مقالاتمقالات المنتدى

فقه أعمال القلوب (٢)

فقه أعمال القلوب (٢)

 

 

بقلم د. محمد يسري إبراهيم “نائب رئيس رابطة علماء المسلمين، وكيل جامعة المدينة العالمية بماليزيا، دكتوراه الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهر، وله العديد البحوث والإصدارات الفقهية والفكرية المتميزة” (خاص بالمنتدى)

 

الحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده، وبعد

‏فإنه لما كان القلب بتلك المنزلة والمثابة العلية؛ فقد وجب على كل مسلم أن يتعرف على أحكامه وأحواله.

وقد أخبر الله تعالى أن القلوب تتقلّب،
“وما سمي القلب إلا من تقلبه!”
وأن الله تعالى يقلّب القلوب بما كسبت!
قال تعالى:”ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة”
وقال تعالى:”واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه”
‏وفي الحديث:”إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء!”
ولقد كان من دعاء نبينا ﷺ:” يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك”
وأكثر ما كان يحلف ﷺ:
“لا ومقلب القلوب”
وكان ﷺ يشبه القلب تشبيها عجيبا فيقول:
“إنما مثل القلب مثل ريشة بالفلاة تعلقت في أصل شجرة يقلبها الريح ظهرا لبطن”

فيجب العلم بأن التوحيد والإخلاص لله وحده محله القلب، فالعلم بوحدانية الله، وتفرده بالخلق والرزق، والملك والتدبير، والإحياء والإماتة، والبعث والنشور،
والعلم بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا، وأفعاله الحميدة – إنما يكون بالقلب.

ويسمى هذا:”علم القلب”
قال تعالى:”فاعلم أنه لا إله إلا الله”
‏وقد يسمى:”قول القلب”وهو: علم وتصديق ويقين واعتقاد، وشهادة بوحدانية الله تعالى وربوبيته، وبأسمائه وصفاته وأفعاله، وتصديق بالخبر عنه تعالى في كتابه وسنة نبيه ﷺ.

قال تعالى:”والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون”
وقال تعالى:”شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط”
‏وفي الحديث:”ما من أحدٍ يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله صدقًا من قلبه إلا حرمه الله على النار”
وفي حديث آخر:”مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة”
ولما رفع بلال الأذان، قال ﷺ:”
من قال مثل ما قال هذا يقينا، دخل الجنة”

وعلم القلب وهو: الاعتقاد واليقين، حكمه: فرض عينٍ على كل قلبٍ مسلم.
‏وكل قلبٍ لم يعلم أنه “لا إله إلا الله” فليس بمسلمٍ ولا مؤمن ولا موحد!

ومن اعتقد هذا بقلبه، ثم زال عنه الاعتقاد فقد زال إيمانه وخرج من دينه، لأن تصديق القلب يقابله تكذيبه، ويقينه يبطله شكّه، وإقراره ينقضه إنكاره!
وإذا زال تصديق القلب لم ينتفع العبد بقولٍ أو عمل حتى يعاوده التصديق!
‏وكما أن للقلب علما وقولا فله عملٌ أيضا!
وعمل القلب منه: المحبة لله، والتوكل عليه، والخوف منه، والرجاء في رحمته، والصبر لأوامره، وعلى أقداره، وعن نواهيه، والرضا بالله وعنه، والخضوع لعظمته، والخشوع لجلاله، والإخبات له، والموالاة والمعاداة فيه، وغيرها مما يشمل كل إرادةٍ وحركة للقلب يحبها الله.

وكل ما تضمن محبة الخير وإرادته فهو من عمل القلب، ويدخل فيه أيضا كراهية الشر وإرادة تركه،
وعلى أساسٍ من علم القلب وعمله ومايتضمنه من توحيد الربوبية، والأسماء والصفات الإلهية يبنى توحيد العبادة والألوهية، وهو إفراد الله تعالى بالعبادة وحده لا شريك له.
قال الله تعالى:”فاعبد الله مخلصا له الدين”
‏وقال سبحانه:”من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب”
وقال سبحانه:”ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب”

قال الجنيد: “التوحيد: قول القلب،
والتوكل: عمل القلب، فلابد فيه من عمل القلب، مثل: حب الله ورسوله، وخشية الله، وغير ذلك من أعمال القلوب التي أوجبها الله ورسوله، وجعلها من الإيمان.”

وإذا زالت أعمال القلوب بالكلية زال الإيمان بالإجماع!
قال ابن تيمية:”ومن تأمل الشريعة في مصادرها ومواردها علم ارتباط أعمال الجوارح بأعمال القلوب، وأنها لا تنفع بدونها، وأن اعمال القلوب أفرض على العبد من أعمال الجوارح، وعبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح، وأكثر وأدوم، فهي واجبة في كل وقت”
فاللهم وفقنا لتحقيق إيماننا واشرح له صدورنا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

والحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى