إعداد إيهود ياري صحفي إسرائيلي مختص في قضايا الشرق الأوسط
وفقا لما جاء على لسان وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، فإن إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تنكبّ على “مراجعة سبل مواجهة التحديات التي تطرحها إيران”. في الواقع، قد يرمي هذا التصريح على الأغلب إلى بحث الولايات المتحدة عن الطرق التي تسمح لها بكبح جماح المد الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.
في هذا الإطار، يبدو أن فعالية الخطة التي ستقرّها الولايات المتحدة لاحتواء التوسع الإيراني، تفرض على واشنطن إجراء دراسة مُعمقّة للإستراتيجية الإيرانية المنبثقة حديثا في بلاد الشام. فضلا عن ذلك، يجب أن تعي واشنطن أنه، وعلى الرغم من عدم تخلي إيران عن آمالها المتعلقة بفرض هيمنتها في المنطقة على المدى الطويل، إلا أن خطة طهران الحالية تتمثل أساسا في التركيز على ضمان موقعها والحفاظ عليه، في كل من العراق، ولبنان، وسوريا.
والجدير بالذكر أن المستنقع الدموي الذي تغرق فيه البلدان الثلاثة، الآنف ذكرها، يفتح باب الفرص على مصراعيه أمام إيران، على عكس خطر المواجهة التي ستتعرض له في منطقة الخليج، حيث سيتعيّن عليها آنذاك مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها. في المقابل، ستضمن إيران، من خلال إتباعها لنهجها المحدود في بلاد الشام، نجاحا قادرا على تعزيز قوتها ضد المملكة العربية السعودية خاصة والكتلة السنية عامة.
يُعدّ الجنرال، قاسم سليماني، قائد فرقة فيلق القدس التابعة لحرس الثورة الإسلامية الإيراني، أحد أبرز المسؤولين عن تنفيذ الرؤية السياسية الجديدة لطهران على أرض الواقع. وعلى امتداد السنوات الثلاث الأخيرة، انشغل سليماني بوضع اللبنات الأولى لممرين إثنين، أحدهما شمالا والآخر جنوبا، حيث يربطان إيران بالبحر الأبيض المتوسط، عبر بلاد الشام.
نتيجة لذلك، سيمتدّ هذان الممران ما لا يقل عن 800 ميل، إنطلاقا من حدود إيران الغربية، ووصولا إلى حافة هضبة الجولان، مرورا بنهري دجلة والفرات فضلا عن الصحاري الشاسعة في كل من العراق وسوريا، مما يسمح بإنشاء صلة مع حزب الله في لبنان. في الحقيقة، سيلعب الممران دور القنوات التي من شأنها أن تسمح بنقل الإمدادات العسكرية ومرور المليشيات منها عند الحاجة.
مؤخرا، صرحت عدة ميليشيات شيعية، مدعومة من قبل إيران، علنا عن نيتها في نقل مقاتليها عبر هذه الممرات. فعلى سبيل المثال، تتمركز قوات من جماعة حزب الله اللبناني في كل من سوريا والعراق، فيما تتواجد المليشيات العراقية الشيعية حاليا في لبنان. في الحقيقة، تتمحور الفكرة بالأساس، وفقا لكبار المسؤولين الإيرانيين، حول تكليف إيران لقواتها بالوكالة مسألة مراقبة الممرات، على غرار حزب الله ومختلف المليشيات الشيعية التي ترعاها إيران في كل من العراق وسوريا، بهدف تجنّب توظيف طهران لقواتها العسكرية الخاصة في هذه المهمة.
في السياق ذاته، تتراوح أعداد ميليشيات إيران بالوكالة بين 150 ألف و200 ألف مقاتل، حيث أنها تضم 18 ألف شيعي أفغاني، وحوالي ثلاثة أو أربعة آلاف شيعي باكستاني، بالإضافة إلى عدد قليل من المليشيات المسيحية والدرزية. وتجدر الإشارة إلى أنه قد تم بالفعل توظيف البعض من هذه القوات في قطاعات مختلفة على طول الممرات المُراد إحداثها. وفي الأثناء، ستتمكن إيران من تجنيد المزيد من الشيعة، خاصة من اللاجئين الأفغان والباكستانيين الباحثين عن عمل والذين يسْعون إلى مناصرة إحدى القضايا.
من المتوقع أن ينطلق الممر الشمالي من إيران، عبر محافظة ديالى ذات الأغلبية الشيعية في الوقت الحالي، باتجاه مدينتي كركوك والشرقاط نحو الشرق، ليصل إلى سوريا عبر منطقتي تلعفر وسنجار الجبليتين. وبالتالي، ستتمكن القوافل الإيرانية من بلوغ الأراضي الكردية السورية التي وقع ربطها بالفعل بالمناطق الخاضعة لسيطرة الرئيس السوري بشار الأسد. وفي سبيل ضمان تنقلهم عبر هذا الممر، يبدو أن الإيرانيين في حاجة إلى التأكد من عدم تدخل كل من الحكومة العراقية والقوات الكردية القابعة غربا.
من هذا المنطلق، وبالنظر إلى تنامي سلطة النفوذ الإيراني على الحكومة العراقية وقواتها المسلحة، يبدو من المستبعد أن تواجه القوافل الإيرانية معارضة حقيقية من قبل العراقيين، كما ينطبق الأمر ذاته على الأكراد. في الحقيقة، لن تشكّل البشمركة، المتمثلة في القوات العسكرية لأبرز حزبين كرديين سياسيين في العراق، وهما الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكرستاني، حجرة عقبة أمام حركة القوات الإيرانية، التي لا تمثل أي تهديد لمصالحها.
من جهة أخرى، تربط قوات حزب العمال الكردستاني في سنجار علاقة وثيقة مع الإيرانيين، فضلا عن أن المليشيات الموالية لإيران في تلعفر تقود عملياتها “بمباركة” الولايات المتحدة. أما في كردستان السورية، المعروفة بين أوساط الأكراد باسم “روج آفا”، فيتعرض الأكراد، الخاضعين لحكم حزب الاتحاد الديموقراطي، للتهديد المستمر من قبل تركيا. في الواقع، تعتبر أنقرة كلا من حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديموقراطي بمثابة جماعات إرهابية ترى بدورها في إيران “قوة صديقة”.
في الآونة الأخيرة، لم تؤدّ المنافسة المحتدمة بين إيران وتركيا في بلاد الشام، إلى غاية هذه اللحظة، إلى أي احتكاك على أرض الواقع، كما من المتوقع أن يظل هذا الوضع على حاله في المستقبل. من جهته، يبدو أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان يفضل خوض حرب بلاغية ضد إيران على المشاركة في حرب حقيقية.
فضلا عن ذلك، يدين أردوغان الأنشطة التي تقودها إيران في بلاد الشام أو ما يدعوها “بالتوسعيّة الفارسية”. وبالنظر إلى السياسة التي لطالما اعتمدها الرئيس التركي، فمن المرجح أن التردد سيغلب على موقفه حول استخدام سلطته الواسعة على أكراد العراق، والأقلية التركمانية في العراق وسوريا، فضلا عن المليشيات السنية العربية، في محاولة منها لإحباط المخطط الإيراني.
بالنسبة للممر الجنوبي، فمن شأنه أن يسهّل العبور من إيران، عبر الأقاليم الشيعية في العراق، ليشمل الطريق السريعة الصحراوية والرئيسية في محافظة الأنبار، مرورا بشرق سوريا ووصولا إلى دمشق. في الأثناء، يواجه هذا الممر مشكلة أساسية تتمثل في نظرة سكان الأنبار، المحافظة ذات الأغلبية السنية، التي تغلب عليها الريبة والعداء تُجاه إيران.
والجدير بالذكر أن غالبية السكان السنّة، البالغ عددهم حوالي مليون ونصف نسمة، يُقيمون في أربعة مدن كبيرة، وهي الفلوجة، وحديثة، والرمادي، والقائم. وبالتالي، يبدو من السهل تفاديهم من خلال اعتماد الطرق الريفية القاحلة ذات الكثافة السكانية المنخفضة. في الواقع، شهدت هذه المناطق على القتال الذي خاضته الميليشيات الشيعية، المدعومة من قبل إيران، جنبا إلى جنب مع الجيش العراقي بهدف القضاء على تنظيم الدولة. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال هؤلاء متمركزين في عدة معاقل على طول الطريق السريعة.
من هذا المنطلق، يبدو من غير المستبعد أن تعترض قوات الأمن العراقية، المتمركزة على طول الطريق السريعة الصحراوية في محافظة الأنبار، طريق القوافل القادمة من إيران أو الميليشيات المتحالفة معها. أما العشائر السنية المحلية، فمن المرجح أن تمتنع عن إشعال فتيل صراع لا تملك القدرة على الفوز فيه. علاوة على ذلك، قد تلجأ إيران إما إلى حثّ هذه العشائر، أو تقديم رشاوى لهم، أو إجبارهم على غض الطرف بشأن مرور القوافل الإيرانية عبر أراضيهم.
في الأثناء، تعتزم إيران، على امتداد العقد القادم، تحديث ترسانتها العسكرية التي عفا عليها الزمن. ونتيجة لذلك، من شأن هذه الخطة أن تمدّ تدريجيا كلا من الحرس الثوري الإسلامي، وجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بالمدفعية المتنقلة، والدبابات، فضلا عن المعدات الأخرى الضرورية.
فضلا عن ذلك، تأمل إيران، من خلال هذه التحديثات، في تشكيل قوات من شأنها القيام بمهام إستطلاعية طويلة المدى لتعزيز صفوف الميليشيات المتحالفة معها. ومن خلال استخدام قوة جوية مُطوّرة، سيصبح بإمكان إيران توفير غطاء للقوات البرية التي تتحرك على طول الممرات، إما بهدف فرض سيطرتها على الفصائل، والعشائر، والطوائف السياسية المحلية، أو القوات المتمركزة بالقرب من الحدود الإسرائيلية.
من المرجح أن تستمر إيران، بمجرد توقّف رحى المعارك الدائرة في كل من سوريا والعراق، في تطوير ميليشياتها بالوكالة داخل البلدين، منتهجة في ذلك الطريقة ذاتها التي تدعم بها حزب الله في لبنان. أما في العراق، فقد تحصّلت المليشيات المدعومة من قبل إيران، والتي تُعدّ جزءا من وحدات الحشد الشعبي التي يحتمي بها عشرات المليشيات الشيعية، على اعتراف رسمي بالإضافة إلى أموال من قبل الحكومة العراقية.
في سوريا، وفي حال ظلّ الأسد على رأس السلطة، فإن إيران ستخطط إلى دمج مجموعتها الواسعة من المليشيات في شكل هيكل شبه عسكري تطوعي على طراز “الباسيج”، الذي سيخضع بالفعل إلى السيطرة الإيرانية. ومن المنتظر أن تساعد هذه الميليشيات في الإبقاء على الحكومات المؤيدة لإيران في بلاد الشام. بالإضافة إلى ذلك، ستساهم في الحفاظ على الممرات من خلال إقامة سلسلة من المناطق المحلية، وبالتالي، إنشاء تحالفات مع العناصر المحلية على طول هذه الممرات.
في الحقيقة، تتمثل غاية إيران القصوى، التي تنشدها من خلال هذه التكتيكات، في توسيع المد الإيراني إلى غاية مرتفعات الجولان، بغية تضييق الخناق على إسرائيل. في هذا الصدد، لا يتردد الإيرانيون في التعبير علنا عن اهتمامهم الشديد بفتح أبواب جبهة الجولان أمام وكلائهم. علاوة على ذلك، يعمل ضباط من الحرس الثوري الإيراني، المتواجدون على عين المكان، على إنشاء ميليشيا جديدة تُدعى “فوج الجولان”، مُتألفة جزئيا من فلسطينيين مقيمين في سوريا.
من جهته، دعى أحمد جبريل، الزعيم المحنّك للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، التي ترعاها إيران، بإتخاذ مثل هذه الخطوة على مرتفعات الجولان، فضلا عن أن هذه الدعوة قد تردد صداها على وسائل الإعلام السورية الرسمية في العديد من المناسبات. علاوة على ذلك، من شأن هذا التكتيك أن يوسع خط المواجهة الحالي في لبنان بين حزب الله وإسرائيل، وصولا إلى نهر اليرموك حيث تلتقي الحدود السورية والأردنية والإسرائيلية.
في الأثناء، لا يتوان قادة بعض المليشيات العراقية، المدعومة من قبل إيران على غرار “حركة النجباء”، في التعبير صراحة عن نيتهم بشأن نقل قواتهم إلى جبهة الجولان. أما من جهتها، ردّت إسرائيل في عدة مناسبات على الهجمات القادمة من تلك المنطقة، مما أدى إلى مقتل جنرال إيراني خلال الإشتباكات.
وفي إطار ردّها على الخطة الإيرانية لتأمين نفوذها في بلاد الشام، يجب على إدارة ترامب أن تعمل بالتعاون مع نظرائها الإقليميين بهدف التصدي لسعي إيران لإنشاء هذين الممرين. بالإضافة إلى ذلك، لا بد من تشجيع حليفة الناتو، تركيا، على مقاومة الجهود التي تبذلها إيران، من خلال إقامة الممرات، للسيطرة على الطرق التجارية الرئيسية التي تخدم الكميات الهائلة للصادرات التركية الموّجهة للعالم العربي.
في السياق ذاته، لا بد من تزويد الأكراد، في كل من العراق وسوريا، بالمعدات العسكرية اللازمة لمجابهة المليشيات الشيعية. أما من الجانب الأردني، فيبدو من الضروري مساعدة كل من السنّة في غرب العراق واتحاد قبائل شمر في الصحراء السورية، الذي تجمعه بالسعوديين روابط تقليدية في إطار تنظيم قواته الخاصة.
في الختام، يرى كاتب المقال أنه على الولايات المتحدة أن تدعم الجهود التي تبذلها دولة الاحتلال لمنع الإيرانيين من الوصول إلى مرتفعات الجولان على الجانب السوري. في المقابل، يجب أولا على واشنطن مواصلة الحوار مع روسيا والإصرار على تنحّي الرئيس السوري بشار الأسد، عاجلا وليس آجلا.
المصدر: (فورين أفيرز – ترجمة وتحرير نون بوست)