مقالاتمقالات مختارة

غزوات وفتوحات في شهر الانتصارات (2-3)

بقلم محمد عبد الرحمن صادق

إن شهر رمضان ما عُرف عنه إلَّا أنه شهر الإيمان والتقوى، وكذلك عُرف عنه أنه شهر الغزوات والمعارك والفتوحات؛ فالإيمان يمدُّ صاحبَه بقوة تجعله يَقتلع الجبالَ من مكانها، ويخوض البحار وعبابها.

تحدثنا في اللقاء السابق عن بعضَ أغراض الجهاد في الإسلام.

كما تحدثنا أيضاً عن بعض أخلاقيات المجاهدين.

وطوَّفنا سريعاً حول فتح مكة والدرس المستفاد منه.

2- غزوة بدر

تُعدُّ غزوةُ بدر أولَ معركةٍ من معارك الإسلام الفاصلة، كانت يوم 17 رمضان عام 2 هـ، وقد سُمِّيَت بهذا الاسم نسبةً إلى مَنطقة بدر التي وقعَت فيها الغزوة بين مكة والمدينة.

بلغ عددُ المسلمين في غزوة بَدر ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، معهم فَرَسان وسبعون جملًا، وكان تعدادُ جيش قريش ألفَ رجلٍ، معهم مائتا فرس؛ أي: كانوا يشكِّلون ثلاثة أضعاف جيش المسلمين من حيث العدد تقريبًا.

ظهر تأييد الله للمسلمين في هذه الغزوة؛ حيث أبلوا بلاءً حسنًا، وأظهَروا بطولات قَلَّ أن تتكرَّر، وكذلك أنزل الله تعالى ألفًا من الملائكة نصرة للمسلمين.

انتهت غزوة بَدر بانتصارٍ عظيم للمسلمين، وقُتل كثير من صناديد قريش في الغزوة، وكان عدد مَن قُتِل من قريش سبعين رجلًا، وأُسر منهم سبعون آخرون، أمَّا المسلمون، فلم يُقتل منهم سوى أربعة عشر رجلًا.

من الدروس المستفادة

إن إرادة الله هي الغالبة وهي الأفضل لعباده فلو تمكن المسلمون من عير أبو سفيان وفقط لروى التاريخ عن قصة سطو مُسلح قام بها المسلمون طمعاً في أموال قريش ولكانت الصورة غير ما رأينا تماماً.

بيَّنت الغزوة مدى قوة المسلمين وصحة منهجهم وهزيمة عدوهم وكسر شوكته مما جعل المسلمين رقماً صعباً جديداً في جزيراً العرب لا يُبرم فيها أمر إلا وهم طرف فيه.

كانت غزوة بدر أول تطبيق عملي للجانب التربوي الذي تربى عليه الصحابة من أول البعثة إلى تاريخ الغزوة لأن من أهداف الجانب التربوي هو النجاح في الجانب السياسي والعسكري ولا غنى لأحدهما عن الآخر.

رسمَت غزوة بدر لأجيال الأمَّة صورًا مُشرقة ومشرِّفة في الولاء والبراء، وجعلت خطًّا فاصلًا بين الحقِّ والباطل، فكانت الفُرقان النَّفسي والمادِّي، والمفاصلة التامَّة بين الإسلام والكفر دون مهادنة ولا مماطلة.

رسخت غزوة بدر مفهوم أن النَّصر لا يتعلَّق بالأسباب المادية وفقط بقَدر ما يتعلَّق بتوفيق الله تعالى لعباده، فالأسباب وإن كان مأمورًا بها شرعاً فإن أعظم أسباب النَّصر هو التضرُّع إلى الله تعالى، وحسن الظن به سبحانه وبمعيته وبتوفيقه.

3- فتح عمورية

كانت وقعة عمورية عام 223هـ؛ حيث قام ملِك الروم توفيل بن ميخائيل بغَزو مدينة صغيرة على أطراف الدولة العباسيَّة في عهد الخليفة المعتصم بالله، وأوقع بأهلها مَقتلة عظيمة، وأَسر ألف امرأة مسلِمة، وقام بتقطيع آذان الأسرى وأنوفهم وسمل أعينهم.

استنجد المسلمون بالمعتصم، فغضِب غضبًا شديدًا، ونادى في المسلمين: يا خيل الله اركبي، وأرسل لملك الروم رسالةً يقول فيها: “من المعتصم بالله أمير المؤمنين إلى كلب الروم: لأرسلنَّ لك بجيش أوَّله عندك وآخره عندي”.

خرج المعتصم إلى بلاد الروم، وتجهَّز جهازًا لم يتجهَّز مثله خليفة قبله من السلاح والعدد، ثمَّ دخل بلادَ الروم، فأقام على (سلوقية) قريبًا من البحر، ودبَّر النُّزول على أنقرة، فإذا فتحها الله تعالى صار إلى عموريَّة؛ إذ لم يكن شيء ما يقصد له من بلاد الروم أعظم من هاتين المدينتين.

سار المعتصم مع قواده في خطَّة محكمة، حتى صاروا من أنقرة على مسيرة ثلاث مراحل، فهرب أهل أنقرة وعظماؤها، ونزل بها المعتصم وقوَّاده فأقاموا بها، ثم تابع المسيرَ إلى عمورية.

تحصَّن أهل عموريَّة وراء أسوارها، إلا أن المعتصم نصب المنجانيق، وأمر بضرب السور، فانفرج السور من موضع وسقط، فلما كان اليوم الثالث، وكثرت الجراحات في الروم، قرَّر صاحب عمورية أن يخرج هو وأصحابه إلى المعتصم ليسألوه الأمانَ لأنفسهم ففعل، وكان فتحًا إسلاميًّا كبيرًا.

من الدروس المستفادة

أن أعداء الإسلام حين يتمكنون من المسلمين لا يرقبون فيهم إلا ولا ذمة بل يبالغون في إيذائهم وتعذيبهم عن عقيدة راسخة لديهم وهي ( ليس علينا في الأميين سبيل ) فهم يستحلون أموال وأعراض وأرواح العرب عامة والمسلمين منهم خاصة وفي عقيدتهم أنهم لن يُحاسبوا على ما يقترفونه في حق هؤلاء وهذا ما يروجون له فتجد الاضطهاد والقتل والتطهير العرقي وكل أنواع الجرائم تمارس ضد المسلمين في كل مكان تحت هذا المعتقد.

لابد للحق من قوة تحميه إذا انتهكت حدوده أو حرمات أهله حيث كان رد المعتصم قوياً مزلزلاً يليق بطبيعة الحدث لكي يرتدع الأعداء وليكونوا عبرة لغيرهم.

لابد من حسن الاستعداد ودوام الجاهزية للمواقف المفاجئة حيث Yن المعتصم أعد في الحال جيشاً لم يتجهَّز مثله خليفة قبله من السلاح والعدد.

في المواقف الحاسمة تكون لغة القوة هي اللغة المسموح بها مع التحلي بالحكمة والاتزان والبعد عن التهور والعشوائية.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى