بقلم خلدون مخلوطة
لا أظن أن هناك من يقدم خدمة مجانية للصهاينة اليهود مثل بعض المفكرين من العرب أصحاب الفكر الحداثي التنويري ، وذلك عندما يشككون بحادثة الإسراء للمسجد الأقصى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ويطعنون في الأحاديث الصحيحة الواردة في فضل المسجد الأقصى ، فبهذه الشكوك والمطاعن التي يرددونها فإنهم يقطعون صلة الأمة الإسلامية الروحية والتاريخية بهذا المسجد المبارك، وكذلك حقهم بهذه البقعة المباركة التي تضم بيت المقدس وأرض فلسطين كاملة .
يقول المهندس محمد شحرور : [ قال تعالى : {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً} إذا كان “أسرى” تعني السير ليلاً، لماذا لا يكون المقصود بأسرى “اتجه إلى السراة” وهي منطقة جنوب مكة، أي أين هو المسجد الأقصى؟
وقد يقول قائل : وماذا عن حديث “لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الاقصى ومسجدي هذا” ؟؟
نقول : لم يكن من الصعب على بني أمية اختراع ما يبرر نقل الحج إلى القدس عند سيطرة عبد الله بن الزبير على الحجاز في العصر الأموي .
وكل ما سبق لا يمنع أن يكون الإسراء صحيحاً من قبيل الرؤيا مثلاً ؟ ] .
#الجواب :
1- هكذا بكل بساطة يحرف معنى الآية الكريمة تحت شعار القراءة المعاصرة للقرآن الكريم فيعتبر معنى ” أسرى ” اتجه إلى السراة ، مع أنه باتفاق أهل اللغة والمفسرين أن “سرى ” هو السير ليلاً ، كما أورده هو بنفسه في مقدمة كلامه ، فما علاقة السراة ليقحمها في تفسير هذه الكلمة ؟
#المهم أن المهندس شحرور تحرَّر من كتب التراث “في اللغة والتفسير والحديث والسيرة والتاريخ والعقيدة” وألقاها خلف ظهره ليثبت عبقريته !!!
وبهذا يحقق إنجازا عظيما يؤدي إلى نهضة الأمة ورقيها !!
وإنه لإنجاز ما بعده إنجاز عندما يتجرد من هذا الإرث العريق لأمة الإسلام !!!
وإنه لقمة الإبداع أن ينبذ الأحاديث الصحيحة المستفيضة التي كشفت لنا عن تفاصيل هذه الرحلة المباركة !!
وإنه لسَبقٌ هائل في حرية الفكر أن يهجر ما تناقلته الأجيال ابتداء من الصحابة الكرام إلى عصرنا الحاضر لهذه المعجزة الربانية والكرامة الإلهية لنبنا صلى الله عليه وسلم .
2- ثم يردِّد ما قاله المستشرق اليهودي الألماني”جولد تسيهر” في كتابه (دراسات إسلامية) في اتهامه لعلماء الأمة والرواة الثقات من الصحابة والمحدثين في كذبهم على النبي صلى الله عليه وسلم عندما ألفوا حديث : (لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الاقصى ومسجدي هذا ) لإرضاء بني أمية لنقل الحج إلى القدس بدل مكة المكرمة .
وسبحان الله !! كنت كتبت مقالة نشرته على صفحتي قبل أسبوعين بتاريخ 7/4/2018 بعنوان :
#طعن_المستشرقين_وأتباعهم_من_العلمانيين_والتنويريين_في_السنة_النبوية_وأحاديثها_ورواتها وذكرت فيها ما كتبه (جولد تسيهر) في الطعن بالإمام الزهري واتهامه له بوضع الأحاديث إرضاءً لبني أمية، فقال : ( إن الإمام الزهري وضع لعبد الملك بن مروان حديث: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ” ومنها: الأقصى ، حتى يصرف الناس إلى المسجد الأقصى بدل مكة المكرمة التي كان فيها ابن الزبير ) .
وكان جوابي على ذلك : ( ومما يدل على بطلان ما قاله (جولد تسيهر) في أن عبد الملك بن مروان هو الذي أمر الزهري بوضع حديث ” لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ” :
أ- نصوص التاريخ قاطعة بأن الإمام الزهري لم يعرف و لم ير عبد الملك اثناء حياة ابن الزبير ، وقد ذكر الحافظ الذهبي أن الزهري وفد على عبد الملك بن مروان لأول مرة في حدود سنة ( 80 هـ ) ، و ذكر ابن عساكر أن ذلك كان سنة ( 82 هـ) ، فمعرفة الزهري ولقائه بعبد الملك لأول مرة كانت بعد مقتل الزبير على الأقل بسبع سنوات لأنه قتل سنة ( 73هـ) باتفاق المؤرخين ، و قد كان الزهري يومئذ شاباً بحيث امتحنه عبد الملك ونصحه أن يطلب العلم من دور الأنصار .
ب- هذا الحديث مروي في كتب السنة كلها و من طرق مختلفة عن طريق الزهري وغيره من الرواة الثقات ، فقد أخرجه البخاري عن أبي سعيد الخدري من غير طريق الزهري ، ورواه مسلم من ثلاث طرق إحداها من طريق الزهري ، وثانيتها من طريق جرير عن ابن عمير عن قزعة عن ابن سعيد ، و ثالثتها من طريق ابن وهب عن عبد الحميد بن جعفر عن عمران بن أبي أنس عن سليمان الأغر عن أبي هريرة .
فالإمام الزهري لم ينفرد لوحده براوية هذا الحديث .
لهذا لا غرابة إذا سمعنا المهندس محمد شحرور وهو يردد ما يقوله المستشرقون عندما قال : “إن الأحاديث الشريفة الصحيحة التي يتناقلها المحدثون الثقات قد وضعت في العهد الأموي والعباسي استجابة لمصالح الحكام السياسية” ) .
3- ثم يختم شبهاته وشكوكه فيقول : (وكل ما سبق لا يمنع أن يكون الإسراء صحيحاً، من قبيل الرؤيا مثلاً ؟)
#الجواب :
لو كانت رحلة الإسراء مجرد رؤية منامية فهل تحتاج لهذا لإنكار الشديد من كفار قريش ؟ فقد يرى الإنسان في منامه أشياء ويقصها للناس ولا تؤدي لإنكارهم .
إن كفار قريش فهموا عندما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أن الإسراء كان بجسده وروحه، لذلك أرادوا أن يجعلوا من هذه الحادثة دليلا ليشككوا في إيمان من صدقه واتبعه ، لهذا جاؤوا إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقالوا له : ( إن صَاحِبِكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ فِي اللَّيْلِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، قَالَ : أَوَ قَالَ ذَلِكَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : لَئِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ ، قَالُوا : وَتُصَدِّقُهُ أَنَّهُ ذَهَبَ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَجَاءَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ ؟ قال : نعم ؛ إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك ؛ أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة ) .
(المصدر: رابطة العلماء السوريين)