بقلم د. مرهف السقا
إن معافاة الناس من فساد قرن كانت تقاد فيها بلاد المسلمين إلى الإباحية والإلحاد، ويراد من المسلمين أن يكونوا سوق استهلاك وخدماً لمصالح الدول العظمى وتبعاً لسياستها؛ إن معافاة الناس من ذلك لا يكون إلا بمراعاة الأولى من المصالح في قيادتهم، وينبغي على من يستلم سياسة المسلمين أن يتصرف بالقاعدة العامة وهي تحقيق المصلحة ودرء المفسدة، ذلك لأن السياسة تقتضي القيادة نحو الصلاح، فقد ورد في الحديث (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء) أي كانت تقودهم نحو صلاحهم، ولم تكن سنة الأنبياء في سياسة أقوامهم: التعنيف والتخويف والتنفير، بل الرفق والحكمة ورعاية المصالح وموازنتها، وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: ( لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة ولجعلتها على أساس ابراهيم فإن قريشا حين بنت البيت استقصرت ولجعلت لها خلفا)، أي إن قريشاً قصرت في بناء الكعبة لقصور النفقة، فلم يقم ببناء الكعبة على قواعد إبراهيم، وكان صلى الله عليه وسلم يريد ذلك، ولكنه وجد أن هناك مصالح أولى منها، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقدم أهم المصالح عند تعذر جمعها، وهكذا تكون السياسة، يقول الإمام النووي رحمه الله في شرحه للحديث (9/ 89):
وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام منها: اذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم لان النبي صلى الله عليه و سلم أخبر أن نقض الكعبة وردَّها إلى ما كانت عليه من قواعد ابراهيم صلى الله عليه و سلم مصلحة ولكن تعارضه مفسده أعظم منه؛ وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريبا وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة فيرون تغييرها عظيما فتركها صلى الله عليه و سلم.
ومنها فكر ولي الأمر في مصالح رعيته واجتنابه ما يخاف منه تولد ضرر عليهم في دين أو دنيا الا الأمور الشرعية كأخذ الزكاة وإقامة الحدود ونحو ذلك.
ومنها تألف قلوب الرعية وحسن حياطتهم وأن لا ينفروا ولا يتعرض لما يخاف تنفيرهم بسببه ما لم يكن فيه ترك أمر شرعي كما سبق).
انظروا إلى هذه القواعد المستنبطة من هذا الحديث في السياسة الشرعية وأسقطوها على واقعنا المزري، لنعلم عظم الجريمة التي يرتكبها المراهقون في الكلام بما لا يعنيهم، وعظم الأخطاء التي يرتكبها المناهجة والتنظيمات المؤدلجة.
فآمل من الشباب المندفع أن لا ينجرف وراء دعوات حق يراد بها باطل، فيغدو بذلك ألعوبة بأيدي مجهولين أو ملثمين همهم نشر الخراب باسم إقامة الدين، وأن لا يلتفتوا لهؤلاء المراهقين الذين يشوشون على العامة رونق الإسلام، والتجئوا إلى الله أن يعافينا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
*المصدر : رابطة العلماء السوريين