بقلم إبراهيم الفرجاني
ففي القرآن الكريم آيات عديدة تؤكد على قضية الأمن باعتبارها من الأولويات للفرد والمجتمع، ففي إطار ذكر إنعام الله ـ تعالى ـ على قريش يقول الله (تعالى) : ( الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) ، ويقول: ( أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيئ ) وهذا تنبيه على ضرورة الأمن للانتعاش الاقتصادي للدول، وفي دعاء أبينا إبراهيم ـ عليه السلام ـ يؤكد على أولوية الأمن فيقول: ( رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات ) فقدم الدعاء بالأمن على الدعاء بالخير الكثير والمال الوفير.
وفي تعاليم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تأكيدات كثيرة على أهمية الأمن للفرد وللمجتمع كذلك فقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) كلما رأى هلال شهر من الشهور دعا الله قائلا: اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام. ويقول لأصحابه: ( من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا ). مقدما الدعاء بالأمن على الدعاء بالإيمان والعافية .
وكان يعلم النبي (صلى الله عليه وسلم) أصحابه أن الإيمان لا يمكن أن ينتشر في مجتمع يسوده الخوف والكراهية، بل لابد أن تهتموا أولا بإيجاد ذلك المجتمع الذي يشيع فيه الحب والسلام ثم تهتموا بعد ذلك بالأمور الإيمانية والروحية
( لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيئ إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم ).
بعد تأكيد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على هذه الحقيقة وتعميقها في نفوس أتباعه لم يتركها حبرا على ورق، أو نظرية تقبع في بطون الكتب، وإنما اتخذ خطوات عمليه عديدة جعلتها واقعا في حياة المسلمين جيلا بعد جيل ، وهذه الخطوات باختصار هي:
2 ـ احترم الإسلام تعددية المجتمع بجميع أنواعها ـ التعددية الدينية والتعددية الثقافية والتعددية العرقية…الخ، وليس أدل على ذلك من ذلك المجتمع التعددي الذي كان يعيش أفراده جنبا إلى جنب في المدينة المنورة رغم اختلاف أديانهم وأعراقهم، يبيعون ويشترون ويتاجرون ويتزاورون، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بينهم يشجعهم على هذا ويؤكده بأقواله وأفعاله، حتى أنه نهى أتباعه عن تفضيله على كليم الله موسى خشية أن يخلق ذلك نوعا من العداوة والبغضاء في نفوس أتباعه من اليهود.
وكان (صلى الله عليه وسلم) يزور اليهود والوثنيين من أهل المدينة ويزورونه ويأتيهم بيوتهم ويأتون هم إلى بيته في ود وكرم وترحاب وسماحة. ومما يدل على احترام الإسلام للتعددية أيضا، ما أمر به النبي أصحابه من الهجرة إلى الحبشة، وكانت بلدا مسيحيا إلا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شجع أصحابه إلى الهجرة إليه لسبب واحد، وهو أنه بلد العدل والقانون، فقال لهم: اذهبوا إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يظلم عنده أحد.
أقام الصحابة في الحبشة قرابة أربعة عشر عاما، اكتسبوا لغة أهل البلد وتعرفوا على عاداتهم وتقاليدهم، لم ينقل عنهم أنهم خرقوا قانون البلد الذي يقيمون فيه، أو اشتكى منهم أهل البلد الأصليون
حتى أنهم حين تركوها راجعين إلى المدينة حملوا معهم التحايا والهدايا إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ملك الحبشة، مما يدل على عمق العلاقة واستمراريتها بين الدولتين.
(مدونات الجزيرة)