مقالاتمقالات المنتدى

فضل المرابطين في غ ز ومسألة في الأضحية

فضل المرابطين في غ ز ومسألة في الأضحية

 

بقلم أ. د. فضل بن عبد الله مراد “أمين لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي وأستاذ الفقه والقضايا المعاصرة بجامعة قطر” (خاص بالمنتدى)

 

مما يتوارد السؤال عنه في هذه الأيام تقديم نفقة الأضحية لغزة هل يجزئ عن الأضحية؟

والجواب: أن هذه الأيام العشر من ذي الحجة ثبت في فضلها أن العمل الصالح فيها لا يساويه عمل إلا من خرج بماله ونفسه ولم يرجع بذلك شيء. كما في مسند أحمد (2/ 467 ت أحمد شاكر):
«عن ابن عباس قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ما منْ أيام العملُ الصالحُ فيها أحبّ إلى الله عز وجل من هذه الأيام”، يعني أياَمَ العَشْر، قال: قالوا: يا رسول الله، ‌ولا ‌الجهاد ‌في ‌سبيل ‌الله؟ قال: “‌ولا ‌الجهادُ ‌في ‌سبيل ‌الله، إلا رجلَا خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء”»
فكيف إذا كان العمل في العشر هو الجهاد في سبيل الله فإنه لا يعلم أجره إلا الله
وما يقوم به إخواننا المرابطون على ثغر الإسلام في غ ز
لا يساوي علمهم عمل صالح مهما بلغ كما في نص الحديث.
وقد اجتمع لهم جهادهم الكفار جهاد دفع ، وخصوصية المكان الذي حدثنا عنه النبي عليه الصلاة والسلام
وخصوصية هذه الأيام وهي العشر.
والجهاد بالمال خاصة في هذه العشر له ذلك الفضل الكبير الذي لا يعلمه إلا الله.
وبذل المال لإخواننا المرابطين رجالا ونساء وأطفالا ومقاومين واجب وفرض لا صدقة تطوع دل على ذلك الإجماع المنقول نقله جماعات ذكرتها في فتوى سابقة مستقلة وراجع القرطبي تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (2/ 242) وموسوعة الإجماع في الفقه الإسلامي (5/ 598)

ومن كان له سعة فذبح أضحيته وبذل قيمة أضحية أخرى أو أضاحي لإخوانه في غزة فهذا جمع بين الفرض والنفل خاصة إن دفعها في العشر من ذي الحجة.

أما سؤال هل نرسل قيمة الأضحية لغزة وتجزئ عن الأضحية إن لم يسطع المكلف ذبح أضحية أخرى.

أقول: من العجب أن نساوي الفرض بالنفل وأجر الجهاد بأجر الأضحية.

فلا شك أن من قدم قيمة أضحيته لإخوانه في غزة أن أجره أعلى وأكمل من أجر الأضحية في بيته حتى على القول بوجوبها الخلافي فلا تقرب من رتبة الجهاد ولا تدانيه فأجر تقديم قيمتها لغزة يفوق أجرها الأصلي بما لا يعلمه إلا الله.
فلا يليق بالفقيه أن يقارن بين أجرهما، وعلى هذا فليس لقول من يستفسر هل هذه القيمة يحصل بها أجر الأضحية معنى، لأن تقديم قيمتها لهم تفضلها مرات وأضعاف.

ولكنا نقول طمأنة لهم إن من فعل ذلك فله أجران الأول قيامه بفرض واجب عليه وهو الإنفاق على المجاهدين والمرابطين والمظلومين في غزة وهو أضعاف أضعاف أجر ذبح الأضحية والثاني: له أجر الأضحية فالله تعالى كريم يأجره بنيته والشريعة تدل على ذلك .

فمن نوى عمل طاعة صادقا ولم يقدر على تحصيلها فله أجرها كما ثبت في نصوص كثيرة حتى في الجهاد كما في الصحيحين: صحيح البخاري (4/ 26 ط السلطانية):
عن ‌أنس رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزاة فقال: إن أقواما بالمدينة خلفنا ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا فيه ‌حبسهم ‌العذر»
فهؤلاء لم يقدروا على الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغزو لكنهم مأجورون مثل أجر المجاهدين
قال ابن بطال شارح البخاري: شرح صحيح البخاري – ابن بطال (5/ 48):
«هذا يدل أن من حبسه العذر عن أعمال البر مع نيته فيها أنه يكتب له أجر العامل فيها، كما قال (صلى الله عليه وسلم) فيمن غلبه النوم عن صلاة الليل أنه يكتب له أجر صلاته»

قال ابن عبد البر: الاستذكار (1/ 385):
«قوله ((فإن أحدكم في صلاة ما دام يعمد إلى الصلاة)) فيدل على أن الماشي إلى الصلاة كالمنتظر لها وهما من الفضل فيما فيه المصلي إن شاء الله على ظاهر الآثار
وهذا يسير في فضل الله ورحمته بعباده كما أنه ‌من ‌غلبه ‌نوم على صلاة كانت له عادة – كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة.
وكذلك من نوى الجهاد أو غيره من أعمال البر وقطعه عنه عائق عجزه وفضل الله عظيم يمن به على من يشاء من عباده وليس فضائل الأعمال مما فيه للمقاييس مدخل والحمد لله» انتهى .

وعلى ما سبق من الأدلة فالمنفق قيمته أضحيته على غزة ولا يقدر على أضحية سواها مأجور أجرين الأول أجر الفرض وهو النفقة على المجاهدين وأهليهم وهذا لا يعلم مداه إلا الله لأن الجهاد أعظم الأعمال
والثاني أجر الأضحية وثوابها بنيته الصالحة .

وهذا كله في الجزاء والثواب أي أنه يكتب له ثواب الأضحية لكن لا نقول أن القيمة هي نفسها أضحية بل ثواب الأضحية تام ، والمؤمن يكفيه ثواب الله تعالى وأجره.

وقد ورد مثل هذا في الشرع فمن قرأ قل هو الله أحد ثلاثا كان له أجر القرآن ثوابا وجزاء لا أنه يجزيء عنه في قراءة القرآن أو الفاتحة في الصلاة فلا يقال له يغنيك ذلك عن تلاوة القرآن ويكفيك عن الفاتحة في الصلاة بل عليه أن يقرأ القرآن وعليه أن يقرأ ركن الفاتحة في الصلاة فهذا هو معنى الإجزاء أما الجزاء والثواب فهو فضل الله وهو واسع الفضل سبحانه،

وقد جاء في سنن الترمذي (1/ 582 ت بشار) بسند حسن.
عن ‌أنس قال: قال رسول

الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله ‌حتى ‌تطلع ‌الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة». قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‌تامة ‌تامة ‌تامة
فهذا له أجر حجة وعمرة في الثواب والجزاء لا في الإجزاء عنه فلا يسقط الحج مع الاستطاعة.

والحاصل من هذا أن من قدم قيمة الأضحية إلى غ ز ممن لا يقدر على ذبح غيرها في بيته قد قام بواجب الجهاد بالمال فله أجره العظيم الذي لا يعلمه إلا الله بجهاده بماله .
وله أجر وثواب الأضحية كذلك على ما نواه والله واسع كريم سبحانه،
ومن قال من العلماء أهل الفتوى أنها تقوم مقام الأضحية جزاء في الثواب وإجزاء عن الأضحية فعمل بقوله من عمل من الناس فله ذلك إن شاء الله لأن اتباع فتوى العالم المعتبر هو غاية ما يكلف به عامة الناس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى