتها العاملة في مجال الدعوة في الغرب إلى ضرورة إعداد الدعاة على المستوى المناسب لهذه الدعوة الكبيرة، ولهؤلاء المخاطبين المثقفين.

وهو لذلك، يرفض فكرة إعداد دعاة للغرب حالياً؛ ويعتبرها غير مثمرة وتؤدى إلى نتائج عكسية، إذا يؤثر بعضهم تأثيراً سيئاً، وهناك أمثلة عديدة في كل البلاد التي زارها دكتورنا الراحل، ووجد فيها دعاة لا يتقنون لغة البلاد التي يعملون فيها، ولا يعرفون عقليتهم ولا مشاكلهم ولا أي شيء، وإنما يكررون أشياء حفظوها وليس لها قبول بالمرة عند من يدعونهم.

ولذلك، يدعو مفكرنا الراحل، لإعداد دعاة جدد يصلحون لفئة المخاطبين الذين حددهم وجعل لهم الأولوية في الدعوة. وهي فكرة لو أخذ بها في مجال الدعوة، وتم توجيه الجهود الإمكانات المادية التي تسخر لها لأحدثت انقلابا في أثر الدعوة في الغرب اليوم.

 

أمثلة لمجالات الدعوة اليوم

ويدعو الدكتور المسلمين ليكونوا شهوداً على عالمهم، من خلال الانغماس في مشاكل العالمين وابداء الرأي الإسلامي فيها، واقتراح الحلول لها من منظور إسلامي، وقد عرض لجملة من القضايا التي تشغل عالمنا، وأهمية أن يقوم الدعاة للإسلام بالاشتباك معها وتقديم الطرح الإسلامي لها، لأن ذلك سيعد من أفضل المداخل للدعوة للإسلام في المجتمعات المعاصرة، ومن تلك القضايا:

1-في مجال التدين، حتى نربط العلم بكافة اكتشافاته بالإيمان .

2-في مجال التميز، وبيان الفوارق بين الإسلام كدين وبين غيره من الأديان.

3-في مجال الأخلاق والأعلام، قضايا العلاقة بين التربية أو بين الأخلاق وبين وسائل الإعلام.

4-قضية الالتزام في الآداب والفنون.

5-في مجال الصحة، قضايا المخدرات والمسكرات والتدخين، وقضايا التلوث.

6-في المجال الاجتماعي قضية ثورة الشباب والطلاب، وقضية أوقات الفراغ ، وقضية العائلة الممتدة أو الموسعة في مقابلة العائلة النووية أو العائلة الضيقة المكونة من الوالدين والأبناء.

7-في المجال الاقتصادي، ليس من خلال الحديث عن الربا وعن الزكاة، كما يعتاد معظم الدعاة أن يفعلوا. وإنما من خلال المشاكل التي تؤرق أبناء آدم، مثل: قضية الديون الدولية، والحركة التعاونية، والضمان الاجتماعي ودولة الرفاهية وما يترتب على ذلك من أنظمة للنظام الاجتماعي علاقة الشمال بالجنوب، ومشكلة البطالة.

8-فى المجال السياسي، قضية تصفية الدكتاتورية وإشاعة الشورى في نظم الحكم.

9-قضية حقوق الإنسان، ليس بالمداخل التي دعت إليها المنظمات الدولية، وإن كانت مداخل يمكن أن تفتح أمامنا الحديث في هذه القضية ويجب أن نستغلها، ولكن بمداخل جديدة نطرح فيها رؤيتنا لحقوق الإنسان وواجبات الإنسان وما يلزم من نقل هذه الحقوق والواجبات لتصبح واقعاً حقيقياً، لا لتبقى شعاراً جميلاً تزخف به الدساتير والإعلانات الداخلية والدولية .

10-في مجال استعمال القوة لحل المنازعات الدولية هناك عدة مداخل يلزم أن نهتم بها مثل: موضوع الدفاع الشرعي، وهناك أيضاً تعاريف الإرهاب الدولي. وهناك مجال كبير للحديث عن الإرهاب الذى تقوم به الدول والحكومات وليس فقط الإرهاب الذى تقوم به مجموعة من الأفراد . وهناك قضية تصفية الاستعمار، وهناك مبدأ حل المشاكل بالطرق السليمة. كما أن هناك قضية نزع السلاح ، وتحديد وتجريم الأسلحة الجماعية، كل هذا يجب أن يكون للإسلام فيه كلام كثير

إعادة النظر في التقسيم القديم للعالم

ويرى الدكتور-رحمه الله-، أنه قد آن الأوان لأن نعيد النظر في التقسيمات التقليدية التي مازال كثير منا يرددها عن تقسيم العالم إلى دار إسلام ودار حرب وما يترتب على هذا التقسيم من أحكام، في الوقت الذى أصبح للعالم فيه قرية صغيرة ، وأصبحت هناك من وسائل الاتصال ما يزيل هذه الحدود، ويلزمنا رؤية جديدة تكون مدخلنا لتبليغ رأى الإسلام فيها .

 

خاتمة

من استعراضنا لرؤية الدكتور-رحمه الله-للدعوة الإسلامية في عصرنا، نجد أنها رؤية متكاملة، وبها لمحات تجديدية-كسائر فكره- يمكن أن تفيد الدعاة للإسلام اليوم. فكلام الدكتور يقع في عمق مشاكل الدعوة في لحظتنا الراهنة، وهو يحتاج لفهم ودراسة.

رحم الله الدكتور جمال الدين عطية-رحمة واسعة- فقد ترك لنا ثروة فكرية ولمحات ذكية وأفكاراً مازالت صالحة لخدمة الإسلام والمسلمين اليوم. وتحتاج هذه الثروة الفكرية من يقوم بدراستها وعرضها للأجيال الجديدة من الدعاة للإسلام، وخصوصاً جهوده في خدمة الشريعة الإسلامية لما لها من صلة مباشرة وآثار إيجابية على الدعوة لإسلام في زماننا.

وختاماً، نسأل الله أن يعين الدكتور محمد كمال إمام وباقي أعضاء مجلس مناء مجلة المسلم المعاصر لإعادة إصدارها، لتؤدي دورها المعرفي الكبير في خدمة الإسلام وقضايا المجتمعات الإسلامية المعاصرة من منظور إسلامي، كما ظلت طيلة الفترة من ميلادها حتى وفاة عالمنا الكبير(1974-2017 ).

 

 

___________________________________________________________________

[1] راجع مقال للكاتب عن الدكتور جمال وممارسته للدعوة من خلال جماعة الإخوان في الأربعينات، على موقع منتدى العلماء،  الرابط التالي: http://www.msf-online.com/?p=21003

[2] هذا المقال، إعادة لسيمنار “نحو عرض معاصر للإسلام” للدكتور جمال الدين عطية، والمنشور في مجلة المسام المعاصر،: التي أنشأها الدكتور مع ثلة من المفكرين الإسلاميين في عام 1974م، والتي قام برئاسة تحريرها حتى وفاته-رحمه الله- في مطلع عام 2017م  وقد ناقشه فيها ثلة من علماء الإسلام، منهم: الشيخ محمد الغزالي، د. محمود حمدي زقزوق، د. حسن رجب، د. محمد عمارة، د. عبد الوهاب المسيري، د. محمد عبد الهادي أبوريدة، د. أحمد فؤاد باشا، د. عبد الصبور مرزوق،  والسيمنار منشور في العدد 65 / 66 السنة: 1993 من المجلة، من ص175-215.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى