مقالات مختارة

فتاوى ..كثير من الخلط قليل من الفقه

إسلام فرحات – إسلام أون لاين

كسائر الأعوام من يوم أن اختلط الخطاب الإفتائي بمشهيات ومحفزات اللعبة الإعلامية فإن الحصاد دوما يكون خليطا يصعب تمييزه…

من النظرة الأولى تجد لغة الفتوى حاضرة، مفردات الحل والحرمة والوجوب والإباحة ماثلة تتحرك في فضاء الفقرات بلا رقيب، لكن حينما تمعن النظر تجد بناء مهترئًا، وخواء منهجيًا، وتسطيحا معرفيًا، وبعدًا عن الواقع، وكأن الخطاب لزمن غير الزمن ومجتمع غير المجتمع.!

الفتوى حرفة وصنعة.. المفترض أنها كذلك، وليس كل ما يصدر عن “رجل الدين” _ إن صحت التسمية لدينا _ يمكن أن يسمى فتوى، هذا جانب، والجانب الأهم أن بناء الفتوى المنهجي يحتاج إلى تحصيل لأدوات المفتي، وفهم لطبيعة دوره الذي يمكنه من الإسهام والمشاركة في قضايا المجال العام.. وقليل هم أولئك الذين تمكنوا من هذا التحصيل..

وبعيدا عن هذين الجانبين يبرز دور الإعلام الديني كأحد أدوات التوصيل، وهنا تأتي الطامة التي تعاني منها المجتمعات حينما تغيب مفردات الثقافة الدينية عن المعنيين بهذا الإطار، حيث ترى كثيرا منهم لا يفهم مصطلحات الأساتذة الذين هم في الأساس “مصادره”، كل ما يريده ويبحث عنه، هو الخبر، الانفراد، السبق… وتلك هي محفزات اللعبة الإعلامية التي يهون في سبيلها أي بلبلة أو أي لغط يثور في المجتمع … المهم أن ينعم الصحفي بثناء “رئيس التحرير”!

الفتوى الأشهر التي يتجلى فيها هذا الأمر هي فتوى إرضاع الكبير والتي صدرت في مايو من العام 2007، ونقلتها صحيفة مصرية عن أحد أساتذة الحديث الكبار بجامعة الأزهر، وصنفتها مجلة «Foreign Policy» الأمريكية ضمن قائمة بأغبى خمس فتاوى إسلامية في مقال بعنوان «أغبى الفتاوى في العالم».

العجيب أن مقياس الغباء الذي اعتمدته المجلة لم يكن مجرد تحجر الفتوى أو عدم توافقها مع روح العصر، بل حجم السخرية والتشكيك بالدين الإسلامي الذي أحدثته.

هذه الفتوى أو هذا النقل كي نكون محددين والذي له قصة يعرفها كل العاملين في حقل الإعلام الديني، سببه حالة الجهل المطبق التي يعيشها كثيرون من صحفيي الشأن الديني في عدم قدرتهم على التفرقة بين الفتوى والرأي، والبيان، والنقل، من ناحية، ومن ناحية أخرى كما سبق بحثهم المستمر والدؤوب عن الإثارة على حساب أي شيء مهما كان..

على أية حال فإن العام 2016 قد شهد كسابقيه هذا الاختلاط “المكروه” بين مشهيات الخطاب الإعلامي وطبيعة الخطاب الإفتائي مما أحدث جلبة هي في مجلها جعجعة بغير طحن!

السياسة حاضرة

وذاك هي حديث الساعة وكل ساعة.. والعنوان الأبرز الذي تبيع به الصحف السيارة، وتحقق به المواقع الالكترونية وصفحات التواصل الخاصة بها مشاهدات أكبر.. خاصة حينما تكون هناك خلطة تجمع بين الديني والسياسي في عنوان!

ولذلك حفل العام 2016 بهذه “الخلطة” التي لم تعد سرية، فالجميع يستعملها.. حتى بعض محترفي إصدار ما يسمونه خطأ “فتوى” من المشايخ والعلماء أدركوا هذا الأمر ولعبوا على الوتر حتى صار بعضهم أكثر احترافية فيه من الصحفيين والإعلاميين!

الدكتور أحمد كريمة واحد من هؤلاء الذين احترفوا تلك “الخلطة” .. الرجل الذي زار في وقت سابق إيران، وقابل بعض المرجعيات الشيعية التي ألفت كتبا في سب الصحابة رضوان الله عليهم، لم يكن مستغربا أن يصدر عنه هذا الذي أسمته المواقع الإلكترونية “فتوى”

كريمة قال نصا: ” قتلى السعودية والإمارات في اليمن ليسوا بالشهداء قولاً واحداً في التشريع الإسلامي؛ لأنهم بغاة أما قتلى اليمن فهم شهداء؛ لأنهم ماتوا حتف أنفهم، ويفرق بين المعتدي والمُعتدى عليه، فالمُعتدى عليه هم الشعب المغلوب على أمره المسكين الذين أعادوه لحقبة ما قبل التاريخ في اليمن، وهم الشهداء عند الله، بإذن الله.. أما البغاة المحاربون من الإمارات والسعودية وما يسمى بالتحالف، قتلاهم بغاة، أنا أقولها لكم وسجّلوها فتوى من الأزهر ومني أنا شخصياً: قتلى ما يسمى بالتحالف العربي في اليمن بغاة وفي النار بإخبار من سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وبإقرار الحديث “إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار”…”

بهذه المفردات الموهمة بالفقه، وبهذه اللغة التي يعتبرها أنصاف المثقفين فقهية، وبهذا البناء المهترئ، وبتلك المجافاة للواقع وعدم إدراكه.. تتعامل عمامة أزهرية احترفت الحديث للإعلام وأدركت ما يريد..

وهنا لا بد وأن ندرك سياق الفتوى الزماني.. فقد جاءت في فترة القطيعة بين المملكة ومصر سياسيا من ناحية، وعقب الغضب السعودي من مؤتمر الشيشان ومن مشاركة الأزهر فيه، فالرجل إذن يعزف على وتر العداء، فلا مانع من أن يلعب بالفتوى في تلك المساحة.. خاصة وللرجل ميول إيرانية لا ينكرها هو..

السياحة والحب

هي سياسة أيضا.. لكنها من منظور آخر، تلعب الفتوى في تلك المساحة لتكون ظهيرا لحالة النفير العام التي تعلنها بعض الأنظمة حينما تقع أو يظن البعض أنها تقع.

مفتي الديار المصرية السابق الشيخ علي جمعة كان قد “أفتى” في العام 2011 بجواز سياحة العري، ثم أعاد الفتوى مرة أخرى ببرنامجه “والله أعلم”

استعادة الفتوى مرة أخرى جاءت في سياق زماني له دلالته، حيث سقطت الطائرة الروسية على الأراضي المصرية إثر تفجيرها، وبالتالي تم ضرب السياحة مما أثر سلبا على الاقتصاد القومي وبالتبعية على سمعة النظام القائم..

المهم أن فضيلة المفتي السابق تعامل مع الموضوع على أنه “تيك أواي” فاكتفى بأن قال “إن الناس كانوا يطوفون بالكعبة عرايا والنبي صلى الله عليه وسلم موجود”

هكذا بدون أن يبين هل كان النبي يحكم في مكة وقتها أم كان مستضعفا مضطهدا هو وأصحابه لا يملك قرارا ولا حكمًا، وأيضا دون أن يوضح بناء فتواه منهجيا حتى يقتنع بها المتلقي!!

وبالطريقة ذاتها تعامل الداعية الشيخ الحبيب علي الجفري مع الأمر، حيث أفتى في لقاء مفتوح بطلبة إحدى الجامعات أن الزواج العرفي بين الطلاب حلال بشرط وجود شاهدين..

وهذه “الفتوى” تحديدا تحتاج لوقفة في جانبين:

الأول: هو عدم إدراكها للسياق المكاني أو الزماني الذي تتحرك فيه، فهو بين طلاب جامعات لا ينتظرون فتوى تبيح لهم هذا النوع من الزواج الذي بان فساده ونتجت عنه مآسي كثيرة، فضلا عن عدم إدراكها أيضا لمجمل آراء الجمهور في هذا الشأن بعيدا عن اختلافات من خالفهم.

أما الثاني: فهو وقفة لمحاولة فهم طبيعة الأدوار المختلفة التي ينبغي التفريق بينها!

بمعنى أن هناك فرقا بين الداعية والواعظ وبين الفقيه والمفتي بعيدا حتى عن الفروق الدقيقة بين مناصب الفقيه والمفتي والقاضي..

الداعية شخص يمتلك أسلوبا قادرا ببعض من الثقافة الدينية أن يجذب الناس إلى محاسن الأخلاق وإلى روح الإسلام، أما الفقيه أو المفتي فذاك شأن آخر له مؤهلات أخرى، ليس من بينها العمامة او عذبة أو الغطرة أو التحدث بالفصحى أو حفظ بعض الأشعار والقصص المؤثرة!

وهو نوع من الخلط كذلك وقع فيه بعض الدعاة والوعاظ متأثرين بجماهيريتهم ومنبهرين بالأضواء التي أنزلتهم مكانا تخيلوا أنهم جديرون به..

على أية حال يبقى الخلط هو سيد الموقف في الخطاب الإفتائي بالعام 2016، ويبدو أيضا أنه سيظل هكذا حتى يدرك أطراف العملية كلها الفروق بين مفردات العملية ومصطلحاتها، مع فهم وإدراك سياقات الحركة داخل المجال العام بعيدا عن المصالح السياسية أو الأيديولوجية أو الشخصية..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى