بقلم محمد أمين خلال
قبل أن أبدأ أريد أن أطرح سؤالاً، مند متى ونحن نصوم!؟، كم رمضاناً صامَ كلُّ واحدٍ منا !؟، ثمانية.. سبعة .. ثلاثون!؟ كم !؟ .
لكن السؤال الذي يجبُ أن يُطرح هو: ما الذي أحدثه رمضان فينا من تغيير!؟، ما هي الثقافة التي رسَّخها رمضان في مجتمعاتنا، ما هي القيم والمبادئ التي ربَّانا شهر الصيام عليها، والله أيها الرَّمضانيون، لا فائدة لصيامكم إذا لم تتحقَّق منافعه الظاهرة على مجتمعاتكم، والله إن صيامكم لا يعدو كونه جوعاً كجوع البوذيين الذي ينقطعون عن الأكل رغبةً ورهبةً في النيرفانا البوذية، ولن يعدو كونه أكثر من صيام هؤلاء الذين يصومون لدورغا وكريشنا ما لم تتحقق منه مصالح الشريعة على الأفراد والجماعات ..
إنَّ أحكام الشريعة منبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد، وأيُّما حكمٍ من الأحكام إلا ووراء القيام به مصلحَةٌ دينية ودنيوية، عاجلةٌ كانت أو آجلة، في جميع العبادات والقُربات والمعاملات التي جاء الوحي داعياً إليها، فالزَّكاة إلى جانب كونها قربةً إلهية فهي تنمية اجتماعية وثقافة اقتصادية تنعكس إيجابياتها على الإنسانية، والوُضوء زيادةً على كونه شرطاً من شروط الصلاة فهو يحقق مصلحة تنظيف المتوضِّئين وحثِّهم على الطهارة، وبهذه العبادات استطاع أجدادنا قبل قرونٍ في إسبانيا والبرتغال وتركيا تعليم أوروبا والإنسان الغربي الذي لم يكن يستحم إلا مرة واحدة في السنة أو مرتين كيف يغسل وكيف يتنظف، بعد أن رآهم يتوضؤون خمس مراتٍ في اليوم ويستحمون أقلُّه كلَّ جمعة.
السِّواك-وما في حكمه من مطهِّرات فَمَويَّةٍ- إلى جانب كونه مرضاةً للرب فهو مطهرة للفم، لكن للأسف الآسِف، انقلبَ بنا الحالُ إلى أن أصبحنا نأخذ الأحكام الشرعية بطريقة ميكانيكية، بتجريدها الكامل وفصلِها عن مقاصدها ومصالحها، فما فائدة صلاة الجماعة أيها القومُ إذا كانت تستطيع توحيد أقدام المسلمين وقلوبهم متناثرة مبعثرة مشتَّتة، ما فائدة مليوني أو ثلاثة ملايين مسلمٍ أو أربعة، يصلُّون في المسجد النبوي أو المسجد الأقصى أو أيِّ مسجدٍ من مساجد الدُّنيا صفوفهم موحَّدة وكلمتهم مفرَّقة، ما فائدة التصاق الأقدام ببعضها مادام الأعداء يتبوَّلون فوق رؤوسنا أعزكم الله بعد أن كنَّا في مقدمة الأمم علميا واقتصاديا وسياسيا…. !!!
فما فائدة رمضان يا سادتي إذا كان يعود علينا كلَّ سنةٍ فنسمع نفس المواعظ، ونصلي نفس التراويح، ونفعل نفس ما وجدنا عليه آباءنا، وبعد أن ينقضي يعود السكير إلى زجاجته، والمدخِّن إلى سيجارته، وتارك الصلاة إلى هجره، والغافل إلى غفلته، والعاصي إلى معصيته!؟ .
إذا كان رمضانُ تقوى شهرٍ واحد وغفلة إحدى عشر الباقية، فلا حاجة لنا برمضان أيها الإخوة، فربُّ رمضان هو ربُّ شوال وأيلول وذا القعدة وحزيران ودجنبر .
المُحزن أنَّ غير المسلمين استطاعوا صناعة ثورتهم، وإحداث التغيير في مجتمعاتهم بقيمنا الإسلامية التي هجرناها، وأعني الأب الروحي للهند، المهاتما غاندي الذي قادَ دولته إلى الاستقلال، في عهدٍ كانت فيه بريطانيا تستعبد المستهلك الهنديَّ وتُقيم اقتصادها على استغلاله واستعماره، فكانت تصدِّر له ألبستها وأطعمتها وتجبره على استهلاكها، لكن عندما جاء المهاتما غاندي، هل تعلمون بماذا حاربهم وكيف صدَّهم!؟، لم يحمل مسدسا ولا سكينا، بل حاربهم بالجوع والصيام، نعم، بهذه الفلسفة التي أصلها في الإسلام، فبدل أن يلبس المهاتما غاندي ثياب الإنجليز، قال أنا سأعيش نصف عارٍ وأرتدي الخِرق والأنسجة البالية، و لكنها من صنع بلَدي، فلبس “الدوتي والشال الهنديين” وزهد في ثياب البريطانيين، بدل أن يستورد الملح البريطاني، قام المهاتما سنة 1930م بأكل الطعام دون ملحٍ، وكان يصوم الأيام العديدة كنوع من الاحتجاج السلمي ومقاطعة منتوجات المستعمر، وهو ما عُرف في عصره ب “صائمون حتى الموت” ولكن نحن نصومُ وأنتم تدفعون الثمن، فقال الشاعر في شأنه:
لقد جاعَ هنديٌّ فجوَّعَ أمَّةً ** ومَا ضرَّ علجاً صومُ مليونِ مسلِم
تجشَّم عن أوطانه صومَ عامدٍ ** فجشَّم أوطَانَ العِدَى صومََ مرغَم
والأبياتُ شارحةٌ لنفسها، فهذا هندي واحدْ صامَ وجاع، فأسهم في قيادة دولته إلى الاستقلال بعد أن جوَّع مع البريطان، لكن ما فائدة زهاء ملياري مسلمٍ في عصرنا الحالي؟، هل هو الجوعُ والعطش !؟ .
ألم يحنِ الوقتُ لنتخذَ هذا الجوع والعطش الرمضاني كثورةٍ إسلامية ضدَّ ما يخرب أمَّتنا ويستهدف شبابنا، أليس الجوع عما يضُرُّ بنا علاجاً ناجعاً لنهم الوحوش التي تسعى لالتهام جيوبنا وعقولنا؟، يا أخي، صمْ عن الخمر واتركه يفسد، صمْ عن السجائر واتركها تبرد، صم عن الحليب و خليه يريب … !!
نحن فعلاً بحاجة لصيام حقيقي لا صيامٍ بطني، صيام ينعكس تأثيره على الفرد والمجتمع، لا صيام فردٍ ليس له منه إلا الجوع والعطش، وعن الصِّيام أقول: ألا نسمع دائما في جميع الخطب والمواعظ أنَّنا نصوم لنتذكر الجوعى، لكن من منا يتذكر الجوعى في رمضان بالله عليكم!؟، هذا كذب وبهتان في تقديري الخاص، نحن لا نتذكر إلا الأفلام والمسلسلات في رمضان، نحن فعلاً قوم نائمون كسالى عصفت بنا شهوات البطون والفروج واستحوذت على أرواحنا وأبداننا وعقولنا .
إنني أقول لإخواني وأخواتي أنَّ رمضان إذا لم يتخذ سبباً للتغيير في المجتمع، فلا فائدة فيه، ومن كان يعتقد أن الله سينصره ويصلح مُجتمعه ودولته ووطنه لأنه يصلي أو لأنه يصوم، أو لأنه مسلم أو على دين الحق، فأقول له أنت جاهلٌ بسنن الكون والشرع، انظروا إلى خطبنا وجُمَعنا، كم سنةً ونحن ندعو على الكفار والصهاينة(اللهم شتِّت شملهم ويَتِّم أطفالهم ورمِّلْ نساءهم وأبِدْ حمراءهم)، كم سنة ونحن ندعو عليهم!؟، اذهبوا الآن وألقوا نظرةً على شوراع إسرائيل، انظروا إلى أبنيتها وطرقاتها، وتعالوا انظروا إلى شوارع سوريا … ليبيا … مصر … والعراق … والمغرب، هل هذا الدعاء الذي ندعوه على الكفار لنا أو علينا!؟، أحياناً أتصوَّرُ أننا لا ندعو إلاَّ على أنفسنا فعلاً .
ما هو السبب؟، في تصوُّري الخاص أن لدينا خللاً في الدعاء أيها الأصحاب، هل تعلمون ما هو هذا الخلل؟، أنَّنا لم نتخذ الأسباب ولم نأخذ بالعلل، رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من هو، لم يقُل أنا رسول الله، سأنتظر النَّصر من السماء، بل دخل الغار وحفِر الخندق، ولبِس الذِّرع وطلب الطِّب، يقول الإمام الغزالي في فقه السيرة : “لم يكن محمَّدٌ رجل خيالٍ يتيه في مذاهبه، ثم يبني حياته ودعوته على الخرافة .. بل كان رجل حقائق يبصر بعيدها، فإذا أراد شيئاً هيأ له أسبابه، وبدل في تهيئتها أقسى ما يملك من جهد وحذر ” .
نحن بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى الاقتداء بهذا الرجل العظيم، والذي صنَّفه مايكل هارت كأعظم شخصية في التاريخ في كتابه الشهير”أعظم مئة شخصية”، رمضان أيها الأحباب يجب أن يترك أتره فينا، أن يوحِّد كلمتنا، ويجمع صفوفنا، ويغير عاداتنا السيئة وتقاليدنا القبيحة، يجب أن نحقِّق فلسفة الصيام ونحدث منه ومن باقي الطاعات والقربات ثورةً شرعية يعود فضلها على الإنسانية وينعكس صداها على العالم بأسره .
أما أن يكون رمضان مجرد شهر له طقوسه المعينة التي نكرِّرُها كل سنة بطريقة روتينيَّة، فهذا لا مغزى منه ولا معنى له، وأنا أسأل الناس أحياناً ماذا فعلت في رمضان؟، فيقول: صلَّيتُ جميع التَّراويح في المسجد ..!! وتسأله عن صلاة الظهر في المسجد فيقول: كنت نائماً أو منشغلاً، يا أخي ماذا تنتظر من هذا الذي نامَ عن صلاة الفريضة ليحمل سجادته مساءً على كتفه ويذهب متبختراً أمام الناس لصلاة النافلة!؟.
ماذا تنتظر من هذا الذي يختم القرآن في رمضان مرة أو مرتين دون أن يتدبر ولو كلمة واحدةً من آياته، المطلوب منا أيها الإخوة ليس ختم القرآن في رمضان، ليس قراءة القرآن، بل تدبر القرآن والعمل بالقرآن، عندما جاء تعالى لقراءة القرآن قال: فاقرؤوا ما تيسر منه، لكن عندما جاء لتدبر القرآن قال : “أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها ” .
أنا لا أقلِّل من شأن نافلة التراويح والصلاة خلف الإمام في رمضان، وأعرفُ أحاديث فضل من يقرأ القرآن، لكنَّ الهوى ما استقرَّ في كلام العاشِق .
أخيراً أقول: رمضان أيها الإخوة ليس شهر أفلامٍ ومسلسلات ومشاهدة الكاميرا الخفية “المفبركة”، لم يأت رمضان لنوم النَّهار وسهر الليل في الخاويات، رمضان أيها الإخوة ليس شهر حريرة وزعلوكٍ وبيتزا وعصير وبريوات.. وجلوس في المقاهي ومراقبة أرصفة الطرقات .
قال القائل عليه رحمة الله:
لا تَجعَلَن رَمضَانَ شَهرَ فُكَاهَةٍ .. تُلهِيكَ فيه من القبيحِ فُنُونُهُ
واعلم بأنَّكَ لا تنَالُ قبولَه .. حتَّى تكُونَ تَصومُه وتَصونه
ومن لم يحقق منه رمضان مقصده، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
(المصدر: مركز يقين)