مقالاتمقالات مختارة

فرقة الإسلاميين وخصوماتهم.. المظاهر والأسباب والعلاج

فرقة الإسلاميين وخصوماتهم.. المظاهر والأسباب والعلاج

بقلم وائل البتيري

فرقٌ كبيرٌ بين اختلاف الدعاة في الرأي السائغ، وبين ما ينتج عن هذا الاختلاف من فرقة وخصومة، فالأول يعفو عنه الشارع، إذ إنه ملازم للنصوص الظنية من جهة، ولفهم الواقع من جهة أخرى، وللقواعد التي يتم إعمالها لإسقاط هذا النص على الواقع، وكل هذا مسوغٌ لوقوع مثل هذا الاختلاف.
ولكن؛ حينما نتجاوز هذا الاختلاف لنقع في شراك التعصب للرأي، حيث يعلو صوت الانتصار للمذهب، وتتجلى الخصومة بين أهل الملة الواحدة، وتقع الفرقة بين الموحّدين لله؛ فإننا ندخل في دائرة المحظور، ونصبح أدوات لإدخال السرور على إبليس وجنوده.

المظاهر:

ولو أردنا أن نعدد مظاهر الخصومة والفرقة بين الدعاة إلى الله تعالى؛ لما اتسعت هذه المقالة لبعضها، وما فائدة أن نعدد شيئاً نراه يومياً بأعيننا، ونسمعه بآذاننا، ونلمسه بأيدينا، ونعيشه كل لحظة في حركاتنا وسكناتنا؟!

وهل يخفى على الدعاة ما كسبته أيديهم من خصومات طافت الشرق والغرب، حتى أصبحت طرفة يتلهى بها الطغاة، ويروونها لأتباعهم ليرفهوا بها عن أنفسهم، ويسوقونها في وسائل إعلامهم ليجعلوا من الإسلاميين مسخرة تلوكها الأفواه، وتسطرها الأنامل عبر وسائل التواصل؟!

وإذا كنت في شك مما أقول؛ فقلّب صفحات الكتب، واستعرض مقالات الدعاة؛ لترى كيف تتحول الردود العلمية إلى وصلات ردح خالية من أمارات الدين والخلُق، غايتها الانتصار للنفس، وتبكيت المخالف وتدنيس صورته، مع أن كلاً من الراد والمردود عليه ينطلقان في ردودهما من دوافع شخصية، ولا يقف وراء أحدهما كافرٌ أو فاجرٌ يؤزه لاستخراج أسوأ ما دونته العرب في معاجمها، وتوجيهه إلى الآخر.

وإذا رغبت فجُل ببصرك في دول العالم أجمع؛ هل ترى من بلد خالٍ من خصومة بين جماعة إسلامية وأخرى  .. وتستفحل الخصومة إذا كان ثمة اضطرابات في بلد ما، حيث يضعف الأمن، وتنتشر فوضى السلاح، ليلقي الدعاة المتنازعون أقلامهم وراء ظهورهم، ويمتشقوا السلاح ليترجموا خصوماتهم بتوجيهه إلى صدور إخوانهم.. فيا للخيبة!

ﻭﺍﻧﻈﺮ ﻛﻴﻒ ﻳﺴﺘﻔﺮﺩ ﺍﻟﻄﻐﺎﺓ ﺑﻜﻞ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺇﺳﻼﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰﺣﺪﺓ، ﻳﻨﻜﻠﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻳﻔﻜﻜﻮﻥ ﺑﻨﻴﺘﻬﺎ، ﻭﻳﻠﻔﻘﻮﻥ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﻜﺎﺫﺑﺔ، ﻟﻴﺰﺟﻮﺍ ﺑﺄﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺠﻮﻥ، ﻭﻳﻔﺮﻗﻮﺍ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮء ﻭﺃﺳﺮﺗﻪ.. ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺎﺕ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯﺗﺘﻔﺮﺝ ﻭﻛﺄﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﻻ ﻳﻌﻨﻴﻬﺎ، ﺑﻞ ﺭﺑﻤﺎ ﻳﺸﺎﺭﻙ ﺑﻌﻀﻬﺎ في “ﺷﺮﻋﻨﺔ” ﻇﻠﻢ ﺍﻟﻄﻐﺎﺓ ﻭﺟﺒﺮﻭﺗﻬﻢ.

انظر كيف يستفرد الطغاة بكل جماعة إسلامية على حدة، ﻳﻨﻜﻠﻮﻥ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻳﻔﻜﻜﻮﻥ ﺑﻨﻴﺘﻬﺎ، ﻭﻳﻠﻔﻘﻮﻥ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﻜﺎﺫﺑﺔ، ﻟﻴﺰﺟﻮﺍ ﺑﺄﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺠﻮﻥ، ﻭﻳﻔﺮﻗﻮﺍ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮء ﻭﺃﺳﺮﺗﻪ

كفى.. فإني والله أشعر بالامتعاض وأنا أعدد مظاهر الخصومة والفرقة بين الدعاة إلى الله، ولا أدري كيف لعقلي أن يستوعب أن تُجعل “الدعوة” و”الفرقة” في سطر واحد، وكيف لـ”الدعاة” أن يقترنوا بـ”الخصومة” في عبارة واحدة  ! ولكنه بلاء الله لخلقه كي يُعلم أيّهم أحسن عملاً، وأيّهم يقع في “الحالقة” التي تحلق الدين، وتنقض عرى الإخوة عروة عروة.

