فتوى: صيام شهر رمضان وصلاة التراويح في ظل كورونا
بقلم: أ . د . علي محيي الدين القره داغي
صيام شهر رمضان فريضة فردية لاتتأثر بكورونا إلا من اصابه فيجب حرص المسلمين والمسلمات عليه إلا من كان معذورا
والتراويح في ظل كورونا تؤدى في البيوت جماعة إلى أن تأذن الجهات المختصة بفتح المساجد ونتضرع إلى الله أن يكون ذلك قريبا
رداً على بعض اللغط حول تأثر صيام الشهر الفضيل بكورونا.
الحكم القطعي هو وجوب الصيام على جميع المكلفين إلا من استثناه القرآن الكريم، وهو المريض، والمسافر، ومن يلحق بهما.
وصلني بعض الأسئلة حول ما أثاره بعض الكتبه من تأثر الصيام بهذا الوباء قياساً على تعطيل الجمعة والجماعات….إلخ
الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الطيّبين وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين، وبعدُ،،.
فقد أجمعت الأمة على أن صيام رمضان ركن من أهم اركان الإسلام الخمسة، فقد فرضه الله تعالى ورسوله بنصوص قطعية فقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )، وقال تعالى ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) سورة البقرة الآية 183 -185.
وهذه الآيات الكريمة استثنت ثلاثة أصناف وهي:
الصنف الأول: الذين لايقدرون على الصيام مطلقاً لا حالاً ولا مستقبلاً، وهذا ما عبر عنه قوله تعالى: ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) سورة البقرة الآية 184، حيث فسره المحققون بما يأتي:
1- من زالت طاقته، وقد وجه هذا التفسير بأن الطاقة من الجهد – بفتح الجيم – أي المشقة، ومنهم من يقول إن ” يطيقونه ” من باب الإفعال الذي تكون الهمزة فيه للإزالة، فيكون المعنى “الذين زالت طاقتهم” وإلى هذا المعنى أو نحوه ذهب حبر الأمة ابن عباس، ففسّره ب (يكلفونه) فقد روى البخاري في صحيحه (4505) بسنده عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقرأ ( وعلى الذين يُطَوَّقونه، فلا يطيقونه فدية إطعام مسكين) وقال ابن عباس: ليست منسوخة وهو الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً.
وروى النسائي بسند صححه الألباني في صحيح النسائي (2316) أن ابن عباس فسره ب” يكلفونه ” وقال: ” ليست بمنسوخة…لا يرخص في هذا (أي الإفطار) إلا للذي لا يطيق الصيام، أو مريض لا يشفى “.
وعند الدارقطني بسند صحيح في …( 2/434) زيادة وهي أن ابن عباس فسّر ( ومن تطوع خيراً ) بأن يزيد المترخص طعام مسكين أخر أي مسكينين، وذهب إلى هذا الرأي أيضاً عدد من التابعين، منهم سعيد بن المسيب، والسدي ( النكت والعيون 1/238 ).
2- ذهب بعظهم إلى أن المراد به التخيير بين الصيام والإفطار في مقابل الفدية، ولكنهم اتفقوا على أنه نسخ بقوله تعالى ( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )، والقول بالنسخ بعيد في سياق الآيات التي ذكرت فرضية الصيام، حيث تبدأ بأن الصيام قد كتب على المؤمنين، ثم تتحدث الآية التي تليها عن حالتين، حالة المشقة المؤقتة المتمثلة في المريض والمسافر، وحالة المشقة الدائمة وهي حالة المسن الذي لايقدر الصيام والمريض الذي لايرجى شفاؤه حسب الظن الغالب.
وأما حمل ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ ) على حالة الاختيار فلا تنسجم مع سياق الآية الدالة على الفرضية بصيغة قاطعة وهي ( كُتِبَ ).
الصنف الثاني المريض وقد ضبطه الفقهاء من خلال الأدلة المعتبره فقال النووي في المجموع (6/261) في تعريف المرض الذي يجوز معه الإفطار: ” وهذا ما لحقه مشقة ظاهرة بالصوم، أي مشقة يشق احتمالها، وأما المرض اليسير الذي لا يلحق به مشقة ظاهرة لم يجز له الفطر بلا خلاف عندنا “، وقال ابن قدامة ( المغنى 4/403) ” أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة” ثم قال: ” والمرض المبيح للفطر هو الشديد الذي يزيد بالصوم، ويُخشى تباطؤ برئه…”. و كذلك أجمعوا على قضاء ما فاته فقال ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر )
وكذلك الحائض والنفساء فلا تصوم ولكن عليهما القضاء بالإجماع.
الصنف الثالث المسافر الذي هو أيضاً محل إجماع مع وجود خلاف في مدته وبعض تفاصيله “يراجع حاشية ابن عابدين (1/528) وبداية المجتهد (1/346) والمجموع (6/261) والروض المربع (1/89).
– وباء كورونا والصيام:
وبناء على مسبق فإن كورونا (كوفيد 19) بما أنه مرض شديد، بل خطر فإذا أصاب شخصاً فإنه مريض يتمتع بجميع الأحكام التي أقرتها الشريعة للمريض.
أما إذا لم يصب الشخص فإنه إن لم يكن لديه مرض أخر، أو عذر أخر مبيح للفطر فإنه يجب عليه الصيام بالاجماع، حاله حال الأصحاء.
وهنا يرد سؤلان:
السؤال الأول: هل الصوم يضعف جهاز المناعة وبالتالي يكون تعرض الصائم للإصابة بوباء كوليرا أكثر؟ لقد سمعت بنفسي في جلسة لقاء مع المجلس الأوروبي في 25/03/2020، مع أربعة من كبار الأطباء المتخصصين، فأكدوا على أن المناعة المكتسبة لن تضعف بالصيام، بل أثبت عدد أخر من الأطباء وأساتذة التغذية من خلال دراساتهم العلمية ( كدراسة د. معز الإسلام عزت فارس، أستاذ التغذية العلاجية والحميات التي نشر خلاصتها في 7 شعبان 1441ه ) وقال فيها:” وفي بحثنا الأخير حول أثر الصيام في شهر رمضان على التعبير الجيني لعدد من المورثات الناظمة لعمليات منع التأكسد والالتهاب في قرابة ستين بالغا من الأصحاء أظهرت نتائج الدراسة قدرة صيام رمضان على زيادة التعبير الجيني لتلك الجينات…بمستويات عالية بلغت %90.5… وهذه نتائج بالغة الأهمية في إثبات قدرة الصيام على الوقاية من حالة الكرب التأكسدي والإلتهاب المسؤولة عن إضعاف الجهاز المناعي، والتقليل من كفاءته”، وفي دراسة لاختبار أثر الصيام في شهر رمضان على قدرة الجسم على مقاومة العدوى البكتيرية الممرضة والمسببة لداء السل الرئوي الذي تُسَببُّهُ البكتيريا…أظهرت الدراسة قدرة الصيام في شهر رمضان على تقليل فرص العدوى بهذا الجرثوم الممرض، وزيادة مقاومة الجسم له من خلال زيادة عدد الخلايا البلعمية…إلخ. وهناك. دراسات أخرى تثبت قدرة الصيام على تجديد الخلايا التالفة.
والخلاصة أن هذه الدراسات تثبت شمولية قوله تعالى ( وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ) سورة البقرة الآية 184، للدنيا والصحة كما هو خير لنا في الآخرة .
وأيا ماكان فلا يجوز لأحد من المسلمين أن يفكر في ترك هذا الركن العظيم إلا بعذر مشروع أذن الله به.
ومع هذا التأكيد العلمي فلو قال أكثر من طبيب من خلال تقرير طبي موثق: إن الشخص الفلاني معرض للإصابة بمرض كورونا بنسبة أكثر من 50% لأي سبب مقبول حسب شهادة أهل التخصص فيجوز له الإفطار مع نية القضاء بعد زوال العذر.
وهذا ما تطرق له بعض الفقهاء القدامى حيث ذهب جماعة من الفقهاء منهم الحنفية إلى أن الصحيح إذا غلبه الظن بأن المرض يصيبه إذا صام فله الفطر مع القضاء، وأكدوا على أن هذه الغلبة تتحقق من خلال التجارب السابقة، أو شهادة أهل العلم ” أي الأطباء ” ( حاشية ابن عابدين 2/116 ) وخالفهم الأخرون، حيث قال المالكية: ” إذا خاف حصول أصل المرض بصومه، فإنه لا يجوز له الفطر – على المشهور – إذ لعلّه لا ينزل به المرض إذا صام ” (حاشية الدسوقي 1/535) و(جواهر الإكليل 1/153) .
والخلاصة:
فلا يجوز الفطر بسبب كورونا إلا عند الإصابة به – لا سمح الله – أما مجرد الخوف فلا أثر له في ترك الصيام إلا إذا دعم ذلك بتقرير طبي بأن الشخص المذكور معرض للمرض إذا صام فعلا ، وعندئذ جاز له الفطر مع القضاء.
– صلوات الجماعة والتراويح :
بما أن الجوامع معطلة أمام الجماهير في معظم البلاد فإن الحكم الشرعي هو ان صلاة التراويح سنة أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد ثم في بيته ، ولذلك لنا سعة أن نقيمها داخل بيوتنا وفقا لما يأتي:
. يقوم الإمام أو المؤذن برفع الأذان لصلاة العشاء، ويصلي التراويح في المسجد وحده مثلا دون الأخرين حفاظاً على الأرواح ومنعاً من انتشار الوباء حسب توجهات الجهات الصحية المختصة.
. وتقوم العائلة داخل بيتها بإقامة صلاة الجماعة والتراويح حسب العدد المسموح به دون تجاوز التوجيهات الصحية ومع مراعاة الابتعاد عن البعض، فيتقدمهم أقرؤهم ولا مانع من القراءةفي المصحف. هذا الله اعلم.
وفي الختام إلى الله نتضرع أن يرفع هذا الوباء قبل شهر رمضان،
ويجعلنا وإياكم من السالمين آمين يا رب العالمين
الدوحة ١٨شعبان ١٤٤١ / ١١ ابريل ٢٠٢٠م
(المصدر: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)