مقالاتمقالات المنتدى

غـــ. زة وإشكالية العقيدة

قراءة في تصريحات الشيخ عثمان الخميس

غزة وإشكالية العقيدة

قراءة في تصريحات الشيخ عثمان الخميس

 

بقلم الشيخ محمد بن محمد الأسطل ( خاص بالمنتدى

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد:

فمنذ أن فازت حركة حماس في الانتخابات البرلمانية سنة 2006 وآلت تفاعلات الأحداث إلى نسجها لعلاقةٍ مع إيران فقد طفت على السطح مسألة حكم هذه العلاقة شرعًا، وشيئًا فشيئًا تحولت القضية من مسألة عابرة إلى قضية كبرى فرضت نفسها في المجالس ووسائل التواصل وصارت محل أخذٍ وردٍّ ولغطٍ وجدل.

وهذه المسألة حضرت داخل غزة وخارجها، من المجاهدين وغيرهم، لكنها في غزة كانت تركز على الجانب الفقهي الذي يدور حول حكم التحالف مع الرافضة والاستفادة العسكرية منهم، بينما خارج غزة كانت تتركز على الإشكالية العقدية لدى حركة حماس بهذه العلاقة مع إيران، وكان كثيرٌ من أبناء الأمة يقولون: إن حركة حماس بجناحها العسكري الضارب كتائب القسام حركةٌ مجاهدةٌ قامت لله قومةً عظيمة لكن الإشكالية هي في العقيدة، وإن العقيدة خطٌّ أحمر لا تُقبل فيها المداهنة ولا المجاملة.

وهذه الإشكالية سببها أمران: العلاقة مع إيران كما تسطر، وأن حركة حماس فرعٌ عن جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي فإنَّ الإشكالات التي تُنسب لجماعة الإخوان ستُنسب إليها، ومن ثم فإن خصوم جماعة الإخوان يمكن أن يكونوا خصومًا لحركة حماس بشكل تلقائي، وبعضهم يفرق بين الجماعتين.

وهذه الإشكالية تطفو على السطح كلما قام لها باعث، والباعث هذه المرة يتمثل في مقطع انتشر للشيخ عثمان الخميس يتناول فيه حركة حماس ويعدها فرقةً منحرفةً ضالة بسبب علاقتها مع إيران يقول فيه:

حركة حماس فرقةٌ سياسيةٌ منحرفة، سلكت طريقًا سيئًا، وهي فرقةٌ حزبية، ألقت نفسها في أحضان إيران، وإن الناس يخلطون بين حركة حماس وأهل فلسطين فيرون أخطاء حماس ويوقعونها على أهل فلسطين وهذا خطأ، وإذا انتهت الحرب فيمكن أن أسعى في تخريب هذه الجماعة لأنها مُفسِدةٌ وسيئةٌ جدًّا، ولكن لكلِّ حادثٍ حديث. ا. هـ.

وعلى إثر هذا المقطع ثارت الأصوات ضد الشيخ، خاصة أن التوقيت جاء ونحن خارجون من معركة طوفان الأقصى التي يمكن أن تندلع ثانيةً في أي لحظة، والتي استمرت أكثر من 15 شهرًا، ويسر الله للمجاهدين فيها ثباتًا أسطوريًّا عظيمًا، وإثخانًا هائلًا في أعداء الله الصهاينة، وهناك عشرات المقاطع التي وثَّقت جزءًا مما كان يجري على الأرض، وما جرى أضعافه مما أرجو الله أن ييسر للمجاهدين إخراجه للناس.

فالسياق يجعل حركة حماس بجناحها العسكري كتائب القسام على إمامةٍ عظيمةٍ، وكلام الشيخ جاء في هذه الأجواء، ولست أدري السياق الذي دفع الشيخ للكلام بذلك.

وعلى إثر الضجة التي حصلت خرج الشيخ في مقطعٍ آخر يعتذر عما صدر عنه من نية السعي لتخريب الحركة، ولكنه أكد أنها حركةٌ منحرفة ضالة، وأن لديها أخطاء كثيرة جدًّا في العقيدة، منها أخطاء في الولاء والبراء، ولكن نبَّه على أن كونها حركة ضالة لا يعني أنها حركة كافرة.

ومن ثم حصل التفاعل من جديد مع تصريحات الشيخ بسبب ما أوتي من شهرة دعوية.

ولم أنشط للتعقيب على كلامه لعدة أسبابٍ منها:

– أن قناعتي أن الردود قليلة الجدوى وأنه ينبغي تضييق دائرتها قدر الإمكان؛ وذلك أني لا أراها تنتج علمًا أو تبني فكرًا على ما آلت إليه أخلاق كثيرٍ من أهل العصر، بخلاف الحال في زمن الأئمة حيث كانت المناقشات ينبوعًا من ينابيع الفقه والحكمة كما أشرت إليه في كتاب “قصة المذهب الشافعي“، وعلى امتداد عمري لا أذكر أني رأيت شخصًا تحول من موقفه للموقف الآخر نتيجة النقاش على هذا النحو، ولهذا صرت في دخول أي نقاش وفي الانتصار فيه من الزاهدين.

– أن الكلام هنا صدر عن شيخ يعمل لدين الله على الأرض وليس بمجرد القول، فمعروفٌ أن الشيخ هو داعيةٌ سلفي، له عنايةٌ كبيرة بالرد على الشيعة، وله عدة كتابات في ذلك، وأنا شخصيًّا قرأت كتابًا له وهو كتاب: “حقبة من التاريخ” وعقدت له مَجلِسَي مذاكرة في عددٍ من طلبة العلم وذلك قبل عدة سنوات، ولست أحب الدخول في ردٍّ عمن هذا حاله.

– أننا في شهر كريمٍ هو شهر رمضان ورمضان لا يتسع لغيره بما فيه من أورادٍ وأعمالٍ فيها مشغلةٌ عن مثل هذا.

– أن الكلمات التي صدرت عن الشيخ هي كلمات تفتح الباب على قضايا كبار تعد أصولًا ومنطلقات لبناء الرؤية في المساحة التي طرقها، وكثيرٌ منها اليوم محل أخذ ورد، ولهذا تحتاج إلى بيانٍ ممتدٍّ ليكون المشهد واضحًا، ولست أبالغ إن قلت: إن بعض هذا القضايا تحتاج إلى خمسين صفحة أو يزيد ليُزاح عنها الغبش، فكيف إذا اجتمعت منها بضع قضايا في مقامٍ واحد!

ومن تقدير الله أنَّ بعض هذه الأصول والمنطلقات لي فيها كتابةٌ مُفردةٌ داخل كتابات لم تصدر بعد، وبعضها استغرق بيانه أكثر من مائة صفحة، وذِكْرُ الخلاصة في أسطرٍ قليلة من غير حجةٍ تُشفَع بها قد يجعلها مقدمةً غير متفقٍ عليها عند المتلقي، ومن المعلوم في باب الحجاج أنه لا بد من الاتفاق في المدخلات للتسليم بالنتائج والمُخرجات، وهذا لا مجال له بحالٍ في مقالةٍ خاطفةٍ كهذه.

ولهذا فإنَّ كلمة الشيخ تشبه كلمة الزواج وبناء البيت بالنسبة للشاب، فهما كلمتان ولكن تحتهما عشرات التفاصيل.

– الانشغال الشديد بما هو أهم، لا سيما أن الساحة الغزية عقب المعركة فيها العشرات أو المئات من القضايا العاجلة التي تجعل الواحد من أهل البلد في استنفارٍ دائمٍ لا يلتفت لمثل هذا.

وإذا انتقلنا للفضاء الإسلامي العام فإنَّ من استحضر مشكلات الأمة علم أنَّ كثيرًا من الذين أولعوا بالردود والدخول في المناقشات قد أنفقوا أوقاتًا غاليةً في معارك ما كانت تستحق معشار الأوقات المبذولة فيها، ومما يؤسف له أن كثيرًا من المساحات التي لا زالت ثغورًا شاغرةً قد سدَّها الأعداء في جانبهم في الوقت الذي كنا فيه نائمين، وحين بدأنا في الاستيقاظ كنا متخاصمين متجادلين إلا من رحم الله.

ولكني بعد كثير ترددٍ رأيت أن أدلي بدلوي لأمرين:

الأول: أنني من الأشخاص الذين كانت لهم كتاباتٌ ناقدةٌ لبعض التصريحات الصادرة عن قيادات في حماس بخصوص إيران في مراحل سابقة، ومن الإنصاف أن أدافع عنهم حين يُظلمون كما كنت أنتقدهم حين يُخطئون، خاصة في هذه اللحظة وهم قد خرجوا من المعركة وقد ضحوا بأكثر قيادات الصف الأول وكثيرٍ جدًّا من قيادات الصف الثاني وبآلاف المجاهدين، فالسياق الذي جاءت فيه كلمات الشيخ يجعل الإنسان يمتلأ حياءً من ترك نصرتهم، على أن كثيرًا منهم الآن ما أحسبهم يتابعون ما يجري؛ فمن نحو أسبوعين دخل كثيرٌ من المجاهدين في الأنفاق والتزموا العُقَد القتالية تحسبًا لاندلاع المعركة من جديد، واحتياطًا من أي غدرٍ مفاجئ من العدو.

 

الثاني: أن أَشُدَّ الأنظار إلى عددٍ من الأصول والمنطلقات التي أفرزت هذا التصور، فرأي الشيخ في حركة حماس بالمدح أو القدح أمرٌ لا يهم، فهي كسائر الجماعات التي يختلف الناس حولها، وتعرف منها وتنكر، ولا أعرف جماعةً قد آوت الحق كله، لكن كلام الشيخ كشف عن خللٍ في عددٍ من موازين النظر الشرعية والواقعية، مما يعني أن الإشكال يرجع للنظَّارة التي يلبسها الشيخ والتي أرته ما تكلم به، وهذا هو بيت القصيد في هذه المقالة، وهو الأمر الذي يقع في دائرة العناية لدى طلبة العلم والدعاة والمهتمين.

 

وقبل بدء الكلام عن ذلك أحب أن أذكر منهجي في التعامل مع الجماعات الإسلامية وما لها وما عليها فأقول:

الجماعات الإسلامية جزءٌ من الأمة، ولحظة تأسيسها تُنبئ بهدفها؛ فهي نشأت عقب سقوط الخلافة العثمانية مباشرة وذلك لسد الفراغ السياسي الذي خلَّفه السقوط، وللتصدي لحملة التغريب التي قادتها بريطانيا وفرنسا في ذلك الوقت، ومن ثم فإنَّ كلَّ جماعةٍ من الجماعات الكبار التزمت ثغرًا اجتهدت في سدِّه، وسيأتي مزيد طرقٍ لهذا بعد قليلٍ إن شاء الله.

وإنَّ الحق قد اجتمع في شخص النبي r حصرًا وتوزَّع في أمته نثرًا، وعلى هذا؛ فإني أنصر كل جماعة فيما أحسنت، وآمر وأنهى فيما أساءت بعد التثبت، مع توسيع دائرة الإعذار للمسلمين على منهج أهل السنة الذي عبَّر عنه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: “وأهل السنة والعلم والإيمان يعلمون الحق ويرحمون الخلق؛ يتبعون الرسول r فلا يبتدعون، ومن اجتهد فأخطأ خطأ يعذره فيه الرسول r عذروه..”([1]).

ومنهجي أني حين أنقد أحدًا من بلدٍ أو جماعةٍ أو هيئةٍ أو شخصٍ فكأنما أنقد أبي أو أمي أو أخي أو أختي أو أحدًا من مشايخي أو أرحامي، فهمومنا التي نتعاتب فيها هي هموم البيت الواحد، فالنقد المنهجي إنما هو بدافع الحب وتمام الحرص، وهو مندرجٌ في جملة النصح الواجب للمسلمين، وفي الصحيحين عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ r عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فَلَقَّنَنِي “فِيمَا اسْتَطَعْتُ” وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ”([2]).

وأنطلق من ذلك من أني ابن الأمة، ولا أقول هذا توسعًا في اللفظ فرارًا من قنطرة التصنيف التي شغف بها أهل الزمان؛ بل أقول هذا ديانةً وتعبدًا، وألتزمه في كتاباتي وخطبي ودروسي ومجالسي، وآخذ من كل جماعةٍ ما صفا وأدع ما كدر، سواء من السلفيين أو الإخوان أو التبليغيين أو الصوفية وغيرهم.

ومذهبي: طريقة أهل الحديث في المعتقد، والمذهب الشافعي في الفقه، وما أبحثه من المسائل ويخرج لي فيه ترجيحٌ لمذهبٍ آخر فإني أتبعه وأفتي به، وقد انتفعت من التخصص في قسم الفقه المقارن من فقه السلف في التعامل مع مختلف الأقوال.

وبهذا الذي تسطَّر أعامل الجماعات الإسلامية بما فيها حركة حماس، فأنصرها في كل المواقع الكريمة التي تخوضها، وأخالفها حين تزل.

وبخصوص مسألة التعامل مع إيران لي عدة كتابات متفرقة لعلَّ أشملها رسالة: “بين حماس وإيران.. قراءةٌ نقديةٌ في إدارة العلاقة القائمة” فانظرها إن شئت.

وطريقتي: الوضوح التام في العرض واقتحام المواطن المخوفة مع التزام الأدب والحجة كما بينته في سلسلة “سياسة الخطاب” عند الكلام عن فقه تناول المسائل السياسية الشائكة، والسلسلة منشورة عبر اليوتيوب، ومتى التزمتُ بذلك لم أكترث بعد ذلك بلومة لائم أو شتيمة شاتم.

وهذا الذي أقرره في حق الجماعات أقرره في حق الشيخ عثمان الخميس؛ فحين أتناول ما قال وأعقب عليه فهو نظير ما يكون بين أبناء البيت الواحد.

 

والآن إلى الدخول في صُلب الموضوع، وأجعل الكلام أولًا عن عقيدة غزة وعقيدة حماس، ثم أستعرض أبرز الموازين التي حصل الخلل بعدم ضبطها، وذلك كما يلي:

 

بين عقيدة غزة وعقيدة حماس:

الحق أن أهل غزة بشكلٍ عام بمختلف أصنافهم وتوجهاتهم ومكوناتهم على عقيدة السلف، وتحديدًا على طريقة أهل الحديث وما كان عليه أبو عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله، وهو ما كان عليه الجيل الأول.

ويمكن أن تجد بعض الأفراد أو التكتلات الخفيفة على أفكارٍ مخالفة لكنهم لا يمثلون تيارات، وليسوا حاضرين في المشهد.

ولعل من أسباب ذلك: أنَّ قطاع غزة محدود المساحة؛ فهو كقريةٍ في أي دولة، فلا يوجد تباعدٌ وامتدادٌ في البقعة يحمل على اختلاف الثقافات والأفكار.

ثم إنَّ الجامعة الأشهر التي تعد كالبوابة في نشر الأفكار العقدية هي الجامعة الإسلامية، وهي على مذهب أهل الحديث، والسواد الأعظم من مشايخ البلد وطلبة العلم والدعاة يتخرجون منها، وهذا ورَّث اتفاقًا في المشرب العقدي، وأما في المنهج الإصلاحي فكلٌّ بحسب موقفه وجماعته.

وبما تقرر فلا يصبح هناك فرقٌ بين الكلام عن عقيدة أهل غزة وعقيدة حركة حماس، وهذا الأمر لما فات الشيخ عثمان الخميس ألجأه ذلك إلى التفريق، وهذا التفريق ليس بصحيح.

وحين قيل له: إن هناك أحد المجاهدين يقول: إنهم يدرسون الواسطية والطحاوية رد بأنَّ هذا يتكلم عن نفسه ولا يتناول أهل غزة، وهذا من عدم الإلمام بطبيعة الحال في غزة، ولا يبعد أن يكون سمع هذا من بعض خصوم الحركة الذين صورا له غير ذلك.

ولا أدري هل خطر بباله كيف سيستقبل أهل غزة كلامه أو لا، وسبحان الله! هذا ينبيك أنَّ مشهور بلدٍ حدَّ العامة قد يكون مجهول قومٍ آخرين حدَّ الخاصة.

ومن هنا يمكن القول:

إن حركة حماس حركةٌ سنيةٌ مجاهدة، وهي كسائر الجماعات الإسلامية التي نشأت في ظروفٍ معينةٍ حملت على المقاومة والإصلاح والدعوة، وهي ليست فرقةً عقدية ولهذا يتصور أن تجد في أتباعها السلفي والأشعري والصوفي، وليست مذهبًا فقهيًّا ولهذا يتصور أن تجد في أتباعها الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي.

ثم إنَّ الملاحظ في سلوك أكثر مشايخ حركة حماس عدم التشنج في التعامل مع المخالف كالأشاعرة مثلًا، فيرونهم من أهل السنة وإن خالفوا في بعض المسائل، وأن أئمتهم من أئمة المسلمين الذين حفظ الله بهم الدين، ويمكن أن تجد كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب تُدرَّس في غزة ولكن من غير التزام طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه في التعامل مع المخالفين بما تتضمنه من حِدَّةٍ وشِدَّة.

وجديرٌ بالتنبيه أن الجامعة الإسلامية تابعةٌ لحركة حماس، فهي من جهة الواقع راعية المنهج السلفي ونشره في الناس، إلى جوار الدروس المنهجية التي يقوم بها مشايخ الحركة من أمثال الشيخ الدكتور صالح الرقب وفقه الله، أو غيرهم من المشايخ السلفيين سواء من السلفية التقليدية أو جمعية ابن باز.

 

ونظرًا لعلاقة الحركة بإيران وتبعيتها لجماعة الإخوان وهي ذات مشارب شتى بحكم القاسم الإصلاحي المشترك.. فقد باتت قضية العقيدة التي تتبناها حركة حماس في غزة تمثل أزمةً وإشكاليةً وكأنها في موضع الاتهام حتى تثبت البراءة.

ولا أحصي عدد المرات التي سمعت فيها من يتناول في مقاطع أو في منشورات مشكلة العقيدة عند حماس، وحين ارتحلت لغير بلدٍ فكان عدد من المشايخ حين يعرفون أني من غزة يبادرون بالسؤال عن عقيدة حماس.

وأذكر أنَّ أحد المشايخ سألني وحين أجبته بأنهم على مذهب أهل الحديث وأن من الكتب التي يدرسونها الواسطية والطحاوية وما تيسر من تراث شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم تفاجأ وكرر السؤال: هل أتباع حركة حماس يقرأون لابن تيمية ويقرأون لابن القيم ويقرأون في الواسطية والطحاوية!

وحين تُجالِسُ من حجَّ أو اعتمر فكثيرًا ما تسمع منهم أنهم حضروا درس الشيخ فلان في المسجد الحرام أو المسجد النبوي ولما عرف أنهم من غزة سألهم عن عقيدة حماس.

فكأن هذا السؤال هو مفتاح التعامل مع الشخص!

وحين نَشِطَت حركة الوفود الزائرة لغزة أيام الرئيس محمد مرسي رحمه الله كانت هذه القضية تحتفظ بموقعها من جدول أعمال كثيرٍ من الوفود، ومما جرى من ذلك:

ما حدثني به الأستاذ حماد الرقب أحد وجهاء حركة حماس قال: جاء وفد يتقدمه أحد العلماء، وطلب زيارةً على المرابطين على الثغور، قال: وكنت معه، فلما تجولنا في عدة محطات وسمع الحديث وإذ به ينتبه للباب العقدي الذي كان يسكن هاجسه فالتفت إلي وهو يقول: غفر الله لكم لماذا لم تخبروننا بحالكم، لقد ظننا أنكم على بدعةٍ وشر، وأن علاقتكم مع إيران صيَّرتكم شيعة!

لقد هاله الفارق بين الواقع وبين ما يُشتهر في الفضاء الإعلامي، فالمذكور دائمًا أن حماس قطعت أشواطًا في التشيع بحكم علاقتها مع إيران، حتى قال لي أحد من سألني عن عقيدة حماس: إن حركة حماس قد قطعت كل شعرةٍ بينها وبين أهل السنة، ثم فوجئ الرجل بأن البلد على السنة حتى النخاع، وليس هناك أرضية لأي بذرةٍ شيعية، والبلاد التي يختلط فيها السنة بالشيعة تتهم هذا البلد السني تمامًا بالتشيع والخلل في البدعة.

 

وأذكر أن من الوفود التي وصلت إلى البلد وفدٌ سعودي، وكان يضم عددًا جيدًا من المشايخ، وحين أعلن عن محاضرات لهم في عددٍ من المساجد ذهبت وحضرت محاضرةً عُقِدت لأحدهم، ثم دُعيت من طرف أحد المشايخ لزيارة استضيف فيها أحد مشايخ الوفد، وأذكر في تلك الزيارة أنه قد تم طرح القضية العقدية وعجب الشيخ يومها من أن كتب محمد بن عبد الوهاب تُدَرَّس في غزة في بعض الدروس والدورات، وقال: نحن في السعودية بدأنا نغادر هذا التوجه للارتباط السلبي بالطريقة الوهابية، فصرنا نعيد إنتاج نفس الأفكار في أثواب جديدة، هكذا أذكر من كلامه.

وبعد اللقاء قلت للشيخ صاحب الدعوة: أتعجب من زيارة بعض المشايخ السعوديين والحالة العامة أنهم مُهاجمون لغزة لا منتصرون لها، وإذ به يفاجئني بالقول: إنَّ هؤلاء المشايخ محبون لغزة، ولكنهم يواجهون مشكلةً كلما تحدثوا عنها أو اجتهدوا في نصرتها أن غزة فاسدة العقيدة، فأحبوا أن يزوروا غزة ليستوثقوا بأنفسهم من قضية العقيدة حتى إذا تكلموا عنها تكلموا كلامَ من رأى وسمع!

 

وأكتفي بهذه الشواهد لأقول: واضحٌ أن من يتهم غزة أو يتهم حركة حماس بالخلل في العقيدة يكتفي بالإجمال بأن هناك مشكلة في العقيدة، كما تحدث الشيخ عثمان الخميس بأن حركة حماس عندها أخطاء كثيرة جدًّا في العقيدة، ولكن من الصعب أن يدخل في التفاصيل.

 

وأحب أن أشير إلى أن بعض الإخوة من أبناء حركة حماس صاروا يتخذون من هذه القضية (نكشة راس)!

ومن المواقف في ذلك:

ما حدثني به أحدهم أنه اعتمر وهناك حضر درسًا لأحد العلماء في المسجد الحرام، فقال له بعد المحاضرة: ما رأيك في عقيدة حماس؟!

قال: عندهم بدعة.

قلت: وما هي؟

قال: في مسألة الاستواء.

قلت: أنا أدرس عندهم في الجامعة الإسلامية والذين تلقيته عنهم ما قاله الإمام مالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.

قال: إذن هم سلفيون!

وقال لي آخر: اعتمرت مرة والتقيت بأخ سلفي من الأردن وفي صحن الحرم التقينا ولما ذكر أحد الإخوة أني من غزة التفت إليَّ وقال: إياك أن تكون من حماس.

قال: فقلت له متفكهًا: وهل تتوقع أن هناك شخصًا من غزة ليس من حركة حماس!

فقال: عندهم مشكلة في العقيدة.

فقلت: إنني معدودٌ في مشايخهم وأنا أدرس العقيدة عندهم فأخبرني ما المشكلة عندهم؟

فقال: ماذا تدرسون من الكتب؟

فقلت: العقيدة الواسطية والعقيدة الطحاوية، وأحيانًا معارج القبول.

فقال: إذن أنتم سلفيون بخلاف الإخوان في الأردن فإنهم مبتدعة!

 

الموازين المختلة:

لقد كشفت كلمات الشيخ عثمان الخميس عن جملةٍ من مواضع الخلل في الرؤية، والتي تعني أن مكمن الإشكال هو في موازين النظر، وهنا أذكر ستةً من الموازين التي تطرق إليها الخلل كما يلي:

 

الخلل الأول: الخلط بين أحكام العقيدة والفقه:

حين ذكر الشيخ عثمان الخميس انحراف الحركة وضلالها أتبع ذلك بأنها قد ارتمت في أحضان إيران، وذلك كالعلامة على الانحراف والضلال.

وإن الأحكام الشرعية المتعلقة بالرافضة لها وجهان: وجهٌ عقدي ووجه فقهي.

– أما الوجه العقدي فمن أهم ما فيه ما يبحثه علماء العقيدة في باب الأسماء والأحكام حين الكلام عن البدعة والمبتدعة كالخوارج والمرجئة والجهمية والمعتزلة، فهنا يتكلمون عن الرافضة، وينسحب عليهم ما يتقرر في حكم الفرق البدعية وفقه التعامل معهم.

– وأما الوجه الفقهي فهو الذي يبحثه علماء الفقه وذلك بحسب الباب الذي تنتسب إليه المسألة، كمسألة حكم الصلاة خلف الرافضي وحكم تعزيته، ومنه ما يُذكر في أبواب الفقه السياسي الشرعي المعروف بفقه السياسة الشرعية من مثل حكم الاستفادة منهم وشكرهم وعقد التحالفات معهم، وهذا الموضوع يستحق أن يُفرد برسالةٍ علميةٍ بعنوان: “الأحكام الفقهية المتعلقة بالرافضة“، وشرطُ حُسنِ الكتابة فيه ضبطُ الوجهِ العقدي.

وظاهرٌ أن علاقة حركة حماس بإيران آتيةٌ في الوجه الفقهي؛ فالعلاقة منحصرةٌ في التعاون العسكري والذي تناولت مصلحة كل طرفٍ فيه في رسالة: “بين حماس وإيران” فأحيل عليها إيجازًا.

والأصل في الاستفادة منهم والتحالف معهم الجواز، وقد فعل النبي r هذا مع الكفار الأصليين المتفق على كفرهم؛ فقد دخل في حماية بني هاشم، وفي جوار المطعم بن عدي، فهل يصح أن يقال هنا: إن النبي r قد ارتمى في أحضان المشركين وعُبَّاد الأصنام؟!

ومن أدلة جواز التحالف: ما روى البيهقي عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: “لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ وَلَوِ أُدْعَى بِهِ فِي الإِسْلاَمِ لأَجَبْتُ([3]).

وجواز ذلك مع المبتدعة هو من باب أولى، والكلام في ذلك طويلٌ ممتدٌّ لا تكفيه هذه الإشارة، ولهذا فالكلام عند الفقهاء هو عند ضوابط وشروط تضبط هذه العملية، ومن الكتب التي يمكن أن تطلع عليها في هذا الباب: “الأحلاف العسكرية والسياسية المعاصرة والآثار المترتبة عليها.. دراسةٌ فقهيةٌ مقارنة” للدكتور هشام برغش وفقه الله.

والصورة التي عليها حماس أشد وضوحًا في الجواز؛ لأنَّ قطاع غزة يعاني من عقدة الجغرافيا المتمثلة في سهولة إطباق الحصار عليه لعدم وجود أي منفذ سوى معبر رفح والنظام المصري مُوالٍ للكيان الصهيوني الذي يُحكم القبضة على الجهات الثلاث الأخرى.

فالكلام عندنا في كثيرٍ من الأحيان عن ضرورةٍ وليس عن مجرد حاجةٍ ماسة، والأنظمة العربية قد ارتمت في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، فالشدة هي الحالة المعتادة منذ نحو عقدين من الزمان.

ورغم بداهة جواز التحالفات في مثل هذه الحالة إلا أن الإنسان لا ينقضي عجبه من ذهول بعض الأكابر عنها، خاصة أن ذلك من الأمر المستفيض في السيرة النبوية في المرحلتين المكية والمدنية.

والمهم هنا أن علاقة حماس بإيران لم تتسلل إلى الباب العقدي أو السياق الاجتماعي عند أهل غزة؛ بل إنهم على السنة الخالصة بفضل الله.

ولهذا يمكن القول: إنَّ الشريعة متسعة وأفهام الناس ضيقة، وكأن بعض الناس يعجبه أن يموت الناس من الجوع وأن يُقتلوا ليجد له في خطاب التعازي حينها سلوى.

هذا مع العلم بأنَّ حركة حماس تستفيد من إيران عسكريًّا، أما أمر معاش الناس فهذا شيءٌ آخر.

وها هي المجاعة قد اشتدت بالناس في الحرب كل شدة ومع ذلك لم يخرج صوتٌ واحد يطلب من إيران دعمًا من أجل الطعام والشراب، ولكن الطلب يقتصر لمصلحة القتال والدفاع عن البلد من بطش العدو.

ولو أن حركة حماس طلبت من إيران الدعم للإغاثة أو كانت تطلب في السرِّ لما كانت ملومة، خاصة أن الشدة قد بلغت بالناس مبلغًا عظيمًا، وأكتفي بمثالٍ واحدٍ من ذلك:

بعد بدء التهدئة ووقف إطلاق النار اتصلت بدكتور درسني وهو من سكان مدينة غزة لأطمأن عليه فسألته عن الحرب وعما أصابه فكان مما قال لي: لقد نزحت من مكاني 41 مرة!! ولقد أكلت علف الحيوانات، والله المستعان.

 

ثم ها هنا تنبيهٌ مهم:

إنَّ كلام الشيخ عثمان الخميس متفهمٌ قبل عشر سنوات مثلًا حين كانت علاقة حماس بإيران في سنواتها الأولى، ويمكن لحماس أن تُفتتن وأن تأخذ بالناس إلى التشيع تحت تأثير الإحسان، لكن الكلام الآن بعد نحو عشرين سنة، فما زال أهل غزة على السنة الخالصة بمن فيهم أبناء حركة حماس وأفراد كتائب القسام، وهذا إيذانٌ بأنَّ العلاقة لم تتجاوز التعاون العسكري.

وحتى هذا الباب العسكري فقد جاءت معركة طوفان الأقصى لتثبت أنه يقوم على الاستفادة لا على التبعية؛ حيث إن حركة حماس لم تُعطِ سرَّ المعركة لإيران ولا لحزب الله، فيمكن أن يكون لديهم علمٌ قديمٌ بنية الهجوم يومًا ما، لكن التوقيت كان مجهولًا، ولهذا كانت إيران غاضبةً من تفرد حركة حماس بقرار المعركة التي ستضطر هي لدخولها بعد ترتيبها لأمر المحور الذي أرادت أن يكون رافعًا لها ولمشروعها في المنطقة، لينتهي المشهد بخسارتها لثلث جغرافية المحور بعد انسحاب حزب الله وانتصار الثورة السورية.

وبلغةٍ أخرى؛ فإن حماس هي التي ورطت إيران فاستفادت منها أكثر مما استفادته إيران منها.

 

الخلل الثاني: تضييق نطاق مصطلح العقيدة:

لو جئنا إلى مصطلح “العقيدة” لوجدناه يتضمن أركان الإيمان الستة بالإضافة إلى عددٍ من الموضوعات أهمها: حقيقة الإيمان والكفر وباب الأسماء والأحكام والولاء والبراء والتسليم والخضوع للوحي، والموقف من الصحابة y والإمامة وما يتعلق بها وكذا الولاية والكرامة والأخلاق والسلوك وما تتميز به الأمة.

وعلى هذا العموم فمما يدخل في العقيدة:

– بيت المقدس وما يلزم إزاءه، فالمسجد الأقصى بذلك جزءٌ من عقيدة المسلمين نظير المسجد الحرام والمسجد النبوي.

– نصرة المسلمين من أبناء الأمة في كل مكان، فنحن أهل السنة و (الجماعة)، فالمسلمون أنفسهم جزءٌ من التعظيم في مقررات العقيدة، ولهذا يلزم نصرتهم، وهذه النصرة من ثمرات الولاء والبراء.

وتتأكد النصرة في معركة طوفان الأقصى؛ لأن إيران وأذرعها دخلوا على خط المعركة، وقدموا كثيرًا من قادتهم بما يجلب الافتتان في شباب الأمة حين يرون الشيعة ينتصرون لغزة بينهما الأنظمة تخذلها بل وتشارك في حصارها وقتلها.

– الجهاد خلف البر والفاجر؛ لأنَّ الجهاد هو الحزام الذي يُحفظ به الأنام وتُحرس به شعائر الإسلام، فهو من موجبات حفظ الملة والأمة، وبهذا يكون من مقتضيات العقيدة أن يكون الرجل مُنظِّرًا للجهاد داعيًا إلى منازلة الكفار، ومناوأة الأنظمة وكيلة الاستعمار التي تحكم الشعوب اليوم بقبضةٍ من حديد، والتي تشكل جزءًا كبيرًا من حصار غزة وتجويع أهلها، وهي التي ارتمت في أحضان اليهود والنصارى.

– عقيدة الأجل والرزق التي من ثمراتها صدح الإنسان بالحق دون أن يُبالي بالتبعات التي يدفعها في ذلك.

فأن يُذهل عن صرح العقيدة الممتد ولا يُذكر منه إلا ما يتعلق بالبدعيات فهذا قصور، وإذا كان النصح من الواجب الذي تقتضيه العقيدة فإن النصرة من الواجب الذي تقتضيه العقيدة أيضًا، ولكن الشعوب المستضعفة لا تملك الحضور القوي والمنابر التي تفرض نفسها من خلالها في الفضاء الاجتماعي، ومع ذلك فقد بارك الله في غزة ومجاهديها وجعل لجهدهم وجهادهم البركةَ وجزءًا كريمًا من التأثير.

ومع ذلك؛ فإن غزة لم تغادر مربع الجواز الشرعي ولله الحمد.

فالشيخ عثمان الخميس كان يثني على المجاهدين بينما يستنكر متعلقات العقيدة، وأرى أن أهم ما يميز غزة ومجاهديها هو جانب العقيدة، ولكن الصورة التي تُرسم عن العقيدة في الأذهان أضيق من الصورة التي عليها العقيدة في نفس الأمر.

فما الذي ثبَّت المجاهدين وسط آلاف الأطنان من المتفجرات التي كانت تنزل على مدار الساعة في قصفٍ بركانيٍّ مجنونٍ لم يتوقف يومًا واحدًا على مدار أكثر من خمسة عشر شهرًا؟!

وما الذي ثبَّت المجاهدين الذين دخل كثيرٌ منهم الأنفاق والعقد القتالية ولم يخرجوا منها حتى كتابة هذه السطور إلا بعض الساعات أو الأيام؟!

وما الذي يُخرِجُ المجاهدَ حافي القدمين من وسط الركام ليزرع العبوة في جسم الدبابة التي تبلغ مساحتها مساحة بيت صغير وسط الطائرات والدبابات والجنود والأهوال العظام؟!

ثم ما الذي ألهم المجاهدين كلما خرج واحدٌ منهم لتنفيذ عملية أو قذف دبابة أن يتلو قول الله: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} على غير ترتيبٍ بينهم ولا تنسيق؟!

إن أفصح الناس اليوم لن يجد جوابًا عن ذلك كله سوى (العقيدة)!

إن قوة غزة في عقيدتها.

ولقد رأى الناس مشهد يحيى السنوار أبي إبراهيم رحمه الله فمن الذي وفَّق وهدى لهذه الخاتمة الفاخرة؟! ومن الذي ثبَّته ليكون في قلب أرض المعركة ويبقى يقاتل حتى الرمق الأخير وهو قائد حركة حماس الأول؟!

حدثني أحد الذين كانوا معه في المعركة أنه كان يلتزم التهجد الساعة الثالثة كل ليلة، وكان يعتني بأوراده، ويذكر بعض الأدعية تحصينًا للمكان الذي يدخله، وكم نجَّاه الله من مواطن كان القتل فيه شبه حتمي ليدخره الله ليبلغ في قيادة المعركة ما يزيد عن عام كامل.

ومن الأخبار التي تُذكر عنه أن الوفد المصري جاءه مرة ينقل إليه تهديدات العدو الصهيوني له بالاغتيال إذا لم يوافق على كذا وكذا، ولم يكن يقع للوفد إلا أنه يظهر اللين ويبدأ في التوافق على صيغةٍ مناسبة وإذ به يقول لهم: قولوا لهم: إنني جاهزٌ للاغتيال.

أما عن الولاء والبراء فإن مما يحسب لحركة حماس أنها رغم الدعم الإيراني ورغم القطيعة العربية الإسلامية على المستوى الرسمي مستوى الأنظمة إلا أنها لم تقم بأي ردة فعل في لحظة الضغط، بل ما زالت تنتمي لأمتها وتعد نفسها طليعة الأمة في مواجهة الكيان الصهيوني، وهذا من الولاء.

وأما البراء فقد اختارت الطريق الأصعب حين قررت مواجهة الكيان الصهيوني شرطي المنطقة، ثم قررت في هذه المعركة مواجهة النظام العالمي كله في معركة كانت تعلم أنها ستُطحن فيها كل طحن، فأي براءٍ من اليهود والنصارى والمنافقين أبلغ من هذا!

وأما الرافضة فالواقع المشاهد الذي لا تخطئه عين أن أبناء حماس وأبناء القسام يشبه أن يكونوا كلمة إجماع على التبرؤ من عقيدتهم، ومن يتكلم باللين من القول لا يتطرق للمعتقدات الرافضية؛ وإنما يتناول التعامل معهم بحسب الضرورات الواقعية.

على أنَّ مما هو من مقتضى الطبع أن يميل الإنسان لمن يُحسن إليه، ولهذا قلت في رسالة “بين حماس وإيران” ما مفاده: إن من الواجب على قادة الحركة أن يضبطوا تصريحاتهم وقوفًا عند حدود الشرع، وحفظًا للأتباع من الافتتان، وإن من الواجب على مشايخ الحركة ودعاتها أن يديموا بث الوعي لئلا يحصل خدشٌ في المبادئ في ظل الاشتغال بجلب المصالح.

ولهذا أرى أن الكرامة الفاخرة التي من الله بها على أهل البلد هي كرامة العقيدة.

وثمة أمر هو من صميم العقيدة هو أعجب عندي من الثبات طيلة المعركة، وهو جهوزية الليلة الأولى.

فأغمض عينيك أو اسرح بخيالك لتتصور تلك الليلة التي استُدعي فيها أكثر من 1500 مجاهد ليقال لهم: بعد الفجر سيتم اقتحام منطقة غلاف غزة وتدمير فرقة غزة لدى الجيش الصهيوني، والإثخان في العدو وأسر المئات، ثم إنهم يوافقون جميعًا وهم يعلمون أنَّ الخيار الغالب هو الاستشهاد!

كيف يمكن لشخصٍ أن تأخذه من جوف تفاصيل حياته لتقول له: إنك الآن سوف تُقدِمُ على الشهادة، هكذا بدون مقدمات!

هذه هي الكرامة الكبرى والله، وإن في نيتي أن أجالس من تيسرت مجالسته من قادة المجاهدين لأجمع (كواليس) الليلة الأولى، لكني أكتفي هنا بكلمةٍ سمعتها من أحد القيادات المجاهدة قال لي: كل من أرسلنا له ليكون مشاركًا في الهجوم وافق دون أن يتلكأ!

فأي تربيةٍ هذه؟!

هل لهذا جوابٌ سوى العقيدة.

إن العقيدة التي تُدرس في الميدان أبلغ من العقيدة التي يتلقاها المجاهدون في الواسطية والطحاوية.

ولقد حصل في غير موضع أن تُعقد مجالس في صحيح البخاري وغيره في نوبات الحراسة في الثغور، بل كانت دروس العلم تُعقد داخل الأنفاق خلال المعركة كما حدثني بذلك غير واحدٍ مما أرجو الله أن ييسر طرقه والكلام عنه إذا مدَّ الله في الأجل.

 

الخلل الثالث: اختزال مشاكل الأمة في الخلاف مع الرافضة:

معلومٌ أن الشيخ عثمان الخميس معتنٍ بالرد على الرافضة، ولعل هذه المساحة هي الأبرز في جهوده، وهو وإن كان يعلم أن مشكلات الأمة لا تنحصر في هذه الناحية إلا أنَّ التخصص الذي يعطيه الإنسان اهتمامه وعنايته يمكن أن يؤثر في طريقة تفكيره بحيث يسد الأفق أمامه إلا من الناحية التي اعتنى بها.

ولا يخفى أن هناك جبهات أشد اتساعًا من جبهة الرافضة وأهمها الآن ثلاث:

1- جبهة النصارى الذين يقودون العالم ويتحكمون في الشعوب ومقدراتها وثرواتها، وذلك بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وكبرى الدول الأوروبية.

2- جبهة اليهود، وتحديدًا المشروع الصهيوني القائم في فلسطين متمثلًا في الكيان الصهيوني الذي يمثل شرطي المنطقة والإقليم.

3- الأنظمة العربية والإسلامية وكيلة الاستعمار الغربي، والتي ما زالت تُحكم القبضة على الشعوب وتمنع من تحرر الأمة.

ومن تقدير الله وتشريفه لأهل غزة أنهم يقاتلون الآن الجبهات الثلاث مجتمعة، مع ما هم عليه من الضعف وشدة الفاقة والحاجة، ورغم استنادهم لأمةٍ عظيمةٍ إلا أنَّ الأمة مكبلةٌ بفعل الأنظمة لا تستطيع أن تنصرهم بالسلاح وغيره من الحوائج العسكرية.

فحين يأتي الشيخ إلى معركة تحضر فيها الجبهات كافة ثم لا يشده منها إلا جانب التحالف مع إيران الذي هو على ما عرفت من الجواز في الأصل.. فهذا قصورٌ واجتزاء.

وقد حضرت له مقطعًا يتكلم فيه عن السعودية وكان يدعو فيه لها ولقادتها بالخير، ويذكر أنها منارة العالم الإسلامي ودار التوحيد دون أن يقول: إنهم يرتمون في أحضان اليهود الذين يقولون في الله كذا وكذا، وإنهم يرتمون في أحضان النصارى الذين يقولون في عيسى u كذا وكذا، ودون أن يشير إلى علاقتهم مع إيران التي انفتحت من أمدٍ غير بعيد، ودون أن يشير إلى السقوط الخُلُقي القيمي المتتابع في المملكة والذي تناولته في مقالٍ مفرد بعنوان: “السقوط العلني للنظام السعودي يفتح على الأمة أبواب عمل فأعدوا واستعدوا“.

ومع ذلك فإنَّه من السهل جدًّا أن يُسوِّغ علاقة السعودية بالولايات المتحدة والكيان الصهيوني وإيران بأنها من باب المصالح، وعندها فما الفرق بينهم وبين حماس في ذلك؟ وهل يعقل أن تكون الدول الغنية القوية لها مصالح ويجوز لها نسج العلاقات لأجلها ثم لا يكون هذا لحركةٍ محاصرةٍ مستضعفةٍ لا تجد ما تقيته لأبنائها وشعبها؟!

 

الخلل الرابع: تكييف الجماعات الإسلامية:

ذكر الشيخ عثمان الخميس في سياق الكلام عن انحراف الحركة أنها حركةٌ حزبية؛ ولعل ذلك جريٌ على المشهور من أن الأحزاب لا تجوز لكونها سببًا في تفرق المسلمين والبعد عن جماعتهم.

وهذه مسألةٌ ذكرتها بقدرٍ من البيان في كتاب “عدة الفقيه” فأحيل عليه، وأذكر هنا خلاصةً أرجو ألا تكون مخلةً من شدة ضغطها فأقول:

لما سقطت الخلافة الإسلامية العثمانية سقوطًا نهائيًّا سنة 1924 مع ما سبق ذلك من اتفاقية سايكس بيكو وتقسيم بلاد الأمة على بريطانيا وفرنسا حصل هناك فراغٌ سياسي كبير، وباتت الأمة لأول مرة بدون رأس، فضلًا عن حملة التغريب والتشويه الكبير للإسلام التي رافقت ذلك والتي كانت تهدف لتذويب الأمة في ثقافة محتليها.

وثمة فروضٌ ومصالح لأهل الإسلام لا يجوز إهمالها؛ كمقاومة الأعداء الذين يستهدفون الدين وأهله، وهذه الثغور أكبر من قدرة الأفراد، ومن ثم هُرِع كثيرٌ من المصلحين لسد ما أمكن سده من الفجوة والفراغ السياسي الحاصل، والتصدي لمحاولات التغريب وسلخ المسلمين عن دينهم، ومحاولة تجميعهم لمقاومة العدو، والحفاظ على تدين الناس، وذلك من خلال تأسيس جماعات وأحزاب إسلامية تدعو لإعادة الخلافة عبر العودة للكتاب والسنة، وحمل الدين بقوة.

ولهذا رأينا تَأَسُّسَ جماعةِ أنصار السنة المحمدية على يد الشيخ محمد حامد الفقي سنة 1926م، وجماعة الدعوة والتبليغ على يد الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي سنة 1926م أيضًا، وجماعة الإخوان المسلمين على يد الأستاذ حسن البنا سنة 1928م.

وهذه حسنةٌ ضخمةٌ تُحسب لمُصلِحِي ذلك الزمان إذ إنهم استطاعوا في غضون أربع سنوات من إعلان سقوط الخلافة أن يوجدوا بديلًا يقوم بما أمكن من الثغور الواجبة.

وبعد فشل الاحتلال المباشر في حسم مادة الشعوب وزيادة التكلفة وأمور أخرى يضيق المقام عن بيانها تحول المحتل من طور الاحتلال المباشر إلى طور الاحتلال بالوكالة، وبهذا زادت المسؤولية بحق الجماعات لتبدأ في مدافعةٍ داخليةٍ بحسب الممكن من الفعل.

وهذا يعني أن تأسيس الجماعات كان تجميعًا لأمة متفرقة وليس تفريقًا لأمة مجتمعة، ومن ثم فإنَّ من يفتي بمنعها وحرمة الالتحاق بها فلا ريب أن عقله ذاهلٌ عن ظروف التأسيس وعن السياق التاريخي الذي أنتج ظروف الحاجة إلى هذه الجماعات، وأنه مغترٌّ بالاستقلال الصوري الذي منحه المستعمر للدول.

وعلى ما تقرر؛ فإنَّ تسويغ الشيخ عثمان الخميس لانحراف الحركة بأنها حزبيَّةٌ يريك الخلل في النظارة التي يلبسها حين النظر إلى الجماعات وكذا إلى الأنظمة وهو الميزان الآتي الذي حصل فيه الخلل.

وصفوة القول:

إن الجماعات الإسلامية قد قامت لله قومةً عظيمةً، والكلام بخصوصها بحسب السياق الذي نشأت فيه ينبغي أن يكون عن الضوابط التي تحفظ الوجهة لتبقى في الاتجاه الذي أنشئت من أجله، بالإضافة إلى الضوابط والآداب التي تمنع من التعصب لمقررات الجماعة على حساب الحق، ومن ثم يحصل الولاء والبراء عليها إلى غير ذلك من المنكرات التي تُنكر، وهذه المسألة تطرقت إليها في كتابةٍ لي لم تصدر بعد عسى أن ترى النور عن قريبٍ إن شاء الله.

 

الخلل الخامس: تكييف الأنظمة والحكام:

يرى الشيخ عثمان الخميس أن الحكام الذي يحكمون الدول الآن هم ولاة أمر شرعيون وأن الأنظمة بذلك أنظمة شرعية.

وهذا التصور لا يكفي في جوابه بضعة أسطر، وقد ذكرت قصة ذلك مبسوطةً في كتابٍ اسمه: “سبائك الشيطان” عسى أن يُنشر عن قريب إن شاء الله.

وامتدادًا لما ذكرته في الخلل الفائت فإنَّ بريطانيا وفرنسا حين قامتا باحتلال العالم الإسلامي في أعقاب إسقاط الخلافة العثمانية آلت تفاعلات الأحداث إلى أن تنسحبا من المشهد لصالح الولايات المتحدة ليتحول شكل الاحتلال من احتلالٍ مباشر إلى احتلال بالوكالة لثلاثة أسباب دفعت الولايات المتحدة إلى فرض ذلك عليهما بسطهما يطول.

وهذا يعني أن الذين قاموا بترتيب الأوضاع السياسية في الدول العربية والإسلامية قبل الاستقلال الصوري هم الكفار، والذين أوجدوا الطريقة والسياسات التي تحافظ على ألا يتولى منصب الرئاسة في أي بلد إلا من يكون تابعًا لهم ويحقق مصالحهم هم الكفار.

وهذا إذا تقرر لديك علمت أنَّ من يلي أمر المسلمين هم خلفاء عن الاستعمار لا خلفاء عن الرسول r، مما يعني أنَّ الفراغ السياسي لم يسد، وأنَّ حراسة المسلمين في عقيدتهم وشريعتهم وقيمهم ومبادئهم ما زالت مشروعًا مُشرَع الأبواب، يحتاج للمزيد من الطاقات من أبناء هذه الأمة.

وهذه النتيجة واضحةٌ جليةٌ لا تخفى على أيِّ معتنٍ بالتاريخ، وقد عاشها آباؤنا وأجدادنا ورأوها رأي العين والعهد قريب.

وهذا يؤكد من جديد أن الإشكال ليس في رأي الشيخ؛ وإنما في النظَّارة التي يلبسها؛ فهو إذا كان يرى أن الأنظمةَ القائمة أنظمةٌ شرعية، والحكامَ ولاةُ أمرٍ شرعيون، والجماعاتِ جماعاتٌ حزبيةٌ خارجةٌ عن حدود الشرع.. أفرزت هذه المقدمات الكلمات التي قالها بشكل تلقائي، ولا يسعه ليبقى منسجمًا مع نفسه إلا أن يتكلم بها.

 

الخلل السادس: اختلال النظر في مراتب الأعداء والمخالفين:

وبيان ذلك: أن مجموع كلام الشيخ فيما يتعلق بحركة حماس وبالدول ينبئ عن محورية خطر الرافضة الذي يعد معيارًا في التقييم بحيث يكون المُقدَّمَ على غيره.

فهو حين يتناول السعودية مثلًا لا يتكلم عن أن قادتها يرتمون في أحضان الولايات المتحدة وهم من النصارى الذين يقولون في عيسى u قولًا عظيمًا، ولا يفرق بين الشعب السعودي وبين النظام، كما أنه لا يتكلم أنهم يرتمون في أحضان الكيان الصهيوني عبر التعامل معه وهم من اليهود الذين يقولون في الله سبحانه أقوالًا عظيمة.

وهذا من أسبابه ما تقدم من أن بدعة الرافضة قد ملأت عقله حتى لا يكاد يرى غيرها، وجريًا على هذا فإن من يعترض على حركة حماس من السهل أن تجده يقول: إنهم يتعاملون مع الرافضة والرافضة هم الذين يسبون الصحابة ويفعلون كذا وكذا، ولكن حين الكلام عن الأنظمة فيندر أن تجد أحدًا يقيم نفس الميزان بأن يقول: هؤلاء الذين يتعاملون مع النصارى والنصارى هم الذين يقولون كذا وكذا، ومع اليهود وهم الذين يقولون كذا وكذا.

والأهم من مسألة الإنصاف باستعمال الميزان في حق الجميع أن يُتيقظ لمراتب المخالفين، وخلاصة القول في ذلك أن يقال: إنَّ الرافضة فرقةٌ مختلفٌ في حكمها إذ إن معتقدهم فيه كفرٌ كثير وإسلامٌ كثير، ولهذا اختلف السلف فيهم على قولين كالحال في الخوارج، وهذا بخلاف اليهود والنصارى فهم من الكفار الأصليين المجمع على تكفيرهم.

لا يُقال: إنَّ خطرَ الرافضة على أهل السنة شديد؛ إذ لا تلازم بين الضلال والخطر؛ فقد تجد قومًا ضالين ضلالًا كبيرًا ولا خطر يأتي من جهتهم، وقد تجد قومًا ليسوا على ضلالٍ أو ليسوا على كبير ضلالٍ وهم يشكلون خطرًا على المسلمين.

والقرآن الكريم يُصرِّح بأن اليهود والمشركين أشد الناس عداوة للذين أمنوا كما قال سبحانه: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82].

والرافضة وإن كانوا على ضلالٍ شديدٍ وعندهم من المكفرات ما عندهم إلا أنهم ليسوا أشد ضلالًا من اليهود والنصارى، وأما الخطر فإنه يختلف باختلاف الظرف والحال والبقعة والزمن.

ثم إنه لا يصح حين النظر إلى التحالف مع الرافضة أن يُقال: إن التحالف يقع مع يسب الصحابة y؛ فالقائل بهذا يلزمه أن يقول: إن النبي r أرسل أصحابه للحبشة الذين يقولون: إن عيسى إله أو ابن الله، وإنه تحالف مع يهود بني قريظة يوم الأحزاب ليقوموا بحماية المدينة من ناحيتهم وهم الذين يقولون: يد الله مغلولة، وإن الله فقيرٌ ونحن أغنياء.

فالجهات منفكةٌ في تركيب القول الفقهي، والأحكام الشرعية تتكامل ولا تتنافر.

ولهذا نقول اليوم: إنَّ الرافضةَ من جملة أعداء أهل السنة، وقد يكونون في بقعةٍ ما أشد خطرًا من اليهود والنصارى، ولكن من جهة الضلال فإن اليهود والنصارى أشد ضلالًا منهم، كيف والرافضة قوم مختلف في إسلامهم أما اليهود والنصارى فكفار أصليون، أما من جهة الخطر فيمكن أن تجد قومًا يقاتلون اليهود أو النصارى ولا علاقة لهم بالرافضة فيكون اليهود والنصارى أشد خطرًا كما أنهم أشد ضلالًا.

 

أكتفي بهذا القدر من مواضع الخلل في موازين النظر، وقد تركت الكلام عن بعض الموازين لئلا أطيل أكثر من الذي صرت عليه من الإطالة.

وعقب الذي تقرر لعله بدا أن كلام الشيخ مخترقٌ من عدة جهات، وإني لأحسب أن السبب في انتشار كلامه هو شهرة الشيخ لا قوة الكلام في نفسه.

ويعلم الله أني لم أفاجأ بكلام الشيخ قط؛ لأني أعلم طريقته وتصوراته من خلال قرائن عندي، وحين قرأت كتابه وتدارسته مع بعض طلبة العلم فهو جريٌ على الاستفادة من كلِّ عاملٍ للدين فيما أحسن وترك ما لم يحسن.

ولم أتطرق إلى مسألة التوقيت هل هو مناسبٌ أو لا؟ لأني أرى السواد الأعظم من أهل غزة ومجاهديها لا يكترثون بما يُقال عنهم، وهم في مشغلةٍ عن هذا.

بل أقول: تكاد تكون الحالة المعتادة لأهل الشام عامة وأهل فلسطين وغزة خاصة هي الخِذلان، ولهذا فأكثر أهل البلد لا يلقون بالًا لمن يذمهم ويشكك في عقيدتهم ومنهجهم لأنهم اعتادوا هذه اللغة، وأما الذين ينصرونهم ويتناقلون بطولاتهم فهم الذين يشدون انتباههم ويبدأون في متابعتهم وينتمون إليهم.

ومن أسرار ذلك: أن مادة الخِذلان حين تكون موافقةً للواقع فإنها تقتضي الدخول في نقاشٍ وأخذ ورد؛ لاتفاق الطرفين على الصورة واختلافهم في الحكم، ولكن حين تكون المادة في وادٍ والواقع في وادٍ آخر فلا يكون هناك موضعٌ للجدل فيزهد أهل البلد في الكلام، فآلت المشكلة في النظارة التي يلبسها من يتكلم ولو أزالها أو غيَّرها لاستقام الأمر واتضح.

هدانا الله لما اختُلِف فيه من الحق بإذنه.

والحمد لله رب العالمين.

([1]) مجموع الفتاوى (16/96).

[2])) صحيح البخاري، رقم الحديث: (7204)، صحيح مسلم، رقم الحديث: (210).

([3]) السنن الكبرى للبيهقي (13461).

إقرأ أيضا:(إنّما المؤمنون إخوة)!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى