مقالاتمقالات المنتدى

فقه القدوم على الله (5) – اتباع القرآن والسنة وعلاقتهما بتحقيق الهداية الربانية

فقه القدوم على الله (5) – اتباع القرآن والسنة وعلاقتهما بتحقيق الهداية الربانية

 

بقلم د. علي محمد الصلابي (خاص بالمنتدى)

 

من أسباب الهدى حسب سنته سبحانه وتعالى في الهداية والضلال الاتباع، وهو السير وفق الشرع ومقتضاه، واطراح كل شئ يخالف هدى الله سبحانه وتعالى، وطاعة الله في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو المبلغ عن الله سبحانه وتعالى، وبهذا فإن الاتباع يشمل الالتزام بما ورد في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من عقائد وأحكام وأوامر ونواه وآداب وأخلاق، وكل ما يرشد إليه كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالاتباع ليس مجرد شعار يرفع، وإنما هو تحقيق معناه في قلب المسلم وجوارحه وأفكاره. (السنن الإلهية في الحياة الاجتماعية، 1 / 248)

ونجد القرآن، والسنة المطهرة، يركزان على الاتباع ويعتبرانه مناط بالهداية، والطريق الموصلة إلى السعادة والنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة.

ومن أعظم الدلائل على ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد بين أهمية الاتباع، وأثره في الوصول إلى الهدى وتجنب الضلال عندما خلق آدم وأنزله إلى الأرض، قبل أن يرسل أنبياءه ورسله،، فكان ذلك دليلاً حاسماً على ما للأتباع من أهمية ومكانة في الوصول إلى الهداية والنجاة. قال تعالى: ” قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ” (البقرة: 38) . قال تعالى:” قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُ مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى” (طه: 123) .

وقد ربط الله عز وجل بين طاعته واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم وبين الهداية فجعل الطاعة والاتباع سبباً للهداية والرشاد. قال تعالى:” قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّاحُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ” (النور: 54) . فأخبر جل ثناءه أن الهداية إلى المنهج القويم المؤدي إلى الفوز والفلاح في طاعة الرسول لا في غيرها، فإنه متعلق بالشرط فينتفي بانتفائه، وليس عليه إلا البلاغ والبيان. (في ظلال القرآن، 4/ 2528)

وقال تعالى:” قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” (المائدة: 15 ـ 16) . بين سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أن من أتبع كتاب الله وهو ما رضيه لعباده، فإن الله عز وجل يكافئه على ذلك بثلاثة أمور:

أولها: أنه يهدي من اتبعه سبل السلام التي يسلم بها في الدنيا والآخرة من كل ما يرديه ويشقيه (تفسير المنار، محمد رشيد رضا (6/ 350)، فاتباع هذا القرآن يسكب السلام في الحياة كلها، سلام الفرد سلام الجماعة، سلام العالم، سلام الضمير، سلام العقل، سلام الجوارح، سلام البيت، سلام الأسرة، سلام المجتمع، سلام البشر والإنسانية السلام مع الحياة ومع الكون، والسلام مع الله رب الكون والحياة والسلام الذي تجده البشرية

ولم تجده إلا في هذا الدين وإلا في منهجه ونظامه وشريعته ومجتمعه الذي يقوم على عقيدته وشريعته حقاً إن الله يهدي بهذا الدين الذي رضيه طرق السلام كلها. (في ظلال القرآن، 2 / 863)

الثاني: أنه يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، أي يخرجهم من الكفر إلى نور الإيمان بتوفيقه وهدايته لهم، لأن الجاهلية كلها ظلمات، ظلمة شبهات وخرافات، وحيرة وقلق وانقطاع عن الهدى، ووحشة واضطراب قيم.

الثالث: الهداية إلى الصراط المستقيم وهو الطريق الموصل إلى المقصد والغاية من الدين في أقرب وقت، لأنه طريق لا عوج فيه ولا انحراف، فيبطئ سالكه أو يضل في سيره، وقد جعل الله عز وجل اتباع رسوله فيما جاء به سواء كان مبيناً لمجمل القرآن، أو مقيداً لمطلقه، أو مخصصاً لعامه أو منشئاً لأحكام جديدة لم ترد في القرآن جعل ذلك سبباً من أسباب الهداية. قال تعالى: “قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ” (الأعراف : 158). (السنن الإلهية في الحياة الاجتماعية، 1 / 250)

وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن التمسك بسنته عصمة من الزيغ والضلال والفتن، فقال: فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

وقال تعالى على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مبيناً أنه عليه الصلاة والسلام لا يتبع أهواء الكافرين، لأن في ذلك انحراف عن الصراط المستقيم وسبيل إلى الضلال: قال تعالى:” قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ” (الأنعام: 56) ، أي: لا اتبعكم على ما تدعونني إليه لا في العبادة ولا في غيرها من الاعمال لأنها مؤسسة على الهوى ، وليست على شيء من الحق والهدى ، فإذا فعلت ذلك فقد تركت محجة الحق وسرت على غير هدى فصرت ضالاً مثلكم وخرجت من عداد المهتدين.

ـ وقال تعالى:” وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا” (النساء: 115) ، أي: ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم فصار في شق والشرع في شق، وذلك عن عمد منه بعد ما ظهر له الحق وتبين له واتضح له ويتبع غير سبيل المؤمنين، هذا ملازم للصفة الأولى:” نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا” (النساء: 115)  أي: إذا سلك هذا الطريق جازيناه على ذلك بأن نحسها في صدره ونزينها له استدراجاً له وجعل النار مصيره في الآخرة، لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة.

ومن هذه النصوص وغيرها يتبين أن الاتباع مجلبة للهداية والرشاد، وعدم الاتباع موقع في الزيغ والضلال والهلاك. (السنن الإلهية ، 1/ 253).

ملاحظة هامة: اعتمد المقال في مادته على كتاب: ” الإيمان بالقدر”، للدكتور علي الصلابي، واستفاد المقال كثير من مادته من كتاب: “السنن الإلهية”، لشريف الخطيب.

 

 

المراجع:

  • أركان الإيمان: الإيمان بالقدر، د. علي محمد الصلابي، دار المعرفة، بيروت- لبنان، الطبعة الثانية، 2011م.
  • السنن الإلهية في الحياة الإنسانية، د. شريف الخطيب، رسالة دكتوراه، جامعة أم القرى، مكة المكرمة 1987م.
  • في ظلال القرآن، سيد قطب.
  • تفسير المنار، محمد رشيد رضا.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى