مقالاتمقالات مختارة

فقه الوسائل … في الممارسة السياسية

فقه الوسائل … في الممارسة السياسية

بقلم د. بلخير ظاهري

عندما تدخل الحماسة ميدان السياسة تتحرك النشوة بدل الفتوى والنزوة بدل التقوى. ويطيش العقل بين بريق المناصب والمكاسب.
ولا يمكن إصلاح هذا الخلل إلا بتصحيح الميزان الذي تختبر به هذه المسالك. وإن عدم فقه ما هو من قبيل الثوابت وما هو من قبيل المتغيرات وما هو من قبيل الوسائل وليس من قبيل المقاصد، يجعل المكلف يعطي نسبا للأحكام بغير عيارها الصحيح.
وإن مرض التضخيم والمبالغة من سيمات المندفعين وضعاف الحجة وهي ظاهرة مرضية عرفت بها المدخلية (السلفية) و أصبحت تستشري في المدخلية (الحركية).
وعليه لابد من إعادة صياغة وصناعة الفكر المعاصر وتطهيره مما غلث به من مفاهيم ألبست أكثر من حجمها او أقل منه.
فأقول في هذه القواعد المحررة والمقررة مقاصديا وأصوليا وفقهيا ما يلي :
قال علماء المقاصد :
#إن الوسائل لها حكم المقاصد.
#وشرف الوسيلة من شرف المقصد.
#ويغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد.
#و إذا عادت الوسيلة على الأصل بالإبطال ألغيت الوسيلة.
#التنظيم ليس قرآنا وهو وسيلة من بين آلاف الوسائل.
ومع ذلك نقول ما قرره علماء القواعد :
أن العقد شريعة المتعاقدين.
و المؤمنون عند شروطهم
والوفاء بالعهد واجب
#وطلب الإقالة مخرج من الإحراج ومحافظة على ماء الوجه.
=====السيرة وتصحيح الميزان :
وأعرض في هذه العجالة موقفين اثنين لتصحيح التربية بالمواقف دون أن أفصل في الأحداث وأقف على رؤوس المشاهد كشواهد.
#الموقف الأول: مع سيدنا حاطب ابن أبي بلتعة رضي الله عنه لما وصف فعله بالخيانة العظمى عندما أراد إبلاغ قريش بخروج النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة، والمسألة مبسوطة في موضعها فليرجع لها.
ومحل الشاهد منها لما خرق حاطب رضي الله عنه العهد كانت اللوائح تنص على أن هذا الفعل جريمة وكيفت بالخيانة العظمى المستوجبة للقتل ولهذا قال سيدنا عمر رضي الله عنه : (يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق). ولكن القيادة نظرت إلى أهل السبق في زمن الشدة واستحضرت التضحيات فيما فات فقال سيد الخلق : (لعل الله اطلع على قلوب أهل بدر فافعلوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم).
نعم هكذا يحافظ على القلوب وعلى الأفراد، مع الإقرار بالخطأ، ولكن لا نفرط في واحد من كوادرنا بسبب هفوة أو غفلة أو شهوة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم).

#الموقف الثاني: مع المخلفين عن ركب الجهاد مع سيد البشر وهم (هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وكعب بن مالك) هؤلاء ليسوا أفرادا تُعد وإنما رواحل الصف بها يٌشد وفي مقارعة العدو الجبهة بهم تٌصد.
ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ويتخلف خلق كثير تجاوز السبعين (70) ولكن القيادة لم تلتفت إلا لثلاثة للسبق والمكانة، خالفوا قرار القيادة فاستوجبوا تنفيذ اللوائح ولكن من غير روائح وإنما بالعدل والإنصاف لا بالاختلاق والإسفاف. فكانت العقوبة الهجر حتى يقضى فيهم من فوق سبع سموات، وقبل أن يصدر القرار ويتبين تخلف الأصحاب وهم يعسكرون فاذا بفارس قادم، فقال بعضهم لعله كعب بن مالك!
فقال الأ خر : لقد ألهاه النظر الى برديه!
فقال الأخر : والله ما علمنا عليه إلا خيرا.
انظروا كيف كان النقد وكيف كان تعديل الكفة والإنصاف أمام رسول الله، ليكون الإقرار على حسن الظن في غياب الحقيقة والحمل على أفضل المحامل على ما عهد من سلوك الجادة.
ثم يأتي القرار القرآني لهذا الجيل الرباني بتوبة الله عليهم لأنهم صدقوا الله فصدقهم قال تعالى: (وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)التوبة.
علق العلامة ابن قيم الجوزية في كتابه النفيس (زاد المعاد في سيرة خير العباد) : في قاعدة دعوية تربوية أخلاقية ” إياك والتبرير عند التقصير فما نجّى كعب بن مالك إلا الصدق”
========الخلاصة :
1- لا تكن عونا للشيطان على أخيك والتمس لأخيك سبعين عذرا أو اختلق له عذرا.
2- نحن جماعة( من) جماعة المسلمين ولسنا جماعة المسلمين.
3- الحق لا يستلزم الكثرة والحق ما أنت عليه ولو كنت وحدك.
4- والجماعة والحزب والجمعية كلها وسائل لتحقيق مشروع، وليست هي كل الوسائل، وكل ميسر لما خلق له.
5- الخطأ يصحح والمواقف لا تنسى (قال حاطب رضي الله عنه ولن أنساها لك يا طلحة… لما بشره بالخبر).
6- الزمن جزء من العلاج، ولكنكم قوم تستعجلون.
7- هذا الطريق إن لم يكن بك كان بغيرك، فاحذر قانون الإستبدال.
8- كل أدرى بثلثه، وليس كل ما يعرف يقال.
9- النصيحة واجبة، و الغيبة حرام والبهتان أشد.
10- يبقى الفضل للسابق وإن احسن اللاحق، قال العالم الأديب المربي مصطفى سباعي في كتابه هكذا علمتني الحياة، في معنى ماذكر: واعلم أن هذا الطريق الذي تمشيه قد عبده قوم قبلك ولولاهم لما سرت عليه.
=======و أخيرا :
نسأل الله العفو والعافية والسلامة من كل بلية وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل.

(المصدر: رابطة علماء أهل السنة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى