مقالاتمقالات مختارة

فقه الانبطاح

فقه الانبطاح

بقلم د. أحمد زكريا

إذا نظرنا في المعاجم العربية عن كلمة الانبطاح وجدنا الآتي:

انْبِطاحٌ

  • [ ب ط ح ]. ( مصدر اِنْبَطَحَ ).

1 . :- اِنْبِطاحُ الرَّجُلِ :-: اِسْتِلْقاؤُهُ على وَجْهِهِ ذَليلاً .

2 . :- ما هَذَا الاِنْبِطاحُ يا رَجُلُ :- : لِباسُ ثَوْبِ الْمَسْكَنَةِ والذُّلِّ .

الأمة في عصور ضعفها تبتلى بنوعية بغيضة من الفقهاء والمفتين الذين يروجون لفقه المذلة والهوان،حتى تتقبله الأمة،بل يحاولون إقناع عوام الأمة بأن تجرع هذا الذل من الإيمان،بل ويؤجرون عليه!

وهذا موجود للأسف الشديد في كل عصور الضعف والاستبداد السياسي،فهاهم قرابة ال 70 مفتيا في عهد فتنة خلق القرآن يفتون بتكفير وقتل الإمام أحمد.

وتتكرر هذا الفتاوى الآن بقتل فئام عظيم من المسلمين باستدعاء خاطيء للأدلة الشرعية.

وتتميز مصر بخصوبة هذه الفتاوي ووفرة (ترزية) الفتاوى الجاهزة لكل مستبد،وتناسب كل المقاسات!

فمصر ليست فقط بلد الأعلام في السياسة والثقافة والفن، بل هي أيضا أرض خصبة للفتاوى المثيرة للجدل التي انطلقت الكثير منها من أرض النيل لتصل إلى العالم العربي بسرعة البرق، ولعل أشهرها ما أفتى به أحد الرموز السلفية بمصر، بخصوص عدم وجوب الدفاع عن عرض الزوجة.

واستند هذا المفتي في فتواه الجديدة بالقياس على فتوى قديمة للإمام العز بن عبد السلام، في موضوع آخر يتعلق بوجوب تسليم المال للصوص المعتدين، وعدم مجاهدتهم حفاظا على النفس من القتل على يد اللصوص.

ونرى سيل الفتاوى المؤيدة للمستبد،والتي تقنع الشعب بقبول الظلم والقهر،وحرمة الصدع بالحق،والخروج على الظالم ولو بكلمة حق،مستمدين من القواعد الصحيحة متكئا فاسدا بفهم أعور أعرج منحرف.

فعندهم: الفتاوى تتغير أو (تتلون) بتغير الزمان والمكان، أو بتلون المحيط الذي تعيش فيه الحرباء!! فقد وجب –هذه المرة- الخروجُ أو على الأقل صحَّ الخروج على الحاكم إذْ كان مسلمًا، ولا يوالي يهود، ولا يحل ما حرم الله، ولا يحرم ما أحل.. فجوزوا الخروج عليه، وإعانة من خرج عليه بالمال والرجال!

أما  إذا خرج الأحرار على هؤلاء الظالمين خروجا سلميا يطالبون بالحق والعدل وتحكيم شرع الله،فإن (الترزية)جاهزون بأوصاف الخوارج،وشق العصا، واستحلال الدماء والأعراض والسجن لكل هؤلاء المطالبين بالحق والعدل!

وتصبح فتوى (الحاكم المتغلب)حاضرة بالطلب،لمن يدفع أكثر!

والفتاوي الجاهزة التي أجهزت على الحق الذي مع المظلومين، وجعلتهم خوارج وأهل فتنة.. ويعنى ذلك جواز قتالهم وقتلهم واستحلال دمائهم.. لأن التوصيف يقتضي الحكم بأنهم كلاب النار.. وأنهم شر قتيل تحت أديم السماء.. وقد سُحبت أحاديث الخوارج وأُسدلت ستائرها على المجاهدين الموحدين!!

وكما كان يقال: (اقتله يا أمير المؤمنين.. ودمه في عنقي!)، فقد أعاد التاريخ نفسه.. التاريخ البائس طبعاً!

وفي هذا الطريق نسمع بفتاوى:طهرة ماء الصرف الصحي بعد المعالجة،وجواز تهنئة غير المسلمين بطقوسهم وأعيادهم ،حتى لو خالفت صريح القرآن !

وهذه غمة ستزول،وعلى أهل الحق ألا يستسلموا لفقه وفقهاء الانبطاح،حتى ينبلج الفجر ويحرق بنوره فقهاء الظلام!

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى