مقالاتمقالات المنتدى

غزوة طوفان الأقصى وبعض آثارها المباركة

الكيان الصهيوني وأسئلة الوجود

غزوة طوفان الأقصى وبعض آثارها المباركة

الكيان الصهيوني وأسئلة الوجود

 

بقلم أ. عماد الدين عشماي (خاص بالمنتدى)

 

بعد سبعة أشهر من الحرب المتواصلة على قطاع غزة العزة فعلى جانب الضلال والاستعمار تتوالى الأسئلة الحيرى داخل الكيان الصهيوني، وتلهث أنفاس الصهاينة حكاما ومحكومين، سواء الموجودين داخل فلسطين المحتلة أو الموزعين على بلدان العالم المختلفة؛ وفي القلب منهم الولايات المتحدة الأمريكية التي تضم ما يقارب نصف اليهود في العالم، وعلى جانب الحق تتعالى صيحات الفرح ودعاء الصبر والرابطة والجهاد والأمل في تمام النصر الممزوجة بآلام المعارك التي خلفت آلاف الشهداء والجرحى وملايين الجوعى والمشردين،فالألم على الجانبين كبير، لكن شتان شتان بين الألمين: ألمنا نرجو فيه من الله الأجر الكبير وما لا يرجوا الصهاينة المحتلين، وألمهم حسرة عليهم وخيبة ولعنة من ربنا الإله القدير ويوم القيامة هم من المقبوحين.

فكل لحظة تمر تضع بصمتها على لب وجسد وعقل كل صهيوني غادر كما وضعت بصمتها على فلسطيني مجاهد في غزة العزة وفي عموم فلسطين: ما بين مجاهد مرابط بالنفس والمال، وما بين شهيد ارتقى لجنات ربه وجريح يرجو فضل ربه، ومرابط خلف المجاهدين يرعى الجريح ويواسي المريض والجائع ويربي الأطفال والنساء.

في هذا المقال نتحدث عن جردة أولى لهزائم وتخبط الصهاينة المحتلين؟

أولا: على الكيان الصهيوني أن يقرر ما الذي سيفعله في اليوم التالي لانتهاء الحرب، وماذا سيفعل بغزة هل يحتلها أم يسملها للخونة في القطاع من أيتام أوسلو وخونة دايتون؟ أم تسلمها لقوة دولية عربية متواطئة مع الاحتلال؟ أم تتركها لحماس مهزومين؟ أم تسلمها لبيتان جديد من داخل غزة أو القطاع؟ كل سيناريو يحمل ألغاما لا قبل للكيان وداعميه بفاتورته.

ثانيا: لم يعد لدى الكيان هذه الأريحية التي تلت نكبة العام 1948 ولا نكسة العام 1967 ولا الخطاب المزهو المتكبر في 27 سبتمبر 2023 في الأمم المتحدة للقاتل نتنياهو، فالأمر اختلف فمعدلات الهجرة العكسية في تزايد وفكرة ترحيل عرب 1948 تزداد تعقيدا فما بالهم بعرب غزة والضفة؟

ثالثا: يواجه الكيان لأول مرة في تاريخه تناقضا داخليا وخارجيا في ذات الوقت متعلق بعقيدته الصهيونية والرواية الصهيونية القائمة عليها التي تم ترويجها للعالم الغربي ولقطعان المستوطنين ويهود الشتات، فقد سقطت الرواية في أتون حرب الفجار التي شنها على غزة والعنصرية الفجة التي بدت من الأفواه وفوهات المدافع والطائرات فأسقطت زيف مقولات الصهيونية وروايتها الكاذبة التي استحوذت على القلوب والعقول وردهات المحافل الدولية عقودا طويله.

 وها هو السؤال الذي لطالما خاف منه القتلة المؤسسون يعود لواجهة الصدارة في الداخل وفي الخارج: هل كانت الصهيونية على حق؟ هل حقا لا يوجد شعب فلسطيني؟ هل حقا الأرض لليهود لا للفلسطينيين، فقد انفجرت الأسئلة في وجه الكيان ولا من اجابة؟

 والذي يجري في أروقة الأمم المتحدة وما نعيشه من موجات من التعاطف العاقل الواعي مع القضية الفلسطينية في الغرب الأوروبي والأمريكي وبقية العالم يؤشر لتغير حاد في الرؤية وبداية سقوط للرواية الصهيونية وصعود من جديد لرواية الحق الفلسطينية،

والأمر مماثل لحد كبير في قطاعات كثيرة في الداخل الصهيوني بدأت تشك في صحة وقوة الرواية الصهيونية على جلب الأمن لهم، وحسم مئات الألوف أمرهم وغادروا الكيان، ونسبة  غير قليلة من البقية الباقية  تتساءل عن معنى وجودها في كيان هش صار بين عشية وضحاها رهينة في يد ثلة قليلة من المؤمنين, لقد انقسم المجتمع اليهودي في الداخل والخارج انقساما عميقا حول جوهر الصهيونية التي كانت الملاذ الآمن من خلال خلق ما يسمى بالكيان الصهيوني وعودة اليهود إليه لأنها السبيل الآمن من معاداة السامية وخلق مجتمع يهودي كامل آمن، سقط ذلك كله لكن ما بعده غير معروف: معضلة ليس لها من حل سهل؟

رابعا: يعاني الكيان من أزمة رهيبة فيما يتعلق بالمسألة الديموغرافية فقد عاش القتلة مؤسسو الكيان على حلم وهدف خلق أكثرية يهودية في فلسطين، ولم يفلح في ذلك حتى كتابة هذه السطور، فكيف الحال والنازحون من الكيان بمئات الألوف، ومن يستعدون للنزوح والعودة إلى حيث جاءوا أكثر، وقد غيض معين الهجرة، وكل محاولات اختراع هويات يهودية التي عملوا عليها لسنين خلت تبخرت في الهواء بفضل غزوة طوفان الأقصى، فكيف إذن ستحقق دولة الكيان الصهيونية النقية في ظل الخلل الذي زاد في عدم التوازن بين قطعان المستعمرين وأهل البلد الأصلاء الذين تفوقوا عليهم في العدد وهزموهم في عقر المناطق التي يحتلونها، معضلة ليس لها من حل إلا طرد كل أهل فلسطين وأنى لهم ذلك اليوم؟؟

إن صهاينة فلسطين وصهاينة الشتات هما وجها المشكلة الديموغرافية للكيان وقد هزم في الوجهين: المستوطن اليوم سيفكر مليون مرة قبل أن يقدم على الاستمرار داخل الكيان، فهل لديه ترف انجاب اطفال خاصة العلمانيين والملحدين منهم في هذه الأجواء العاصفة بالكيان الذي لم يعد آمنا لهم فكيف بأولادهم وهم دنيويون لا يؤمنون بإله ولا رزق ولا يحزنون؟ وأما صهاينة الشتات فيكفي ما يحدث من تفاعل سلبي لليهود غير الصهيونيين، بل وقطاع من الصهاينة وما يرونه من تداعي حلم الصهيونية فهل يعقل أن يفكر أحدهم في زيارة خاطفة للكيان ناهيك عن الاستيطان فيه وإنجاب أطفال؟ كيان محموم عليه بالموت بيده أو بأيدينا.

خامسا: الآثار الاقتصادية السلبية الكبيرة والخطيرة على الكيان وتبعاتها الاجتماعية ستزيد من حالة التناحر الاجتماعي داخل الكيان، فارتفاع معدلات البطالة وتزايد توقف الأنشطة الاقتصادية وزيادة معدلات الفقر كلها عوامل تسرع من الضغط الاقتصادي اليومي على افراد الكيان، وتزيد من المنافسة على فرص العمل القليلة مما سيؤدي لزيادة معدلات النزوح من الكيان وتوقف أي مدد للهجرة، واحتياج الكيان لعمالة فلسطينية خاصة أن فرص استيراد عمالة من غير اليهود من دول أخرى تتضاءل بعد ما حدث في غزوة طوفان الأقصى.  وهو ما يعني سقوط أسطورة صهيونية العمل التي كانت شعار بن جوريون الذي وجهه للصهاينة بألا يعتمدوا على اليد العاملة الفلسطينية، ولو أضفنا احتمالات تدهور الدعم المالي والسياسي للكيان من يهود الشتات خاصة أمريكا بعد جرائمه العدوانية سنجد أن مأزق الكيان يزداد صعوبة ومحاولات إنقاذه مكلفة للغاية.

سادسا: بقاء الدولة الصهيونية اليوم وتحقيق السلام مع الفلسطينيين واستمرار الهجرة من الشتات وتحقيق الأمن كلها أهداف يضرب بعضها بعضا ويستحيل الجمع بينها،خاصة بعد السقوط الأخلاقي للكيان في نظر داعميه الرئيسيين من اليهود والغربيين، ولم يعد له من داعم سوى اليمين المسيحي الصهيوني والصهيونية اليهودية وقيادات الغرب والعرب المتصهينين، وأي حل على غرار مدريد أو أوسلو لن يجدي شيئا فما بالنا وقادة الكيان يرفضون تمام العودة لهذه الحلول ويرونها تؤذي أمن الكيان؟

سابعا: الصراع الرهيب الذي بدأ على استحياء منذ عقود بين الصهاينة المتطرفين من المتدينين والعلمانيين الدهريين من غالية أفراد الكيان الصهيوني والذي ازدادت حدته في السنوات الأخيرة، وظهر جليا بعد غزوة طوفان الأقصى، وما سيؤدي إليه من سعار داخل المجتمع الصهيوني وخلافات لن تصل لنهايتها إلا بانتصار فيصل على آخر، وفي كلتا الحالتين سيكون مستقبل الكيان على المحك: فإن انتصر المتدينين المتطرفين انتهت العملية السلمية وسقطت واحة الديموقراطية الغربية في فخ العنصرية الصريحة لدى العالم أجمع، وإن انتصر الطرف العلماني اشتعلت الحرب مع المتدينين المتطرفين لأن استسلامهم يعني  سقوط كل دعاوى الأرض المقدسة وبيت إسرائيل وأرض إسرائيل، وفي الحالتين سيواجه الكيان حالة موت مؤكد يؤخرها فقط الدعم الامريكي الاوروبي والأنظمة العربية إلى حين غير بعيد.

ثامنا: مظلة الحماية العربية التي عاش الكيان عقودا طويلة ينسجها مع الملوك والرؤساء والمشيخات الخائنة سقطت مع غزوة طوفان الأقصى ومحاولات انقاذ الكيان بتطبيع سعودي او تواطؤ مصري او اردني او خليجي او مغربي، وحتى لو طبعت كل النظم العربية فسوف يؤدي ذلك لتزايد فرص زوال الكيان لا استقراره وأمانه إلا في حالة واحدة وهي: زوال الشعوب العربية أو تحولها لكائنات استهلاكية لا دين لها ولا عزة ولا كرامة، وحتى لو تحقق ذلك فالكيان يعلم ان الله سيأتي بقوم يحبهم يحبونه بخلاف العرب، مع تناسينا أن في غزة العزة والقدس والضفة رجال صدقوا سيتأصلون هذا الكيان وكل من يحتمي به أو يحامي له.

تاسعا: بعد سبعة أشهر من الحرب في غزة، تم الحفاظ على الهدوء بين القطاعين اليهودي والعربي في الكيان الصهيوني – حتى خلال شهر رمضان، وفي ظل الواقع القاسي للحرب المستمرة ستؤدي السياسة العنصرية الفاجرة للكيان إلى تقويض استقرار هذه العلاقات الحساسة. ولا توجد أي سياسة  متفق عليها وعادلة لكيفية معالجتها؟

فهناك الكثير من المخاطر التي يمكن أن تقوض العلاقات بين الصهاينة والعرب وستؤدي إلى مواجهات عنيفة. ومن ذلك: المعاناة التي يشعر بها المواطنون العرب بسبب الخسارة والدمار والكارثة الإنسانية في غزة؛ والشعور المتزايد بالغربة عن دولة إسرائيل وأغلبيتها اليهودية؛ وانخفاض الأمن الشخصي الناجم عن الجريمة؛ والوضع الاقتصادي والقيود المفروضة على حرية التعبير.. وقد ظهرت أولى بوادر ذلك خلال المسيرات التي أقيمت في بعض البلدات العربية بمناسبة يوم الأرض (30 مارس/آذار)، حيث احتج الناس على الوضع في غزة وطالبوا بوقف الحرب، وهذه معضلة أخرى لا يدري قادة الكيان حلال لها ولا يتفقون على خطة لمعالجتها، وستنفجر في وجوهم أيا ما كانت الاستراتيجية والخيارات التي سيبنونها للتعامل معها.

عاشرا: تتبنى الجماعات اليهودية اليمينية المتطرفة داخل إسرائيل وجهات نظر معادية للعرب بشكل علني. وهؤلاء المتطرفين والقتلة، الذين تغذيهم الشرعية التي يمنحها بعض كبار المسؤولين الحكوميين من المتطرفين، ينظرون إلى المواطنين العرب كجزء من “العدو الفلسطيني”، وهم على استعداد للدخول في مواجهات معهم وقتلهم بحجة الدفاع عن اليهود. إن حيازة المدنيين اليهود الإسرائيليين للأسلحة على نطاق واسع منذ بداية الحرب يزيد من حدة التوترات ويزيد من احتمال وقوع أعمال عنف بين اليهود والعرب. ولا توجد معالجة مقبولة ولا يسيرة لهذه القضية، ولن توجد إلا بشرخ جديد يكسر وحدة الكيان الهشة أصلا.

حادي عشر: ليس أمام الكيان الصهيوني سوى أحد خيارين: إما أن يصل إلى اتفاق وأما يتعرض للزوال، والخيار الثاني هو الأكثر تحققا في الأفق القادم لأن أي اتفاق لن يكون سوى محاولة لإطالة عمر الكيان بضع سنوات أو عقود.

ثاني عشر: يعد يوم 7 اكتوبر وعام 2023  عاما فاصلا في تاريخ الكيان الصهيوني حيث عاد الكيان للمربع صفر فيما يتعلق بمسألة وجوده ومسألة وجود الشعب الفلسطيني وحقه في أرضه المسلوبة وحقوق العرب والمسلمين في حقوقهم غير المنقوصة في أرض فلسطين. لقد دارت عجلة التاريخ الذي يرعاه الله في الاتجاه المعاكس بجهاد المرابطين الصادقين في اتجاه خلق الدولة الفلسطينية من جديد

لقد ضرب زلزال غزوة طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر مجتمع الكيان الصهيوني في مقتل، وسيظل هذا المجتمع وقياداته يعيشون هول الصدمة التي تلت ذلك وسيظل الارتباك العميق والخوف يلازم كل ساكن في هذا الكيان الغاصب المغتصب للحق الفلسطيني والمقدسات الإسلامية

النصر قادم لكن عليننا التحقق بشروطه: غزة العزة قامت وتقوم بما افترضه الله عليها رجالا ونساء فمتى نقوم بواجباتنا تجاههم وتجاه مقدساتنا وأرضنا وديننا؟؟؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى