فقه المسافات الآمنة
بقلم الشيخ إبراهيم الشحات
من تعلم أصول قيادة السيارات يعلم جيدًا ماذا يعني مصطلح “المسافة الآمنة” وأهميته على الطريق، ولكن هل جربنا التفكر فيه في طريق الحياة الأوسع؟
أنت لست وحدك على الطريق، معك مختلف الناس والثقافات والأجناس، كل له وجهة هو موليها، وله طريقته في السير إليها، وله دابته التي تحمله عليها. لابد وأن تختلط، وتَسبِق أو تُسبَق، وتَلحَق أو تُلحق.
حفاظك على المسافة الآمنة ضروري على الطريق، أي طريق، بحيث لا تتقدم فتركب ذيل مَن أمامك أو يفقدك مَن يتبعك، أو تتأخر فتفقد مَن تتبعه أو تعطل مَن في إثرك.
إنها معادلة السير الصعبة التي ترغمك على الانتباه، وإن غفلت فقل على النفس السلام!
ونحن في طريق حياتنا لابد أن نعي هذا جيدًا، أن لكل شخص طريقه ومنهجه وأسلوبه في الحياة، ولكل شخص أهدافه ودوافعه وآماله، وأن على كل شخص أن يدرك جيدًا أن لا مفر من اعتراك الطرق وتقاطعها أو تباعدها وتنافرها.
أن تدرك هذا المعنى وأن تنتبه له في علاقتك بمن حولك فقد جنبت نفسك ومن حولك خطر الصدام أو الاصطدام، على الأقل إلى حد كبير.
ما أجمل العلاقة التي تبنى على الحب في الله، أو حتى الحب الغريزي، والتي لا تكمل إلا بأن يدرك طرفيها جيدًا حدود المسافة الآمنة التي تفصله بشريكة دون إفراط أو تفريط :
لا تقترب من شريكك بالقدر الذي تعتدي فيه على طريقه وممتلكاته التي أولها نفسه، بقصد أو بدون قصد، بل أفسح المجال له، ودعه يتعامل بسجيته، واغفر له تعديه على طريقك وعالج أنت الموقف، وارحم غياب هذه المعاني عنه، وارحم طبيعته البشرية حتى يرحمك الله.
أبوك الذي يرغمك على مباح لا تطيقه، أخوك الذي يريدك حيث لا ترى نفسك، زوجك التي مللت من خلق لها لا يتوافق مع طبيعتك، ابنك الذي يريد أن يخوض تجربة تراها لا تناسبه، أختكِ التي غارت منكِ، أخوك في الله الذي يظن أنه يحسن إليك والأمر بالعكس، بل عدوك الذي يضمر لك الشر لسوء فهم أو تفاهم، ارحم هؤلاء في سيرهم، ولا تضيق عليهم طريق الحياة وإن ضيقوا عليك، تفسح في المجالس وتفسح في الطريق، يفسح الله لكم جميعًا، وتسعد بالسلامة من الصدام ويسعدون، وتحافظ على العلاقة من التأثر أو الانهيار وتغنمون.
ولا تبتعد بالقدر الذي يجعل العلاقة ذابلة متهالكة، فتكون أصمًا لا تسمع استغاثتهم، كفيفًا لا ترى تأرجحهم، سواء عليك سبقوك حتى لم تعد تراهم، أو سبقتهم فلم يعودوا يرونك، تأخذهم بحور الحياة وعقبات الطريق فلا يرونك ولا تراهم، فتذبل علاقتك بهم أو تكون الأخرى والعياذ بالله. وعند هذه النقطة أعتذر لأهلي ومن أحبهم في الله على عدم المحافظة على الاقتراب بالسؤال والمعاهدة المستمرة “المطلوبة”، وأرجوا الله أن يغفر لي تقصيري، والله المستعان.
(المصدر: رابطة علماء أهل السنة)