الأسباب:

إن الخصومة والفرقة بين الدعاة من أعظم المصائب التي تعانيها الأمة الإسلامية، ومع أن لأعداء الإسلام دوراً مهماً في صناعة هذه المصائب ورعايتها حتى تصل الغاية في إذلال المسلمين وإحباطهم؛ إلا أننا لو كنا متيقظين لمخططات أعدائنا لما وقعنا ضحية لها   ، ولو حفظنا حدود الله تعالى؛ لحفظنا اللهُ سالمين من هذه المصائب، أو ثابتين على الحق عند وقوعها، ومصداق ذلك قوله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم، ويعفو عن كثير} [الشورى:30]..

من هذا المنطلق؛ أجمل أسباب الخصومة والفرقة بين الدعاة في الآتي، وأكتفي بالعناوين لأن المقام لا يتسع للتفصيل:

1- تصورات علمية خاطئة، وتتمثل في:

أ- التعامل مع الآراء الفقهية والواقعية في إطار “الحق والباطل” بدلاً من “الصواب والخطأ” و”الراجح والمرجوح”.

ب- الخلط بين الظنيات والقطعيات، أي بين ما يقبل النظر والاجتهاد وتعدد الآراء، وبين ما لا يقبل ذلك كله.

جـ- غياب فقه الأولويات وواجب الوقت.

د- تصدر الجاهل للإفتاء، وخصوصاً في قضايا الأمة المصيرية.

هـ- تغييب فقه الخلاف والإعذار.

و- إضعاف التمسك بمصادر التشريع لحساب قوة الحزب والمحافظة على كيانه.

ز- القول باستحالة إنهاء الفرقة تصوراً وواقعاً، لضرب مشروعية الألفة والتعاون والاعتصام الثابتة في النصوص الشرعية.

ح- فهم قوله تعالى: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين. إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} [هود:118-119] على نحو خاطئ.

ط- الاستدلال بالفرقة التي وقعت بين الصحابة رضوان الله عليهم، وخصوصاً في عهدي عثمان وعلي رضي الله عنهما، لتسويغ الفرقة المعاصرة والرضوخ لها، والرضى بها.

2- أزمة أخلاقية، وتتمثل أهم مظاهرها في:

أ- غياب أدب الحوار.

ب- ضعف الرفق والحلم والرحمة والأناة.

جـ- عدم استشعار الأخوة الإيمانية.

د- العُجب والكِبْر.

هـ- آفات اللسان، كالغيبة والنميمة والبهتان والسباب والتنابز بالألقاب… إلخ.

و- الانتصار للنفس ولو على حساب الحق أو الصواب.

ز- إساءة الظن بالآخرين، واتخاذ المواقف بناء على ذلك.

ح- التعصب لرأي أو مذهب أو جماعة.

ط- عدم توقير الكبير والعطف على الصغير.

ي- عدم احترام العلماء وأهل الاختصاص في كل فن.

3- ضعف التربية الإيمانية، حيث إن الأخوة الإسلامية وما يتعلق بها من حقوق وواجبات؛ مرتبطة بالإيمان  ، فالله تعالى يقول: {إنما المؤمنون إخوة} [الحجرات:10]، والإيمان يزيد وينقص، فإذا زاد توثقت عرى الأخوة، وإذا نقص ضعفت.

4- الموروث الحزبي أو المشيخي، فلسان حال الداعية الواقع في الخصومة يقول: إنا وجدنا قادتنا وشيوخنا وأمراءنا على فُرقة، وإنا على آثارهم لمقتدون!

5- عدم إدراك خطورة المشكلة، وهو من أخطر الأسباب، إذ إن عدم إدراك الجاهل لجهله يبقيه جاهلاً، وعدم إدراك الدعاة لخطورة فُرقتهم يكرّسها ويزيد من أوارها. ونظرة واحدة منهم إلى نتائج الفرقة التي وقعت بينهم في سوريا؛ كافية لأن يدركوا خطورة هذه الفرقة.. بل إنه يكفيهم أن يقفوا على قوله تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} [الأنفال:46]، فكلما زاد تنازعهم؛ كلما ضعفت قوتهم، وأصابهم فشل تلو فشل.

إن عدم إدراك الجاهل لجهله يبقيه جاهلاً، وعدم إدراك الدعاة لخطورة فُرقتهم يكرّسها ويزيد من أوارها

العلاج:

إن عرض أسباب أي مشكلة؛ يحمل في طياته سبُل علاجها، فالتخلص من أسباب المشكلة هو السبيل الأوحد لعلاجها، ولكن هذا لا يمنع من التأكيد على الآتي:

1- التعاون على القواسم المشتركة بين الدعاة والجماعات والهيئات الإسلامية، ومناصرة بعضها بعضاً، وخصوصاً عند وقوع الظلم على أحدها، ولتحقيق ذلك اقترحت تشكيل مجلس تنسيقي بين الدعاة الإسلاميين، وسيأتي في مقالة لاحقة.

2- نشر ثقافة الحب والأخوة بين الدعاة والجماعات الإسلامية، من خلال النصوص الشرعية، والتراث العلمي لسلفنا الصالح وعلماء الإسلام وقادة هذه الجماعات.

3- التركيز على إعمال الأخلاق الإسلامية بين المسلمين جميعاً، وليس بين أفراد الحزب الواحد.

4- إبراز المشترك بين الدعاة الإسلاميين، وبين الجماعات الإسلامية، وترويجه بين أفرادها.

5- تفعيل فقه الخلاف والإعذار، القائم على قاعدة “رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب”، وأن المجتهد المصيب له أجران، والمخطئ له أجر واحد، وكلاهما على خير.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى