مقالاتمقالات مختارة

عودة حروب المسلمين

عودة حروب المسلمين

بقلم عبد الرحمن جعفر الكناني

جرى العقل الأمريكي الحاكم وراء أفكار نظرية سطرها منظرون أوهموه أن العالم الإسلامي، خاصة العرب، يطغي عليهم إحساسٌ قوي من الحزن والاستياء والحسد والعدوانية تجاه الغرب وثروته وقوّته وثقافته.

إدِّعاءٌ نظري آمن به العقل الأمريكي الحاكم أدى إلى إثارة عداء العالم للعرب والمسلمين باعتبارهم يضمرون الحقد والكراهية للثقافة وروح العصر الغربي الجديد، ويتأهَّبون لخوض صراع حضاري يستهدف مستقبل الحضارة الغربية التي لا تتفق مع نظم قيمهم وثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم.

إدِّعاءٌ عززته نظرية “صدام الحضارات” التي أطلقت عنوانها العريض: “حروب المسلمين المعاصرة” لتبرير الإحساس بالمخاطر التي تفترضها، فجعلت العقل الأمريكي يرى بعين قاصرة:

“إن حروب المسلمين المعاصرة احتلت مكانة الحرب الباردة كشكل أساسي للصراع الدولي وهذه الحروب تتضمن، حروب الإرهاب، حروب العصابات، الحروب الأهلية، الصراعات بين الدول”.

دلائل يستشهد بها منظرو السياسة الأمريكية، هي حصيلة الأرقام والتقارير التي تصدر عن وزارة الخارجية الأمريكية والمعاهد الدولية التابعة لأجهزة مخابراتها، وأبرزها حصاد سنة 2000، إذ شهد العالم 32 صراعا مسلحا حدث بشكل متلاحق وكان المسلمون طرفا في أكثر من ثلث هذا العدد، وهذا ما جعل السياسيين والمنظرين يستنتجون أن “الحرب الجديدة” كما سماها المسؤولون في الحكومة الأمريكية لوصف أحداث 11 سبتمبر، ليست بجديدة فعلا، بل هي استمرارٌ وتصعيدٌ لأنماط سابقة من العنف الذي يتورط فيه المسلمون.

ألصق الحاكم الأمريكي  تهمة عودة الحرب من خلال المسلمين الذين اعتادوا “الممارسة الإرهابية” في نظره، متناسيا المسببات الحقيقية لكل ما يضجُّ به العالم من متناقضات وصراعات، وفي مقدمتها عربدة القوة الأمريكية بعيدا عن كل القيم القانونية والأخلاقية والإنسانية وهي تعمِّم نظم العولمة الجاهزة لتدمير الإرث البشري وخصائصه الحية وممارسات الكيان الإسرائيلي لأفظع أنواع الإرهاب والاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.

نظرياتٌ وجدت صدى بشريا لآياتها الشيطانية، دعت كبار سياسيي أوروبا وأمريكا إلى ضرب مراكز “الإرهاب الإسلامي”.. واستخدام القوة والعنف مع الدول المعارضة للسياسة الأمريكية، واعتبروا “إن الهيمنة الأمريكية على العالم هي صمامُ الأمان والاستقرار الدولي وأن أي خروج عن التوجُّهات الأمريكية أو معارضتها يعني تحديا للقوة الكونية الوحيدة.. ويجب أن يواجَه هذا التحدي بقوة حاسمة”.

تناسى العقل الأمريكي الحاكم الذي يتوخى الدقة في طروحاته المأخوذة من نظريات فكرية، إن حضارة الغرب التي أعلنت عن قيم إنسانية تقدس الحرية والإنسان وحقه في الحياة، والمساواة بين الشعوب، وتعزيز منطق السلام، تحيا في ظل ازدواجية حضارية وأخلاقية تؤكدها تلك المسافة الفاصلة بين تلك القيم المبدئية وحقيقة الدوافع التي تحرِّك سياستها وممارساته مع شعوب العالم، فالأمريكي المعاصر يتحرك بنظرة فوقية استعلائية تنطوي على احتقار وكراهية خص بهما العرب والمسلمين بعد فشل محاولته اليائسة لدمجهم في حضارته القائمة على فكر استهلاكي مجرد، وعجزه عن تليين الصلابة الكامنة في الخصوصية العربية والإسلامية، والقابلة في ذات الوقت بملامح شخصية حضارية متجددة على فتح أبواب مرحلة مستقبلية جديدة تضمن المكانة الأرقى للإنسان في ظل التوازن الحضاري الغائب.

خطرٌ يهدد أمريكا قد تتلافاه لو أعادت رؤية مشهد سقوط إمبراطورية روما المتداعية الذي امتدَّ على ثلاثة قرون، بينما سقطت “الإمبراطورية الشيوعية” في عامين فقط، فعصرُنا الإنساني الراهن لم يعد يحتمل طويلا درجات الخلل في التوازن الحضاري والتي تنبئ بسقوط الحضارة الراهنة.

(المصدر: صحيفة الشروق الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى