عودة الأمة…ونهاية الفوضى الخلاقة!!
بقلم أ. سيف الهاجري
﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾
إن التحولات السياسية والإجتماعية في أمريكا وأوربا وصعود التيار الشعبوي والقومي ستلقي بظلالها على مستقبل الهيمنة الغربية على العالم العربي والإسلامي، وخاصة بعد قيام الثورة العربية التي هزت النظام الدولي الغربي الذي يحكم العالم منذ أربعة قرون، وهذا ما بدأت تدركه القوى الإقليمية الإسلامية كتركيا وباكستان وماليزيا وأندونيسيا وأخذت هذه القوى تستعد سياسيا وعسكريا وإقتصاديا لمواجهة الفراغ السياسي المتوقع خاصة في العالم العربي، وبالتالي فمستقبل الثورة العربية وتقدمها وصعودها من جديد مرتبط بشكل كبير على مدى إدراك قوى الثورة لهذه المتغيرات والإستفادة منها لتعود الثورة إلى صدارة المشهد السياسي في العالم العربي لتشكل هذا المشهد شعوبها بيدها لا بيد غيرها…
فإنه منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي ترامب سياسته الخارجية اتجاه أوربا وأمنها وبأن عليها أن ترفع مساهمتها المالية في حلف النيتو ومع صعود التيارات الشعبوية والقومية في أوربا ووصولها للحكم كما في إيطاليا والنمسا والمجر، والغرب يواجه أزمة كبرى في تماسكه وإستمراره في ظل أجواء سياسية وإقتصادية تذكر العالم بحالة أوربا قبل الحرب العالمية الثانية…
لقد جاء وصول ترامب للرئاسة الأمريكية مؤذنا بعودة التيار الأبيض الشعبوي والأصولي لقيادة الدولة العظمى ليدخل الغرب في صراع إجتماعي وسياسي داخلي بدأت فيه التيارات الشعبوية والقومية في التنسيق فيما بينها على ضفتي الأطلسي لينتقل مستشار ترامب للشئون الإستراتيجية الأسبق ستيف بانون إلى أوربا ويؤسس منظمة سياسية في بروكسل مقر الاتحاد الأوربي بهدف دعم التيارات القومية والشعبوية والتنسيق بينها لتقويض الاتحاد الأوربي الذي يرى هذا التيار بأنه عقبة أمامه لفرض سياسته الشعبوية على المؤسسات الدولية “مقابلة بانون مع رويتر https://tinyurl.com/ycaaxqcd”
لقد أدركت بريطانيا أثر هذه التغيرات السياسية والإجتماعية في أمريكا وأوربا القارة وخطورتها على مستقبل الاتحاد الأوربي ومستقبل العلاقات مع أمريكا والتي تعد في صلب إستراتيجية السياسة الخارجية لبريطانيا منذ أن أرسى تشرشل عام 1921م سياسة إحلال أمريكا مكان بريطانيا في مستعمراتها العربية وخاصة في فلسطين والخليج “سلام ما بعده سلام ص562- فرومكين” ولذا سارعت بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوربي لتحمي نفسها من آثار هذه الصراعات ولتحافظ على علاقاتها الإستراتيجية مع أمريكا لعلها تحافظ على شيء من نفوذها ومصالحها في العالم العربي…
كما سارعت ألمانيا وفرنسا لمواجهة تقدم هذا التيار المتطرف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الاتحاد الأوربي ومؤسساته ومحاولة تحديثه بما يتناسب مع الفراغ الأمني والسياسي الذي تواجهه أوربا، ففي ألمانيا أصدرت وزارة الدفاع الألمانية دراسة سرية نشرت صحيفة دير شبيغل الألمانية مقتطفات منها وحملت عنوان (المنظور الاستراتيجي-2040) تتنبأ بتفكك الاتحاد الأوروبي كأحد السيناريوهات المتوقعة مع حلول عام 2040م ”https://tinyurl.com/yatc4jt4 “، ولهذا سارعت المستشارة الإلمانية ميركل للتشاور مع شركائها الأوربيين خاصة فرنسا وبولندا للعمل على إنشاء جيش أوربي موحد لمواجهة التهديدات التي تواجهها أوربا “https://tinyurl.com/yd3nczbr “، وفي المؤتمر السنوي للسفراء الفرنسيين 2018م دعا الرئيس الفرنسي ماكرون أوربا إلى حماية نفسها من دون أمريكا ” https://tinyurl.com/ya2teuca “…
إن السياسة الغربية التقليدية اتجاه المنطقة تقوم على تبادل الأدوار فيما بين القوى الغربية لتحافظ على نفوذها وهيمنتها ومنع تحرر الأمة، ومع الثورة العربية وزلزالها الهائل اهتز النظام الدولي الغربي الاستعماري مما اضطره إلى إعطاء روسيا مساحة من النفوذ لمواجهة الثورة العربية ومنع تحرر المنطقة وخروجها من هيمنته…
لكن الثورة العربية استطاعت الصمود ورد الهجمة الدولية والإقليمية التي تنظمها غرفة العمليات الدولية المشتركة ، وتمكنت الثورة من استنزاف القوى الاستعمارية والنظام العربي والنظام الصفوى وإفشال مخططاتهم…
إن هذا الصمود الأسطوري للثورة العربية أرعب كافة القوى بعد أن زلزلت الثورة أركان النظام الدولي وبدأ بالتداعي والانهيار وظهرت تداعياتها على السياسات والعلاقات الدولية والمنظومة الإقتصادية العالمية…
لقد بدأت القوى الصاعدة كالصين والبرازيل والهند تترقب هذه الملحمة التاريخية ونتائجها وسارعت ليكون لها دور في بناء النظام الدولي من جديد والذي ستتحدد هويته وقواعده على ضوء نتيجة الثورة العربية والمقاومة التركية للقوى الاستعمارية ولذا دعت مجموعة البريكس تركيا للمشاركة في قمتها وفتح باب العضوية لها…
في ظل هذا كله يجب على قوى الثورة العربية الحذر مما تدعو إليه جماعات وقوى سواء إسلامية أو وطنية إلى المصالحة والقبول بالمبادرات السياسية سواء دولية أو إقليمية بحجة تراجع الثورة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فالأمة في كل ساحات الثورة لم تستشر هذه القوى في ثورتها ولم تثور الأمة حتى تتصالح مع الاحتلال والاستبداد وتعود لتعيش تحت ظلمه وطغيانه باسم الحلول السياسية والشرعية الدولية…
فالقوى الدولية مع انشغالها بالتحولات والصراعات الداخلية إلا أنها تسعى من خلال جماعات وقوى وظيفية تحالفت معها طوال القرن الماضي إلى اختراق حصون الثورة تحت جنح ظلام المبادرات السياسية التي تطبخ في الغرف المغلقة في العواصم الغربية كما في مؤتمرات جنيف بشأن سوريا، وفي روما وباريس بشأن ليبيا لتهيئة الطريق للجنرال حفتر، وفي تونس الذي رتبت العملية السياسية بعد الثورة بشقة في باريس لتأهيل نظام بن علي “انظر مقال: لقاء باريس الدروس والتحديات والآفاق للشيخ راشد الغنوشيhttps://tinyurl.com/y9wgsyba”
لقد أدخلت الثورة العربية القوى الاستعمارية ونظامها الدولي في فوضى خلاقة ولن تجدي معها المبادرات السياسية المشبوهة التي تطرحها هذه القوى منذ ثمان سنوات وهي من فشل تلو الآخر بفضل صمود الأمة…
إن من طبيعة الثورات التقدم والتراجع ولها موجات ومراحل والثورة العربية على موعد مع موجة ثانية يترقبها الجميع وتحذرها القوى الاستعمارية ولهذا تطرح هذه المبادرات السياسية برعاية دولية لاحتوائها…
ولذا في غاية الأهمية التزام قوى الثورة العربية سياسة المصابرة والمرابطة وعدم الاستعجال في دخول الترتيبات السياسية الدولية التي تسعى من خلالها القوى الدولية تبريد ساحات الثروة حتى تحسم هذه القوى طبيعة النظام الدولي القادم بدون أي دور للأمة فيه لتبقى على حالها كما كانت في النظام الدولي الحالي الذي ثارت عليه الأمة…
فالمستقبل والرهان الحقيقي ليس على واشنطن ولندن وباريس وموسكو بل على محور الثورة العربية والمقاومة التركية فالمستقبل له وسيكون له الدور الحاسم في تحرير المنطقة رسم المشهد السياسي فيها وعليه ضوء ذلك ستتشكل ملامح النظام الدولي القادم والذي سيشهد عودة الأمة إلى صدارة المشهد العالمي من جديد لتعود معها الحرية والعدل والمساواة والرحمة في العلاقات الدولية…
﴿أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾
(المصدر: موقع أ. سيف الهاجري)