بقلم محمود ممتاز
يشيع مفهوم بين الناس عن السياسة أنّها فنّ الممكن وفنّ الغش والخداع، وأينما تكون المصلحة تكون السياسة، فلا حلال ولا حرام والغاية تبرر الوسيلة، ويعتبرونها شيئا مفتوحا مُطلقا لا حواجز فيه ولا حدود ولا ضوابط ، وهذا الاعتبار الشائع عن مفهوم السياسة صحيح في منظور المبدأ الرأسمالي السائد ومنظومته العلمانية التي تُهيمن على العالم وتنشر لوثتها الفكرية في عقول الناس مسلمين وغير مسلمين ، ولكن رغم هذه الهيمنة الغربية التي تهدف لمحو الهوية وضرب الثقافة الفكرية عند المسلمين علينا أن لا نُسلّم للأمر الواقع ونعتبر الرأسمالية قدر لا يمكن منافسته ولا محاربته ، بل على العكس من ذلك تماماً فذلك المفهوم عن السياسية يُمثّل وجهة نظر أحادية الجانب وهو ليس اعتبارا عاما ولا هو المرجع الحقيقي الوحيد الذي يُمثّل البشرية خاصة المسلمين الذين يمتلكون عقيدة سياسية ينبثق عنها نظام سياسي عالمي ، وبالتالي فللإسلام أيضاً وجهة نظر أُخرى عن السياسة بمفهوم آخر يُخالف به مفهوم الحضارة الغربية عنها.
السـياسـة في الإسلام تعني: “رعاية شـؤون الأمة داخلياً وخارجياً، وتكون من قبل الدولة والأمة، فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عملياً، والأمة هي التي تحاسب بها الدولة، ورعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً من قبل الدولة تكون بتنفيذ المبدأ في الداخل، وهذه هي السياسة الداخلية.
وأما رعاية شؤون الأمة خارجياً من قبل الدولة فهي علاقتها بغيرها من الدول والشعوب والأمم، ونشر المبدأ إلى العالم، وهذه هي “السياسة الخارجية” السياسة القائمة على أساس المبدأ الإسلامي ليست وليدة اللحظة ولا هي ردّة فعل لمواكبة الحضارة الغربية وإنّما هي قبل الرأسمالية بقرون خلت أي أنّها مفهوم أصيل في عقيدتنا مارسها الأنبياء حتّى آخر خليفة مسلم من آل عثمان ، وللدلالة على ذلك أستشهد بقول رسول الله محمد صلوات الله عليه في الحديث الشريف الذي يقول ((كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء تكثر، قالوا: فما تأمرنا، قال: فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم)) متفق عليه.
فالحديث يُبيّن أنّ السياسة مارسها الأنبياء والخلفاء والرعيّة (الأمّة) وعليه فإنّ السياسة في المبدأ الإسلامي لها السّبق والأصالة في العالم قبل ظهور الحضارة الغربية الحالية التي شوّهت معنى السياسة ومفهومها الراقي.
صراع المفاهيم
تضع الرأسمالية تنظيراتها السياسية على أساس مبدئي فتحقيق المصلحة بنهب خيرات الشعوب وخداعهم تُعتبر فكرة وطريقة الوصول لذلك هي بالاستعمار هذا على جانب السياسة الداخلية والخارجية، بالمقابل يضع الإسلام مفاهيمه السياسية من جانب مبدئي أيضاً فيرعى شؤون الناس بالداخل عن طريق تطبيق الأحكام وهذه هي السياسة الداخلية للدولة الإسلامية (الخلافة).
وأمّا السياسة الخارجية فهي علاقة الدولة بغيرها من الدول والشعوب والأمم، وهذه العلاقة هي رعاية شؤون الأمة خارجياً. والسياسة الخارجية للدولة الإسلامية هي علاقتها بغيرها من الدول والشعوب والأمم، وتقوم هذه السياسة الخارجية على فكرة ثابتة لا تتغير. هذه الفكرة الثابتة هي نشر الإسلام في العالم (الجهاد) في كل أمة وكل شعب. وهذا هو الأساس الذي تقوم عليه السياسة الخارجية للدولة الإسلامية، وهذا الأساس لا يتغير أبداً، ولا يختلف مهما اختلف الأشخاص القائمون على الحكم.
بالإضافة لذلك فالرأسمالية تعتبر السياسة نطاق مفتوح تُستخدم فيه كل الوسائل والأساليب المتاحة للوصول للغاية حتى ولو كانت فوق جماجم الأبرياء فالمصحلة الذاتية فوق كل اعتبار طالما أن النظرة الميكافيليّة هي التي تحكم المبدأ.
بينما في الإسلام الوضع مختلف تماماً فالذي يحكم النظرة السياسية هي المقاييس(الحلال والحرام) فلا نطاق مفتوح ولا نطاق مُطلق وإنّما ضبط تام وتنظيم أتم فالسياسة حكم شرعي في الإسلام لها طريقتها الخاصة في التنفيذ مع العمل على ابتكار الأساليب والوسائل السياسية لتحقيق الغاية سواء في تطبيق المبدأ في الداخل أو حمله للخارج، فمثلا تستثمر الدولة طاقتها الدعائية لنشر الإسلام ولتهيئة المناخ العام في دولة ما كي تستهدف فتحها لاحقا بالجهاد.
كما أنّ الإسلام نظّم علاقة الدولة الإسلامية في السياسة الخارجية وحرّم عليها الركون للظالمين قال تعالى “وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ”.
وقال رسول الله محمد في حديثه للجنود عن سياسة نهج المعركة في الإسلام (لا تقتلوا صبياً، ولا امرأة ولا شيخاً كبيراً، ولا مريضًا، ولا راهباً، ولا تقطعوا مثمراً، ولا تخربوا عامرًا، ولا تذبحوا بعيراً ولا بقرة إلا لمأكل ، ولا تغرقوا نحلاً ولا تحرقوه)، وهذا مُخالف لنهج المبدأ الرأسمالي العلماني في السياسة.
السياسة مفهوم راقٍ
إنّ السياسة مفهوم راق جداً وهي وليست أمر سلبي، فهي التي تنهض بالأمم أو تحطّ بهم وتُحدد مصير الحضارات لذلك لا بُدّ من عناية فائقة في التفكير السياسي، فإذا كانت السياسة العلمانية أمرا سلبيا لا يجوز مُجاراتها بحجة “الواقع” ولا يتأتّى ترك السياسة والعمل السياسي بحجّة “فسادها” وإنما يُعمل على تغيير الواقع وتطبيق الإسلام بسياسته العادلة ونهجه الراقي الذي أرسله الله رحمةً للعالمين، ولا يُقال أنّ نهج السياسة العلمانية الفاسد مدخل لنهضة المسلمين وطريقة للتمكين على العكس يكون هذا طريق هلاكهم وانتحارهم السياسي لأنّه يخالف مبدأ الإسلام.
فكما ذكرت الإسلام يمتلك فكرة وطريقة والطريقة يجب أن تكون من جنس الفكرة حتى تؤدّي لنهوض المسلمين فالحلول تؤخذ من مرجعيّتنا وهي الكتاب والسنة وليس من نظريات الغرب الفاسدة. ومن مفاهيم السياسة أيضاً أنّ القضية النبيلة لا تموت وإنّما يُخاض الكفاح من أجلها وتستمر ديمومته فلا حلول مرحلية ولا جزئية وإنما حل جذري للوصول للغاية النبيلة بشكلها الكامل.
الخاتمة
إنّ العلمانية والإسلام نقيضان فلا العلمانية تقبل بتدخّل الإسلام في السياسة ولا الإسلام يقبل بتدخّل العلمانية في السياسة، كما أن السياسة ليست جزء من الإسلام بل إنّ الإسلام بطبعه سياسي تقوم فلسفته على مزج المادة بالروح عكس العلمانية التي تقوم فلسفتها على النّظرة الماديّة المجرّدة فنشرت الرذيلة ومنعت الفضيلة وسرقت الناس بمسمى الحداثة!، لذلك لا بد من صراع حضاري هدّام ينتصر أحدهما فيه على الآخر، ونحن اخترنا الإسلام ولذلك نقولها بمليء الفيه #يجب أن تُفصل العلمانية عن السياسة.
(المصدر: أمة بوست)