فقه القرآن 2
بقلم د. فضل مراد (خاص بالمنتدى)
سورة البلد (2)
تحد كبير.. العقبة وخياراتها الإنسانية …
هذه هي القضية الثالثة المركزية في السورة
تفتتح بهذا العرض … وهذا الاسلوب العربي الفصيح
الذي معناه
أفلا …. هلا اقتحم….
ولي وقفة آتية مع هذا الإقتحام وبعده البلاغي
ولماذا عبر به لكني أريد هنا أن أقف أمام أول مطلوبات هذا التحدي
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)
لقد ظن ألن يقدر عليه أحد، لقد ادعى أنه أهلك الأموال بلا عد ولا حد.
فبين يديه تحد صعب،
فهل سيفعلها..
هل سيقتحم العقبة؟
إن العقبة موضوعها الإنسان.
فأيها المهلك مالا لبدا.. هل تستطيع أن توجه هذا الإهلاك إلى إحياء الحياة، …..
إلى «فك رقبة» أي رقبة من الرق والأسر أو السجن.
وخيار آخر هو الإطعام..
نعم الإطعام في يوم المسغبة والكوارث والمجاعات.
وبالأخص اليتيم القريب أو المسكين المعدم الذي لا يجد سوى التراب…..
هذه هي العقبة وخياراتها.
تأتي في طليعتها
1- فك رقبة.. هكذا بإطلاق.
بلا تقييد بجنس أو لون أو عرق أو دين أو مذهب
لأن المقصود هنا النظر إلى الإنسان، إلى حريته وتخليصه من الضرر الواقع عليه فحسب .
ودفع الأضرار تنظر فيه الشريعة إلى الإنسان كإنسان .
وهنا تتجلى إنسانية هذا الدين الذي حمل مشعل الحرية
كما جاء بثنائية المساواة الواحدة
والنفس الواحدة كما في مطلع سورة النساء التي انبثق عنها بشكل طبيعي ميزان الأكرمية الوحيد وهو إن أكرمكم عند الله أتقاكم كما في سوة الحجرات
وثنائية العدل والإحسان بين الإنسانية جمعا كما في سورة العنكبوت
وأعظم ما يقع على الإنسان من الضرر هو تقييد حريته التي هي أداة الاستخلاف الفاعلة
لذلك هذا الإطلاق في الآية مقصود فتحرير الإنسان كإنسان مقصد من مقاصد الشرع
ولهذا رأي أصبغ في الاطلاق هو الموافق للظواهر
ومن قيدها بالإيمان استدل بما ليس في ذات القضية. وهو استدلال مرجوح
إن الإسلام هو دين تحرير العالم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
لذلك فتح باب تحرير الإنسان بشتى الوسائل
بل فرض ذلك فرضا فأمر بالمكاتبة لهم.
وهذا التشريع الوارد بلفظ الأمر «فكاتبوهم» هو في الحقيقة فتح لباب التحرر من الرق.
والمكاتبة هي عبارة عن تعويض مناسب يعطى لصاحب الرقيق وبالتقسيط ليصبح محررا.
وهذا من العدل المجتمعي فلا يغبن هذا ولا يتضرر ذلك
فراعى حق الأطراف جميعا
وثم إجراءات كثيرة بيناها في غير هذا الموضع
لكن نقول هنا إن إعلان الأمر بالمكاتبة هو إعلان عام لتحرير الرقيق بكل معنى الكلمة.
وهو أمر ظاهره الوجوب كما ذهب إليه عمر رضي الله عنه ومن تبعه بخلاف
تهافت مقلدة بعض المذاهب مخرجين لظاهر الأمر بتعليل عليل
ولم يكتف الشرع بالأمر بالكتابة بل أمر معها بإعانته المالية «وآتوهم من مال الله».
وهذا يعطي عمقاً وبعداً إنسانياً آخر هو أنه ليس المقصود من عقد المكاتبة التربح بل العون الإنساني والإحسان في فك رقبة.
لذلك قعد الفقهاء قاعدة مشهورة هنا هي «الشرع يتشوف إلى العتق».
بمعنى يتطلع إليه في تصرفاته..
ولا توجد آية في كتاب الله تأمر بالرق بل بالتخلص من الرق
ولا يوجد نص في القرآن ولا في السنن يأمر باسترقاق الناس بل كل نصوصها تدور على آليات تحرير الإنسان من الرق أو كيفية التعامل معها حقوقيا .
ولهذا بدأ النص في هذه الآية التي يحفظها الصغار والعوام
بتحرير الإنسان .. بفك الرقبة لتتموضع هذه القضية في سلم التقنين والتشريع الإلهي كأولوية مفروضة بت فيها الشرع من فجر التكليف في الفترة المكية التي تنزلت فيها هذه السورة.