فيروس كورونا يكشف الوجه العنصري الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين
إعداد عدنان أبو عامر
في ظل انتشار فيروس كورونا واعتباره جائحة عالمية الأمر الذي يقتضي تظافر الجميع للوقاية منه والحد من انشاره، تبدت في إسرائيل معالم العنصرية والتمييز ضد الفلسطينيين والسعي لحرمانهم من الإمكانات الضرورية لمكافحة الفيروس.
في الوقت الذي تواصل فيه الأوساط الصحية الفلسطينية كشف المزيد من حالات الإصابة بفيروس كورونا، فإن الوباء كشف عن دلالات سياسية لا تخطئها العين، ترتبط بصورة وثيقة بالتعامل الإسرائيلي معه، بخاصة تجاه الفلسطينيين، سواء ما يتعلق بالإهمال الصحي تجاههم في الضفة الغربية، أو عدم تسهيل وصول المساعدات الطبية إليهم، بخاصة في قطاع غزة، واستمرار الحصار المفروض عليه.
أكثر من ذلك، فلا تخفي أوساط فلسطينية وجود مساعي إسرائيلية جدية لنقل وباء كورونا إلى مناطقهم، والعمل على زيادة انتشاره، خصوصاً بالضفة الغربية، مع توفر وقائع على الأرض حدثت في الأيام الأخيرة تثبت صحة هذا الافتراض.
فقد فتحت إسرائيل بوابات مغلقة في جدار الفصل العنصري للسماح بدخول العمال الفلسطينيين للعمل بمستوطناتها بنظام التهريب غير القانوني، على الرغم من طلب السلطات الفلسطينية منهم عدم الذهاب إلى إسرائيل للعمل خشية تفشي الوباء.
مشهد آخر رصدته كاميرات المراقبة بشوارع الضفة الغربية، وثقت قيام جنود إسرائيليين بتعمد الاحتكاك ولمس السيارات الفلسطينية وأبواب المنازل، بطريقة توحي بوجود نية لنشر الفيروس، مع تأكيد الجيش إصابة العشرات من جنوده بالوباء، وحجر آلاف منهم في المراكز الصحية.
مؤشر ثالث يوحي بالنوايا الإسرائيلية، يتمثل بإفراجها عن المزيد من الأسرى الفلسطينيين من الضفة الغربية، ممن ثبتت إصابتهم بالفيروس، وعلى الرغم من النفي الإسرائيلي السابق لانتشار الفيروس بينهم، فإنها اعترفت بإصابة سجانين إسرائيليين به، ما يعني بالضرورة انتقال الوباء إلى الأسرى، وكان بإمكان سلطات الاحتلال إيجاد مركز حجر صحي خاص بالمفرج عنهم، حتى تعافيهم من المرض خلال أيام معدودة.
وفيما يأخذ عدد من الفلسطينيين المصابين بالوباء في التزايد يوماً بعد يوم، لا سيما بالضفة الغربية، فإنهم يخشون فعلياً من انتقال العدوى من المستوطنات الإسرائيلية إلى مناطقهم، ودعت المنظمات الحقوقية والإنسانية إسرائيل للاعتراف بالمسؤولية عن أوضاع الفلسطينيين من الناحيتين السياسية والأخلاقية، لأن الفيروس لا يتوقف أمام الحواجز العسكرية والحدود الجغرافية، وهنا تتعدى مخاطر المستوطنات من سلب الأرض ونهب الموارد الطبيعية الفلسطينية، إلى جلب الخطر إلى الفلسطينيين وتهديد حياتهم.
انتشر الوباء بمستوطنات الضفة الغربية بشكل كبير؛ أكثر من مئتي مستوطن أصيبوا به، وآخرون رفضوا الرضوخ للحجر الصحي، والاستجابة للتعليمات الوقائية، مما أثار مخاوف الفلسطينيين أن يكونوا مصدراً لمزيد من تفشي الفيروس، نظراً إلى طبيعة ممارساتهم الاجتماعية والدينية، وتعمدهم الاحتكاك بالفلسطينيين واستفزازهم، بالاعتداء على ممتلكاتهم، مما يعني خطر انتشار الوباء، إذ يبلغ عدد المستوطنين بالضفة الغربية والقدس قرابة المليون وعدد المواقع الاستيطانية والقواعد العسكرية 448.
تمثل العمالة الفلسطينية في إسرائيل ومستوطناتها، ثغرة يتسلل منها كورونا، إلى مناطق الضفة الغربية، فاستمرار تنقل العمّال بتسهيلات إسرائيلية، بين مدنهم وقراهم وأماكن عملهم يشكّل ضربة للجهود الفلسطينية لوقف انتشار الفيروس، مما يعني أن استمرار إسرائيل في السماح للعمّال بالتوجه إلى أماكن عملهم فيها، هي محاولة لحماية اقتصادها على حساب أرواح العمّال، إذ يعمل فيها 133 ألف فلسطيني من الضفة الغربية.
وعلى الرغم من الطلب الفلسطيني بوقف كامل لدخول العمال من الضفة الغربية إلى إسرائيل، وبالعكس، فإن أعدادهم في تصاعد، لا سيما عبر الطرق غير القانونية والتهريب، مما يشير إلى حالة إهمال إسرائيلية متعمدة، سواء لعدم اكتراثها بانتشار الوباء بين الفلسطينيين بأحسن الأحوال، أو رغبة منها في نشره وتفشيه بينهم بأسوأ الظروف.
وعلى الرغم من وجود طواقم طبية أمام الحواجز الأمنية الفلسطينية وفي المعابر المؤدية إلى إسرائيل، فإن سوقاً سوداء تعمل على تهريب العمال إلى إسرائيل بطريقة غير قانونية، بالتنسيق مع جهات إسرائيلية مرتبطة بأرباب العمل الذين ضاعفوا الأجور للعمال الفلسطينيين لتعويض خسائرهم الاقتصادية، ولو على حساب صحة الفلسطينيين، ونقل المرض إليهم.
على الصعيد الصحي والطبي، تتحمل إسرائيل مسؤولية سياسية وأخلاقية وإنسانية واضحة في عدم توفر المعدات الطبية اللازمة لدى المنظومة الصحية الفلسطينية، فالمشكلة التي تواجه الفلسطينيين هي النقص في أجهزة الفحص.
فقطاع غزة الذي تحاصره إسرائيل منذ أربعة عشر عاماً فيه 13 مركزاً طبيًا، تتوفر فيها 70 سريراً للعناية المكثفة فقط، وهذا عدد قليل جداً. وفي الضفة الغربية عدد مشابه من المراكز الطبية، بما فيها مستشفى المقاصد بالقدس، و125 سريراً فقط في العناية المركزة.
لكن الوضع في غزة يزداد خطورة في حال انتشر الوباء، بخاصة في ظل الكثافة السكانية المزدحمة، فغزة ينقصها كل شيء: أجهزة الفحص وأسرة العناية المركزة والطواقم الطبية العاملة والمعدات الطبية والكمامات الواقية، وكل ذلك بسبب الحصار الإسرائيلي الذي يعتبره الفلسطينيون وباء أخطر من كورونا.
الغريب والمفاجئ أن إسرائيل بدلاً من مساعدة الفلسطينيين في مواجهة الوباء، أو على الأقل إزالة حصارهم في هذا الظرف الإنساني العالمي، فقد خرجت أصوات صحفية وإعلامية وآخرها سياسية على لسان وزير الحرب نفتالي بينيت، الذي أعلن رسمياً مقايضة حماس في غزة، باشتراطه تقديم أي مساعدات طبية وإنسانية لقطاع غزة لمواجهة أزمة كورونا بإطلاق سراح الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى حماس في غزة.
أكدت هذه المطالبات الإسرائيلية أننا أمام احتلال لا إنساني من الأساس، لكنه زاد من جرعاته غير الإنسانية وغير الأخلاقية في أزمة كورونا الحالية، فقطاع غزة المحاصر يوجد فيه أكثر من مليونَي نسمة، يعيشون في مساحة لا تزيد على 360 كم2، موزَّعين على ثمانية مخيمات لاجئين مكتظة جداً بالسكان، تضم فيها مئات آلاف الفلسطينيين في عائلات ممتدة، وتعيش في بيوت صغيرة متلاصقة.
إن تراجع الظروف الصحية، وانعدام الإمكانيات الطبية، أدى إلى خوف إسرائيل من عدم قدرة السلطة الفلسطينية على السيطرة على تفشي المرض، فمعدلات الإصابة بالمرض بالضفة الغربية آخذة بالزيادة مع مرور الوقت، وتوجد شكوك إسرائيلية حول مدى قدرة السلطة على تقديم العلاجات اللازمة في ظل نقص المعدات الطبية والطواقم الصحية وأجهزة الفحص.
لذلك من الطبيعي أن يعلن الفلسطينيون بين حين وآخر أن إسرائيل مسؤولة بشكل كامل عن إمكانية انتشار كورونا بينهم، بخاصة في قطاع غزة المحاصر، وهذا الإعلان يعني ربطاً قسرياً إلزامياً بين الوضع الصحي الإنساني في غزة والوضع الأمني فيها، وهذا الربط عاشت إسرائيل آثاره سابقاً في جولات تصعيدية بين حماس وإسرائيل، وعلى رأسها حرب غزة الأخيرة الجرف الصامد 2014.
يواجه الفلسطينيون بخاصة في قطاع غزة المحاصر من إسرائيل، خطر انتشار الكورونا، وسط انعدام المقدرات الأساسية الحياتية، من عدم توفر مياه الشرب اللازمة، وظروف حياة سيئة، ومنظومة صحية مدمرة حتى في الأيام العادية، ونقص المعدات الطبية وأجهزة التنفس الاصطناعي والأدوية.
هذه المعطيات المقلقة تعني أنه في حال انتشار كورونا في القطاع، لا سمح الله، فإنه قد يتحول إلى كابوس فوري في مكان ضيق إلى هذا الحد، وكفيل بتحوله إلى تسونامي حقيقي، لن تكون إسرائيل بعيدة عن تبعاته المفترضة، مع العلم أن القطاع يفتقر إلى ميناء بحري أو مطار جوي، وعلى الرغم من ذلك فإننا أمام وباء عابر للحدود الجغرافية.
(المصدر: تي آر تي TRT عربية)