مقالاتمقالات مختارة

فشِل الإسلاميون.. فهل نجح العلمانيون؟

فشِل الإسلاميون.. فهل نجح العلمانيون؟

بقلم حسين لقرع

يردّد العلمانيون هذه الأيام، بكثيرٍ من النشوة والتشفِّي، أنّ حكم الإسلاميين قد فشل في مصر والسودان والمغرب وأخيرا تونس، وأنّ الشعوب قد تفطّنت إلى مثاليتهم وعدم قدرتهم على إدارة دول، ولن تجدّد فيهم ثقتها في أيّ انتخابات قادمة..

أولا: هذا الكلام يحمل الكثير من التجنّي من زوايا عديدة؛ فباستثناء المغرب التي أطاح فيها الناخبون بحزب “العدالة والتنمية” الذي ترأّس حكومتين متتاليتين منذ عام 2011، فإنّ الإسلاميين في مصر والسودان وتونس قد تعرّضوا لانقلاباتٍ سافرة أطاحت بهم، ولم تُسقِطهم الشعوب بطريقةٍ ديمقراطية حضارية عبر صناديق الانتخابات. صحيحٌ أن مصر والسودان شهدتا مظاهرات شعبية في صيف 2013 و2019 على التوالي، لكنّ جيشي البلدين استغلا الفرصة واستوليا على الحكم إلى حدّ الساعة.

ثانيا: القول إنّ الإسلاميين قد فشلوا في حكم هذه الدول، ينطوي على مبالغة؛ لقد فشلوا في السودان بعد أن حكموها أزيد من ثلاثة عقود، وهي فترة كافية للحكم عليهم، وفشلوا في المغرب أيضا بعد 10 سنوات من تشكيل الحكومة، وإن كانت السلطات بيد الملك في واقع الأمر وليس في يد الحكومة، لكنّ تحميلهم وحدهم مسؤولية الفشل في تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي بتونس يحمل الكثير من التجنّي لأنَّ “النهضة” كانت تتبنَّى “الديمقراطية التشاركية” وكانت مجرّد عضو في حكومات ائتلافية متعاقبة، ومن الظلم تحميلها مسؤولية تسيير أوضاع تونس منذ ثورة 2011 إلى الآن. أما في مصر فإنّ أيّ حديث عن فشل الرئيس مرسي في تحسين وضع البلد في ظرف عام واحد، هو سخفٌ وتجن سافر؛ فهل تكفي فترة عام للحكم على نجاح رئيس بلدٍ أو فشله؟ وإذا كان مرسي قد فشل، فهل نجح العلمانيون الذين يحكمونها منذ ثورة 23 يوليو 1952 إلى الآن؛ أي منذ 69 سنة كاملة؟ وماذا تساوي سنة واحدة في الحكم مقابل 69 سنة؟

ثالثا: إذا افترضنا جدلا أنّ الإسلاميين الذين حكموا فتراتٍ قصيرة، باستثناء السودان، قد فشلوا في تجارب حُكم بلدانهم، فهل نجح العلمانيون الذين يحكمون البلدان العربية والإسلامية منذ عقودٍ طويلة؟

منذ ظهور الدول العربية والإسلامية بحدودها الحالية عقب الحرب العالمية الثانية، والعلمانيون يحكمونها إلى الآن، وغالبية هذه البُلدان تزخر بثرواتٍ باطنية وسطحية تحلم بها الكثيرُ من دول العالم، وفي مقدّمتها الثروة النفطية والغازية، فهل حققت الرخاءَ لشعوبها؟

باستثناء بلدان قليلة، فإن أغلب الدول المذكورة تعاني التخلّف والفقر الذي يبلغ أحيانا حدّ البؤس، بفعل فساد أنظمتها العلمانية الحاكمة ونهب ثروات شعوبها وعدم كفاءتها لقيادة بلدانها. وفوق ذلك، فهي أنظمة مستبدّة متسلّطة تتغنى بالديمقراطية وحكم الشعب وحقوق الإنسان، ولكنّها تحتكر الحكم وتمنع أيّ تغيير وتُنكر على شعوبها أبسط حقوقها الديمقراطية.

رابعا: هناك مثالٌ حيّ حقق فيه الإسلاميون نجاحا باهرا في العالم الإسلامي، بل في العالم بأكمله، لكنّ العلمانيين يحاولون دائما تقزيمَه والنيل منه، لأنه يُذكِّرهم بفشلهم الذريع في قيادة بلدانهم، وهو مثَلُ حزب “العدالة والتنمية” التركي الذي حقق معجزة اقتصادية كبرى منذ تولّيه الحكم في عام 2002 إلى الآن، وأنجز في ظرف 19 عاما فقط ما لم يُنجِزه الأتاتوركيون العلمانيون في ظرف 69 سنة. وبالمقابل، ليس هناك تجربةٌ تنموية عالمية فذّة يفتخر بها العلمانيون على امتداد الوطن العربي والإسلامي بأكمله.

المصدر: صحيفة الشروق الالكترونية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى