غرانيقيون جدد
بقلم محمد الهادي الحسني
سمعت من أحد “محتكري الوطنية” وقرأت له (م. ق)، وقرأت لأحد الشيوعيين (م. ح) أن الإمام عبد الحميد ابن باديس قال: “الشيوعية هي خميرة الشعب الجزائري”، وقال داعيا الله عز وجل: “اللهم اجعلنا في الدنيا من أصحاب اليسار، وفي الآخرة من أصحاب اليمين”.
لكل واحد من هذين الشخصين هدف خاص ولهما هدفٌ مشترك، فهدف “محتكر الوطنية”، الذي كان يسمي نفسه “الشاب الظريف”، وما من شبه بينه وبين الشاب الظريف الحقيقي غير الذي تحدثه “أم الخبائث” في عقل عاقرها، إذ كل منهما كان “نُوَاسِيًّا”، هدفه تشويه صورة الإمام ابن باديس عند الشعب الجزائري، لأنه اختلف سياسيا مع زعيمه “الأمِّي”، وهدف “التقدُّمي” هو تبييض أعمال ما كان يُسمى “الحزب الشيوعي الجزائري”، الذي كان “نسخة” للحزب الشيوعي الفرنسي، الذي كان ينكر – ومعه الشيوعيون الجزائريون – وجود الأمة الجزائرية، وأقصى ما بلغه “اجتهاد نبيّهم” موريس طوريز في القضية هو أنها أمَّة في طور التكوين وأنها ستكون “شكشوكة” من “عشرين عرقا”.
وأما الهدف المشترك بينهما فهو صرف الجزائريين عن الإمام الصالح في نفسه، المصلح لشعبه، ليتصرفوا في حالهم ومآلهم بما تهوى أنفسُهم.
إن الجملة “اللهم اجعلنا…” على فرض أنها صدرت عن الإمام ابن باديس فيسارُه غير “شِمال” الرفاق، الذين يستقبلون موسكو، ويستدبرون مكة.. فاليسار في “لسان العرب” غير (la gauche) في لسان العجم، وهو ضد “العسر”، في المعويات وفي الماديات..
من أمثال العرب قولهم: “وما آفة الأخبار إلا رواتُها”، ومن أقوال حكيم المعرة:
هل صَحَّ قولٌ من الحَاكِي فنقبله
أما كل ذاك أَبَاطِيلٌ وأسمار
أما العقول فآلت أنه كَذِبٌ
والعقل غَرْسٌ له بالصدق إِثْمَارُ
شخصيا لقد سالت الأحياء من تلاميذ الإمام ومعاصريه، وتشرفت بالتتلمذ على بعض تلاميذه، ومصاحبة بعضهم – ظَعْنًا وإقامة – واستقصيت ما تركه الأموات من كتابات، عما نُسب للإمام ابن باديس، فما وجدت ذلك إلا عند من ذكرت، وما أعرف من أحدهما مُعَاشَرَةُ، وعن الآخر مخابرة يجعلني أجزم أن ما قالاه وما كتباه “أضغاث أحلام”، أوحى بها “من يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم”، وتَنَزًّلَتْ به شياطين الإنس عندما تلعب “الصهباء” بعقول ذوي العقول…
إن مثَلَ هؤلاء المتقوِّلين على الإمام ابن باديس كمَثَلِ أولئك “الغرانيقيين” الذين حاولوا أن يدخلوا قولا ضليلا في النص القرآني حيث كذبوا على الله – عز وجل – وعلى رسوله – صلى الله عليه وسلم – إذ قالوا إن محمدا – عليه الصلاة والسلام – قرأ قوله تعالى: “أفرأيتم اللات والعزى، ومَنَاةَ الثالثة الأخرى”، ثم زعموا أنه أضاف قوله: “تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لتُرتجى”، فكأنه خلط خبيثا بطيب، وحقا بباطل، وهدى بضلال… وما ينبغي لمحمد أن يفعل ذلك، كما لا ينبغي لابن باديس أن يشيد بضَلاَلِ وضُلَّالٍ.
وصدق الشاعر الأندلسي مؤمن بن سعيد إذ يقول:
ما كل ما قيل كما قيلا
فقد باشر الناس الأباطيلا.
(المصدر: صحيفة الشروق الالكترونية)