فلسفة الميراث في الإسلام.. العدل قبل المساواة
بقلم أحمد المغير
إن نظام المواريث في الإسلام هو جزء من نظام شامل وفلسفة متكاملة وضعت من قبل العلي الخبير بشكل دقيق يكفل العدل التام بين بني البشر حتى مع العلاقات الاجتماعية غاية في التعقيد التي تجمعهم بعضهم ببعض فما هي فلسفة الميراث في الإسلام وبم تمتاز عن الفلسفة الغربية العلمانية في نفس الموضوع. بادئ ذي بدء فالإسلام ينطلق من مجموعة من الحقائق المطلقة لا يمكن فهم التشريع الإسلامي إلا عبرها الحقيقة الأولى أن الله تعالى هو خالق كل شيء وهو المهيمن القدير لا يشاركه في الخلق والملك أحد فبالتالي هو وحده جل في علاه من يملك حق التشريع وتنظيم القوانين.
الحقيقة الثانية هي أن الله استخلف الإنسان في الأرض وسخر له فيها كل شيء ليختبره فيما أعطاه وسخره له وبالتالي فكل الثروات والطاقات والإمكانيات التي يملكها الإنسان فإنما هو أمين عليها لفترة مؤقتة وهي فترة حياته على الأرض أما الملكية المطلقة فهي لله عز وجل وبالتالي فلله وحده حق تقرير مصير هذه الثروات بعد وفاة الإنسان وقد من الله علينا أن جعل مال المتوفى حق لمن هو بعده وإلا فقد كان لله أن يوزعه بأي الطرق الأخرى شاء ولا يملك المسلم عندها إلا التسليم والإذعان لكنه لطف بنا ومن علينا وأكرمنا أن قسم الميراث على من يخلف الميت.
وهنا تبرز النقطة الجوهرية الأولى في الفرق الشاسع بين نظام الإسلام والنظام العلماني في موضوع الميراث فالإسلام ينطلق من أن المال مال الله يقسمه كيف يشاء أما العلماني فينطلق من أن المال ملك خاص للإنسان يوزعه كيفما شاء والعجيب أننا لم نجد أحدا يعترض على أن يحرم أب ابنته مثلا من الميراث أو يعطي جل ثروته لأحدهم والفتات للآخرين بل لم نجد منهم مستنكرا لمن أوصى بثروته لكلبه أو قطته الأليفة دونما أبناءه وصرنا نسمع عن هذا الكلب الملياردير وهذه القطة المليونيرة.
النقطة الجوهرية الثانية في تنظيم الإسلام للميراث وهي تحقيق العدل وهذا عين التنظيم للميراث في الإسلام فلأي فرد في المجتمع المسلم رجلا كان أو امرأة حقوقا وعليه واجبات وقد تم تحديد كل قسم منهما بما هو في طاقته وعلى قدر ما بسطه الله له في الخلق فكلف الرجل بالسعي للرزق والعمل الشاق والإنفاق من ماله على زوجه وأبناءه وهي أمور فوق طاقة المرأة وإن قامت بها فهي تكون شاقة عليها جدا ومهلكة لها بدنيا ونفسيا في نفس الوقت الذي جعل على المرأة الحمل والإنجاب ورعاية المولود والصبر عليه وعلى متطلباته وهي أمور لا يقدر عليها الرجل ولا يطيقها حتى وإن كان يتحملها جسديا خلق الله الرجل وجعله جسديا أكبر من المرأة وأكثر احتياجا منها للغذاء.
وإلا فلا يختلف معي أحد من قراء المقال أنه لم يسبق أن سمع أو رأى حملة تدعو مثلا للمساواة في نصيب الغذاء بين الرجل والمرأة لأنها بلا شك دعوة سخيفة غاية في السخف فلا تستطيع المرأة أكل ما يأكله الرجل ولا يطيق الرجل أن يعيش على الكمية التي تتناولها المرأة فإن حدث وساوينا بينهما في المأكل سنجد أن أحدهما يقعد جائعا يشكو الضعف وقلة التركيز وأخرى ترمي كل يوم جزءا من الطعام لأنها لا تحتاجه أو تعيش في سمنة من فرط ما تأكل من طعام زيادة عن حاجتها.
وعلى نفس الوتيرة فلا يمكن المساواة بين الرجل والمرأة في الأعمال العضلية فما يطيقه الرجل لا تطيقه المرأة بكل تأكيد وحتى النظام العلماني حتى الآن لم يجرأ على أن يساوي بين المرأة والرجل في الألعاب الرياضية فتجد مسابقة الجري للرجال وأخرى للنساء ومسابقة السباحة للرجال وأخرى للنساء وهكذا ولم نجد أبدا من يطالب أن تتنافس النساء مع الرجال في المسابقات العضلية الا لو كان مجنونا أو يحب أن يقال عليه مجنون.
كذا الحال في المواريث ولكن ما يكون لنا بديهي في المسائل البسيطة السابق ذكرها يصبح أكثر تعقيدا بكثير في نظام المواريث المرتبط ارتباطا تاما بتوزيع المسؤوليات والواجبات في الحياة بين الرجل والمرأة بل وبين الرجل في حالاته المختلفة كأب أو ابن أو جد أو قريب أو غريب والمرأة في حالاتها المختلفة كأم أو أبنة أو جدة أو قريبة أو غريبة فكلما اتسعت دائرة العلاقات الاجتماعية كلما زاد التعقيد في المسؤوليات والحقوق ولا يستطيع فك هذه الشفرة المعقدة وتوزيع الثروات بشكل يضمن العدالة التامة بين الجميع سوى المولى عز وجل خالق الرجل والمرأة والعليم بما هو عدل وما هو ظلم.
إن ما يسمونه هذه الأيام مساواة فإنما هو قمة الظلم فالرجل الذي يرث في أكثر الحالات أكثر من المرأة هو المطالب بالإنفاق في كل الحالات فهو كأب مكلف بالإنفاق على زوجته وابنته النساء دون أن يأخذ من مال زوجته إلا برضاها وهو كابن مكلف بالإنفاق على أمه وأخته النساء إن مات أبوه بالإضافة إلى الإنفاق على زوجته وابنته إن كان متزوجا والرجل كعم مكلف بالإنفاق على بنات أخيه المتوفي إن لم يكن لهن أخ قادر على العمل والإنفاق والجد مكلف مع العم أو منفردا في نفس الحالة هذا في الوقت الذي يعطي فيه الإسلام الحق كاملا للمرأة في مالها دون تكليف بشيء إلا عن رضا وطيب خاطر أو إن كانت وحيدة تماما لا أهل لها ولا أهل لزوجها وحتى في هذه الحالة جعل نفقتها على بيت مال المسلمين ولا تنفق هي إلا في الضرورة وللضرورة.
العدل هو غاية الإسلام الكبرى لا المساواة وإن التعامل مع المواريث دون الاعتبار لتوزيع الحقوق والمسؤوليات في الحياة لهو عين الجهل والظلم
إن فلسفة النظام العلماني الذي ينطلق من فلسفة تعتبر الإنسان حيوانا ناطقا لا تلقي بالا لميزان العدل بين البشر وإنما يوزع الحقوق والمسؤوليات بشكل يخل تماما بالفروق الفطرية والطبيعية بين الناس فحتى عندما تتوفر المادة لا تجد معها راحة البال ولا السكينة بل تجد الإجهاد والإرهاق البدني والنفسي ولا تحتاج لدليل على ذلك إلا بأن تتحدث مباشرة مع النساء اللاتي يعشن هناك لتجد كم المعاناة الشديدة التي تعيشها المرأة هناك في كل المجالات وكم الظلم والقهر الشديدين الواقعين عليها عندما يتم المساواة بينها وبين الرجل في أمور لا طاقة لها بها ولا تجد في نهاية الأمر إلا قشورا لا تسمن ولا تغنى من جوع من أمثال المساواة في الميراث وكم تتمنى المرأة هناك أن يذهب مالها كله في مقابل رجل حقيقي يهتم بها وينفق عليها ولا يتركها لتواجه هذا العالم الشرس بكل ما حباها الله من رقة في القلب ورقة في البدن.
نقطة في غاية الأهمية يقع فيها كثير من الناس ألا وهي محاكمة الشريعة بناءا على واقع المسلمين اليوم وهو أمر ظالم أيما ظلم فبلاد المسلمين جلها اليوم لا تحكم بما أنزل الله وإن سنت قوانين مطابقة للشرع في ناحية سنت مصادما لها في نواحي أخرى فنرى الميزان ولا بد مختل.
بل وفوق ذلك فممارسات المسلمين نفسها مع الأسف كثيرا ما تتعارض مع نظام الإسلام ونحن نعاني اليوم من رجال ليس لهم حظ في الرجولة إلا كونهم ذكورا لا ينفقون ولا يتحملون مسؤولية ونرى نساءا قد تحملت أوزارهم فخرجت هي تعمل وتنفق في ظلم فاحش لها لم تخلق من أجله بل وكي يزيد الطين بلة نرى كثير من المناطق لا تورث المرأة أصلا حتى مع نص القانون الوضعي عليه كما يحدث كثيرا في صعيد مصر وجزيرة العرب وأرياف الشام والمغرب العربي حاكموا واقع الناس بالشريعة ولا تحاكموا الشريعة بواقع الناس ولا تتعاملوا مع الشريعة في قسم وتسقطون أقساما فهي إنما نظام شامل لن تجد أثرا حقيقيا له إلا بأخذه كله حزمة واحدة لا تتجزأ.
في النهاية نلخص فلسفة المواريث في الإسلام في نقطتين:
1- المال هو مال الله يقسمه كيف شاء لمن شاء كيفما يشاء وقد من علينا برحمته وفضله أن جعل لنا من ميراث آباءنا نصيبا لا ينازعنا فيما قسم الله لنا من قسمة منازع.
2- العدل هو غاية الإسلام الكبرى لا المساواة وإن التعامل مع المواريث دون الاعتبار لتوزيع الحقوق والمسؤوليات في الحياة لهو عين الجهل والظلم والإسلام وحده الذي وزع المواريث بشكل عادل يتناسب مع حقوق وواجبات كل فرد في المجتمع وتراتبيته في أسرته وعائلته.
(المصدر: مدونات الجزيرة)