مقالاتمقالات مختارة

غزوات وفتوحات في شهر الانتصارات (1-3)

بقلم محمد عبد الرحمن صادق

إن شهر رمضان ما عُرف عنه إلَّا أنه شهر الإيمان والتقوى، وكذلك عُرف عنه أنه شهر الغزوات والمعارك والفتوحات والانتصارات؛ فالإيمان يمدُّ صاحبَه بقوة تجعله يَقتلع الجبالَ من مكانها، ويخوض البحار وعبابها.

في هذا الشهر المبارك كانت (غزوة بدر – فتح مكة – معركة فتح الأندلس – معركة بلاط الشهداء – معركة فتح عمورية – معركة عين جالوت – معركة فتح قبرص – معركة المنصورة – حرب أكتوبر… إلخ).

سنتناول بإيجاز بعضَ أغراض الجهاد في الإسلام؛ حيث الجهاد لم يكن تعطُّشًا للدِّماء، ولا رغبة في التخريب والدَّمار، إنما كانت طمَعًا في الأجر والثواب، وإزالة كل الطَّواغيت التي تقف حائلًا بين الناس وبين دين الله تعالى.

سنتناول أيضاً بعض أخلاقيات المجاهدين لبيان أن الحرب في الإسلام لها غايات نبيلة نظيفة وليست كما يدعي الأفاقين.
وسنتناول بإيجاز بعض النَّماذج للغزوات والفتوحات التي تمَّت في هذا الشهر المبارك لكي تكون نِبراسًا وعلامات مضيئة على طريق مَن يسلكون طريق الجهاد لإحياء مجد الأجداد.

♦ أولاً: بعضَ أغراض الجهاد في الإسلام:-

قال تعالى: “وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ” (البقرة 193).
عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أُمرتُ أن أُقاتل الناسَ حتى يَشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصَموا منِّي دماءَهم وأموالهم إلا بحقِّ الإسلام وحسابهم على الله تعالى” (متفق عليه).

♦ ومن أهم الأغراض للجهاد في الإسلام:

1- تَنفيذ أمر الله تعالى بالقيام بهذه الفريضة بحقِّها وضوابطها التي شرعها الله وفصَّلها النبي ﷺ.

2- دفع بأس أعداء الإسلام، وكَسر شوكتهم لإظهار دين الله الحق، وعِصمة الناس من فِتنة الشِّرك، والعمل على استتباب الأمن في المجتمع.

3- إنقاذ المستضعفين، ورعاية حقوقهم، وصون أنفسهم ودينهم وأعراضهم من عبَث الظالمين وكيدِ الكافرين.

4- تحصيل الأجر والثواب والفوز بإحدى الحُسنيين؛ إما أن تعيش كريمًا، وإما أن تصنع لنفسك حياة مع الكرام البررة.

♦ ثانياً: أخلاق المجاهدين في حروبهم

إن للمسلمين أخلاقًا في حَربهم لا تتوفَّر في غيرهم؛ فهي حرب نَظيفة، ولغايةٍ سامية، وليست حربَ إبادة؛ كما يسمُّونها في أيامنا هذه.

قال تعالى: “وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ”.

أوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه جيش أسامة فقال: “يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني : لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيراً أو شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نحلا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منها شيئا فاذكروا اسم الله عليها، وتلقون أقواماً قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فأخفقوهم بالسيف خفقا، اندفعوا باسم الله”.

مما سبق نعلم أن الإسلام لا يعرف ما يسمونه حرب إبادة، ولا يعرف ما يسمونه الأسلحة المحرمة دولياً، ولا يعرف ترويع المسالمين ولا يعرف الاعتداء دون وجه حق على إنسان ولا حتى على حيوان.

♦ ثالثاً: بعض الغزوات والفتوحات التي تمت في رمضان

1- فتح مكَّة:

تمَّ فتح مكة عام 8 هـ، وكان سببه أن قريشًا نقضَت الصُّلح الذي عقدَته مع المسلمين في الحديبية.

لمَّا نزل الرسولُ ﷺ بمكة واطمأنَّ الناسُ، جاء الكعبةَ فطاف بها، وجعل يَطعنُ الأصنامَ التي كانت حولها بقَوس كانت معه، ويقول: “جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا” (الإسراء 81) .

كان من نتائج فَتح مكَّة دخول كثيرٍ من أهلها وسادتها الإسلامَ؛ ومنهم أبو سُفيان بن حرب، وزوجتُه هند بنت عُتبة، وكذلك عكرمة بن أبي جهل، وسُهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية، وأبو قحافة والد أبي بكر الصديق رضي الله عنه… وغيرهم كثيرين.

قال ابن القيم رحمه الله: “… هو الفتح الذي استبشَر به أهلُ السَّماء، وضربت أطناب عزِّه على مناكب الجوزاء، ودخل الناس به في دين الله أفواجًا، وأشرق به وجه الأرض ضياءً وابتهاجًا”.

• من الدروس المستفادة: أن كل التضحيات التي سبقَت الفتح لم يضيِّعها الله ولم تذهب سُدًى؛ فلقد كانت أقساطًا تدفع ثمنًا لهذا الفتح وهذا التمكين، وتلك هي سُنَّة الله تعالى في عباده… لا نصر بدون إسلامٍ صحيحٍ، ولا إسلام بدون عبوديَّة لله تعالى، ولا عبوديَّة بدون بَذل وتضحية وجهاد في سبيل الله تعالى.

وللحديث بقية في الحلقة الثانية إن شاء الله تعالى

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى